الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب بيع الأصول والثمار
أي باب أحكام بيع الأصول. جمع أصل وهو ما يتفرع عنه غيره. والمراد هنا الدور والأرض والشجر. وأحكام الثمار جمع ثمرة وهو حمل الشجر. وحكم الجوائح وما يتعلق بذلك. وذكر أهل العلم أن من باع دارًا شمل أرضها وبناءها وإن كانت مما فتح عنوة. كما تقدم. وإن باع أرضًا شمل غرسها وبناءها. أو بستانًا لأنه اسم للأرض والشجر. والحائط.
(وعن عثمان بن عفان) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من يشتري بئر رومة) مشهورة في العقيق ليس بالمدينة ماء يستعذب غيرها بخير له منها في الجنة (يوسع بها على المسلمين) وكانت لرجل من بني غفار يبيع منها القربة بمد فبلغ ذلك عثمان قال عثمان رضي الله عنه (فاشتريتها) من صلب مالي. ويأتي إن شاء الله في باب الوقف (حسنه الترمذي) فدل الحديث على جواز بيع البئر والعين وما في معنى ذلك. وتقدم قول الشيخ وغيره. إن من ملك ماء نابعًا كبئر محفورة في ملكه أو عين ماء في أرضه فله بيع البئر والعين جميعًا. وأنه يجوز بيع بعضها مشاعًا. وإن كان أصل القناة في أرض مباحة. فكيف إذا كان أصلها في أرضه. وأنه لا يعلم فيه نزاعًا.
(وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ابتاع) أي اشترى (نخلًا مؤبرة) أي مشققة وملقحة. والتأبير التشقيق والتلقيح.
وذلك أنه يشق طلع النخلة الأنثى ليضع فيها شيئًا من طلع النخلة الذكر. قال القاضي الحكم متعلق بالظهور دون نفس التلقيح بغير خلاف بني العلماء. واختار الشيخ أنه منوط بالتأبير. وأناطوه بالتشقيق لملازمته له غالبًا (فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع) أي المشتري بقرينة الإشارة إلى البائع. وذلك كأن يقول المشتري اشتريت الشجرة بثمرتها. وعن عبادة مرفوعًا "قضى أن ثمرة النخل لما أبرها إلا أن يشترط المبتاع".
فدل الحديثان وغيرهما على أن من باع نخلًا وعليها ثمرة مؤبرة لم تدخل الثمرة في البيع بل تستمر على ملك البائع. إلا أن يشترطها المبتاع. فتكون له. ودل بمفهومه على أنها إن كانت غير مؤبرة تدخل في البيع وتكون للمشتري ودل على أنه يجوز أن يشترطها. وعلى أن الشرط الذي لا ينافي مقتضى العقد لا ينافي البيع. وهذا مذهب جمهور العلماء. والبيع صحيح باتفاق أهل العلم. والنهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها المراد بها المستقلة. وهنا الثمرة تابعة للنخل. فتدخل تبعًا على القاعدة المشهورة.
قال الوزير وغيره اتفقوا على أنه إذا باع أصول نخل لا ثمر فيها فالبيع صحيح. وكذا اتفقوا على صحة البيع للأصول وفيها ثمر باد. وإن كان غير مؤبر. فقال مالك والشافعي وأحمد الثمرة للمشتري. وإن كان مؤبرًا فللبائع. إلا أن يشترط المبتاع اهـ. وكذا لو صالح بالنخل أو جعله أجرة أو صداقًا أو عوض
خلع. بخلاف وقف ووصية. وكذا حكم شجر عنب وتوت ورمان وجوز. وما ظهر من نوره كمشمش وتفاح. ومن أكمامه كورد وقطن. وسائر الأشجار قياسًا على النخل.
قال (ومن ابتاع عبدًا) وظاهره أو أمة (له مال) أي في يده ملكه سيده إياه. أو خصه به (فماله للذي باعه) لأن مال العبد لا يدخل في المبيع. ولاختصاص البيع بالعبد دون غيره (إلا أن يشترط) أي المال (المبتاع) في العقد فله (متفق عليه) وعن عبادة "قضى أن مال المملوك لمن باعه إلا أن يشترط المبتاع" وفيها دليل على أن مال العبد لا يدخل في المبيع حتى ثياب الزينة. ونسبه الماوردي لجميع الفقهاء وصححه النووي.
قال الماوردي إلا أن العادة جارية بالعفو عنها فيما بين التجار. وقوله "المملوك" ظاهر في التسوية بين العبد والأمة. فهو في الدلالة أشمل. وإن كان قصد المشتري المال الذي مع العبد اشترط علمه بالمال. وسائر شروط البيع. لأنه مبيع مقصود أشبه ما لو ضم إليه عينًا أخرى. ويشمل بيع دابة. كفرس لجامًا ومقودًا ونعلًا ونحوه في مطلق البيع. لجريان العادة به. فإن العمل في الغالب بالعرف في ذلك ونحوه.
(ولهما عنه نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار) جمع ثمرة وهي أعم من الرطب وغيره (حتى يبدو) بغير همز أي يظهر (صلاحهما أي حمرتها وصفرتها. وبدو الصلاح إذا ظهر ولو في شجرة،
إذا اتحد البستان، والعقد، والجنس، فيتبع ما لم يبد صلاحه بما بدا صلاحه. واكتفى ببدو صلاح بعضه. لأن الله امتن علينا فجعل الثمار لا تطيب دفعة واحدة. إطالة لزمن التفكه. فلو اعتبر في طيب الجميع لأدى إلى أن لا يباع شيء قبل كمال صلاحه. أو تباع الحبة بعد الحبة. وفي كل منهما حرج.
وقال ابن القيم إذا بدا الصلاح في بعض الشجرة جاز بيعها جميعها. وكذلك يجوز بيع ذلك النوع كله في البستان. وقال شيخنا يجوز بيع البستان كله تبعًا لما بدا صلاحه. سواء كان من نوعه أولًا تقارب إدراكه وتلاحقه أو تباعد. وفي الفروع واختار شيخنا بقية الأجناس التي تباع عادة كالتفاح. والعلة عدم اختلاف الأيدي على الثمرة. ولمسلم ما صلاحه قال "تذهب عاهته" وفي لفظ "نهى عن بيع النخل حتى تزهو. وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة" الآفة تصيبه. فيفسد.
(نهى البائع والمبتاع) أما البائع فلئلا يأكل مال أخيه بالباطل. وأما المشتري فلئلا يضيع ماله ويساعد البائع على الباطل. قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على القول بجملة هذا الحديث. وفي البخاري من حديث زيد بن ثابت "كان الناس يتبايعون الثمار فإذا جذ الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع إنه أصاب الثمر الدمان" وهو فساد الطلع وسواده "أصابه مراض" داء يقع في الثمر فيهلك. "أصابه قشام" أي تساقط "عاهات يحتجون
بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإما لا فلا تبتاعوا حتى يبدو صلاح الثمر".
(ولهما عن أنس نهى) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن بيع الثمار حتى تزهو قيل) يا رسول الله (وما زهوها قال تحمار وتصفار)، وذلك دليل خلاصها من الآفة. وإمارة الصلاح فيها. قال الخطابي لم يرد اللون الخالص من الحمرة والصفرة.
وإنما أراد حمرة أو صفرة بكمودة. وقال ابن التين ظهور أوائل الحمرة والصفرة قبل أن ينضج. وللخمسة "نهى عن بيع العنب حتى يسود" أي يبدو صلاحه "وعن بيع الحب حتى يشتد ويأمن العاهة" واشتداده قوته وصلابته. والمراد بدو صلاحهما.
وقال ابن المنذر لا أعلم أحدًا من أهل العلم يعدل عن هذا الحديث. وكذا لا يجوز بيع البطيخ ونحوه قبل بدو صلاحه وطيب أكله. وفي الصحيحين "نهى عن بيع الثمرة حتى تطيب" وفي نحو قثاء حتى يؤكل عادة. ويجوز البيع قبل بدو الصلاح بشرط القطع إذا كان المقطوع منتفعًا به كالخصوم إجماعًا. وأما بيع الرطبة والبقل والقثاء والباذنجان ونحوه لقطة لقطة فيجوز.
وأما ما سيوجد منها. فقال الشيخ الصحيح أن هذه لم تدخل في نهي النبي صلى الله عليه وسلم بل يصح العقد على اللقطة الموجودة واللقطة المعدومة حتى تيبس المقثاة. لأن الحاجة داعية إلى ذلك. فيجوز بيع المقاثي دون أصولها.
وقال ابن القيم ليس في كتاب الله ولا في سنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أن بيع المعدوم لا يجوز لا بلفظ عام ولا بلفظ خاص. بل صحح الشارع في بعض المواضع بيع الثمر. وإنما نهى عن بيع الثمار التي يمكن تأخير بيعها حتى يبدو صلاحها. فلم تدخل المقاثي في نهيه. وقال إنما نهى عن بيع الغرر. ولا يسمى هذا غررًا لا لغة ولا عرفًا ولا شرعًا. وأهل الخبرة يستدلون بما ظهر من الورق على المغيب في الأرض. والمرجع في ذلك إليهم. وأيضًا العلم في المبيع شرط في كل شيء بحسبه. وما احتيج إلى بيعه يسوغ فيه ما لا يسوغ في غيره. فيجيز الشارع للحاجة مع قيام السبب. كما أقام الخرص في العرايا مقام الكيل وغير ذلك.
(وقال إذا منع الله الثمرة فبم تستحل مال أخيك) بغير حق. وقيل إنه من قول أنس. وله حكم الرفع.
(ولمسلم عن جابر مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لو بعت) من أخيك (ثمرة فأصابتها جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا بمَ تأخذ مال أخيك بغير حق) وفيها دليل على وضع الجوائح لأن معناه أن الثمر إذا تلف كان الثمن المدفوع بلا عوض. فكيف يأكل البائع بغير عوض؟ إذ هو مال أخيه لا ماله. فلم يستحقه. وأجمعوا على أنه يفسد البيع قبل بدو الصلاح بشرط البقاء.
وهذه الأحاديث وما في معناها تدل على المنع من بيع الثمرة
قبل بدو الصلاح وإن وقوعه في تلك الحالة باطل. كما هو مقتضى النهي. وأجمعوا على عدم جوازه قبل خروجه. وظاهر النصوص أن البيع بعد ظهور الصلاح صحيح سواء شُرط البقاء أو لم يشرطه. لأن الشارع قد جعل النهي ممتدًا إلى غاية بدو الصلاح وما بعد الغاية مخالف لما قبلها.
(وفي رواية) لمسلم عن جابر رضي الله عنه (أمر) يعني النبي صلى الله عليه وسلم (بوضع الجوائح) جمع جائحة. وهي الآفة التي تصيب الثمار فتهلكها. من الجوح وهو الاستئصال. ولا خلاف أن البرد والقحط والعطش جائحة. وكذلك كل ما كان من آفة سموية. وأما ما كان من الآدميين كالسرقة ففيه خلاف. ولا بد من ضمانه على المتلف. قال ابن القيم: من غير مال غيره، بحيث يفوت مقصوده عليه خير المالك بين أخذه وتضمين النقص. والمطالبة بالبدل. وهذا أعدل الأقوال وأقواها. ودلت الأحاديث وما في معناها على وجوب إسقاط ما اجتيح من الثمرة عن المشتري. وأن تلفها من مال البائع. وأنه لا يستحق على المشتري في ذلك شيئًا والجمهور من غير فرق بين القليل والكثير. وبين البيع قبل بدو الصلاح وبعده عملًا بظاهر الحديث. وقال يحيى بن سعيد لا جائحة فيما أصيب دون ثلث رأس المال. وذلك في سنة المسلمين.
* * *