الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال مالك والشافعي وأحمد إذا أودعها من غير إذن صاحبها ومن غير ضرورة فتلفت فلصاحبها تضمين أيهما شاء وقال الشيخ لو أودع المودع بلا عذر ضمن المودع الثاني لا يضمن إن جهل نص عليه أحمد وكذا المرتهن منه وإن ركب الدابة أو لبس الثوب أو أخرج الدراهم من حرزها أو رفع الختم ونحوه عنها أو خلطها بغير متميز فضاع الكل ضمن الوديعة لتعديه وإن غصبت منه فله مطالبة غاصبها ومتى طلبها صاحبها وجب على المودع أن لا يمنعها مع الإمكان باتفاق أهل العلم وإن لم يفعل ضمن.
باب إحياء الموات
بفتح الميم الأرض التي لم تعمر. شبهت العمارة بالحياة وتعطيلها بالموت. وإحياؤها عمارتها. واصطلاحًا الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم. فلا تملك بالإحياء الطرق والأفنية ومسائل المياه والمحتطبات ونحوها. وما جرى عليه ملك معصوم بشراء أو عطية أو غيرها. والأصل في إحياء الموات السنة والإجماع في الجملة.
(وعن جابر) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحيى أرضًا) بأن يعمد شخص إلى أرض كانت (ميتة) لم يتقدم ملك لأحد عليها فيحييها بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء. أو إجراء الماء إليها من عين ونحوها أو حبسه عنها ليزرع
(فهي له) أي بذلك الإحياء اتفاقًا. مسلمًا كان المحيي أو ذميًا. إلا أن على الذمي خراج ما أحيى وسميت ميتة تشبيهًا لها بالميتة التي لا ينتفع بها لعدم الانتفاع بالأرض الميتة بزرع أو غرس أو غيره وظاهره سواءً كان بإذن الإمام أو لا. فإن هذه كلمة شرط وجزاء فهو غير مقصور على عين دون عين ولا على زمان دون زمان. رواه أحمد والنسائي وغيرهما و (صححه الترمذي).
ولهم عن سعيد بن زيد مرفوعًا "من أحيى أرضًا ميتة فهي له" ولأبي داود عن عروة أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "قضى أن الأرض أرض الله والعباد عباد الله ومن أحيى مواتًا فهو أحق بها جاءنا بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم الذين جاءوا بالصلوات عنه" صلى الله عليه وسلم فدل الحديث وما في معناه مما سيأتي وغيره أن الإحياء بحفر أو تحجير أو إجراء ماء إليه ونحو ذلك من وجوه العمارة. كما لو عمد إلى أرض فقطع شجرها وجمع لها السيل فالإحياء يرجع فيه إلى العرف كالحرز. وتملك به إن لم يكن قد ملكها مسلم. أو ذمي. أو ثبت فيها حق للغير.
وذكر الحافظ عن الجمهور أن الأرض التي لا يعلم تقدم ملك أحد عليها بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء تصير بذلك ملكه. سواء كانت فيما قرب من العمران أو بعد. أذن الإمام أو لم يأذن. ولو تحول جري الماء عن أرض جاز إحياؤها لانقطاع الحق وعدم تعين أهله.
(وعن عائشة) رضي الله عنها (مرفوعًا) إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من عمر أرضًا) بفتح العين وتخفيف الميم (ليست لأحد) ببناء أو غرس ونحو ذلك (فهو أحق بها) وتصير ملكًا له بذلك. قال عروة وقضى به عمر في خلافته (رواه البخاري) ومالك وغيرهما. وقال ابن عبد البر سنده صحيح متلقى بالقبول عند فقهاء المدينة وغيرهم وما ملك بإحياء ثم دثر فعند الجمهور ملك بالإحياء. وعند مالك للإمام أن يقطعه من شاء لأنه فيء.
(ولأبي داود) وغيره وصححه ابن الجارود من حديث جابر وغيره (من أحاط) أي أدار (حائطًا) أي جدارًا منيعًا (على أرض) أي حول أرض بما جرت العادة به (فهي له) أي صارت تلك الأرض المحوطة ملكًا له. ولأحمد وغيره من حديث سمرة نحوه فدل على أن التحيوط على الأرض من جملة ما يستحق به ملكها والمقدار المعتبر ما يسمى حائطًا في اللغة. ولا بد من تقييده بأنه لا حق فيها لأحد كما تقدم.
(وله عن أسمر) بن مضرس (مرفوعًا: من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به) واتفق عليه علماء الأمصار وفي لفظ:"إلى لفظ "إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له" قال فخرج الناس يتعادون يتخاطون. صححه الضياء في المختارة. وقوله "مسلم لأن الكافر الحربي لا حكم لتقدمه. وأما الذمي فلا لأنه من
أهل دار الإسلام فيملكه كالشراء. ومن سبق إلى معدن أو حطب أو صيد مباح فهو أحق به. ومن سبق إلى جلوس في طريق واسع فهو أحق به لهذا الخبر. وحديث الزبير فيحتطب فيضعه في السوق. وكذا من سبق إلى رحبة مسجد غير محوطة فهو أحق بها لأنه سبق إلى ما لم يسبق إليه. وإن سبق اثنان معًا اقترعا. ومن جلس في نحو جامع للفتوى أو الإقراء فهو أحق بمكانه ما دام فيه. وإن غاب لعذر أو وعاد قريبًا فهو أحق به. ومن سبق إلى رباط أو تدريس أو نزل فقيه بمدرسة لتدريس لم يبطل حقه بخروجه لحاجة. ومن نزل عن وظيفته لزيد وهو لها أهل لم يتقرر غيره فيها. فإن قرر هو وإلا فهي للنازل. وقال الشيخ لا يتعين المنزول له. ويولي من له الولاية من يستحقها شرعًا.
(وله عنه أن رجلين اختصما في أرض غرس أحدهما فيها وهي للآخر فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض لصاحبها) أي مالكها (وأمر صاحب النخل) الذي غرس في الأرض بغير إذن مالكها (يخرج نخله) منها لظلمه بغرسها (وقال ليس لعرق ظالم) أي لذي عرق ظالم من غرس أو زرع أو بناء أو حفر في أرض غيره بغير حق (حق) ولا شبهة حق. وتقدم أنه قال لقد رأيتها وإنها لتضرب أصولها بالفؤوس. وإنها لنخل عم. وأنه مجمع على أن من اغترس نخلًا أو شجرًا في غير أرضه أنه يؤمر بالقلع. لأنه شغل ملك غيره بملكه الذي لا حرمة له في نفسه. فلزمه تفريغه.
(وعن ابن المسيب) سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي. أحد العلماء والفقهاء الكبار السبعة من التابعين. قال ابن المديني لا أعلم في التابعين أوسع علمًا منه. مات بعد التسعين. وقد ناهز الثمانين. وأبوه المسيب صحابي وجده (قال السنة في حريم البئر) الحريم هو ما يمنع منه المحيي والمحتفر لإضراره. سمي بذلك لأنه يحرم منع صاحبه منه ويحرم على غيره التصرف فيه (البدئ) أي المحدثة التي لم يسبق لها عمارة (خمسة وعشرون ذراعًا) لأجل البئر أو سقي الماشية (والعادي) بتشديد الياء أي القديمة. نسبة إلى عاد ولم ترد بعينها وحريمها (خمسون) ذراعًا من كل جانب.
والمراد إذا كانت أنطمت وذهب ماؤها فجدد حفرها وعمارتها. أو انقطع ماؤها فاستخرجه. رواه البيهقي مرسلًا. وقال غير واحد أصح المراسيل مراسيل سعيد. ونحوه عند أحمد وغيره عن أبي هريرة بسند ضعيف. ولابن ماجه بسند ضعيف أيضًا عن عبد الله بن مغفل مرفوعًا "من حفر بئرًا فله أربعون ذراعًا عطنًا لماشيته" زاد البيهقي من طريق سعيد بن المسيب "وحريم بئر الزرع ثلاثمائة ذراع من نواحيها كلها" وذلك إذا حفر بئرًا فوصل إلى الماء فإن لم يصل إلى الماء فهو كالمتحجر الشارع في الإحياء. وإن حفرها ليرتفق بمائها كحفر السفارة في بعض المنازل. كالأعراب ينتجعون فيحفرون لشرابهم وشراب دوابهم لم يملكوها. وهم أحق بمائها ما أقاموا.
وعليهم بذل الفاضل لشاربه. وبعد رحيلهم تكون سابلة للمسلمين. فإن عادوا إليها كانوا أحق بها.
(وللدارقطني من حديث أبي هريرة) نحو خبر ابن المسيب وفيه (والعين السائحة) أي حريم العين الجارية على وجه الأرض (ثلاثمائة ذراع) حريم (وعين الزرع ستمائة ذراع) وحريم النهر قدر ما يلقى منه كسحه. وحريم الأرض قدر ما تحتاج إليه وقت عملها. وإلقاء كسحها. وكذا المسيل حريمه قدر ما يحتاج إليه كسحه. ونحوه قياسًا على البئر بجامع الحاجة. وحريم دار مطرح تراب وكناسة وثلج وماء ميزاب وحريم شجرة مد أغصانها. هذا في الأرض المباحة.
وأما الأرض المملوكة فلا حريم في ذلك. بل كل يعمل في ملكه ما شاء فلا حريم لدار ونحوها محفوفة بملك. ويتصرف كل منهم بحسب العادة. ومن تحجر مواتًا بأن أدار حوله أحجارًا ونحوها لم يملكه. وهو أحق به ووارثه من بعده. وقيل ليس له بيعه. وله النزول عنه بعوض. لا على وجه البيع. وقال بعضهم له بيعه. وإن لم يتم إحياؤه لأنه أحق به.
(وفي الصحيحين) من حديث أسماء بنت أبي بكر في حديث ذكرته (أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير) وللبخاري من أموال بني النضير أرضًا. قالت كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهو مني على ثلثلي فرسخ.
(ولأبي داود) وأحمد وغيرهما. قال: اقطع النبي صلى الله عليه وسلم الزبير (حضر) بضم الحاء وسكون الضاد أي ارتفاع (فرس) في عدوه وفيه أجرى الفرس حتى قام ثم رمى بسوطه. فقال "أعطوه حيث بلغ السوط" فدل على جواز إقطاع الموات لمن يحييه ولا يملكه بالإقطاع. بل هو أحق به من غيره. فإذا أحياه ملكه.
(وعن وائل) بن حجر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضًا بحضر موت) وبعث معاوية ليقطعها إياه رواه أبو داود وغيره و (صححه الترمذي) وابن حبان والبيهقي وغيرهم فدل أيضًا على جواز إقطاع الموات لمن يحييه. قال القاضي عياض الإقطاع تسويغ الإمام من مال الله شيئًا لمن يراه أهلًا لذلك. وأكثر ما يستعمل في الأرض وهو أن يخرج منها لمن يراه ما يحوزه. إما بأن يملكه إياه فيعمره. وإما أن يجعل له غلتها مدة. وقال الشيخ الإقطاع نوعان إقطاع تمليك. كما يقطع ولي الأمر الموات لمن يحييه. وإقطاع استغلال وهو إقطاع منفعة الأرض لمن يشاء يستغلها أو يحتجزها.
(وللبخاري) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه (أنه صلى الله عليه وسلم دعا الأنصار ليقطعهم البحرين) فقالوا يا رسول الله إن فعلت فاكتب لإخواننا من قريش بمثلها. فلم يكن ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم يعني بسبب الفتوح. فقال "إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني" ويحتمل أنه أراد الموات ليتملكوه
بالإحياء. أو أراد أن يخصهم بتناول جزيتها. وقال الحافظ أراد أن يخصهم بما يحصل منها. أما الناجز فالجزية. وأما بعد ذلك فخراج الأرض. وقد وقع منه صلى الله عليه وسلم ذلك في عدة أراض بعد فتحها. وقبل فتحها. منها إقطاعه تميمًا الداري بيت إبراهيم. فلما فتحت في عهد عمر، نجز ذلك لتميم. واستمر في يد ذريته.
واقطع النبي صلى الله عليه وسلم صخر بن أبي العبلة ماء لبني سليم لما هربوا من الإسلام. وتركوا ذلك الماء ثم رده إليهم.
ولما خرج إلى تبوك لقيته جهينة بالرحبة. فقال لهم "من أهل ذي المروة" فقالوا بنو رفاعة من جهينة فقال "اقطعتها لبني رفاعة" فاقتسموها. فمنهم من باع. ومنهم من أمسك. فعمل وغير ذلك من الأحاديث الدالة على إقطاع النبي صلى الله عليه وسلم. وتخصيصه بعضًا دون بعض. إذا كان فيه مصلحة وجوازه للأئمة من بعده.
(ولأبي داود وخط لعمرو بن حريث دارًا بالمدينة) حسنه الحافظ ولفظه عن عمرو بن حريث قال خط لي رسول الله صلى الله عليه وسلم دارًا بالمدينة بقوس. وقال "أزيدك أزيدك" وللبيهقي والطبراني وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة اقطع الدور. واقطع ابن مسعود فيمن اقطع. وللإمام إقطاع جلوس في الطرق الواسعة.
ورحاب المساجد غير المحوطة، ما لم يضر بالناس. ويكون المقطع أحق بجلوسها. ولا يزول حقه بنقل متاعه منها. لأنه
استحق بإقطاع الإمام له. وأما بيعه شيئاً من طريق المسلمين. فقال الشيخ لا يجوز لوكيل بيت المال ولا غيره بيع شيء من طريق المسلمين النافذ. وليس للحاكم أن يحكم بصحته.
(وأقطع بلال بن الحارث) المزني وفد في رجب سنة خمس وكان معه لواء مزينة يوم الفتح ومات سنة ستين رضي الله عنه أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم (المعادن القبلية) بفتح القاف والباء منسوبة إلى قبل. وهي ناحية من ساحل البحر. بينها وبين المدينة خمسة أيام. ولأبي داود وهي من ناحية الفرع. والخبر رواه أحمد وأبو داود وغيرهما عن ابن عباس وعمرو ابن عوف. "وفيه جلسيها وغوريها. وحيث يصلح الزرع من قدس. ولم يعطه حق مسلم" وقدس جبل عظيم معروف. وعند أبي عبيد أقطعه العقيق فدل هذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع المعادن. فكذا الأئمة بعده. وهو جعل بعض الآراض الموات مختصة ببعض الأشخاص سواء كان معدناً أو أرضاً كما تقدم ويصير أولى بها من غيره بشرط كونها من الموات التي لا يختص بها أحد.
وإذا ظهر المعدن بإظهاره ملكه. كملح وجص أو المعدن الجامد الباطن كالذهب والفضة. يملك بالإحياء. ولا تملك معادن منفردة مطلقاً ظاهرة أو باطنة. ولا تملك المعادن الظاهرة كملح وكحل وجص. بل هي مشتركة بين الناس. لأنها منافع دائمة إليها حاجات الناس. كالماء ونحوه. ولا الجارية بإحياء الأرض لكن صاحب الأرض أحق بها كما تقدم.
و (قال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (من تحجر أرضاً) بأن شرع في عمارتها ولم يحيها بما يعد إحياء (فعطلها) من العمارة (ثلاث سنين) وعمرها غيره بعد الثلاث (فعامرها أحق بها) لإحيائه لها وتعطيل المتحجر.
(وقال) يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لبلال بن الحارث) المتقدم خبره (ما اقطعت) أي ما أقطعك النبي صلى الله عليه وسلم (لتحجبه) عن عمارة الناس له (خذ ما قدرت) أي على إحيائه (وذر الباقي) وهذا الأثر مع ما تقدم يدل على أن المقطع أحق من غيره وأولى بالإحياء. ولكن لا يملكه بمجرد الإقطاع. وإنما يملكه بالإحياء فمتى أقطع الإمام أحداً أكثر مما يقدر على إحيائه. ثم تبين عجزه عن إحيائه وحصل متشوف للإحياء. وطالت المدة عرفاً. أو ثلاث سنين. كما تقدم. استرجعه الإمام منه. كما استرجع النبي صلى الله عليه وسلم من بني سليم وغيرهم. وكما استرجع عمر من بلال بن الحارث ولم ينكر.
(وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يمنع الماء والنار والكلأ) النبات رطباً كان أو يابساً. رواه ابن ماجه وغيره و (صححه الحافظ) وعن رجل من الصحابة قال غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول "الناس شركاء في ثلاثة الكلأ والماء والنار" رواه أحمد وأبو داود. ووثقه الحافظ أيضاً. وفيه أحاديث أخر. بمجموعها يحتج بها. وفي الماء بخصوصه أحاديث في صحيح مسلم وغيره. وقال "لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به
الكلأ" فلا يرعى ذلك الكلأ بدون ماء ذلك البئر. فدل الحديث وما في معناه على عدم اختصاص أحد من الناس بأحد الثلاثة. الكلأ في الأرض المباحة. والجبال التي لم يحرزها أحد. فأنه لا يمنع من أخذ كلئها أحد. إلا ما حماه ولي أمر المسلمين. وأما النابت في الأرض المملوكة والمتحجرة فصاحبه أحق به. وما أحرز بعد قطعه فلا شركة فيه بالإجماع.
وأما النار فقيل المراد الاستصباح منها والاستضاءة بضوئها. والمشهور أن المراد الشجر الذي يحتطبه الناس من المباح فيوقدونه. وقيل الأقرب أن المراد بها النار حقيقة. وأما الماء فماء السماء والعيون والأنهار التي لا تملك. والمجتمعة من الأمطار وغيرها في أرض مباحة. وليس أحد أحق بها من أحد إلا لقرب أرضه منها ولو كان في أرض مملوكة فكذلك إلا أن صاحب الأرض المملوكة أحق به يسقيها ويسقي ماشيته إجماعاً. ويجب بذل ما فضل من ذلك فلو كان في أرضه أو داره عين نابعة أو بئر احتفرها فإنه لا يملك الماء بل حقه فيه تقديمه في الانتفاع به على غيره وللغير دخول أرضه. وتقدم. وأما الماء المحرز في الجرار ونحوها فملك إجماعاً.
(وقال صلى الله عليه وسلم اسق يا زبير) وكان تخاصم مع رجل من الأنصار في شراج الحرة التي يسقون بها النخل إذا سالت من ماء المطر وكان يمر بأرض الزبير فيحبسه لإكمال سقي أرضه. وطلب الأنصاري تعجيل إرساله فقال صلى الله عليه وسلم "اسق يا زبير ثم
أرسل الماء إلى جارك" فغضب الأنصاري فقال "اسق يا زبير (ثم احبس الماء) أي على أرضك (حتى يرجع) أي الماء (إلى الجدر) أي جدران الشربات التي في أصول النخل. والمعنى حتى يبلغ تمام الشرب (متفق عليه) زاد عبد الرزاق عن معمر عن الزهري. قال نظرنا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم "ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر" فكان ذلك إلى الكعبين.
وذلك أنه لما علم السلف أن الجدر يختلف بالطول والقصر. قاسوا ما وقعت فيه القصة. فوجدوه يبلغ الكعبين. فجعلوا ذلك معياراً لاستحقاق الأول فالأول. والحديث دليل على أن من سبق إلى شيء من مياه الأدوية والسيول التي لا تملك فهو أحق به. وأنه ليس له إذا استغنى أن يحبس الماء عن الذي يليه.
(ولأبي داود) وابن ماجه وغيرهما وحسنه الحافظ (من حديث عمرو بن شعيب) عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم (قضى) يعني في سيل مهزور واد بالمدينة (أن يمسك) يعني الأعلى (حتى يبلغ) السيل (الكعبين ثم يرسل الأعلى على الأسفل) ورواه الحاكم وغيره من حديث عائشة. ورواه أبو داود من حديث ثعلبة. وعبد الرزاق عن أبي حاتم القرظي أنه سمع كبراءهم يذكرون أن رجلاً من قريش كان له سهم في بني قريظة. فخاصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مهزور. المسيل الذي يقتسمون ماءه. فقضى أن الماء إلى الكعبين.
فدلت هذه الأحايث وغيرها على أن الأعلى تستحق أرضه الشرب بالسيل والغيل وماء البئر ونحوها قبل الأرض التي تحتها. وأن الأعلى في السيل ونحوه يمسك الماء حتى يبلغ كعبي الرجل الكائنين عند مفصل الساق والقدم. ثم يرسله بعد ذلك إلى من يليه. وهكذا. فإن كان الماء مملوكاً قسم بين الأملاك بقدر النفقة والعمل. وتصرف كل واحد في حصته بما شاء.
(وعن الصعب بن جَثَّامة) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا حمى) أي لا مكان محمي من موات كثيرة العشب ونحوه (إلا لله ورسوله) صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لأحد من الناس أن يحمي مواتاً يختص به (رواه البخاري) وأحمد وأبو داود وغيرهم. وأصل الحمى عند العرب أن الرئيس منهم كان إذا نزل منزلاً مخصباً استعوى كلباً على مكان عال. فإلى حيث انتهى صوته حماه من كل جانب. فلا يرعى فيه غيره. ويرعى هو مع غيره فيما سواه. ومعناه أن يمنع من الإحياء في ذلك الموات ليتوفر فيه الكلأ. وترعاه مواش مخصوصة. ويمنع غيرها. وفرق بين الحمى المنهي عنه. والإحياء المباح مما لا منفعة للمسلمين فيه شاملة.
(وقال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى النقيع) أصل النقيع كل موضع يستنقع فيه الماء. وهذا النقيع المذكور في هذا الحديث على عشرين فرسخاً من المدينة. قدره ميل في ثمانية أميال. وهو غير نقيع الخضمات. وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم -
حمى النقيع للخيل خيل المسلمين رواه أحمد وغيره.
(وعمر) رضي الله عنه (حمى الشرف) سرة نجد قرب الشريف الذي قيل إنه أعلى جبل في بلاد العرب. حمى ضرية والربذة (والربذة) قرية من قرى المدينة على طريق الحاج. فيها قبر أبي ذر رضي الله عنه. ولابن أبي شيبة بسند صحيح أن عمر رضي الله عنه حمى الربذة لنعم الصدقة. وقال الوزير وغيره اتفقوا على أنه يجوز للإمام أن يحمي الحشيش في أرض الموات لإبل الصدقة. وخيل المجاهدين. ونعم الجزية. والضوال إذا احتاج اليها. ورأى فيه المصلحة.
وقال: اتفقوا على أن الأرض إذا كانت أرض صلح، أو ما للمسلمين فيه منفعة. فإنه لا يجوز للمسلم أن ينفرد بها اهـ. وما حماه النبي صلى الله عليه وسلم فليس لأحد نقضه. لثبوته بالنص. وما حماه غيره من الأئمة يجوز نقضه. لأنه بالاجتهاد. ولا يجوز لأحد أن يأخذ من أرباب الدواب عوضاً عن مرعى موات أو حمى. لأنه قد ثبت أن الناس شركاء فيه. ومن أخذ مما حماه إمام عزر في ظاهر كلام بعض أهل العلم. ولا ضمان.
(وقال) عمر رضي الله عنه (لمولاه) هني. وكان استعمله على الحمى. يا هني (اضمم جناحك) أي جانبك (على المسلمين، واتق دعوة المظلوم) فإن دعوة المظلوم مستجابة (وادخل رب الصريمة) تصغير صرمة. وهي ما بين العشرين إلى الثلاثين من