الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يسقط إلا بالتأدية. وكان هذا في أول البعثة. ولما فتح الله عليه الفتوح كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فليسأل هل ترك لدينه وفاء وإلا قضاه. قال غير واحد من أهل العلم يلزم متولي أمر المسلمين أن يفعله فيمن مات وعليه دين. ولأحمد "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه. فمن ترك دينًا فعلي" قال ابن بطال هذا ناسخ لترك الصلاة على من مات وعليه دين. وقد حكى الحازمي إجماع الأمة على ذلك.
فصل في الكفالة
وهي التزام رشيد إحضار من عليه حق مالي لربه. وتنعقد بما بنعقد به الضمان. بل هي نوع منه وتصح ممن يصح ضمانه. وإن ضمن معرفته أخذ به. قال الشيخ وغيره إذا ضمن معرفة المستدين كضمنت لك معرفته أي أعرفك من هو؟ وأين هو؟ أخذ به. فإن عجز عن إحضاره مع حياته ضمن ما عليه. ولا يكفي أن يذكر اسمه ومكانه. والفرق بين الضمان والكفالة أن الضمان أضيق منها بدليل أنه لا يبرأ الضامن من الضمان إلا بالأداء أو الإبراء. بخلاف الكفالة فإنها تسقط بموت المكفول عنه أو تلف العين مثلًا. ويعتبر رضي الكفيل لا مكفول به. وتصح بكل عين مضمونة وببدن من عليه دين.
(قال تعالى) حاكيًا عن يعقوب: {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ} أي
قال يعقوب لبنيه لن أرسل بنيامين ابني معكم {حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللهِ} أي حتى تعطوني ميثاقًا وعهدًا من الله أي بسبب تأكده بإشهاد الله، وبسبب القسم عليه.
والميثاق العهد المؤكد بالقسم {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ} أي حتى تحلفوا بالله {إِلَاّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ} جاء بلفظ عام لجميع وجوه العلة أي لا تمتنعون من الإتيان به لشيء من الأشياء إلا أن تغلبوا كلكم. ولا تقدرون على تخليصه {فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ} أكده عليهم فـ {قَالَ اللهُ عَلَى مَا نَقُولُ} من طلب الموثق وإعطائه {وَكِيل} شهيد رقيب مطلع. والمعنى أنه موكول إليه هذا العهد. فدلت الآية على جواز الكفالة.
(وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا لزم غريمًا له) أي تعلق مدينًا له ودام معه (حتى يقضيه) أي يوفيه (أو يأتيه بحميل) كأمير أي كفيل (فجره إلى النبي صلى الله عليه وسلم) أي جذبه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (كم تستنظره) أي: تطلب منه أن ينظرك، والإنظار التأخير والإمهال (قال: شهرًا) أي: ثم أقضيه حقه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا أحمل) أي أكفل لك (رواه أبو داود) والترمذي وغيرهما. ولفظة فتحمل بها النبي صلى الله عليه وسلم وفيه فقضاها رسول الله – صلى الله عليه وسلم. فدل على صحة الكفالة.
وقال الشيخ في سجان ونحوه ممن هو كفيل على بدن الغريم كرسول الشرع بمنزلة الكفيل عليه إحضار الخصم. فإن
تعذر إحضاره ضمن ما عليه. وإن كان المكفول في حبس الشرع فسلمه إليه فيه برئ. وإن تعذر إحضار مكفول على كفيل مع بقاء حياته. أو امتنع من إحضاره لزمه ما عليه وإن مات أو تلفت العين بفعل الله تعالى. أو سلم المكفول نفسه برئ الكفيل. وفي الاختيارات إن لم يكن الوالد ضامنًا لولده ولا له عنده مال لم يجز لمن له على الولد حق أن يطالب والده بما عليه. لكن مهما أمكن الوالد معاونة صاحب الحق على إحضار ولده بالتعريف ونحوه لزمه ذلك.
(وعن عمرو بن شعيب) عن أبيه عن جده (مرفوعًا) يعني إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا كفالة في حد) كحد زنا أو لواط أو سرقة أو شرب خمر (رواه البيهقي بسند ضعيف) وقال: إنه منكر. ودل على أن الكفالة لا تصح في الحدود. قال الموفق: هو قول العلماء. لأنه لا يجوز استيفاؤه من الكفيل. إلا إذا كفل السارق بسبب غرم المسروق لأنه حق مالي. ولأن مبناها على الإسقاط. والدرء بالشبهات. فلا يدخل فيها الاستيثاق. وقيل ولا ببدن من عليه حد قذف أو قصاص. لأنه لا يمكن الاستيفاء من غير الجاني.
وقال الشيخ تصح الكفالة في ذلك. واختاره غير واحد. وهو مذهب مالك. وإحدى الروايتين عن أحمد. وفي الصحيح أن حمزة الأسلمي أخذ كفلاء على رجل وقع على جارية امرأته حتى قدم على عمر. وقال جرير والأشعث لابن مسعود في
المرتدين استتبهم وكفلهم فتابوا وكفلهم عشائرهم. واستدل به البخاري في الديون بطريق الأولى. ولأنه حق لآدمي فصحت الكفالة به كسائر حقوق الآدميين. وكذا إذا كفل بدن شخص لأجل مال بالعفو إلى الدية ليدفعها.
* * *