المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب التعصيب أي بيان ذوي التعصيب وأقسامه. التعصيب مصدر عصب يعصب - الإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم - جـ ٣

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الجهَاد

- ‌فصل في وجوب الطاعة

- ‌فصل في الغنيمة

- ‌فصل في الفيء

- ‌باب الأمان

- ‌باب عقد الذمة

- ‌كتابُ البَيع

- ‌فصل فيما نهي عنه

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌باب الخيار

- ‌باب الربا

- ‌باب بيع الأصول والثمار

- ‌باب السلم

- ‌باب القرض

- ‌باب الرهن

- ‌باب الضمان

- ‌فصل في الكفالة

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الصلح

- ‌فصل في حجر السفه

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الشركة

- ‌فصل في المضاربة

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الإجارة

- ‌باب السبق

- ‌باب العارية

- ‌باب الشفعة

- ‌باب الوديعة

- ‌باب إحياء الموات

- ‌باب الجعالة

- ‌باب اللُقَطة

- ‌باب اللقيط

- ‌باب الوقف

- ‌فصل في شرط الواقفوإبدال الوقف لحاجة وغير ذلك

- ‌باب الهبة

- ‌فصل في العطية

- ‌باب الوصايا

- ‌فصل في الموصى له وإليه

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب الفروض

- ‌باب التعصيب

- ‌باب ميراث ذوي الأرحام

- ‌باب ميراث الحمل والمفقود والخنثى والغرقي

- ‌باب ميراث أهل الملل

- ‌باب ميراث المطلقة والمقربة

- ‌باب ميراث القاتل والمبعض والولاء

- ‌باب العتق

- ‌باب الكتابة

- ‌كتاب النكاح

- ‌فصل في أركانه

- ‌فصل في اشتراط الرضى

- ‌فصل في الولي

- ‌فصل في الشهادة

- ‌فصل في الكفاءة

- ‌باب المحرمات في النكاح

الفصل: ‌ ‌باب التعصيب أي بيان ذوي التعصيب وأقسامه. التعصيب مصدر عصب يعصب

‌باب التعصيب

أي بيان ذوي التعصيب وأقسامه. التعصيب مصدر عصب يعصب تعصيبًا فهو عاصب ويجمع العاصب علىعصبة. وتجمع العصبة على عصبات. ويسمى بالعصبة الواحد فأكثر. والعصبة لغة بنو الرجل وقرابته لأبيه. سموا بذلك لأنهم عصبوا به أي أحاطوا به. وقيل لتقوي بعضهم ببعض.

من العصب وهو الشد. واصطلاحًا من يرث بلا تقدير. فإن انفرد أخذ جميع المال. ومع ذي فرض يأخذ الباقي. ومن الحكمة الإلهية أن جعل الميراث لأقارب الأب. وقدمهم على أقارب الأم. وجعل العصبة القائمين بنصرته وموالاته والذب عنه وحمل العقل عنه.

قال تعالى: {وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً} أي فإن كان ورثة الميت إخوة له من أبويه أو من أبيه {رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} وتقدم قوله (للذكر مثل حظ الأنثيين) قال ابن كثير وغيره هذا حكم العصبات من البنين وبني البنين والإخوة يعني لأبوين أو لأب إذا اجتمع ذكورهم وإناثهم أعطي الذكر مثل حظ الأنثيين. وذلك لاحتياج الرجل إلى مؤونة النفقة والكلفة ومعاناة التجارة والتكسب وتحمل المشاق. فناسب أن يعطى ضعفي ما تأخذه الأنثى. وتقدم أنه مكلف أن ينفق على نفسه وعلى زوجته.

ص: 436

(وعن ابن عباس) رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألحقوا الفرائض) أي الأنصباء المنصوص عليها في الكتاب والسنة (بأهلها) المستحقين لها بالنص. وتقدم موضحًا (فما بقي) أي فضل بعد إعطاء ذوي الفروض فروضهم المقدرة لهم (فهو لأولى) أي لأقرب (رجل) من الميت (ذكر) تأكيد أنه ليس المراد بالرجل البالغ. بل الذكر وإن كان صغيرًا (متفق عليه) فدل الحديث على أنه يبدأ بذوي الفروض فيعطون فروضهم المنصوص عليها. وأن ما أبقت الفروض بعد أخذ مستحقيها يكون لأقرب العصبات من الرجال. لا يشاركه من هو أبعد منه. وحكاه النووي وغيره إجماعًا. وإن استووا اشتركوا.

وخرج من ذلك الابن وأخته. وابن الابن وأخته. والأخ لأبوين أو لأب وأخته. فتقدم أنهما يرثان معهم بنص القرآن. قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} وقال: {وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} وغيرهم من العصبة لا ترث أخته معه شيئًا. لأنهن من ذوي الأرحام. والعصبة ثلاثة أقسام عصبة بالنفس: وهم الابن وابنه وإن نزل. والأب والجد له وإن علا. والأخ لأبوين ثم لأب ثم بنوهما كذلك. ثم العم لأبوين ثم لأب ثم بنوهم كذلك. ثم المعتق والمعتقة. هؤلاء هم العصبة بالنفس.

والعصبة بالغير البنت مع الابن. وبنت الابن مع ابن

ص: 437

الابن. والأخت الشقيقة مع أخيها. والأخت لأب مع أخيها. والعصبة مع الغير الأخوات مع البنات.

والأقرب من العصبة يحجب من دونه. وتقدم حجب الجد بالأب. والجدة بالأم. وابن الابن بالابن. ويسقط العم بالأخ. وابن العم بالعم. ومع الاستواء يقدم الأقوى. فيسقط الأخ لأب بالأخ لأبوين. والعم لأب بالعم لأبوين وهكذا. والحجب من أعظم أبواب الفرائض وأهمها. حتى قال بعضهم حرام على من لم يعرف الحجب أن يفتي في الفرائض.

والحجب من حيث هو قسمان: حجب أوصاف. وهي موانع الإرث الثلاثة: الرق والقتل واختلاف الدين. ويتأتى على جميع الورثة. والمحجوب به وجوده كعدمه. وحجب أشخاص: وينقسم إلى حجب حرمان. وحجب نقصان وحجب الحرمان يتأتى على جميع الورثة إلا الأبوين والولدين والزوجين. وأما حجب النقصان فيتأتى على جميع الورثة.

(ولهما عن أبي هريرة مرفوعًا أيما مؤمن مات وترك مالًا) بعد مؤنة تجهيزه وقضاء دينه إن كان (فليرثه عصبته من كانوا) ولمسلم فإلى العصبة يعني ما خلف إن لم يكن ثم ذو فرض. وهذا لا نزاع فيه. وإن لم يكن له ولد ولا ولد ابن وإن نزل ولا أب ولا وجد وإن علا. ولا أخ لأبوين أو لأب ولا بنوهم وإن نزلوا. ولا عم لأبوين أو أب ولا بنوهم ورثه أعمام جده. ثم

ص: 438

بنوهم. ثم أعمام أبي جده ثم بنوهم. وهكذا ثم معتق ثم عصبته ثم مولى مولى معتق ثم عصبته وهكذا فإن لم يوجد عصبة ووجد ذو فرض رد عليه غير الزوجين. وإن لم يوجد فذو الأرحام كما يأتي.

(وعن عمران بن حصين) رضي الله عنه (قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن ابن ابني مات فمالي من ميراثه) فالميت ابن ابن السائل خلف ابنتين وجد (قال) صلى الله عليه وسلم للسائل وهو جد الميت (لك السدس) وهو أقل ما يرثه الجد (فلما ولى دعاه) وفي لفظ فلما أدبر دعاه (فقال لك سدس آخر) أي غير السدس المفروض لك (فلما ولى دعاه) أي فلما ذهب ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال إن السدس الآخر طعمة) أي رزقكه الله طعمة بسبب عدم كثرة أصحاب الفروض. فإنهم إن كثروا لم يبق لك هذا السدس الآخر. لأنه ورثه بالتعصيب لا بالفرض. رواه الخمسة (وصححه الترمذي) فدل الحديث على أن للجد الباقي بعد الفروض. وأصل المسألة من ستة: للجد السدس فرضًا. وللبنتين الثلثان. وبقي سدس للجد تعصيبًا. ولذلك لم يدفع إليه السدس الآخر. أولًا. لئلا يظن أن فرضه الثلث. وتركه حتى ولى. فقال لك سدس آخر. وهو بقية التركة. فلما ذهب دعاه فقال إن السدس الآخر طعمة أي زيادة على الفرض الذي لك فله سدس فرض. والباقي تعصيب. فهو كالأب مع البنات أو بنات الابن بلا نزاع في ذلك بين المسلمين.

ص: 439

وتفارق أحكامه أحكام الأب في العمريتين إجماعًا. ومع الإخوة عند بعض أهل العلم فيجعلونه كأخ منهم. ما لم تنقصه المقاسمة عن الثلث أو السدس مع ذي فرض. فيأخذه ومذهب أبي بكر وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين وأبي حنيفة أنه كالأب. فيحجب الإخوة مطلقًا. وهو رواية عن أحمد. اختارها شيخ الإسلام وابن القيم. واستظهرها في الفروع.

واختاره بعض الشافعية. والشيخ محمد بن عبد الوهاب. وقال ابنه عبد الله هو المفتى به عندنا. وقال شيخنا هو الصواب.

ورجح بأمور أحدها العمومات. ولم يسم الله الجد بغير اسم الأبوة. والثاني محض القياس. قال ابن عباس ألا يتقي الله زيد يجعل ابن الابن ابنًا. ولا يجعل أبا الأب أبًا. والثالث أن توريثهم معه وكيفياته لو كان من الله لم يهمله النبي صلى الله عليه وسلم بل وضحه والرابع أن الذين ورثوا الإخوة معه اختلفوا في كيفية ذلك ولم يجزموا بل معهم شك ومقرون أنه محض رأي لا حجة فيه ولا قياس. ولا ريب أن من ورث الجد وأسقط الإخوة هو أسعد الناس بالنص والإجماع والقياس. وعدم التناقض. وقد فاز بدلالة الكتاب والسنة والقياس. وأيضًا لم يختلف على الصديق رضي الله عنه في زمانه فكان إجماعًا قديمًا.

(وعن علي) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أعيان بني الأم يتوارثون) أي يرث الإخوة الأشقاء (دون بني العلاة) أي الإخوة لأب فقط سمي الإخوة الأشقاء بني الأعيان

ص: 440

لأنهم من عين واحدة والإخوة لأب بني العلات جمع علة بفتح العين وهي الضرة. فكأنه قيل بني الضرات. لأنهم من أمهات شتي ومن رجل واحد ويقال للإخوة للأم فقط بني الأخياف. أي الأخلاط لأنهم من أخلاط الرجال. ليسوا من رجل واحد. فقال (الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه رواه الترمذي).

فدل الحديث على أن الإخوة لأبوين تقدم على الأخوة لأب ولا نزاع في ذلك بين أهل العلم. ثم أبناء الأخ لأبوبين ثم لأب وإن نزلوا. ثم الأعمام لأبوين ثم لأب ثم بنوهم كذلك. فمع اتحاد الجهة يعتبر التقديم بالقرب. ومع الاستواء في الدرجة تعتبر القوة كما قال الجعبري:

فبالجهة التقديم ثم بقربه

وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا

(ولأبي داود عن بريدة) رضي الله عنه (قال توفى رجل من الأزذ) قبيلة مشهورة من قحطان (فلم يدع وارثًا) وفي لفظ أتي بميراثه فقال: التمسوا له وارثًا أو ذا رحم" فلم يجدوا وارثًا (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ادفعوه) أي ادفعوا ميراثه (إلى أكبر خزاعة) قبيلة مشهورة من الأزد. وفي لفظ أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن عندي ميراث رجل من الأزد ولست أجد أزديًا أدفعه إليه قال "فاذهب فالتمس أزديًا حولًا" فأتاه بعد الحول فقال يا رسول الله لم أجد أزديًا أدفعه إليه قال "فانطلق فانظر أول خزاعي تلقاه فادفعه إليه" فلما ولي قال "علي بالرجل"

ص: 441

فلما جاء قال "انظر أكبر خزاعة فادفعه إليه".

فدل الحديث على جواز صرف ميراث من ليس له وارث معين إلى أكبر قومه إن كان يجتمع هو وقبيلته في جد معلوم ولم يعلم له وارث منهم على التعيين. فأكبرهم سنًا أقربهم إليه نسبًا. لأن كبر السن مظنة لعلو الدرجة. فالمراد الأقرب عصبة بالنسب.

(وقال علي) رضي الله عنه (إذا استغرقت الفروض المال) فلم يفضل بعد ذوي الفروض شيء (سقطت العصبة) ولا نزاع في ذلك. لقوله "ألحقوا الفرائض بأهلها" وغيره. وحتى في المشركة.

(وقضى به عمر) رضي الله عنه (في المشركة) أي قضى بسقوط العصبة إذا استغرقت الفروض المال في المشركة. وهي زوج وأم وإخوة لأم وإخوة أيضًا لأم وأب فإن مسألتهم من ستة: للزوج النصف. وللأم السدس. وللإخوة للأم الثلث.

فلم يبق بعد الفروض شيء فسقط الإخوة لأبوين. وهذا مقتضى النص والقياس. ومذهب علي وابن مسعود وابن عباس وأبي موسى وغيرهم ومذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن الشافعي وأحمد. لعموم قوله تعالى {فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ} فإنه دل على اختصاص ولد الأم بالثلث. فإذا شرك معهم غيرهم لم يأخذوا الثلث وللخبر فإن من شرك لم يلحق الفرائض بأهلها.

ص: 442

ولم يبق بعد الفرائض للأشقاء شيء فيسقطون. وقال ابن القيم تشريكهم خروج عن القياس. كما هو خروج عن النص.

(وعن سهل) بن سعد الساعدي رضي الله عنه (في) حكم (الملاعنة) في الميراث. وأما حكم اللعان فسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى قال (جرت السنة أنه يرثها) أي يرث ابن الملاعنة أمه (وترث منه) أي من ولدها ذكرًا كان أو أنثى (ما فرض الله لها) وهو في الصحيحين. ولأبي داود من حديث عمرو بن شعيب أنه جعل ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها. وتقدم أن المرأة تحوز ثلاث مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه. وقول ابن القيم أنه أصح الأقوال. ولو لم ترد به الآثار. فهو محض القياس الصحيح. وعند الأكثر أن عصبته عصبة أمه في إرث لا في عقل ولا ولاية.

ودلت هذه الأحاديث وما في معناها أن ميراث ابن الملاعنة لأمه وعصبتها. فيكون لأمه ثم لعصبتها إذا لم يكن غير الأم وقرابتها. لأنها قامت مقام أبيه في انتسابه إليها. ولأنهم أدلوا بها. فلا يرثون معها. وذكر أنه اختيار الشيخ. وهو قول ابن مسعود ورواية عن أحمد. والجمهور على التسوية بين ولد الزنا وولد الملاعنة. فإن كان له ابن أو زوجة أعطي كل واحد ما يستحقه. كما في سائر المواريث فأما الملاعن وعصبته فلا يرثون منه شيئًا. وكذلك ولد الزنا. وهذا إجماع من أهل العلم.

(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (مرفوعًا) إلى

ص: 443