الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من سائر المكاسب المباحة. وذكر بعض أهل العلم شركة الوجوه، وهي: أن يشتركا في ذمتيهما بجاههما فما ربحاه فبينهما على ما شرطاه. والوضيعة على قدر ملكيهما. وهي كشركة العنان. لأنها في معناهما فأعطيت حكمها.
وذكروا شركة المفاوضة، وهي: أن يفوض كل منهما إلى صاحبه كل تصرف مالي أو بدني من أنواع الشركة. وهي الجمع بين عنان ووجوه ومضاربة وأبدان. فتصح لأن كل واحد منها يصح منفردًا فصح مع غيره كحالة الانفراد.
باب المساقاة
أي والمزارعة. والمساقاة من السقي. سميت بذلك لأنه أهم أمرها بالحجاز. وهي دفع شجر له ثمر يؤكل. ولو غير مغروس. إلى آخر ليقوم بسقيه. وما يحتاج إليه بجزء معلوم من ثمر نفس الشجر للمالك. وللعامل الباقي. أو على الشطر والشطر
الثاني للعامل. بحسب ما يصطلحان عليه. والمزارعة مفاعلة
من الزراعة. وهي دفع أرض لمن يعمل عليها أو أرض وحب
لمن يزرعه ويقوم عليه. أو حب مزروع ينمى بالعمل لمن
يقوم عليه بجزء معلوم. قال الشيخ هما أصل من المواجرة
وأقرب إلى العدل والأصول. فإنهما يشتركان في المغنم
والمغرم اهـ.
ويصحان بما يؤدي المعنى. وهما جائزتان بعموم الكتاب والسنة والإجماع. فإن المكاسب من الضرب في الأرض وابتغاء فضل الله. وكان أهل المدينة أهل حرث. وكثير من أهل الأشجار والأراضي يعجزون عن عمارتها وسقيها. ولا يمكنهم الاستئجار عليها. وكثير من الناس لا أرض لهم ولا شجر ويحتاجون إلى الثمر. والعمل فيه من ابتغاء فضل الله. وهو من أحل المكاسب والسنة طافحة بذلك. وفيه فضل إذا لم يشغل عن الأمور المطلوبة ففي الصحيحين "ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه إنسان أو طير أو دابة إلا كان له صدقة".
(عن ابن عمر) رضي الله عنهما (قال عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر) بعد أن فتحها الله عليه سنة سبع (بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع متفق عليه) ولمسلم "دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم ولهم شطر ثمرها" والشطر هنا بمعنى النصف. ولأحمد "دفع خيبر أرضها ونخلها مقاسمة على النصف" فدل الحديث على صحة المساقاة والمزارعة. وهو قول الخلفاء وفقهاء الحديث وعمل المسلمين في جميع الأعصار والأمصار. وأنه لا يشترط كون البذر والغراس من رب الأرض. وهو الذي عليه عمل الناس.
وثبت أن عمر قال إن جاء عمر بالبذر من عنده فالشطر. وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا. واشتهر فلم ينكر. ودل على بيان
الجزء المساقى عليه من نصف أو ربع أو غيرهما من الأجزاء المعلومة. فلا يجوز على مجهول.
(وفي رواية نقركم بها) أي نمكنكم على ذلك (ما شئنا) أي إلى أن نشاء إخراجكم. لأنه صلى الله عليه وسلم كان عازماً على إخراجهم من جزيرة العرب. وتقدم أنهم أقروا حتى أجلاهم عمر رضي الله عنه. فدل على صحة المساقاة والمزارعة وإن كانت المدة مجهولة.
(وقال أبو جعفر) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي ثقة فاضل توفي سنة 115هـ (عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بالشطر) مما يخرج منها (ثم أبو بكر) رضي الله عنه مدة خلافته (ثم عمر) رضي الله عنه مدة خلافته (وعثمان) رضي الله عنه كذلك (وعلي) رضي الله عنه كذلك (ثم أهلوهم) آل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي (إلى اليوم) يعني إلى عصر أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، قال أبو جعفر (يعطون الثلث والربع) مما يخرج من ثمر أو زرع.
وقال قيس بن مسلم عن أبي جعفر ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع. وزارع علي وسعد بن
مالك وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل علي وآل عمر. وعن طاووس أن معاذ بن جبل أكرى الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان على الثلث والربع. فهو يعمل به إلى يومك هذا. رواه ابن ماجه. وذكر البخاري وغيره آثاراً كثيرة عن السلف توجب أنه لم ينقل خلاف في الجواز. وتمسك بذلك الجمهور. وقالوا يجوز العقد على المساقاة والمزارعة مجتمعتين. فتساقيه على النخل وتزارعه على الأرض. كما جرى في خيبر. ويجوز العقد على كل واحدة منهما منفردة. وفيه أيضاً بيان الجزء المساقى عليه من نصف أو ربع أو غيرهما من الأجزاء المعلومة.
وقال ابن القيم في قصة خيبر دليل على جواز المساقاة والمزارعة بجزء من الغلة من ثمر أو زرع. فإنه صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر واستمر على ذلك إلى حين وفاته صلى الله عليه وسلم ولم ينسخ البتة. واستمر عمل الخلفاء الراشدين عليه. وليس هذا من باب المواجرة في شيء بل من باب المشاركة وهو نظير المضاربة سواء اهـ. ومذهب أحمد وغيره أن المساقاة والمزارعة عقد جائز قياساً على المضاربة. والجمهور على أنه عقد لازم دفعاً للضرر. وقيل عليه العمل. واختاره الشيخ وغيره. وعليه فحكمها حكم الإجارة اللازمة. وعلى الأول إن فسخ المالك فللعامل الأجرة وإن فسخ العامل فلا شيء له.
وفي التبصرة جائزة من قبل العامل لازمة من جهة المالك.
وذكره الشيخ حمد بن معمر عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وأنه عليه العمل. وقال شيخ الإسلام إذا ترك العامل العمل حتى فسد الثمر فينبغي أن يجبر عليه ضمان نصيب المالك. لأن ترك العمل من غير فسخ العقد حرام وغرر. وهو سبب في عدم الثمر. وقال إذا فسدت المساقاة أو المزارعة استحق العامل نصيب المثل. وهو ما جرت العادة في مثله. لا أجرة المثل. وقال الصحيح من قولي العلماء أن هذه المشاركات إذا فسدت وجب نصيب المثل لا أجرة المثل. فيجب من الربح أو النماء إما مثله وإما نصفه كما جرت العادة في مثل ذلك. ولا يجب أجرة مقدرة. فإن ذلك قد يستغرق المال. وأضعافه. وإنما يجب في الفاسد من العقود نظير ما يجب في الصحيح. ليس هو أجرة مسماة بل جزء مشاع من الربح مسمى. فيجب في الفاسد نظير ذلك.
(وقال رافع بن خديج) بن رافع بن عدي بن زيد بن جشم الخزرجي الأنصاري عرض يوم بدر وأجيز يوم أحد وشهدها وما بعدها قيل مات سنة ثلاث وسبعين وقال البخاري مات زمن معاوية رضي الله عنهما. قال (كراء الأرض) أي إجارتها (بالذهب والفضة) ولأبي داود وغيره عنه مرفوعاً "أما بالذهب والفضة فـ (ـلا بأس به) وما نهي عنه فلأجل الجهالة والغرر والحظر. وأما بشيء معلوم فلا. وذكر ابن المنذر أن الصحابة أجمعوا على جواز كراء الأرض بالذهب والفضة. ونقل
ابن بطال اتفاق فقهاء الأمصار عليه.
قال رافع (إنما كان الناس يؤاجرون) أي يكرون أراضيهم للزرع ونحوه (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيكون لهم ما (على الماذيانات) مجاري الماء وما ينبت حول السواقي. والماذيانات الأنهار كلمة أعجمية (وأقبال الجداول) بفتح الهمزة أوائل السواقي جمع جدول. وهو النهر الصغير (وأشياء من الزرع) يعني مجهولة المقدار (فيهلك هذا) بكسر اللام (ويسلم هذا) أي ربما يهلك هذا وربما يسلم هذا دون الآخر (ولم يكن للناس كراء إلا هذا) يعني الشيء المجهول وهو غرر (فلذلك زجر عنه) يعني النبي صلى الله عليه وسلم أو بالبناء للمجهول. والمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لما فيه من الغرر المؤدي إلى التشاجر وأكل أموال الناس بالباطل.
فدل الحديث وما في معناه على تحريم المساقاة والمزارعة على ما يفضي إلى الغرر والجهالة. ويوجب المشاجرة. فلأحمد وأبي داود والنسائي عن سعد بن أبي وقاص أن أصحاب المزارع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يكرون مزارعهم بما يكون على السواقي. وما سعد بالماء مما حول النبت. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختصموا في ذلك فنهاهم أن يكروا بذلك (فأما شيء معلوم مضمون) الحفظ والعمل عليه حتى يسلم إلى أهل الأرض (فلا بأس به رواه مسلم) وروي من غير وجه بألفاظ متقاربة.
وقال ابن المنذر قد جاءت الأخبار عن رافع بعلل تدل على أن النهي كان لتلك العلل. وهي التي كانوا يعتادونها. قال كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه. وبهذه الروايتين يتضح المتفق عليه لفظًا وحكمًا.
قال ابن القيم المزارعة أبعد عن الظلم والغرر من الإجارة فإن أحدهما غانم ولا بد. وأما المزارعة فإن حصل الزرع اشتركًا فيه. وإن لم يحصل شيء اشتركا في الحرمان. فهذا أقرب إلى العدل. وأبعد عن الظلم والغرر من الإجارة. وذكر أن المزارعة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه لم يتناولها النهي بحال.
قال الشيخ ولو دفع أرضه إلى آخر يغرسها بجزء من الغراس صح كالمزارعة. ولو كانت مغروسة فعامله بجزء من غراسها صح. ولا فرق بين أن يكون الغارس ناظر وقف أو غيره. وقال وإن غارسه على أن لرب الأرض دراهم مسماة إلى حين إثمار الشجر. فإذا أثمرت كانا شريكين في الثمر. هذه لا أعرفها منقولة وقد يقال هذا لا يجوز كما لو اشترط في المزارعة والمساقاة دراهم مقدرة مع نصيبه من الزرع والثمر. فإن هذا لا يجوز بلا نزاع. كما لو اشترطا شيئًا مقدرًا. فإنه قد لا يحصل إلا ذلك المشروط فيبقى الآخر لا شيء له. لكن الأظهر أن هذا ليس بمحرم، اهـ.
ويلزم العامل كل ما فيه صلاح الثمرة. وصاحب الملك ما يصلحه. والمرجع إلى العرف في هذه الأشياء. وأما
الكلف السلطانية فقال الشيخ يتبع في الكلف السلطانية العرف ما لم يكن شرطًا. وما طلب من قرية من كلف سلطانية ونحوها فعلى قدر الأموال. وإن وضع على المزارع فعلى ربه. وعلى العقار فعلى ربه. ومطلقًا فالعادة.
(وعنه مرفوعًا: من زرع في أرض قوم بغير إذنهم) أي غصب أرض قوم بغير إذنهم وزرعها (فليس له من الزرع شيء) الزرع لمالك الأرض لتصرفه فيها بغير إذن مالكها (وله نفقته) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه و (حسنه البخاري) والترمذي. وتكلم فيه بعضهم. وقال ابن القيم ليس مع من ضعف الحديث حجة. فإن رواته محتج بهم في الصحيح. وهم أشهر من أن يسأل عن توثيقهم. واحتج به أحمد وأبو عبيد. وله شاهد من حديث رافع بن خديج في قصة الذي زرع في أرض ظهير بن رافع. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا الزرع ويردوا عليه نفقته. وقال فيه: لأصحاب الأرض "خذوا زرعكم" وذكر أنه محض القياس لو لم يأت فيه حديث. فمثل هذا الحديث الحسن الذي له شاهد من السنة على مثله. وقد تأيد بالقياس الصحيح من حجج الشريعة. وقال أحمد إذا كان الزرع قائمًا فهو لصاحب الأرض. فأما إذا حصد فإنما يكون له الأجرة.
* * *