المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الإجارة لغة المجازاة. يقال آجره الله على عمله إذا جازاه - الإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم - جـ ٣

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الجهَاد

- ‌فصل في وجوب الطاعة

- ‌فصل في الغنيمة

- ‌فصل في الفيء

- ‌باب الأمان

- ‌باب عقد الذمة

- ‌كتابُ البَيع

- ‌فصل فيما نهي عنه

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌باب الخيار

- ‌باب الربا

- ‌باب بيع الأصول والثمار

- ‌باب السلم

- ‌باب القرض

- ‌باب الرهن

- ‌باب الضمان

- ‌فصل في الكفالة

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الصلح

- ‌فصل في حجر السفه

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الشركة

- ‌فصل في المضاربة

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الإجارة

- ‌باب السبق

- ‌باب العارية

- ‌باب الشفعة

- ‌باب الوديعة

- ‌باب إحياء الموات

- ‌باب الجعالة

- ‌باب اللُقَطة

- ‌باب اللقيط

- ‌باب الوقف

- ‌فصل في شرط الواقفوإبدال الوقف لحاجة وغير ذلك

- ‌باب الهبة

- ‌فصل في العطية

- ‌باب الوصايا

- ‌فصل في الموصى له وإليه

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب الفروض

- ‌باب التعصيب

- ‌باب ميراث ذوي الأرحام

- ‌باب ميراث الحمل والمفقود والخنثى والغرقي

- ‌باب ميراث أهل الملل

- ‌باب ميراث المطلقة والمقربة

- ‌باب ميراث القاتل والمبعض والولاء

- ‌باب العتق

- ‌باب الكتابة

- ‌كتاب النكاح

- ‌فصل في أركانه

- ‌فصل في اشتراط الرضى

- ‌فصل في الولي

- ‌فصل في الشهادة

- ‌فصل في الكفاءة

- ‌باب المحرمات في النكاح

الفصل: ‌ ‌باب الإجارة لغة المجازاة. يقال آجره الله على عمله إذا جازاه

‌باب الإجارة

لغة المجازاة. يقال آجره الله على عمله إذا جازاه عليه. فهي مشتقة من الأجر. وهو العوض. ومنه سمي الثواب أجرًا. وفي التنزيل {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} والإجارة عقد على منفعة مباحة معلومة. من عين معينة أو موصوفة في الذمة. مدة معلومة. أو عمل معلوم. بعوض معلوم. واتفقوا على أن العقد فيها يتعلق بالمنفعة دون الرقبة. وهي نوع من المعاوضة العامة. لا نوع من البيع عند الإطلاق. وتنعقد بلفظ الإجارة والكراء وغير ذلك مما يعرف المتعاقدان به المقصود.

وتصح بثلاثة شروط. معرفة المنفعة ومعرفة الأجرة والإباحة في نفع العين. ويشترط في العين المؤجرة خمسة شروط: معرفتها برؤية أو صفة. والعقد على نفعها. والقدرة على تسليمها. واشتمالها على المنفعة وأن تكون للمؤجر أو مأذونًا له فيها. وهي عقد لازم من الطرفين عند جمهور العلماء. لأنها نوع من البيع. فليس لأحدهما فسخها لغير عيب ونحوه. وجائزة في الجملة بالكتاب والسنة والإجماع. ومن الرخص المستقر حكمها على وفق القياس.

(قال تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} أي فإن أرضعن

أولادكم وهن طوالق {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} على إرضاعهن

فمتى أرضعت استحقت أجر مثلها. ولها أن تمتنع لكن بعد أن

ص: 268

تسقيه اللبأ الذي لا قوام للمولود إلا به. فدلت الآية على جواز الإجارة. وقال الوزير اتفقوا على أنه يجوز استئجار الظئر للرضاع. وقال الشيخ يصح أن يستأجر الحيوان لأخذ لبنه. ولو جعل الأجرة نفقته وهو مذهب مالك. وقال إذا استأجر حيوانًا لأخذ لبنه فنقص عن العادة كان كتغير العادة بتغير العادة في المنفعة يملك المستأجر الفسخ.

(وقال: {وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} يعني الأب {رِزْقُهُنَّ} طعامهن {وَكِسْوَتُهُنَّ} لباسهن {بِالْمَعْرُوفِ} أي على قدر الميسرة. وبما جرت به عادة أمثالهن في بلدهن. من غير إسراف ولا إقتار. قال الشيخ ولا يفتقر إلى تقدير عوض. ولا إلى صيغة. بل ما جرت العادة بأنه إجارة فهو إجارة. يستحق فيه أجرة المثل في أظهر قولي العلماء {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَاّ وُسْعَهَا} أي طاقتها. فلا يكلف الوالد من الإنفاق عليه وعلى أمه إلا بما تتسع به قدرته. وقال في الآية الأخرى {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ} وسيأتي إن شاء الله.

والمراد هنا مشروعية الإجارة وصحتها في الظئر بطعامها وكسوتها. وكذا الأجير. كما روي عن أبي بكر وعمر وغيرهما. ولحمل الإطلاق عليه. وقال ابن القيم فقد أجرى الشارع الشرط العرفي كاللفظي. ومنه لو دفع ثوبه إلى من يعرف أنه يغسل أو يخيط بالأجرة. أو عجينه لمن يخبزه أو لحمًا لمن يطبخ أو متاعًا لمن يحمله. ونحو ذلك ممن نصب نفسه للأجرة على ذلك.

ص: 269

وجب له أجرة مثله. وإن لم يشترط معه ذلك لفظًا عند الجمهور حتى عند المنكرين لذلك فإنهم ينكرونه بألسنتهم ولا يمكنهم العمل إلا به.

وإن قال إن ركبت هذه الدابة إلى أرض كذا فلك عشرة. أو إلى أرض كذا فلك خمسة عشر. أو إن خط هذا القميص اليوم فلك درهم أو غدًا فنصف درهم. أو إن زرعت أرضي حبًا فمائة أو شعيرًا فمائتان فقال ابن القيم وغيره. هذا كله جائز صحيح لا يدل على بطلانه كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح. ولا نزاع فيه في عصر الصحابة رضي الله عنهم. بل الثابت عنهم جوازه. كما ذكره البخاري عن عمر أنه إذا دفع أرضه إلى من يزرعها. قال إن جاء عمر بالبذر فله كذا وإن جاؤا به فله كذا. ولم يخالفه صحابي. ولا محذور فيه. ولا غرر ولا جهالة. ولا يقع إلا معينًا والخيرة إلى الأجير.

(وقال) تعالى {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا} أي إحدى ابنتي شعيب {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} الآية) اتخذ أجيرًا ليرعى أغنامنا {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِين} أي خير من استعملت من هو قوي على العمل وأداء الأمانة {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} أي أن تكون أجيرًا لي إلى ثمان سنين {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ

عِندِكَ} أي تفضل منك. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "آجر

موسى نفسه ثمان سنين أو عشر سنين على عفة فرجه وطعام

ص: 270

بطنه" واستدلوا بهذه الآية على صحة استئجار الأجير بالطعام والكسوة.

{قَالَ لَوْ شِئْتَ} أي قال موسى للخضر لو شئت يعني لو أردت على إقامتك الجدار الذي انقض {لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ} أي على إقامته {أَجْرًا} مكافأة وإثابة على عملك. فإنك قد علمت أننا جياع وأن أهل القرية لم يطعمونا فلو أخذت على عملك أجرًا. فدلت الآية على صحة الإجارة على إقامة الجدار ونحوه.

(واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر) رضي الله عنه عند خروجهما من مكة إلى المدينة عام الهجرة (رجلًا من بني الديل) بكسر الدال. واسمه عبد الله بن أريقط. والديل حي من عبد القيس (هاديا) إلى سواء السبيل (خريتا) أي ماهرًا بالهداية. وهو على دين كفار قريش فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال. فأتاهما براحلتيهما صبيحة ثالثة فارتحلا (رواه البخاري) وغيره في قصة الهجرة عن عائشة رضي الله عنها. وفيه دليل على جواز الإجارة. واشتراط معرفة المنفعة وجواز استئجار المسلم للكافر هداية الطريق إذا أمنه. والبخاري ترجم عليه: باب استئجار المشركين عند الضرورة.

وقال ابن بطال وغيره الفقهاء يجيزون استئجار المشركين

ص: 271

عند الضرورة وغيرها. لما في ذلك من الذلة لهم. وإنما الممتنع أن يؤجر المسلم نفسه من المشرك. لما فيه من الإذلال اهـ. والمراد ليستخدمه. وأما لغير الخدمة كإجارة نفسه منه في عمل معين في الذمة. كخياطة ثوب ونحوه. فقال الموفق يجوز بغير خلاف.

ولما يأتي في خبر علي رضي الله عنه. وأما إجارته داره ونحوها. فنصوص أحمد كثيرة في النهي عن إجارة المسلم داره من أهل الذمة. وبيعها لهم. وأكثر الأصحاب على التحريم. ما لم يعقد الإجارة على المنفعة المحرمة. فإن آجره إياها لأجل بيع الخمر أو اتخاذها كنيسة أو بيعة لم يجز قولًا واحدًا. حكاه الشيخ وغيره.

وقال بعض الفقهاء يجب على المؤجر كلما يتمكن به من النفع لأن عليه التمكين من الانتفاع. وفي المغني من أكرى بعيرًا لإنسان ليركبه بنفسه وسلمه إليه لم يلزمه سوى ذلك. بخلاف ما إذا عقد ليسافر معه والجمهور أن العمل في ذلك على العرف والعادة. وتنفسخ بتلف العين المؤجرة. وموت الراكب ونحو ذلك.

(وله) أي البخاري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه

(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما بعث الله نبيًا) أي من قبلي من الأنبياء

(إلا رعى الغنم) لما يحصل في رعايتها من الجلم والشفقة.

فقال أصحابه وأنت "قال نعم" أي كنت أرعى الغنم.

ولذا (قال: كنت أرعاها على قراريط) قال سويد بن

ص: 272

سعيد كل شاة بقيراط نصف عشر دينار وثلث ثمنه (لأهل مكة) وللنسائي من حديث نصر افتخر أهل الإبل والغنم فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم "بعث موسى وهو راعي غنم. وبعث داود وهو راعي غنم وبعثت أنا راعي غنم".

قال بعض أهل العلم الحكمة في الهام رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما سيكلفونه من القيام بأمر أمتهم. لأن في مخالطتها ما يحصل منه الحلم والشفقة على أمته. لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في الرعي. ونقلها من مسرح إلى مسرح. ودفع عدوها من سبع وغيره.

وعلموا أن اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة ألفوا من ذلك الصبر على الأمة. وعرفوا اختلاف طباعها. وتفاوت عقولها. فجبروا كسرها. ورفقوا بضعيفها. وأحسنوا التعاهد لها. وتكون مشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام به أول وهلة. لما يحصل لهم من التدرج بذلك. والحديث دليل على جواز الإجارة على رعي الغنم. ويلحق بها في الجواز غيرها من الحيوانات.

(وعن سويد بن قيس) العبدي أبو مرحب الكوفي

رضي الله عنه (في رجل يزن بالأجر) أي بالأجرة وذلك

أنه قدم مكة ببز من هجر فاشترى منه سراويل. وثم رجل

يزن بالأجر (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم زن) أي زن ثمن

السراويل (وارجح) أي رجح الميزان. رواه الخمسة وغيرهم

ص: 273

(وصححه الترمذي) فدل على جواز الاستئجار على الوزن وجواز أخذ الأجرة عليه. وعلى الكيل. وما في معناهما كأجرة القاسم والحاسب.

قال الشيخ والوزن بالقبان كالوزن بسائر الموازين إذا وزن بالعدل جاز أخذ الأجرة ممن وزن له اهـ. وفيه أن أجرة وزن الثمن على المشتري. لأن الإيفاء يلزمه. والمبيع على البائع وهو قول فقهاء الأمصار. إلا أن يكون ثم عادة مطردة في البلد. وفيه استحباب ترجيح المشتري في وزن الثمن ومثله المبيع.

(وعن علي) رضي الله عنه (قال عملت) بالأجرة ليهودية (كل ذنوب) هو الدلو الملآ (على تمرة) وقال مددت ستة عشر ذنوبًا حتى مجلت يداي أي تنفطت. ثم أتيتها فعدت لي ست عشرة تمرة (وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم) بذلك وجئته بها (وأكل معي منها) أي من تلك التمرات (رواه أحمد) ولابن ماجه من حديث ابن عباس أن عليًا آجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة. وفي الصحيح أن خبابًا عمل للعاص بن وائل بمكة قال الحافظ واطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وأقره.

فدل على جواز إجارة المسلم نفسه في نحو ذلك. لأنه عقد معاوضة لا يتضمن إذلاله ولا استخدامه. وقال ابن المنير استقرت المذاهب على أن الصناع في حوانيتهم يجوز لهم العمل

ص: 274

لأهل الذمة. ولا يعد ذلك من الذلة. بخلاف أن يخدمه في منزله وبطريق التبعية له. ودل أيضًا على جواز الإجارة معادة. قال ابن القيم لو آجره كل شهر بدرهم صح. وإن كانت جملة الأجرة غير معلومة تبعًا لمدة الإجارة فقد صح عن علي أنه آجر نفسه كل دلو بتمرة. وأكل النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك التمر.

وفي الحديثين ما كان الصحابة عليه من العيش للتعفف عن السؤال وتحمل المنن. وأن تأجير النفس لا يعد دناءة. وإن كان المستأجر غير شريف أو كافرًا. والأجير من أشراف الناس وعظمائهم. وإن آجر دارًا ونحوها مدة معلومة ولو طويلة يغلب على الظن بقاء العين فيها صح. وقفًا كانت أولا. لأن المعتبر كون المستأجر يمكنه استيفاء المنفعة منها غالبًا. وقال الشيخ ليس لوكيل مطلق إجارة مدة طويلة. بل العرف كسنتين ونحوهما إذا رأى المصلحة في ذلك قال وتجوز إجارة العين المؤجرة في مدة الإجارة. ويقوم المؤجر الثاني مقام المالك في استيفاء الأجرة من المستأجر الثاني وتجوز بزيادة.

وإن شرط أن لا يستوفيها إلا بنفسه أو أن لا يؤجرها إلا لعدل أو أن لا يؤجرها لزيد صح لكن لو تعذر على المستأجر الاستيفاء بنفسه فينبغي أن يثبت له الفسخ. كما لو تعذرت المنفعة. قال وليس له إخراج المستأجر قبل انقضاء المدة لأجل زيادة أو غيرها. وما فعله بعض متأخري الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد من التفريق بين أن يزاد قدر الثلث فهو قول

ص: 275

مبتدع لا أصل له عند أحد من الأئمة. لا بسبب تفاوت وقت ولا وقف ولا غيره.

وإذا التزم المستأجر بهذه الزيادة على الوجه المذكور لم تلزمه اتفاقًا. كخوفه من الإخراج. بل له استرجاعها. ولا عبرة بما يحدث في أثناء المدة من ارتفاع الكراء أو انخفاضه. وقال فيمن احتكر أرضًا بنى فيها مسجدًا أو بناء وقفه عليه. متى فرغت المدة وانهدم البناء زال حكم الوقف. وأخذوا أرضهم. فاستنفعوا بها. وما دام البناء قائمًا فيها فعليه أجرة المثل. كوقف علو ربع أو دار مسجدًا. ووقف البناء لا يسقط حق ملاك الأرض. وذكر في الفنون معناه. وقال في الإنصاف هو الصواب. ولا يسع الناس إلا ذلك. وإن شرط قلعه لزمه بلا نزاع. وإن كان إبقاؤه بتفريط المستأجر فللمالك أخذه بالقيمة. وقيل بنفقته. أو تركه بالأجرة بلا نزاع. وبغير تفريط له أجرة مثله لما زاد بلا نزاع.

(وله عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه قال

(نهى صلى الله عليه وسلم عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره) ولفظ

عبد الرزاق "من استأجر أجيرًا فليسم له أجره" ففيه النهي

عن استعمال الأجير حتى يسمي له أجره. وهو أحد

شروط الإجارة. لئلا يكون مجهولًا فيؤدي إلى التشاجر

والخصام. ولا يجب عند مالك وأحمد وغيرهما للعرف. واستحسان المسلمين قال الشيخ وإذا ركن المؤجر إلى شخص

ص: 276

ليؤجره لم يكن لغيره الزيادة عليه. فكيف إذا كان المستأجر ساكنًا في الدار. فإنه لا تجوز الزيادة على ساكن الدار اهـ. ومثله من يعمل له عملًا.

(وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم) حجمه أبو طيبة واسمه نافع (وأعطي الحجام أجره) صاعين من طعام (رواه البخاري) وفي لفظ أعطاه أجره صاعًا أو صاعين. وقال ابن عباس لو كان حرامًا وفي لفظ سحتًا لم يعطه. وفي لفظ لو علم كراهيته لم يعطه. فدل على أنه حلال. وذهب جمهور العلماء إلى أنه حلال. محتجين بهذا الخبر وغيره. وقالوا هو كسب فيه دناءة وليس بمحرم. وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي يجوز ويباح للحر. ولأنها منفعة مباحة لا يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة.

(ولمسلم عن رافع مرفوعًا: كسب الحجام خبيث) وكره أحمد وجمهور السلف للحر الاحتراف بالحجامة والانفاق على نفسه من أجرتها. ويجوز له الإنفاق على الرقيق والدواب. لحديث محيصة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام فنهاه فذكر له الحاجة فقال "أعلفه نواضحك" وأباحوه للعبد مطلقًا. وقال الشيخ اتخاذ الحجامة صناعة يتكسب بها هو مما نهي عنه عند إمكان الاستغناء عنه. فإنه يفضي إلى كثرة مباشرة النجاسات والاعتناء بها. لكن إذا عمل ذلك العمل بالعوض استحقه. وإلا فلا يجتمع عليه استعماله في مباشرة النجاسة وحرمانه

ص: 277

أجرته ونهى عن أكله مع الاستغناء عنه مع أنه ملكه وإذا كان محتاجًا إلى هذا الكسب ليس له ما يغنيه عنه إلا مسألة الناس فهو خير له من سؤال الناس. قال بعض السلف كسب فيه دناءة خير من مسألة الناس.

(وعن عمران بن حصين) رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اقرؤا القرآن) وفضله وفضل قراءته معلوم (واسألوا الله به) حاجات الدنيا والآخرة فهو كلام الله وصفة من صفاته. ولا يسأل إلا بالله وأسمائه وصفاته (فإن من بعدكم) و "لا يأتي زمان إلا وما بعده شر منه"(يقرؤون القرآن) وجاء لا يجاوز حناجرهم (يسألون الناس به) يتأكلون بالقرآن (رواه الترمذي) وغيره ولأبي داود عن عبادة علمت ناسًا من أهل الصفة الكتاب والقرآن فأهدى إلى رجل منهم قوسًا فقلت ليست بمال وارمي عليها في سبيل الله فقال "إن كنت تحب أن تطوق طوقًا من نار فاقبلها" ولأحمد عن عبد الرحمن ابن شبل: "اقرؤا القرآن ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به".

وفيه دليل على أنه لا تصح الإجارة على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة. كتعليم القرآن. وكالحج والأذان. لأن من شرط هذه الأفعال كونها قربة. بخلاف العمل الذي يكون قربة ويكون غير قربة. كبناء مسجد وتعليم خط. ونحو ذلك. وقال الشيخ لا يصح الاستئجار على القراءة وإهدائها إلى

ص: 278

الميت. لأنه لم ينقل عن أحد من الأئمة الإذن في ذلك. وقد قال العلماء إن القارئ إذا قرأ لأجل المال فلا ثواب له. فأي شيء يهدي إلى الميت. وإنما يصل إلى الميت العمل الصالح، والاستئجار على مجرد التلاوة لم يقل به أحد من الأئمة.

وقال لا يجوز أن يستأجر من يصلي عنه نافلة. ولا فريضة في حياته. ولا بعد وفاته باتفاق الأئمة. وأما ما يؤخذ من بيت المال فقال ليس عوضًا وأجرة بل رزق للإعانة على الطاعة. فمن عمل منهم لله أثيب. وما يؤخذ رزق للإعانة على الطاعة. وكذلك الموقوف على أعمال البر. والموصي به كذلك. والمنذور له ليس كالأجرة. وجوز أخذ الأجرة مع الحاجة. وذكره وجهًا في المذهب وهو مذهب مالك في غير الإمامة.

(وعن ابن عباس في قصة اللديغ) وذلك أن نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ فقالوا هل فيكم من راق؟ فرقى أحدهم بفاتحة الكتاب على شاء فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا أخذت على كتاب الله أجرًا و (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا) أي مكافأة (كتاب الله رواه البخاري) ولفظ حديث أبي سعيد لم يرقه حتى شرط عليه قطيعًا من غنم فتفل عليه وقرأ عليه (الحمد لله رب العالمين) ولما ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال "قد أصبتم واضربوا لي معكم سهمًا".

ص: 279

فدل الحديث على جواز أخذ العوض على الرقية بالفاتحة. والذكر. وأنها حلال لا كراهية فيها. فإن هذا عوض في مقابلة قراءة القرآن. وبها استدل الجمهور على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد. وأما تعليم القرآن والعلم بغير أجرة فقال الشيخ وغيره هو أفضل الأعمال وأحبها إلى الله. وقوله "اضربوا لي معكم سهمًا" من باب المروآت والتبرعات ومواساة الأصحاب. وإلا فجميعها ملك للراقي. لكن قاله تطييبًا لأنفسهم.

(ويأتي) في كتاب النكاح (أنه) صلى الله عليه وسلم (زوج رجلًا) قال الحافظ لم أقف على اسمه (على سور من القرآن) وفي لفظ "فعلمها من القرآن" ولأبي داود "عشرين آية" وجاء بألفاظ تدل على جواز جعل تعليم الرجل لامرأته من القرآن مهرًا. وهذا الخبر يؤيد حديث ابن عباس وأبي سعيد وما في معناهما على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن. ولأنه يجوز أخذ الرزق والجعل عليه فجاز أخذ الأجرة كبناء المساجد ولحاجة الاستنابة في الحج عمن وجب عليه. وعجز عن فعله. وجوزه شيخ الإسلام للحاجة. وقال من جوزه لأنه نفع يصل إلى المستأجر كسائر النفع. وجوز إيقاعها عبادة في هذه الحال لما فيها من النفع.

واستثنى الأكثر الإمامة. وتقدم ما في الحج عن الغير. وعن أحمد التعليم أحب إلي من أن يتوكل لهؤلاء السلاطين. أو

ص: 280

لرجل من عامة الناس في ضيعة. ومن أن يستدين ويتجر. لعله لا يقدر على الوفاء. فيلقى الله بأمانات الناس. واختار الموفق والشيخ وغيرهما جواز أخذ الأجرة على تعليم الفقه والحديث ونحوهما. ويجوز أخذ رزق على ذلك من بيت المال.

(وعن عمرو بن شعيب) عن أبيه عن جده رضي الله عنه (مرفوعاً) إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من تطبب) أي تعاطى علم الطب (ولم يعلم منه طب) أي لم يعلم منه معرفة جيدة للطب ومداواة الجسم. وقيل ولا شهادة له بعلم الطب (فهو ضامن) أي غارم جنايته (رواه أبو داود) والترمذي والحاكم وغيرهم. وله أيضاً عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز "أيما طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن" وفيه مجهول.

فدل على أن تعاطي الطب يضمن ما حصل من الجناية بسبب علاجه. لأنه لا يباح له مباشرته إذًا. وإما من علم منه أنه طبيب فلا ضمان عليه. وهو من يعرف العلة ودواءها. وله مشائخ في هذه الصناعة شهدوا له بالحذق فيها. وأجازوا له المباشرة. ولا يضمن أجير خاص ما جنت يده خطأ. ولا حجام ونحوه عرف ححذقه. وراع ونحوه لم يتعد. ولم يفرط. وحكى الوزير الاتفاق على أن الراعي لا يضمن ما لم يتعد. وإن اختلفا في التعدي ولا بينة فقوله. وإن تعدى ضمن بلا خلاف.

ص: 281

ويضمن الأجير المشترك ما تلف بفعله عند الجمهور. لا من حرزه ونحوه. لأن العين أمانة في يده كالمودع. وإن حبسها على أجرته فتلفت فقال ابن القيم له حبسها حتى يتسلم الأجرة. وعلله بأن العمل يجري مجرى الأعيان. فكأنه شريك لصاحب العين. وله ذبح مأكول. ويقبل قوله أنه لم يذبحه إلا خوفًا من موته. قال ابن القيم ما لم يثبت بينهما عداوة وحقد.

(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة) ومن كنت خصمه خصمته. وهو تعالى خصم لجميع الظالمين. لكنه أريد التشديد على هؤلاء بالتصريح (منهم: رجل استأجر أجيرًا) أي استخدمه بعوض (فاستوفى منه) العمل الذي استأجره فيه بعوض (ولم يوفه أجره) فهو تعالى خصمه لأجل ظلمه الأجير (رواه البخاري) وأهل السنن وغيرهم والثاني "رجل أعطي بي ثم غدر" أي حلف بي أو أعطى الأمان بي ثم غدر. أي نكث العهد. والثالث "رجل باع حرًا فأكل ثمنه" وتقدم. ومن استأجر أجيرًا ولم يوفه أجره فهو كمن باع حرًا فأكل ثمنه. لأنه استوفى منفعته بغير عوض. فكأنه أكلها فمن استخدمه بغير أجرة فكأنه استعبده. ولهذا عطفه عليه.

(ولابن ماجه من حديث ابن عمر وفيه ضعف) وله شواهد ضعاف أيضًا بمعنى (أعطوا الأجير أجره) أي عوض عمله (قبل أن يجف عرقه) مبالغة في تعجيله أجره وتحذيرًا من

ص: 282