الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يرث النساء من الولاء إلا ولاء من أعتقن، أي باشرن عتقه، أو عتق عليهن بنحو كتابه، أو أعتقه من أعتقن، أي عتيق عتيقهن وأولادهم، ومن جروا ولاءه (قال أحمد وهو قول أكثر الناس) فمن أعتقن أو عتق عليهن ورثته بلا خلاف، لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم "إنما الولاء لمن أعتق" وأن "المرأة تحوز إرث عتيقها" ولأنها منعمة بالإعتاق كالرجل، ما لم يوجد عصبة نسب أو ذي فرض يستغرق المال.
ولا يرث بالولاء ذو فرض إلا أب وجد يرثان السدس مع الابن أو ابنه. وإن مات السيد عن ابنين ثم مات أحدهما عن ابن ثم مات عتيقه فإرثه لابن سيده وحده، لأنه أقرب عصبة إليه، وهو معنى قوله "للكبر" ولو مات ابنا السيد وخلف أحدهما ابنًا والآخر تسعة، ثم مات العتيق فإرثه على عددهم كالنسب، وهو قول أكثر العلماء، ولو اشترى أخ وأخته أباهما فعتق عليهما، ثم ملك قنا فاعتقه، ثم مات الأب ثم العتيق، ورثه الابن بالنسب دون أخته بالولاء، وتسمى مسألة القضاة، فروي عن مالك أنه سأل عنها سبعين من قضاة العراق فأخطأوا فيها.
باب العتق
وهو لغة الخلوص ومنه عتاق الخيل أي خالصها وعتق الفرخ إذا طار. والرقيق يخلص بالعتق ويذهب حيث شاء.
وسمي البيت العتيق لخلوصه من أيدي الجبابرة وشرعًا تحرير الرقبة وتخليصها من الرق. وهو مندوب إليه بالكتاب والسنة والإجماع.
(قال تعالى: {فَتَحْرِيرُ} أي عتق {رَقَبَةٍ} كفارة لما ارتكبه من الذنب العظيم. وهو قتل المؤمن وإن كان خطأ وإنما كانت كفارة لعظم الأجر في تحريرها وتخليصها من الرق وخصت الرقبة مع وقوعه على جميع البدن لأن ملك السيد له كالغل في رقبته المانع له من التصرف. فإذا عتق فكأن رقبته أطلقت من ذلك الغل. وجعلها تعالى كفارة للظهار. فقال (فتحرير رقبة) وكفارة للأيمان فقال (وتحرير رقبة مؤمنة. ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) وكفارة للوطء في نهار رمضان بالسنة الصحيحة. ومتى كانت الرقبة مسلمة صح عتقها عن الكفارة فدلت الآية على فضيلة العتق.
وقال {فَكُّ رَقَبَة} أي إعتاقتها وإطلاقها فداء له من النار. وذلك أنه قال تعالى {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَة} أي فهلا أنفق ما له فيم يجوز به العقبة. ثم قال {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَة} تعظيمًا لشأنها. قيل عقبة في جهنم ثم أخبر عن مجاوزتها بفك الرقبة. ويشهد له الأحاديث الآتية في فكاكة من النار بعتق الرقبة فدلت هذه الآيات على عظم فضل عتق الرقاب. واتفق أهل العلم على أن العتق من القرب المندوب إليها بل من أفضلها لفك الرقبة من المحنة والبلوى بالرق.
(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أعتق رقبة مسلمة) وفي لفظ "ايما امرئ مسلم أعتق امرءًا مسلمًا (أعتق الله) وفي لفظ "استنقذ الله" (بكل عضو منه) أي من المعتق (عضوًا منه) أي من المعتق (من النار متفق عليه) وللبخاري "حتى فرجه بفرجه" وللترمذي نحوه وزاد فامرأتين كانتا فكاكه من النار" ولأحمد "أيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار".
فدل الحديث على أن العتق من القرب الموجبة للسلامة من النار. وأن إعتاق الذكر أفضل من المرأة. وأن التعدد أفضل. وأن اشتراط الإسلام لأجل هذا الأجر الجزيل وأنه بعد استحقاق المعتق للنار. وأنه لا نجاة له من النار بسبب عتق الكافرة وإن فيه فضل بلا نزاع لخبرا أسلمت على ما أسلفت" لكن ليس ثوابه كثواب الرقبة المسلمة. وإلا فعتق الكافرة يصح ولا أجر له، إلا أن انتهى أمره إلى الإسلام. وأجمعوا على أنه يصح عتق المالك التام الملك الصحيح الرشيد الغني غير العديم. وصريح العتق نحو أنت حر أو محرر أو عتيق أو معتق أو حررتك أو أعتقتك وهذه تلزم بالإجماع وكنايته نحو خليتك والحق بأهلك أو لا سبيل أو لا سلطان لي عليك وأنت لله أو مولاي وملكتك نفسه. فيقع العتق بها مع النية عند الجمهور والجمهور أن الأبناء تابعون في العتق والعبودية للأم.
(ولهما) أي البخاري ومسلم وغيرهما (عن أبي ذر) رضي الله عنه (قلت يا رسول الله أي الرقاب أفضل) أي عتقها (قال أنفسها عند أهلها) أي أعظمها وأعزها في نفوس أهلها. واغتباطهم بها أشد فإن عتق مثل ذلك ما يقع غالبًا إلا خالصًا كما قال تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}
(وأكثرها ثمناً) للبخاري "أعلاها ثمناً" بالعين المهملة. ومعناهما متقارب. فالأكثر قيمة أفضل من الأدنى قيمة. وهذا والله أعلم كما قال النووي وغيره فيمن أراد أن يعتق رقبة واحدة. أما لو كان مع شخص ألف درهم مثلاً أراد أن يشتري به رقاباً يعتقها فوجد رقبة نفيسة ورقبتين مفضوليتن. فالثنتان أفضل.
إلا أنه يختلف باختلاف الأشخاص. فلو كان شخص بمحل عظيم من العلم والعمل وانتفاع المسلمين به. فعتقه أفضل من عتق جماعة ليس فيهم هذه الصفات فيكون الضابط الأكثر نفعًا. ويستحب عتق من له كسب لانتفاعه بكسبه وكره بعضهم عتق من لا كسب له لئلا يسقط نفقته عنه ويصير كلام على الناس وكذا من يخاف منه زنا أو فساد، وإن علم أو ظن حرم لأنه وسيلة إلى فعل المحرم ويصح مع التحريم لصدوره في محله.
(وعن سفينة) أبي عبد الرحمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أصله من فارس فاشترته أم سلمة (قال أعتقتني أم سلمة)
بنت أبي أمية بن المغيرة أم المؤمنين واسمها هند رضي الله عنها (وشرطت علي أن أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عاش (رواه أحمد) والنسائي وابن ماجه ولأبي داود كنت مملوكًا لأم سلمة فقالت اعتقك واشترك عليك أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت فقال لو لم تشترطي علي ما فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت فأعتقتني واشترطت علي.
فدل على صحة اشتراط الخدمة على العبد المعتق. وصحة العتق المعلق على شرط. وأنه يقع بوقوع الشرط. لتقريره صلى الله عليه وسلم لذلك. قال ابن رشد لم يختلفوا أن العبد إذا اعتقه سيده على أن يخدم سنين أنه لا يتم عتقه إلا بخدمته ولخبر "المؤمنون على شروطهم " ولأن منافعه لسيده. فإذا أعتقه واستثنى منافعه فقد أخرج الرقبة وبقيت المنفعة. وإن علق عتقه على قدوم زيد أو رأس الحول عتق إذا قدم وجاء رأس الحول ولا يملك إبطاله ويصح على مال معلوم وإذا أداه عتق وإن كان له مال فلسيده عند الجمهور.
(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (مرفوعًا لا يجزي ولد عن والده) أي لا يكافئه بماله من الحقوق عليه (إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه رواه مسلم) وإنما كان العتق جزاء لأبيه. لأن العتق أفضل ما من به أحد على أحد. لتخليصه بذلك من الرق فتكمل له أحوال الأحرار. والحديث نص في عتق الوالد. ومثله الأم لما ثبت لها من الحقوق.
(وللخمسة) وغيرهم (عن سمرة مرفوعاً من ملك ذا رحم محرم) أي عليه (فهو حر) أي يعتق بملكه إياه. والرحم أصله موضع تكوين الولد ثم استعمل للقرابة فيقع على كل من بينك وبينه نسب يوجب تحريم النكاح. فإنه يعتق عليه. كالآباء وإن علوا والأولاد وإن سفلوا. والإخوة وأولادهم. والأخوال والأعمام دون أولادهم. ودون من حرم عليه برضاع. ومذهب أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم أن من ملك ذا رحم محرم عليه. يعني بنسب عتق. ذكراً كان أو أنثى. وحكاه ابن رشد قول جمهور العلماء.
إلا داود الظاهري فعنده لا يعتق إلا بالإعتاق. والسنة حجة عليه. وقد صحح هذا الحديث جماعة من الأئمة. فتعين العمل به. وقوله في حديث أبي هريرة فيعتقه. والله أعلم أنه لما كان شراؤه تسبب عنه العتق. نسب إليه العتق. لهذا الخبر ولما عليه الجمهور. فإن استنادهم إلى السنة واجتهادهم في اتباعها.
(وللبخاري استأذن رجال من الأنصار) من الطائفة المشهورة من بني النجار (أن يتركوا لابن أختهم العباس فداءه) وكانوا أخوال أبيه عبد المطلب. فإن أم عبد المطلب منهم. فهي سلمى بنت عمرو بن أحيحة من بني النجار ومثله قصة الهجرة ونزوله على أخواله بني النجار. وإنما هم أخوال جده
(فقال) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) أي لا تتركوا فداءه. فدل الحديث على أنه إذا كان في الغنيمة ذو رحم لبعض الغانمين
ولم يتعين له لم يعتق عليه. فإن العباس ذو رحم محرم من النبي صلى الله عليه وسلم. ومن علي رضي الله عنه. ومفهومه أنه لو تعين له لعتق فمن ملك سهماً ممن يعتق عليه بغير الميراث وهو موسر عتق عليه كله. وإن ملك جزءاً منه بميراث لم يعتق عليه إلا ما ملك منه. ولو كان موسراً.
(وتقدم) أي في باب الغصب (حديث من أعتق شركًا له في عبد) أي حصة ونصيبًا وفي لفظ "شقصًا" وهون النصيب أيضًا (وكان له مال) أي يبلغ ثمن العبد (قوم عليه قيمة عدل) بلا زيادة ولا نقص. وأعطى شركاءه حصصهم (وعتق عليه) أي العبد. والحديث متفق عليه وفيه "وإن لم يكن له مال يبلغ ثمن العبد فقد عتق منه ما عتق" وفي رواية "من أعتق عبدًا بينه وبين آخر قوم عليه في ماله قيمة عدل ولا وكس ولا شطط ثم عتق عليه في ماله إن كان موسرًا".
وفي رواية للبخاري "فإن كان موسرًا قوم عليه ثم يعتق" وفي رواية "وجب عليه أن يعتق كله إن كان له مال. قدر ثمنه يقام قيمة عدل ويعطى شركاءه حصصهم ويخلى سبيل المعتق" وفي رواية "وكان له من المال ما يبلغ قيمته بقيمة العدل فهو عتيق" ولمسلم "عتق ما بقي في ماله إذا كان له مال يبلغ ثمن العبد" ولأحمد وقال "ليس لله شريك" فدلت هذه الأحاديث وغيرها على أن من له حصة في عبد إذا أعتق حصته فيه وكان موسرًا لزمه تسليم حصة شريكه بعد تقويم الشريك تقويم
مثله. وعتق عليه العبد جميعه.
وأجمع أهل العلم على أن نصيب المعتق يعتق بنفس الإعتاق. واختار الشيخ بدفعها وأنه إن أعتق الشريك قبل الدفع نفذ. ودلت على أنه لا يعتق سنصيب شريكه إلا مع يسار المعتق لا مع إعساره. لقوله "وكان له مال" وإن لم يكن له مال فقد عتق منه ما عتق" وهي حصته. أما لو كان يملكه كله فأعتق بعضه عتق عليه كله. قال ابن رشد هذا متفق عليه. وقال أيضًا جمهور علماء الحجاز والعراق مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأحمد وغيرهم يقولون يعتق عليه كله. لما ثبتت به السنة في إعتاق نصيب الغير على الغير لحرمة العتق. فلأن يجب ذلك عليه في ملكه أولى وأحرى.
(ولهما من حديث أبي هريرة) رضي الله عنه نحو ما تقدم ولفظه "من أعتق شقصًا له من مملوكه فعليه خلاصه في ماله (وإلا) أي وإن لم يكن له مال (قوم العبد عليه) أي قيمة عدل لا جور ولا شطط (ثم استسعى) يعني العبد في النصيب الذي لم يعتق (غير مشقوق عليه) قال جماعة من أهل التحقيق هذه الزيادة ثابتة في الصحيحين والجمع ممكن فالمعسر إذا أعتق حصته لم يسر العتق في حصة شريكه بل تبقى حصة
شريكه على حالها. وهي الرق ثم يستسعى العبد في عتق بقيته
إن اختار ذلك. واختاره الشيخ وغيره لقوله "غير مشقوق
عليه" فيحصل ثمن الجزء الذي لشريك سيده ويدفعه إليه.
ويعتق. وجعلوه في ذلك كالمكاتب وجزم بذلك الجمهور ولأبي داود "واستسعى في قيمته لصاحبه".
(ولهما عن جابر أن رجلًا) اسمه أبو مذكور كما في مسلم (أعتق غلامًا له عن دبر) وفي لفظ أعتق رجل من الأنصار غلامًا له اسمه يعقوب عن دبر. بضم الباء وهو العتق في دبر الحياة سمي بذلك لأن الموت دبر الحياة. أو لأنه دبر أمر دنياه باستخدامه ذلك المدبر. واسترقاقه. ودبر أمر آخرته بإعتاقه. وتحصيل أجر العتق. وسيده علق عليه عتقه بموته. والتعليق نحو أن يقول أنت حر بعد موتي. أو أنت حر عن دبر مني أو إذا مت فأنت حر أو أنت مدبر. هذه ألفاظ التدبير بالاتفاق. فدل على مشروعية التدبير وهو إجماع.
واتفقوا على أن الذي يقبل هذا العقد هو كل عبد صحيح العبودية. ليس يعتق على سيده سواء ملكه كله أو بعضه. وأن من شروط المدبر أن يكون مالكًا تام الملك غير محجور عليه سواء كان صحيحًا أو مريضًا وأن من شرطه أن لا يكون الدين أحاط بماله. ولا يبطل بإبطال ولا رجوع لأنه تعليق للعتق بالموت. ويتنجز به وهل ينفذ من رأس المال. أو من الثلث الجمهور على أنه من الثلث حكاه الوزير وغيره. وتقدم خبر الذي أعتق ستة أعبد فأعتق صلى الله عليه وسلم اثنين واسترق أربعة. فالعتق أقرب شبهًا بالوصية فإن خرج من الثلث وإلا عتق منه بقدره.