الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحكم بها عمر رضي الله عنه. وإن وصفه أحدهما بعلامة خفية بجسده حكم له به عند الجمهور. والقافة قوم يعرفون الأنساب بالشبه. ولا يختص بقبيلة معينة. ويكفي واحد. وشرطه أن يكون عدلًا مجربًا في الإصابة. . ويكفي مجرد خبره. واختار ابن القيم وغيره أن قوله حكم لا رواية.
باب الوقف
الوقف لغة الحبس. يقال وقف الشيء أي حبسه. وكذا أحبسه وسبله بمعنى. وشرعًا تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة. وتسمية الوقف وقفًا بمعنى أنه وقف على تلك الجهة ونحوها تأباه اللغة. والوقف مما اختص به المسلمون فلم يوجد قبل هذه الأمة. وشرطه أن يكون الواقف جائز التصرف. وأركانه الواقف والموقوف عليه. والصيغة التي ينعقد بها. ويصح بالقول وبالفعل الدال عليه عرفًا. والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع في الجملة.
(قال تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} والوقف من فعل الخير المأمور به. ومن أفضل القرب المندوب إليها {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} تسعدون وتفوزون بالجنة. فدلت الآية الكريمة على مشروعية الوقف في أعمال البر.
(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
إذا مات ابن آدم) يعني العامل بطاعة الله (انقطع عمله) الذي كان يعمل في حياته (إلا من ثلاث) وفي لفظ "ثلاثة أشياء" وضحها بقوله (صدقة جارية) أي وقف كما فسره به أهل العلم (أو علم ينتفع به من بعده) كالتعليم والتصنيف. فيبقى من يرويه عنه. وينتفع به. وكذا كتب العلم النافع. ولو بالأجرة مع النية الصالحة. أو وقف الكتب النافعة (أو ولد صالح يدعو له) ذكرًا كان أو أنثى وشرط صلاحه ليكون الدعاء مجابًا (رواه مسلم) في كتاب الوقف لأنه فسر به. ورواه أحمد وأهل السنن وغيرهم. إلا ابن ماجه. والبخاري تعليقًا.
والحديث دليل على أنه ينقطع أجر كل عمل بعد الموت إلا هذه الثلاثة الأشياء. فإنه يجري أجرها بعد الموت. ويتجدد ثوابها. لكونه كاسبًا لها. وفيه فضيلة الصدقة الجارية. والعلم الذي يبقى بعد موته. والتزوج الذي هو سبب وجود الأولاد. ولابن ماجه بلفظ "إنما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علم نشره. أو ولد صالح تركه. أو مصحف ورثه. أو مسجد بناه. أو بيت لابن السبيل بناه. أو نهر أجراه. أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته" ووردت خصال غير هذه نظمها السيوطي:
إذا مات ابن آدم ليس يجري
…
عليه من فعال غير عشر
علوم بثها. ودعاء نجل
…
وغرس نخل. والصدقات تجري
وراثة مصحف. ورباط ثغر
…
وحفر البئر. أو إجراء نهر
وبيت لغريب بناه يأوي
…
إليه أو بناء محل ذكر
(وعن ابن عمر قال أصاب عمر) رضي الله عنهما (أرضًا بخيبر) وللنسائي أنه كان لعمر مائة رأس فاشترى بها مائة سهم من خيبر. وهي المسماة بثمغ. كما في رواية لأحمد والبخاري (فقال يا رسول الله لم أصب مالًا قط أنفس عندي منه) أنفس أي أعظم أو أكثر منه والنفيس الجيد. ويسمى الجيد نفيسًا لأخذه بالنفس (قال فما تأمرني) أي أن أصنع بتلك الأرض (قال إن شئت حبست أصلها) أي أصل الأرض التي لك بخيبر. فهذا أصل في أن الوقف شرعًا تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به (وتصدقت بها) أي بمنفعتها. وللبخاري "حبس أصلها وسبل ثمرتها" وله أيضًا "تصدق بثمره وحبس أصله".
وعند الفقهاء ألفاظ الوقف الصريحة: وقفت وحبست وسبلت. والكنايات تصدقت وحرمت وأبدت. واشترطوا النية مع الكناية. أو اقترانها بأحد الألفاظ الخمسة أو حكم الوقف. وعند الشيخ وغيره يحصل الوقف بكل ما أدى معناه. وأنه لو قال جعلت ملكي للمسجد وفي المسجد ونحو ذلك صار وقفًا على المسجد (غير أنه لا يباع أصلها) وللدارقطني حبيس ما دامت السموات والأرض (ولا يوهب ولا يورث) وللبخاري "تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث" ولكن ينفق ثمره.
وأجاز أبو حنيفة بيع الوقف. وقال أبو يوسف لو بلغه هذا الحديث لقال به ورجع عن بيع الوقف.
وقال القرطبي رد الوقف مخالف للإجماع. فلا يلتفت إلى قول أبي حنيفة. وتقدم قول "صدقة جارية" وللنسائي وغيره عن قتادة مرفوعًا "خير ما يخلفه الرجل بعده ثلاث منها: صدقة تجري يبلغه أجرها" فدلت هذه الأحاديث على لزوم الوقف. وأنه من أفضل القربات. وعلى عدم جواز نقضه. وأنه عقد لازم بمجرد القول أو الفعل. وإن لم يحكم به حاكم. وقال الترمذي العمل عليه عند أهل العلم. فلا يجوز فسخه بإقالة ولا غيرها من واقف وغيره. لأنه مؤبد يتعذر الرجوع فيه بعد التحبيس.
ومذهب الجمهور أنه تشترط فيه المنفعة دائمًا من معين ينتفع به مع بقاء عينه. وعند الشيخ أقرب الحدود في الموقوف أنه كل عين تجوز إعارتها (قال فتصدق بها عمر على الفقراء) وتقدم أنهم من لا يجدون شيئًا أو يجدون بعض الكفاية وإذا أفردوا دخل فيهم المساكين (وذوي القربى) أي: قربى عمر (والرقاب) يعني المماليك في فك رقابهم من الرق (وفي سبيل الله) أي وفي النفقة في سبيل الله يعني الجهاد (وابن السبيل) أي الطريق وهو المسافر المنقطع به (والضيف) وهو من نزل بقوم يريد القرى. وفيه أن الوقف من شرطه أن يكون على بر. لأن المقصود منه التقرب إلى الله.
وأما الشروط التي يذكرها كثير من الواقفين فخبر "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل". متفق على عمومه. وقال الشيخ إن وافقت كتاب الله كانت صحيحة. وإلا كانت باطلة. فإن شرط فعلًا محرمًا ظهر أنه باطل. أو مباحًا لا قربة فيه كان أيضًا باطلًا. لأنه شرط شرطًا لا منفعة فيه لا له ولا للموقوف عليه. فيكون منفقًا للمال في الباطل. لا سيما والوقف محبس مؤبد. فيكون في ذلك ضرر على الورثة بحبس المال عنهم بلا منفعة. وضرر على المتناولين باستعمالهم بدون مصلحة دينية أو دنيوية.
(لا جناح على من وليها) أي صدقته رضي الله عنه (أن يأكل منها بالمعروف) وهو القدر الذي جرت به العادة بأن العامل يأكل من ثمرة الوقف. حتى لو اشترط الواقف أن العامل لا يأكل لاستقبح ذلك منه. وقيل المراد أن يأخذ منه بقدر عمله. وفيه صحة شرط الأكل من الوقف واستثناء الغلة مدة حياته ونحو ذلك. فإن عمر رضي الله عنه كان هو الوالي على وقفه. مدة حياته. وكذا فعله جماعة من الصحابة. قال ابن القيم وهذا جائز بالسنة الصحيحة والقياس الصحيح. وهو مذهب فقهاء الحديث.
واختار هو وشيخه صحة الوقف على نفسه. وفي الإنصاف عليه العمل في زماننا. وقبله عند حكامنا من أزمنة متطاولة وصوبه. ولو وقف على الفقراء فافتقر شمله الوقف. قال (أو
يطعم صديقًا) وفي لفط "أو يؤكل صديقًا له) وللبخاري وكان ابن عمر هو يلي صدقة عمر. ويهدي لناس من أهل مكة كان ينزل عليهم (غير متأثل مالا) وهو اتخاذ أصل المال حتى كأنه عنده قديم. وفي لفظ "غير متمول مالاً" أي غير متخذ منها مالاً. أي ملكاً.
والمقصود أنه لا يتملك شيئاً من رقابها. ولا يأخذ من غلتها ما يشتري بدله ملكاً. بل ليس له إلا ما ينفقه (متفق عليه) ورواه الخمسة وغيرهم بألفاظ متقاربة ولأحمد أنه أوصى بها إلى حفصة. ثم إلى الأكابر من آل عمر. وقال ابن عمر أول صدقة موقوفة كانت في الإسلام صدقة عمر. وتلقاه أهل العلم بالقبول. واتخذوه أصلًا في أحكام الوقف.
(ولهما عن علي مرفوعًا من بني لله مسجدًا) يقصد وقفه لذلك سواء بناه بنفسه أو بني له بأمره (بنى الله له بيتًا في الجنة) ومن حديث عثمان يبتغي به وجه الله ولأحمد من حديث ابن عباس ولو كمفحص قطاة. فدل على فضيلة بناء المساجد. وعظم الجزاء على ذلك. وعلى صحة الوقف بالفعل الدال على التوقيف. وقد استدل البخاري وغيره بهذا الحديث وغيره على صحة وقف المشاع. وهو مذهب الجمهور. وحكى الوزير وغيره الاتفاق على جوازه. وفي قصة بناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يؤيد ذلك. فإنه قال ثامنوني حائطكم. فقالوا لا نطلب ثمنه إلا إلى الله عز وجل.
فهذا ظاهر في جواز وقف المشاع. ولو كان غير جائز لأنكر عليهم صلوات الله وسلامه عليه. وقيل لا يصح وقف المجهول. وقال الشيخ المجهول نوعان: مبهم ومعين. مثل دار لم يرها. فمنع هذا بعيد. وكذلك هبته. فأما الوقف على المبهم فهو شبيه بالوصية له. وفي الوصية للمبهم روايتان: أن يوصي لأحد هذين أو لجاره محمد وله جاران بهذا الاسم ووقف المبهم مفرع على هبته وبيعه. وليس عن أحمد في هذا منع. وقال إذا كان الوقف على معين ولم يقبله فالتحقيق أنه ليس كالوقف المنقطع. بل الوقف هنا صحيح قولًا واحدًا. ثم إنه ينتقل إلى من بعده كما لو مات أو تعذر استحقاقه.
(وعن عثمان) بن عفان رضي الله عنه (أنه صلى الله عليه وسلم قال من يشتري بئر رومة) بضم الراء وسكون الواو. وتسمى بئر عثمان. مشهورة في العقيق. شمالي غربي المدينة. بقرب مسجد القبلتين. وذلك أنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة. فقال "من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين" ففيه فضل وقف الماء. وأنه يجوز للواقف أن يجعل لنفسه نصيبًا من الوقف (يوسع بها على المسلمين) وكانت بيد رجل يغليها عليهم. ولذلك قال (بخير له منها في الجنة).
وللبغوي كانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة وكان يبيع منها القربة بمد. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "تبيعنيها بعين في
الجنة" فقال يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها. فبلغ ذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه قال (فاشتريتها من صلب مالي) أي أصله أو خالصه. وللبغوي بخمسة وثلاثين ألف درهم. ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتجعل لي ما جعلت له. قال نعم قال قد جعلتها للمسلمين. والحديث رواه النسائي وغيره (حسنه الترمذي) وأخرجه البخاري تعليقًا. وللنسائي اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك. وقال ذلك أيضًا وهو محصور. وصدقه جماعة من الصحابة رضي الله عنهم.
(وعن أبي هريرة مرفوعًا من احتبس فرسًا في سبيل الله) أي للجهاد في سبيل الله وتقدم تعريفه (إيمانًا واحتسابًا) وفي لفظ إيمانًا بالله وتصديقًا بوعده أي من الثواب (فإن شبعه) بكسر أوله أي ما يشبع به وريه (وروثه) أي روث الفرس (وبوله) يوضع يوم القيامة (في ميزانه) حين توزن الأعمال (حسنات رواه البخاري) فدل الحديث على فضل الوقف في سبيل الله. وعلى جواز وقف الحيوان. وهو مذهب الجمهور.
ويشهد له أيضًا ما تقدم من خبر عمر في نهي المتصدق من شراء ما تصدق به. وكان حمل على فرس في سبيل الله. وأراد المحمول بيعه برخص. فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عمر عن شرائه. ولخبر أم معقل أن ناضح زوجها جعله في سبيل الله. وقال البخاري باب وقف الدواب والكراع والعروض والصامت. وقال الشيخ ولو وقف منفعة يملكها كالعبد الموصى بخدمته. أو منفعة أم
ولده في حياته. أو منفعة العين المستأجرة. فإنه لا فرق بين وقف هذا. ووقف البناء والغراس. ولا فرق بين وقف ثوب على الفقراء يلبسونه. أو فرس يركبونه. أو ريحان يشمه أهل المسجد. وذكر أن التطيب منفعته مقصودة. لكن قد يطول بقاء مدة التطيب وقد يقصر. ولا أثر لذلك. قال وأقرب الحدود في الموقوف أنهكل عين تجوز إعارتها.
(وتقدم أن خالدًا) يعني ابن الوليد رضي الله عنه (احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله) فدل على جواز وقف المنقولات من عروض وغيرها. وعلى صحة وقف الحيوان. فقد فسرت الاعتاد بالخيل. وهو مذهب الجمهور.
(واحتبست حفصة) بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه أم المؤمنين زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وقفت (حليًا) وهو كل ما يتزين به من مصاغ الذهب والفضة (على آل الخطاب) أي أهل بيت الخطاب وقفًا حبسته عليهم فدل على جواز وقف الحلي وما في معناه.
(وفي قصة كعب) ابن مالك رضي الله عنه لما نزلت {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ} إلى قوله: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم} قال (إن من توبتي) لتخلفه عن غزوة تبوك في قصته المشهورة ثم تاب الله عليهم فقال رضي الله عنه (أن أنخلع من مالي) أي أخرج من جميع مالي كله (صدقة)
مصدر في موضع الحال أي متصدقًا (إلى الله ورسوله) شكرًا لله أن تاب عليه وعفا عن تخلفه عن تلك الغزوة ففيه استحباب الصدقة شكرًا للنعم المتجددة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (امسك عليك) أي استبق لك (بعض مالك) ولم يعين له بل وكله إليه (فهو خير لك) خشية أن يتضرر بالخروج من ماله بل أمره بالاقتصار على البعض خوفًا ألا يصبر على الإضاقة (رواه البخاري) ومسلم وغيرهما.
ولأبي داود إن من توبتي أن أخرج من مالي كله إلى الله ورسوله صدقة قال لا قلت نصفه قال لا قلت فثلثه قال نعم ولأحمد في قصة أبي لبابة حين قال إن من توبتي أن أنخلع من مالي كله. صدقة لله ورسوله فقال يجزئ عنك الثلث وخبر الصحيحين لم يعين له فيه قدرًا بل أطلق ووكله إلى اجتهاده في قدر الكفاية قال بن القيم وهو الصحيح فإن ما تقصي عن كفايته وكفاية أهله لا يجوز له التصدق به وما انفرد به أبو داود وغيره نظره وقصة أبي لبابة تقيد إطلاق حديث كعب حيث عزما على الصدقة وأجزأهما بعض المال ولم يحتاجا إلى إخراجه كله والجمع بين قصتيهما وقصة أبي بكر أنه صلى الله عليه وسلم عامل كلا منهم بما يعلم من حاله وتقدم.
(ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور) وثبت أنه نهى عن اتباعهن الجنائز وهو مخصوص من عموم زوار القبور لوجوه