الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب النكاح
هو في اللغة الوطء والضم والتداخل والجمع بين الشيئين وقد يطلق على العقد. فإذا قالوا نكح فلانة أو بنت فلان أرادوا تزوجها وعقد عليها. وإذا قالوا نكح امرأته لم يريدوا إلا المجامعة. وقال الزجاج النكاح في كلام العرب بمعنى العقد والوطء جميعًا وفي الشرع والعرف لفظ مشترك يعم العقد والوطء جميعًا ليس أحدهما أخص به من الآخر فهو من الألفاظ المتواطئة إلا قوله: {حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} .
وقال الشيخ النكاح في الآيات حقيقة في العقد والوطء والنهي لكل منهما. والمقعود عليه منفعة الاستمتاع أو الحل. ومال الشيخ إلى أن المعقود عليه الإزدواج كالمشاركة. والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع في الجملة. فلو جعل عتقها صداقها لم يحتج إلى لفظ انكاح. وفوائده كثيرة. منها
أنه سبب لوجود هذا النوع الإنساني ومنها قضاء الوطر بنيل اللذة والتمتع بالنعمة وهي الفائدة في الجنة ومنها غض
البصر وكف النفس عن الحرام وغير ذلك.
(قال تعالى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء} أمر تعالى بنكاح ما طاب لنا من النساء والأمر يقتضي الوجوب. وهو رواية عن أحمد. وقول بعض أهل العلم لكن الجمهور أنه في حق من يخاف زنا بتركه. والسنية لذي شهوة لا يخاف زنا من رجل وامرأة وحكاه الوزير وغيره إجماعًا {مَثْنَى} أي اثنتين {وَثُلَاثَ} أي ثلاثًا {وَرُبَاعَ} أي أربعًا أي إن شاء أحدكم فليتوزج اثنتين. وإن شاء فليتزوج ثلاثًا وإن شاء فليتزوج أربعًا قال أهل العلم المقام مقام امتنان وإباحة فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره.
وأجمعوا على أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة كما دلت عليه السنة الصحيحة المستفيضة مما سيأتي وغيره {فَإِنْ خِفْتُمْ} أي خشيتم أو علمتم من تعددهن {أَلَاّ تَعْدِلُواْ} بين الأزواج {فَوَاحِدَةً} أي فانكحوا واحدة. لأن الزيادة عليها والحال ما ذكر تعريض للمحرم.
كما قال تعالى {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء
وَلَوْ حَرَصْتُمْ} أي فمن خاف من ذلك فليقتصر على
واحدة {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} يعني السراري. لأنه لا
يلزم فيهن من الحقوق ما يلزم في الحرائر. ولا قسم لهن. ولا وقف في عددهن {ذَلِكَ أَدْنَى} أي أقرب {أَلَاّ تَعُولُوا} أي أن
لا تجوروا ولا تميلوا يقال عال في الحكم إذا جار.
ففي الآية الأمر بالنكاح. ويجب على من يخاف زنا بتركه ومن تاقت نفسه إليه فإنه تتأكد مشروعيته في حقه وهو أفضل له من التطوع وإن حصل الإعفاف بواحدة وإلا استحب الزيادة إن لم تعفه. إن كان قادرًا على كلفة ذلك مع توقان النفس إليه. ولم يترتب عليه مفسدة أعظم من فعله. وقال الشيخ يجب على من خاف على نفسه العنت في قول عامة الفقهاء. إذا قدر على مهر حرة ويجزئ التسري حيث وجب. أو استحب لقوله {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} .
(وقال: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ} الأيامى جمع أيم. وهو من لا زوج له من رجل أو امرأة يقال رجل أيم وامرأة أيم وأيمة أي زوجوا أيها المؤمنون من لا زوج له من أحرار رجالكم ونسائكم {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} خص الصالحين لأن إحصان دينهم والاعتناء بحالهم أهم وأكثر. وهذا إيجاب وندب إيجاب على من خاف العنت. وندب واستحباب على من تاقت نفسه إليه وأمن العنت. وهذا مذهب جماهير العلماء. وقال الشيخ تزويج الأيامى فرض كفاية إجماعًا. فإن أباه حاكم إلا بظلم كطلبه جعلا لا يستحقه صار وجوده كعدمه.
(وعن ابن مسعود) عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) لنا (يا معشر الشباب) جمع
شاب كالشبان. وأصله الحركة والنشاط. واسم لمن بلغ حتى يبلغ ثلاثين. ثم هو كهل إلى أن يجاوز الأربعين ثم هو شيخ والمعشر الجماعة خاطب الشباب لأنهم أغلب شهوة (من استطاع منكم الباءة) بالمد والهاء وفيها لغة بالقصر وأصلها النكاح من البات وهو المنزل لأن من تزوج امرأة بوأها منزلًا. والمراد بها هنا الجماع أو مؤن النكاح. ومراده من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤن النكاح.
قال الحافظ ولا مانع من الحمل على المعنى الأعم بأن يراد بالباءة القدرة على الوطء ومؤن التزويج وقال الشيخ استطاعة النكاح هي القدرة على المؤونة ليس القدرة على الوطء. فإن الحديث إنما هو خطاب على القادر على فعل الوطء (فليتزوج) وفي رواية "من استطاع منكم أن يتزوج فليتزوج" وللنسائي من كان ذا طول فلينكح أمر ندب عند جمهور الفقهاء. وحمله الظاهرية وغيرهم على الوجوب وهو رواية عن أحمد وتقدم أنه واجب على من خاف العنت وقال القرطبي لا يختلف في وجوبه عليه.
وأجمع أهل العلم على استحبابه لمن تاقت نفسه إليه وأمن العنت. واتفقوا على أنه يتأكد في حقه ويكون له أفضل من حج التطوع وجهاد التطوع وصلاة التطوع وصوم التطوع لأنه طريق إعفاف نفسه وصونها عن الحرام ولا فرق بين القادر على الإنفاق والعاجز عنه وقال الشيخ ظاهر كلام أحمد
والأكثرين عدم اعتبار الطول. لأن الله وعد عليه الغناء لقوله: {إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} وتقدم أنه يجزئ التسري حيث وجب أو استحب وقال إذا خشيه جاز تزوج الأمة مع أن تركه أفضل. وإن احتاج إلى النكاح وخشي العنت بتركه قدمه على الحج الواجب. وإن لم يخف قدم الحج. وقال إن كانت العبادات فرض كفاية كالعلم والجهاد قدمت على النكاح إذا لم يخف العنت.
ولم يتزوج أحمد إلا بعد أربعين سنة. وشيخ الإسلام لم يتزوج لاشتغالهما بالعلم. وذكر القرطبي وغيره من الأئمة أنه يحرم بدار حرب إلا لضرورة. فيباح لغير أسير وأنه يحرم على من يخل بالزوجة في الوطء والإنفاق مع قدرته عليه وتوقانه إليه. ويكره في حق مثل هذا. حيث لا إضرار بالزوجة. ويندب في حق كل من يرجى منه النسل. ولو لم يكن له في الوطء شهوة للحث عليه والأمر به. ويباح فيما إذا انتفت الدواعي والموانع. وعدم النسل (فإنه أغض للبصر) أي أشد غضًا وأخفض لعين المتزوج (وأحصن للفرج) أي أشد إحصانًا له وحفظًا ومنعًا من الوقوع في الفاحشية.
(ومن لم يستطع) الباءة لعجزه عن مؤنة النكاح (فعليه الصوم) ليدفع شهوته ويقطع شرفيته كما يقطعه الوجاء (فإنه له وجاء) بكسر الواو والمد رض عروق الخصيتين. فيكون
شبيهًا بالخصاء (متفق عليه) وإنما جعل الصوم وجاء
لأنه بتقليل الطعام والشراب يحصل للنفس انكسار عن الشهوة ولسر جعله الله في الصوم. فإنه لا ينفع تقليل الطعام وحده من دون صوم.
(ولهما عن أنس) رضي الله عنه (قال) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأتزوج النساء) وذلك أنه جاء ثلاثة نفر فسألوا أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبادته فكأنهم تقالوها فقالوا أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
قال أحدهم أما أنا فأصلي الليل أبدًا وقال الآخر وأنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال الآخر وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج فقال صلى الله عليه وسلم "ولكني أنا أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء".
فدل على الترغيب في التزوج والحث عليه. وأنه سنة المرسلين المتبعة وأن الإعراض عن الأهل والأولاد ليس مما يحبه الله ورسوله. ولا هو دين الأنبياء. قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} وتقدم أن فعله مع الشهوة أفضل من نوافل العبادة لاشتماله على مصالح كثيرة. وقال صلى الله عليه وسلم (فمن رغب عن سنتي) أي أعرض عن طريقتي (فليس مني) وهذا وعيد شديد ويجري على ظاهره أبلغ في الزجر. فإن من تبرأ منه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم فقد اقترف ذنبًا عظيمًا يعد من الكبائر قال أحمد ليست العزوبة من أمر الإسلام في شيء
وروي "لا صرورة في الإسلام" والصرورة الذي لم يتزوج
وقال من دعاك إلى غير التزويج فقد دعاك إلى غير
الإسلام ولو تزوج بشر كان قد تم أمره ولو كان التخلي والتبتل أفضل لانعكست الأحكام.
وقال ابن عباس لرجل تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء والمشروع هو الاقتصاد في العبادات دون الانهماك والإضرار بالنفس. وهجر المألوفات كلها. وهذه الأمة المحمدية مبنية شريعتها على الاقتصاد والتيسير. وعدم التعسير {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} والأولى التوسط في الأمور. وعدم الإفراط والتفريط. والأخذ بالتشديد يؤدي إلى الملل. وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلًا وترك النفل يفضي إلى البطالة. وخير الأمور أوساطها. قال تعالى: {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} وهديه صلى الله عليه وسلم أكمل هدي. وسنته أكمل السنن. وأعدلها. ولا يعدل عنها إلا مبتدع.
(ولأحمد عنه) أي عن أنس رضي الله عنه (كان) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم (يأمرنا بالباءة) يعني التزوج (وينهانا عن التبتل) وهو الانقطاع عن النساء وترك النكاح انقطاعًا إلى عبادة الله. وأصل البتل القطع. ومنه قيل لمريم البتول. ولفاطمة البتول لانقطاعهما عن نساء زمانهما دينًا وفضلًا. ورغبة في الآخرة (نهيًا شديدًا) وتقدم قوله "فليتزوج" وقال "من رغب عن سنتي" وغير ذلك (ويقول تزوجوا الودود) أي المودودة المحبوبة بكثرة ما هي عليه من خصال الخير. وحسن الخلق والتحبب إلى زوجها.
(الولود) أي كثيرة الولد. ويعرف ذلك في البكر بحال قرابتها. بأن تكون من نساء يعرفن بكثرة الولادة. إذ الغالب سراية طباع الأقارب بعضهن إلى بعض. ولأبي داود والنسائي جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب. إلا أنها لا تلد. أفأتزوجها؟ فنهاه ثم أتاه الثانية والثالثة فقال صلى الله عليه وسلم "تزوجوا الودود الولود" قيد بهاتين الصفتين لأن الولود إذا لم تكن ودودًا لم يرغب الزوج فيها. والودود إذا لم تكن ولودًا لم يحصل المطلوب. وهو تكثير الأمة. ثم قال صلى الله عليه وسلم (فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة) وفي غير ما حديث "مكاثر بكم الأمم" أي بأمته صلوات الله وسلامه عليه.
والمكاثرة المفاخرة ففيه جوازها في الدار الآخرة ولأحمد "أنكحوا أمهات الأولاد فإني مباه بكم يوم القيامة" ووجه ذلك أن أمته أكثر فثوابه أكثر. لأن له مثل أجر من تبعه. وفي هذه الأحاديث وما في معناها مشروعية النكاح. والترغيب فيه. وفي المرأة الصالحة الودود الولود. وقال صلى الله عليه وسلم "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب" وقال "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة" وللحاكم من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه".
(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال تنكح المرأة) لأربع أي يرغب في نكاحها ويدعو إليه
منها لأجل أربع خصال في غالب العادة (لمالها) حتى قيل
إنه حسب من لا حسب له (ولحسبها) الحسب في الأصل.
الشرف بالآباء والأقارب. وقيل هنا الفعل الجميل للرجل وآبائه ويقال الحسب المال والكرم والتقوى إلا أنه هنا لا يراد به المال فالحسيبة هي النسيبة طيبة الأصل ليكون ولدها نجيبًا فإنه بما أشبه أهلها. ونزع إليهم وكان يقال إذا أردت أن تزوج امرأة فانظر إلى أبيها وأخيها. ويؤخذ منه أن الشريف النسيب ينبغي له أن يتزوج نسيبة.
(ولجمالها) في الذات والصفات فلا يسأل عن دينها حتى يحمد له جمالها. وللنسائي عن أبي هريرة قيل يا رسول الله أي النساء خير قال "التي تسره إن نظر وتطيعه إن أمر ولا تخالفه في نفسها وما له بما يكره" وللبزار "المرأة لعبة زوجها فإن استطاع أحدكم ان يحسن لعبته فليفعل" وروي "خير فائدة الرجل بعد إسلامه امرأة جميلة" فيسن أن يتخير الجميلة لأنه أغض لبصره وأمكن لنفسه. وأكمل لمودته. ولو قيل للشحم أين تذهب لقال أقوم الأعوج. وليستجد الشعر ويتخير ما يليق به مما يعجبه.
(ولدينها) فهو غاية البغية وورد النهي عن نكاح المرأة لغير دينها فقال "لا تنكحوا النساء لحسنهن فلعله يرديهن. ولا لمالهن فلعله يطغيهن وانكحوهن للدين ولأمة سوداء ذات دين أفضل" رواه ابن ماجه وغيره. فيكون الدين مطمح نظره.
ولأن مصاحبة أهل الدين في كل شيء هو الأولى لأن مصاحبهم يستفيد من أخلاقهم وبركتهم وطرائقهم ولا سيما الزوجة فهي أولى من يعتبر دينه. لأنها ضجيعته وأم أولاده
وأمينته على ماله ومنزله. وعلى نفسها.
(فاظفر بذات الدين) أي فز بنكاحها. ففيه مراعاة الكفاءة وأن الدين أولى ما اعتبر فيها لأمره صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدين وقال عمر وغيره الكفاءة في الدين وقيل والحسب (تربت يداك) كلمة جارية على ألسنة العرب على صورة الدعاء. كأنه قال تلصق بالتراب. ولا يريدون بها الدعاء على المخاطب كقولهم أنعم صباحًا تربت يداك. بل إيقاظ المخاطب لذلك المذكور ليعتني به. والحث والتحريض على الجد والتشمير في طلب المأمور به. وقيل معناها لله درك أو صار مالك كثيرًا كالتراب. وأضيف إلى اليد لأن التصرفات تقع بها غالبًا (متفق عليه) ورواه الخمسة وغيرهم ولمسلم من حديث جابر "تنكح على دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك صححه الترمذي فالائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء لا سيما فيمن تطول صحبته كالزوجة.
(ولهما) أي البخاري ومسلم في صحيحهما (عن جابر)
ابن عبد الله رضي الله عنه قال (قال لي) يعني رسول
الله صلى الله عليه وسلم (تزوجت بكرًا) وهي التي لم توطأ سميت بكرًا
لكونها عذراء لم تثقب (أم ثيبًا) وهي التي قد وطئت سميت
ثيبًا لكونها بعد نكاح ضد البكر (قلت ثيبًا) أي تزوجت
ثيبًا (فقال فهلا بكرًا) أي فهلا تزوجت بكرًا (تلاعبها
وتلاعبك) زاد البخاري "وتضاحكها وتضاحكك" ولأبي عبيد "تداعبها وتداعبك" تعليل للتزوج بالبكر. لما فيه من الإلفة التامة.
فإن الثيب قد تكون متعلقة القلب بالزوج الأول. فلم تكن محبتها كاملة بخلاف البكر وقد لا تصلح من طال لبثها مع رجل. وعن عطاء مرفوعًا "عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواهًا وأنقى أرحامًا وأرضى باليسير" فدل على استحباب نكاح الأبكار إلا لمقتض لنكاح الثيب كما وقع لجابر فإنه قال توفي أبي وترك سبع بنات فكرهت أن أجيئهن بمثلهن. فقال "بارك الله لك" وقال عثمان لابن مسعود ألا نزوجك بكرًا لعله يرجع إليك من نفسك ما كنت تعهد وذلك أنه ينعش البدن وأحسن ما تكون ابنة أربع عشرة سنة إلى العشرين. ويتم نشوها إلى الثلاثين ثم تقف إلى الأربعين ثم تنزل.
وينبغي أن يختار ذات العقل ويجتنب الحمقاء، لأن النكاح يراد للعشرة. ولا تصلح العشرة مع الحمقاء. ولا يطيب العيش معها. وربما تعدى حمقها إلى ولدها. وقد قيل اجتنبوا الحمقاء فإن ولدها ضياع وصحبتها بلاء. وأصلحهن الجلب التي لم تعرف أحدًا والأصلح منعها الاجتماع بالنساء فإنهن يفسدنها عليه والأولى أن لا يسكن بها عند أهلها.
(وعن ابن عباس) رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَلَا
جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء} يقول إني أريد التزويج رواه البخاري) ومثله أن يقول إني في مثلك لراغب. وما أحوجني إلى مثلك. وإن قضى شيء كان ونحو ذلك مما يفهم النكاح ويدل على رغبته فيها. فإن التعريض يفهم منه النكاح مع احتمال غيره. وتخصيص التعريض بنفي الحرج يدل على عدم جواز التصريح به. وهو ما لا يحتمل غير النكاح نحو أريد أن أتزوجك أو زوجيني نفسك أو فإذا انقضت عدتك تزوجتك ونحو ذلك.
فيحرم التصريح بخطبة المعتدة من وفاة وقال ابن القيم حرم خطبة المعتدة صريحًا حتى حرم ذلك في عدة الوفاة وإن كان المرجع في انقضائها ليس إلى المرأة. فإن إباحة الخطبة قد تكون ذريعة إلى استعجال المرأة بالإجابة. والكذب في انقضاء عدتها اهـ. ويحرم التصريح بخطبة المبانة حال الحياة بطلاق ثلاث أو فسخ ويحرم التصريح والتعريض لرجعية. لأنها في حكم الزوجات. ويباح التصريح والتعويض من صاحب العدة فيها.
(ولمسلم عن فاطمة بنت قيس) قيل هي بنت أبي
حبيش الأسدية رضي الله عنها (أنه صلى الله عليه وسلم قال لها لا تفوتينا بنفسك) وقال صلى الله عليه وسلم لأم سلمة وهي متأيمة من أبي سلمة "لقد علمت أني رسول الله وخيرته من خلقه. وموضعي من قومي" فكانت تلك خطبته صلى الله عليه وسلم ففعله تفسير لقوله: {وَلَا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء} وقال شيخ الإسلام التعريض أنواع تارة بذكر صفات نفسه. مثل ما ذكر "النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة وتارة يذكر لها طلبًا لا بعينه لقوله رب راغب فيكي وطالب لكي وتارة يذكر أنه طالب للنكاح ولا يعينها وتارة يذكر لها ما يحتمل النكاح وغيره كقوله إن قضي شيء كان.
(وعن جابر) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا خطب أحدكم المرأة) أي أراد خطبتها (فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها) أي يحمله ويبعثه (فليفعل) الأمر للإباحة لحديث أبي حميد وغيره. قال جابر فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت ما دعاني إلى نكاحها. فتزوجتها (رواه أبو داود) ووثقه الحافظ ورواه أحمد وغيره وله من حديث أبي حميد "إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها" إذا كان إنما ينظر لخطبة. إن كانت لا تعلم من حديث محمد بن مسلمة "إذا ألقى الله في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها".
ففيها الحث على النظر إذا أراد أن يخطب امرأة يغلب على ظنه إجابتها. واستحبابه مذهب الجمهور. ولا يشترط رضاها بذلك. بل له أن يفعل ذلك على غفلتها. كما فعله جابر. وإن لم يغلب على ظنه إجابتها لم يجز كمن ينظر إلى امرأة جليلة يخطبها مع علمه أنه لا يجاب إلى ذلك.
(ولمسلم عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل تزوج امرأة) أي أرد تزوجها فللنسائي بلفظ خطب رجل امرأة ولما في السنن وغيرها (أنظرت إليها؟ قال لا) أي لم أنظر إليها (قال اذهب فانظر إليها) وفي السنن عن المغيرة أن رجلًا خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" ولأحمد عن أبي هريرة قال خطب رجل امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئًا" وفي الصحيحين في قصة الواهبة فصعد فيها النظر وصوبه.
فدلت هذه الأحاديث وما في معناها على الندب إلى تقديم النظر إلى المرأة التي يريد أن يتزوجها وهو مذهب جمهور العلماء إذا غلب على ظنه إجابتها وإباحته بالاتفاق. فينظر ما يظهر غالبًا كالوجه بلا خلاف بين العلماء وهو مجمع المحاسن فيستدل به على الجمال أو ضده والكفين عند الجمهور. وهي تدل على خصوبة البدن أوعدمها. وقيل ورأس وساق للإذن في النظر من الشارع. فأبيح له ذلك. وقال أحمد لا بأس أن ينظر لها عند الخطبة حاسرة وقال جمع إلى البدن سوى السوأتين. ويكرر النظر بلا خلوة إن أمن ثوران الشهوة. وقالت طائفة ينبغي أن يكون النظر قبل الخطبة حتى إن كرهها تركها من غير إيذاء بخلافه بعد الخطبة.
وإذا لم يمكنه النظر إليها استحب له أن يبعث امرأة يثق بها
تنظر إليها وتخبره بصفتها فقد روى أنس أنه صلى الله عليه وسلم بعث أم سليم إلى امرأة فقال "انظري إلى عرقوبها وشمي معاطفها" رواه أحمد وفي رواية "شمي عوارضها" وهي الأسنان التي في عرض الفم ما بين الثنايا والأضراس والمراد اختبار رائحة النكهة. ولا يجوز أن تنعتها لغير خاطب. لنهي النبي صلى الله عليه وسلم "أن تنعت المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها" سدًا للذريعة. وحماية عن مفسدة وقوعها في قلبه وميله إليها بحضور صورتها في نفسه. وعلى من استشير في خاطب ومخطوبة أن يذكر ما فيه من مساو وغيرها. ولا يكون غيبة.
(وعن جابر) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها) أي ومن فعل ذلك لم يكن كامل الإيمان بالله واليوم الآخر (متفق عليه) ولأحمد "فإن ثالثهما الشيطان" وله من حديث عامر نحوه. وهذه الأحاديث وما في معناها تدل على تحريم الخلوة بالأجنبية. وحكى الحافظ وغيره الإجماع على ذلك لما يوقع في المعصية. ومع وجود المحرم فلا مانع لامتناع وقوع المعصية مع حضوره وظاهر الحديث أن غير المحرم لا يقوم مقامه.
وذكر ابن القيم وغيره تحريم الخلوة ولو في اقراء القرآن. سدًا للذريعة ما يحاذر من الفتة وغلبات الطباع وقال يحرم خلوة النساء بالخصي والمجبوب لإمكان الاستمتاع من القبلة والاعتناق، والخصي يقرع قرع الفحل، والمجبوب يساحق.
وفي الاختيارات: تحرم الخلوة بغير محرم ولو بحيوان يشتهي المرأة أو تشتهيه كالقرد وتحرم الخلوة بأمرد غير حسن.
ومضاجعته كالمرأة الأجنبية. ولو لمصلحة التعليم والتأديب. والمقر موليه عند من يعاشره لذلك ملعون ديوث. ومن عرف بمحبتهم ومعاشرة بنيهم منع من تعليمهم.
(وللبخاري عن عقبة) بن عامر رضي الله عنه أنه قال (أفرأيت يا رسول الله الحمو) واحد الأحماء. وهم أقارب الزوج. والمراد هنا أخو زوج المرأة فإنه ليس بمحرم لها (قال الحمو الموت) يعني دخول الحمو على المرأة في الخلوة سبب الموت. وأشد من الموت. فإنه حرام وارتكاب الحرام سبب الهلاك في الدنيا والآخرة. فخلوته بزوجة أخيه أشد تحريمًا.
(ولمسلم من حديث أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل) يعني العورة المغلظة (ولا المرأة) أي لا تنظر المرأة (إلى عورة المرأة) أي العورة المغلظة. فيجب ستر العورة المغلظة من غير من له الوطء. وحكي إجماعًا لهذا الخبر.
ولقوله صلى الله عليه وسلم "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" وفيه "ولا يفضي الرجل إلى الرجل" أي يضطجع الرجل مع الرجل في الثوب الواحد "ولا المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد" مع الإفضاء ببعض البدن لأن ذلك مظنة وقوع المحرم من المباشرة أو من العورة أو غير ذلك.
(وله) أي لمسلم في صحيحه (عن جرير) بن عبد الله البجلي رضي الله عنه (سألته) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن نظر الفجاءة) بالضم أي البغتة (فقال اصرف بصرك) أي لا تنظر ثانية. لأن الأولى إذا لم تكن بالاختيار فهو معفو عنها. فإن أدام النظر أثم ويروى "اطرق بصرك" والإطراق أن يقبل ببصره إلى وجهه والصرف أن يفتله إلى الشق الآخر والناحية الأخرى.
فدل على أن النظر الواقع فجأة من دون قصد وتعمد لا يوجب إثم الناظر. لأن التكليف به خارج عن الاستطاعة. وإنما الممنوع منه النظر الواقع على طريق التعمد أو ترك صرف البصر بعد نظر الفجأة. ودل على تحريم النظر إلى الأجنبية.
ووجوب غض البصر عنها في جميع الأحوال. إلا لغرض صحيح شرعي. وفي الصحيحين "زنا العين النظر" أي حظها منه النظر على قصد الشهوة فيما لا يحل له.
(ولأحمد) وأبي داود والترمذي وغيرهم (عن بريدة) رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال (لك الأولى) أي قال لعلي رضي الله عنه "يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى" أي النظرة الأولى إذا كانت من غير قصد (وليست لك الآخرة) أي النظرة الآخرة لأنها باختيارك فتكون عليك. وفي لفظ "لا تعد الثانية" ولمفهوم "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" وغير ذلك من الأحاديث. فالنظر إلى الأجنبية من غير
سبب محرم لهذه الأخبار ولقوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} وقوله {فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} وسدًا لذريعة الإرادة والشهوة المفضية إلى المحظور.
ومن فوائد غض البصر عن الصور التي يحرم النظر إليها حلاوة الإيمان ولذته. وكونه يورث نور القلب والفراسة. والتعلق بالصور يورث فساد العقل وعمى البصر. وسكر القلوب وجنونه فمن غض بصره عن محارم الله عوضه بما هو خير منه فيطلق عين بصيرته. ويفتح عليه أبواب العلم والمعارف وقوة القلب وشجاعته. قال الشيخ والمس أولى بالمنع من النظر.
(وعن ابن مسعود) رضي الله عنه (مرفوعًا المرأة عورة صححه الترمذي) فيحرم النظر إليها ويحرم نظر خصي ومجبوب وممسوح إلى الأجنبية ولو امرأة سيده. ويلزمها ستر جميع بدنها حتى شعرها إلا وجهها في الصلاة كما تقدم ويباح نظر ما يظهر غالبًا كوجه وساق ورقبة ويد وقدم من ذات محرم وأمة. ولعبد نظر ذلك من مولاته قال الباجي: لا خلاف في النظر على الوجه المباح إلى ذ وات المحارم كأمه وأخته وابنته، كما أنه لا خلاف في منعه على وجه الالتذاذ والاستمتاع.
وقال ابن عبد البر وأما النظر للشهوة فحرام تأملها فوق ثيابها بالشهوة. فكيف بالنظر إلى وجهها مسفرة. ويحرم تزينها لمحرم غير زوج وسيد. وقال الشيخ يحرم النظر بشهوة إجماعًا.
يعني لغير زوج وسيد. ومن استحله كفر إجماعًا. ونص أيضًا مع خوفها. وذكر أنه قول جمهور العلماء في النظر إلى الأمرد وغيره. قال ويحرم تكرار النظر إليه. ومن كرر وقال لا أنظر لشهوة فقد كذب إنما ينظر لما في القلب من اللذة وحكى ابن القطان الإجماع على أنه يحرم النظر إلى غير الملتحي لقصد التلذذ بالنظر إليه وامتاع حاسة البصر بمحاسنه.
وأجمعوا على جواز النظر إليه بغير قصد اللذة. والناظر مع ذلك آمن من الفتنة قال النووي وربما كان المنع فيه أحرى من المرأة. وغض البصر وإن كان إنما يقع على محاسن الخلقة والتفكر في صنع الله فمنع منه سدًا لذريعة الإرادة والشهوة المفضية إلى المحظور. ويدخل في ذلك نظر المرأة إلى الرجل.
قال النووي بلا خلاف. قال الشيخ وكل قسم كان معه شهوة كامه كان حرامًا بلا ريب. سواء كانت شهوة تمتع بنظر أو نظر شهوة الوطء وقال النظر إلى المردان أقسام: ما تقترن به الشهوة فحرام بالاتفاق. وما لا شهوة معه كالنظر إلى ولده الحسن أو من لا يميل قلبه إلى المردان كما كان الصحابة والأمم الذين لا يعرفون هذه الفاحشة. فإن أحدهم لا يفرق بين نظره إلى ابنه أو ابن جاره.
وقد كانت الإماء على عهد الصحابة يمشين في الطرقات مكشوفات الوجوه. ويخدمن الرجال مع سلامة القلوب. إلا أن ذلك لا ينبغي اليوم لعموم الفساد في أكثر الناس. فلو أراد
الرجل أن يدع نحو التركيات يمشين بين الناس لكان من باب الفساد. وكذا المردان الحسان. لا يجوز أن يخرجوا في الأمكنة التي يخاف فيها الفتنة بهم. قال وينظر ما يظهر غالبًا ممن لا تشتهي كعجوز وبرزة وقبيحة ونحوهن. وأمة ولا يحرم النظر إلى عورة الطفل والطفلة قبل السبع ولا لمسها. ولا يجب سترها مع أمن الشهوة. ولا يجب استتار ممن له دون سبع في شيء.
ولكل من الزوجين نظر جميع بدن الآخر ولمسه. بلا كراهة حتى الفرج. وكره النظر إليه حال الطمث وتقبيله بعد الجماع لا قبله. وكره أحمد مصافحة النساء حتى لمحرم غير أب. وسئل يقبل ذوات المحرم منه قال إذا قدم من سفر ولم يخف على نفسه.
لكن لا يفعله على الفم أبدًا الجبهة والرأس. واستدل بحديث خالد أنه صلى الله عليه وسلم قدم من سفر فقبل فاطمة ومن له النظر لا يحرم البروز له ولطبيب ونحوه نظر ما دعت الحاجة إليه.
(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (مرفوعًا) إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) بكسر الخاء التماس النكاح. وأما الخطبة في الجمعة والعيد والحج وبين يدي عقد النكاح ونحوه فبضم الخاء (حتى يترك) الخاطب قبله (أو يأذن) أي للثاني (متفق عليه) وفي رواية للبخاري " حتى ينكح
أو يترك" ولمسلم "لا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه
ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر" وللبخاري من
حديث ابن عمر "لا يخطب الرجل على الرجل حتى يترك
الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب" وعبر بالأخ للتحريض على كمال التودد وقطع صور المنافرة.
فدلت هذه الأحاديث وغيرها على تحريم خطبته على خطبة أخيه. وهو مذهب جمهور العلماء وحكى النووي أن النهي فيه للتحريم بالإجماع. لما فيه من الإفساد على الخاطب وإيقاع العداوة بين الناس. ولكنهم اختلفوا في شروطه فقال الجمهور محل التحريم إذا صرحت المخطوبة بالإجابة أو وليها الذي أذنت له. وإن وجد منها ما يدل على الرضى تعريضًا لا تصريحًا فحكمه حكم ما لو أجيب صريحًا وهو ظاهر الخبر فلم يرد فيه ذكر الإجابة. فإن ترك الخاطب الأول أو أذن للثاني جاز. أو استأذن الثاني الأول. أو سكت جاز. لأنه في معنى الترك. أو رد الخاطب الأول جاز. لما روت فاطمة بنت قيس أنها ذكرت معاوية وأبا جهم خطباها فقال "انكحي أسامة" ولو كان الرد بعد الإجابة. لأن الإعراض عن الأول ليس من قبله وكذا إن لم يركن إليه أو جهل الثاني حال الأول جاز لأنه معذور.
وإن كان الأول خطب تعريضًا في العدة أو بعدها فقال الشيخ لا ينهى غيره عن الخطبة. ويكره رد بلا غرض صحيح بعد إجابة قال الشيخ ولو خطب المرأة أو وليها رجلًا ابتداء فأجابها فينبغي أن لا يحل لرجل آخر خطبتها. إلا أنه أضعف
من أن يكون هو الخاطب ونظير الأولى أن تخطبه امرأة أو
وليها بعد أن خطب هو امرأة. فإن هذا إيذاء للمخطوبة في
الموضعين. كما أن ذلك إيذاء للخطاب. وهو بمنزلة البيع على بيع أخيه قبل انعقاد العقد. وهذا كله ينبغي أن يكون حرامًا.
واستدل الجمهور بهذا الحديث على جواز خطبة المسلم على خطبة الكافر. فإنه ليس بأخ للمسلم. وإن خطب المسلم على أخيه وعقد مع علمه صح العقد مع الإثم.
(وعن ابن مسعود) رضي الله عنه (قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الحاجة) وأراد بالتشهد كل كلام فيه النبأ عن الله وفي كلمتا الشهادتين. أي إذا كان لنا حاجة وشغل إذا أردنا ذلك الشغل. فهو عام لكل حاجة ومنها النكاح وزاد ابن كثير في الإرشاد في النكاح وغيره. وقال أبو إسحاق تقال في خطبة النكاح وغيره في كل حاجة. (أن الحمد لله) بتخفيف أن ورفع الحمد. وقال الجزري يجوز تخفيفها وتشديدها (نحمده ونستعينه) أي في حمده وغيره (ونستغفره) أي من تقصيرنا في عبادته وطاعته ونتوب إليه.
(ونعوذ بالله من شرور أنفسنا) أي من ظهور شرور أخلاق نفوسنا الردية وأحوال طباع أهوائنا الدنية (وسيئات أعمالنا)
أي ونستغفره تعالى من سيئات أعمالنا (من يهد الله فلا
مضل له) أي من يوفقه للعبادة فلا مضل له من شيطان
ونفس وغيرهما (ومن يضلل فلا هادي له) لا من نبي ولا ولي ولا غيرهما. بل الهداية بيده سبحانه. وكذا الإضلال.
يهدي من يشاء ويضل من يشاء بيده الخيروهو على كل شيء قدير.
(وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) أي أجزم واقطع بذلك. قال الشيخ ولما كانت كلمة الشهادة لا يتحملها أحد عن أحد ولا تقبل النيابة بحال أفرد الشهادة بها. ذكره ابن القيم. قال وفيه معنى آخر وهو أنها إخبار عن شهادته لله بالوحدانية. ولنبيه بالرسالة وهي خبر يطابق عقد القلب وتصديقه وهذا إنما يخبر به الإنسان عن نفسه لعلمه بحاله. وما سواه طلب وإنشاء فيطلب لنفسه وإخوانه المسلمين (ويقرأ ثلاث الآيات رواه الخمسة) وحسنه الترمذي وصححه الحاكم.
وعن ابن كثير الآيات في نفس الحديث: الأولى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} إلى قوله تعالى {رقيبًا} والثانية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون} والثالثة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا} إلى قوله {عظيمًا} ويجزئ أن يحمد الله ويشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويخطب بها العاقد بنفسه حال العقد أو غيره من الحاضرين واستحبها جمهور أهل العلم لهذا الخبر.
وقوله "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع"
وفي رواية "ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء وغير ذلك" وليست بواجبة لقوله "زوجتكها بما معك من القرآن" وقال أهل العلم النكاح جائز بغير خطبة. وينبغي أن يكون يوم الجمعة مساء. لأن فيه ساعة الإجابة. وبالمسجد ذكره ابن القيم وغيره. واستحبه الجمهور. ويأتي خبر "واجعلوه في المساجد".
(ولهم) أي للخمسة وغيرهم (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (مرفوعًا كان إذا رفأ إنسانًا إذا تزوج) بتشديد الفاء أي هنأه ودعا له. وكان من دعائهم للمتزوج أن يقولوا بالرفاء والبنين فنهى عنه صلى الله عليه وسلم لأنه كان من عادتهم. والرفاء الالتئام والاتفاق والبركة والنماء. وسن لهم إذا دعا أحدهم لأخيه (قال: بارك الله لك) أي أدام لك وأثبت ما أعطاك (وبارك عليك) أي أدامه عليك دعاء له بالبركة وثبوت الخير (وجمع بينكما في خير) وإلف وسرور فوضع هذا الدعاء موضع الترفيه. صححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان. ولمسلم من حديث جابر أنه قال له "تزوجت" قال نعم قال "بارك الله لك" زاد الدارمي "وبارك عليك".
وللطبراني أنه صلى الله عليه وسلم شهد نكاح رجل فقال "على الخير والبركة والإلفة والسعة والرزق بارك الله لكم" ودعا لعبد الرحمن بن عوف بالبركة. وغير ذلك وتزوج عقيل بن أبي طالب امرأة فقالوا بالرفاء والبنين. فقال "لا تقولوا هكذا ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم بارك لهم وبارك عليهم" رواه النسائي.