الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال جابر (فاحتاج) أي السيد (فباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفع ثمنه إليه) وفي لفظ ولم يكن له مال غيره. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من يشتريه مني" فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم. وللنسائي فأعطاه وقال "اقض دينك وأنفق على عيالك" فدل على جواز بيع المدبر لحاجة النفقة. أو قضاء الدين. وقال ابن رشد وغيره اتفقوا على أن الدين يبطل التدبير ويصح وقف المدبر ويبطل به التدبير ويصح بيعه ونحوه. قال الجوزجاني صحت أحاديث بيع المدبر باستفاضة الطرق ولأنه عتق بصفة.
باب الكتابة
اسم مصدر بمعنى المكاتبة مشتقة من الكتب. وهو الجمع. لأنها تجمع نجومًا بمعنى الجمع. أو لأن السيد يكتب بينه وبين رقيقه كتابًا بما اتفقا عليه. وشرعًا بيع سيد عبده نفسه بمال معلوم مؤجل في ذمته. وقيل إنها متعارفة قبل الإسلام. . فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع.
قال تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} وأول الآية {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ} أي يطلبون المكاتبة {مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ} أمر تعالى السادة إذا طلب عبيدهم منهم الكتابة
أن يكاتبوهم. واتفق أهل العلم على أنها مستحبة مندوب إليها.
وروي عن أحمد وغيره وجوبها إذا دعا العبد سيده إليها على قدر قيمته أو أكثر. وقال الموفق لا تجب في ظاهر المذهب. وهو قول عامة أهل العلم اهـ. وتكون منجمة نجمين فأكثر رفقًا بالمملوك يسعى ويؤدي لا بواحد ولو طال قال الموفق روي عن جماعة من الصحابة. ولم ينقل عنهم عقدها حالة ولأن الكتابة مشتقة من الكتب وهو الضم. ولما يأتي. أو لعجزه عن أدائها في الحال وتصح بمنفعة مفردة أو معها مال.
ولا تصح إلا من جائز التصرف. ولا يكاتب مجنونًا ولا طفلًا غير مميز وتصح بكاتبتك على كذا مع قبول العبد قال الوزير وغيره اتفقوا على أنه إذا قال كاتبتك على ألف درهم ونحوها. ونوى العتق أنه متى أداها عتق. ولم يفتقر إلى أن يقول إذا أديت لي فأنت حر. لأن اسم الكتابة لفظ شرعي. فهو يتضمن جميع أحكامه. ويملك كسبه ونفعه. وكل تصرف يصلح ماله. كبيع وإجارة إجماعًا لأن عقد الكتابة لتحصيل العتق ولا يحصل إلا بأداء عوضه. ولا يمكنه إلا بالاكتساب وقوله: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} أي قوة على الكسب. وأمانة وصلاحًا ونحو ذلك قال ابن رشد وغيره اتفق أهل العلم على أن من شرط المكاتب أن يكون قويًا على السعي لقوله: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قيل الاكتساب والأمانة. وقيل الصلاح والدين.
وأنكر بعض أهل العلم أن يكاتب من لا حرفة له. مخافة
السؤال وكرهها لئلا يكون كلا على الناس. وقال الموفق ينبغي أن ينظر في المكاتب. فإن كان ممن تضرر بالكتابة ويضيع لعجزه على الإنفاق على نفسه. ولا يجد من ينفق عليه كرهت كتابته. وإلا لم تكره لحصول النفع بالحرية من غير ضرر. ومتى أدى ما عليه من الكتابة. أو أبرأه سيده عتق إجماعًا
{وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قيل الثلث وقيل الربع وهو قول أكثر المفسرين وقدره أحمد بالربع واستحبه مالك وغيره وقال بعضهم بلا تقدير. بل بجزء من المال بلا حد للإطلاق.
(قال على ربع الكتابة) أي في قوله: {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} وقاله طائفة من أهل التفسير وأوجب أحمد وغيره أن على السيد أن يؤدي إلى من وفى كتابته ربعها. ورفعوا أثر علي إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يثبت وإنما هو موقوف على علي رضي الله عنه كما صرح به النسائي وغيره ورواه ابن جرير وغيره عن علي أنه قال أمر الله السيد أن يدع الربع للمكاتب من ثمنه. وهذا تعليم من الله وليس بفريضة ولكن فيه أجر وهو مذهب جماهير أهل العلم.
(وفي الصحيحين) وغيرهما من غير وجه عن عائشة
رضي الله عنها (أن بريرة) مولاة عائشة قيل كانت مولاة
لقوم من الأنصار وقيل غير ذلك (جاءت عائشة) رضي الله
عنها وهي مكاتبة على تسع أواق (تستعينها في كتابتها) وكانت قالت لعائشة كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فاعينيني فقال صلى الله عليه وسلم "اشتريها" فاشترتها قال ابن المنذر بيعت بريرة بعلم من النبي صلى الله عليه وسلم وهي مكاتبة ولم ينكر ذلك ففيه أبين البيان أن بيعه جائز. ولا أعلم خبرًا يعارضه اهـ. ولأنه قن ما بقي عليه درهم. ومشتري المكاتب يقوم مقام مكاتبه.
ويبقى المكاتب على كتابته عند المشتري. وعلى نجومه. كما كان عند البائع. ويؤدي له ما بقي من كتابته ولا تنفسخ كتابته بالبيع ولا يجوز إبطالها قال الموفق لا نعلم فيه خلافًا لأنها عقد لازم ومتى أدى إليه عتق باتفاق أهل العلم وولاؤه له لما في هذا الحديث وغيره "إنما الولاء لمن أعتق" وإن عجز عاد قنا. كما لو كان عند مكاتبه وفيه جواز طلب الإعانة على الكتابة.
(ولأحمد عن سهل) بن سعد الساعدي رضي الله عنه (مرفوعًا من أعان مكاتبًا في رقبته) أي في فكاك رقبته من الرق بنحو أداء بعض النجوم عنه (أظله الله) من حر الشمس عند دنوها من الرؤوس يوم القيامة (في ظله) أي في ظل عرشه كما تشهد له النظائر (يوم لا ظل إلا ظله) جزاء بما فعل، وأضاف الظل إليه للتشريف فدل على عظم أجر إعانة المكاتب.
(وعن عمرو بن شعيب) عن أبيه عن جده رضي الله
عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيما عبد كوتب بمائة أوقية فأداها إلا عشر أواق فهو رقيق) وفي لفظ فهو عبد فلا يعتق إلا بالأداء (رواه الخمسة) ولأبي داود "المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم" حسنه الحافظ. قال الشافعي وعليه فتيا المفتين. فدل على أن المكاتب إذا لم يف بما كوتب عليه فهو عبد له أحكام المماليك وهو مذهب جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين وأخذ بالاحتياط فلا يزول ملك السيد إلا بما قد رضي به من تسلم ما عند عبده. وكذا مشتريه له حكم بائعه.
(ولهم عن أم سلمة) رضي الله عنها (مرفوعًا) إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لها (إذا كان لأحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي) كتابته (فلتحتجب منه صححه الترمذي) فدل على أن المكاتب إذا صار معه جميع مال الكتابة فقد صار حرًا وإن لم يكن قد سلمه فتحتجب منه سيدته. وهذا أيضًا أخذ بالاحتياط لأنه بوجود ما يفدي به نفسه قد صار له ما للأحرار وتقدم أنه متى أدى كتابته عتق ولم يفتقر أن يقول فإذا أديت لي فأنت حر. لأن اسم الكتابة أمر شرعي. فهو يتضمن جميع أحكامه.
واتفقوا على أنه إنما يرق إذا عجز عن البعض أو الكل. ومن عنده ما يفدي ليس بعاجز. أما إذا عجز عن البعض وقد أدى البعض فهو عبد ما بقي عليه درهم. وأنه يرق إذا عجز عن البعض. وهو قول جماهير العلماء. وفيه جواز النظر إلى
سيدته ما لم يكاتبها ويجد مال الكتابة ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة لما تقنعت بثوب "إنما هو أبوك وغلامك" رواه أبو داود. وكان مماليك أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يدخلون عليهن وهو مذهب جمهور أهل العلم.
(وسأل سيرين) وهو والد محمد بن سيرين الفقيه المشهور وكان من سبي عين التمر اشتراه أنس في خلافة أبي بكر فسأل (أنسا) يعني ابن مالك رضي الله عنه (الكتابة وكان كثير المال فأبى) يعني أنسا فانطلق سيرين إلى عمر فقال عمر كاتبه فأبى (فضربه عمر) يعني بالدرة (وتلا) عمر {فَكَاتِبُوهُمْ} {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} (رواه البخاري) فدل على جواز إجبار السيد على مكاتبة عبده ولم يخالف أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واختار ابن جرير وغيره وجوب الكتابة كما تقدم والجمهور على الندب.
(وعن ابن عباس) رضي الله عنهما (مرفوعًا) إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من وطئ أمته فولدت له فهي معتقة عن دبر منه رواه أحمد) وابن ماجه. وفي لفظ "أيما امرأة ولدت من سيدها فهي معتقة عن دبر منه" أو قال من بعده وللدارقطني ذكرت أم إبراهيم عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال "أعتقها ولدها" وروي عن عمر وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الأحاديث وما جاء من الآثار ظاهرة الدلالة على أن الأمة إذا ولدت من سيدها
صارت أم ولد له. تعتق بموته من كل ماله.
وكذا إن أولد أمته المدبرة أو المكاتبة أو أمة له ولغيره. أو أمة لولده لم يطأها وهو مذهب جماهير العلماء أبي حنيفة ومالك وأحمد وأحد قولي الشافعي. بشرطين: أحدهما أن تكون حملت به في ملكه. قال ابن رشد اتفقوا على أنه إن ملكها قبل حملها منه فإن وطئها حاملًا حرم عليه بيع الولد ويعتقه لأن الماء يزيد في الولد. وقال الموفق إنما ثبت الإجماع فيمن حملت منه في ملكه.
قال ابن رشد والقياس أن تكون أم ولد في جميع الأحوال. إذ ليس من مكارم الأخلاق أن يبيع أم ولده الثاني إذا تبين فيه خلق الإنسان قال عمر إذا ولدت الأمة من سيدها فقد عتقت وإن كان سقطًا وعن ابن عمر أعتقها ولدها وإن كان سقطًا. وقال الموفق لا أعلم فيه خلافًا بين من قال بثبوت حكم الاستيلاد اهـ. وسواء ولدت منه في الصحة أو في المرض.
(وعن ابن عمر) رضي الله عنهما (أن عمر نهى عن بيع أمهات الأولاد) أصل أم أمهة فلذا جمعت على أمهات باعتبار الأصل (وقال لا يبعن) لأنهن يعتقن بموت سيدهن وبيعهن
يمنع ذلك (ولا يوهبن) لأن الهبة في معنى البيع (ولا يورثن)
فلسن بمال بل يعتقن بموت سيدهن. وذكره غير واحد
إجماع الصحابة (يستمتع بها ما بدا له حيًا) فهي كأمته
القن في سائر أمورها إلا أنها لا تباع ولا توهب ولا تورث. قال الوزير اتفقوا على أنها لا تباع أمهات الأولاد والهبة في معنى البيع وكذا لا تجعل صداقًا ولا عوض خلع ولا يوصى بها لأنها تعتق بموته ولا ترهن لأنه يراد للبيع.
(وإذا مات فهي حرة رواه مالك) والدارقطني وغيرهما ورفعاه في رواية والموقف أصح وعليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجماهير العلماء لحكمه صلى الله عليه وسلم أنها معتقة عن دبر منه قال ابن رشد الثابت عن عمر أنه قضى بأنها لا تباع أمهات الأولاد.
وأنها حرة من رأس مال سيدها إذا مات. وروي مثله عن عثمان. وهو قول أكثر التابعين وجمهور فقهاء الأمصار. وحكى ابن عبد البر وأبو حامد الاسفيرائني وأبو الوليد الباجي وابن بطال والبغوي وغيرهم الأجماع على أنه لا يجوز وما في يدها من شيء فلورثة سيدها لأنها أمة وكسبها لسيدها فإذا مات انتقل إلى ورثته وإن ماتت في حياته فارثها له لأنها رقيقة.
(ولأبي داود عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنه قال (بعناهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فلما كان عمر
نهانا فانتهينا) فدل على عدم جواز بيعهن وهو قول
الجمهور وحكى الموفق إجماع الصحابة عليه ولا يقدح فيه ما روي عن علي وابن عباس وابن الزبير لأنه قد روي عنهم الرجوع عن المخالفة. قال عبيدة لعلي رأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة. وعللوا ما على
عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر أنه لم يصرح بعلمهما وإلا لم تجتمع الصحابة على مخالفتهما ويؤيده قوله تعتق عن دبر منه والبيع يمنع ذلك. وتصح مكاتبتهن لأنها تراد للعتق فإذا أدين في حياة سيدهن عتقن وما بيدهن لهن. وإن مات وعليهن شيء عتقن بموته وما بيدهن للورثة ويتبعهن أولادهن في الرق والحرية عند جمهور العلماء.
* * *