المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الشروط في البيع - الإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم - جـ ٣

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الجهَاد

- ‌فصل في وجوب الطاعة

- ‌فصل في الغنيمة

- ‌فصل في الفيء

- ‌باب الأمان

- ‌باب عقد الذمة

- ‌كتابُ البَيع

- ‌فصل فيما نهي عنه

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌باب الخيار

- ‌باب الربا

- ‌باب بيع الأصول والثمار

- ‌باب السلم

- ‌باب القرض

- ‌باب الرهن

- ‌باب الضمان

- ‌فصل في الكفالة

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الصلح

- ‌فصل في حجر السفه

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الشركة

- ‌فصل في المضاربة

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الإجارة

- ‌باب السبق

- ‌باب العارية

- ‌باب الشفعة

- ‌باب الوديعة

- ‌باب إحياء الموات

- ‌باب الجعالة

- ‌باب اللُقَطة

- ‌باب اللقيط

- ‌باب الوقف

- ‌فصل في شرط الواقفوإبدال الوقف لحاجة وغير ذلك

- ‌باب الهبة

- ‌فصل في العطية

- ‌باب الوصايا

- ‌فصل في الموصى له وإليه

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب الفروض

- ‌باب التعصيب

- ‌باب ميراث ذوي الأرحام

- ‌باب ميراث الحمل والمفقود والخنثى والغرقي

- ‌باب ميراث أهل الملل

- ‌باب ميراث المطلقة والمقربة

- ‌باب ميراث القاتل والمبعض والولاء

- ‌باب العتق

- ‌باب الكتابة

- ‌كتاب النكاح

- ‌فصل في أركانه

- ‌فصل في اشتراط الرضى

- ‌فصل في الولي

- ‌فصل في الشهادة

- ‌فصل في الكفاءة

- ‌باب المحرمات في النكاح

الفصل: ‌باب الشروط في البيع

‌باب الشروط في البيع

الشرط هو ما يلزم من عدمه العدم. والشرط هنا إلزام أحد المتعاقدين الآخر بسبب العقد ما له فيه منفعة. وهي غير شروط صحة البيع. ومحل المعتبر منها صلب العقد. وهي ضربان: صحيح يوافق مقتضى العقد. وفاسد يناقضه. قال ابن القيم الصحيح أن الأصل في العقود والشروط الصحة إلا ما أبطله الشارع أو نهى عنه.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} قال ابن مسعود –رضي الله عنه إذا سمعت الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} فأرع سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه. والعقود جمع عقد وهو ما يتعاقد الناس عليه مطلقًا. من عقد بيع أو شركة أو نكاح أو يمين أو غير ذلك. ويشترط في وجوب الوفاء به أن لا يكون على معصية ثبتت بالنص. فدلت الآية ونحوها على لزوم العقد وثبوته. ووجوب الوفاء به. وإثبات خيار المجلس ليس منافيًا للزوم العقد. بل هو من مقتضياته شرعًا. فالتزامه من تمام الوفاء بالعقود.

(وعن عمرو بن عوف) ابن زيد المزني مات في زمن معاوية رضي الله عنهما (مرفوعًا المسلمون على شروطهم) أي ثابتون عليها لا يرجعون عنها مقتضية الوفاء بها. والمراد الجائزة لقوله (إلا شرطًا حرم حلالًا) فباطل (أو أحل حرامًا) فباطل

ص: 126

(صححه الترمذي) وفي حديث بريرة "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط" وحديث "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد".

وقال الشيخ اتفق المسلمون على أن من شرط في عقد من العقود شرطًا يناقض حكم الله ورسوله فهو باطل. مثل أن يستأجر الأجير بشرط أن لا يصلي الصلوات الخمس. أو لا يصوم شهر رمضان. اهـ. وكل شرط صحيح وافق مقتضى العقد لم يبطله الشارع. ولم ينه عنه جائز. كشرط التقابض وحلول الثمن. وكالرهن والضمان. وتأجيل بالثمن أو بعضه إلى مدة معلومة. وصفة في المبيع ككون العبد مسلماً أو كتابيًّا ونحو ذلك. وقال واشتراك صفة مباحة مقصودة في المعقود عليه مثل صفة في المبيع، ومثل الأجل في الثمن. أو نقد غير نقد البلد جائز باتفاق المسلمين.

واختار صحة العقد والشرط في كل عقد. وكل شرط لم يخالف الشرع. لأن إطلاق الاسم يتناول المنجز والمعلق والصريح والكناية. كالنذر. وكما يتناوله بالعربية والعجمية وقال ابن القيم أجمعت الأمة على جواز الرهن والكفيل والضمين والتأجيل والخيار ثلاثة أيام. ونقد غير نقد البلد ونحو ذلك فيصح الشرط. فإن وفَّى وإلا فلصاحبه الفسخ.

(وعن جابر) ابن عبد الله رضي الله عنه (أنه كان يسير

ص: 127

على جمل له قد أعيا) أي تعب وعجز عن السير فأراد أن يسيبه. قال ولحقني النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لي قال (فضربه النبي صلى الله عليه وسلم فسار سيرًا لم يسر مثله) وفي رواية كنت معه في غزاة فأبطأ بي جملي فتخلفت فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحجنه بمحجنه. ثم قال "اركب" فركبت. فلقد رأيته أكفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال: بعنيه) فيجوز طلب المبيع من المالك قبل عرض المبيع للبيع (فبعته) وفي رواية بأوقية. قال البخاري وقول الشعبي بأوقية أكثر (واستثنيت حملانه إلى أهلي متفق عليه) وللبخاري وشرطت ظهره إلى المدينة.

وتمام الحديث فلما بلغت أتيته بالجمل فنقدني ثمنه. ثم رجعت فأرسل في أثري فقال "أتراني ما كستك لآخذ جملك خذ جملك ودراهمك فهو لك". وللخبر ألفاظ كثيرة قال بعضهم رواه بعض الرواة بالمعنى وهو جائز. وقد دل على جواز البيع مع استثناء الركوب إلى موضع معين. وهو مذهب جمهور أهل العلم. ومثله سكنى الدار المبيعة شهرًا أو نفعًا معلومًا في مبيع. غير وطء ودواعيه فلا يصح الشرط وإن تعذر انتفاع بائع بسبب مشترٍ بأن أتلفت العين ونحوه فعليه أجرة المثل له.

(وعن ابن عمر مرفوعًا لا يحل سلف) أي قرض (وبيع) أي مع السلف بأن يكون أحدهما مشروطًا في الآخر. قال أحمد أن يقرضه قرضًا ثم يبايعه بيعًا يزداد عليه. وهو فاسد

ص: 128

لأنه إنما يقرضه على أن يحابيه في الثمن. وكل قرض جر نفعًا فهو ربا. وقال الوزير وغيره اتفقوا على أنه لا يجوز بيع وسلف وهو أن يبيع الرجل السلعة على أن يسلفه سلفًا أو يقرضه قرضًا. وقال ابن القيم نهى عن سلف وبيع لأنه ذريعة إلى أن يقرضه ألفًا ويبيعه سلعة تساوي ثمانمائة بألف أخرى. فيكون قد أعطاه ألفًا وسلعة بثمانمائة ليأخذ منه العين. وهذا هو عين الربا. وقال إذا أقرضه مائة إلى سنة ثم باعه ما يساوي خمسين بمائة فقد جعل هذا البيع ذريعة إلى الزيادة في القرض الذي موجبه رد المثل.

قال (ولا) يحل (شرطان في بيع رواه الخمسة) وغيرهم. واتفقوا على عدم صحة ما فيه شرطان ليسا من مقتضى البيع. ولا من مصلحته. وقيل الشرطان في البيع هو أن يقول بعتك هذا العبد بألف نقدًا أو بألفين نسيئة. وأن هذا بيع واحد تضمن شرطين يختلف المقصود فيه باختلافهما. وأنه كالبيعتين في بيعة وقال ابن القيم عاملَ عمرُ الناسَ على أنهم إن جاءوا بالبذر فلهم كذا. وإلا فلهم كذا. قال وهذا صريح في جواز بعتكه بعشرة نقدًا أو بعشرين نسيئة. قال والصواب جواز هذا كله للنص والآثار والقياس. وذكر أمثلة يصح تعليقها بالشروط. ثم قال والمقصود أن للشروط عند الشارع شأنًا ليس عند كثير من الفقهاء. ثم قال والصواب الضابط الشرعي الذي دل عليه النص أن كل شرط خالف حكم الله وكتابه فهو باطل،

ص: 129

وما لم يخالف حكمه فهو لازم. والشرط الجائز بمنزلة العقد بل هو عقد وعهد. وكل شرط قد جاز بذله بدون الاشتراط لزم بالشرط.

وقال تفسيره نهيه عن صفقتين في صفقة. وعن بيعتين في بيعة. وفسر بأن يقول خذ هذه السلعة بعشرة نقدًا. وآخذها منك بعشرين نسيئة. وهي مسألة العينة بعينها. وهذا هو المعنى المطابق للحديث. فإنه إذا كان مقصوده الدراهم العاجلة بالآجلة فهو لا يستحق إلا رأس ماله. وهو أوكس الثمنين. ولا يحتمل غير هذا المعنى. وهذا هو الشرطان في بيع. وإذا أردت أن يتضح لك هذا المعنى. فتأمل نهيه عن بيعتين في بيعة. وعن سلف وبيع. ونهيه في هذا الحديث عن شرطين في بيع. وعن سلف وبيع. وكلا الأمرين يؤول إلى الربا. اهـ.

وقيل أن يقول بعتك ثوبي بكذا وعليَّ قصارته وخياطته.

وقال أحمد يصح. والذي عليه العمل أن الشرطين الصحيحين لا يؤثران في العقد كما هو اختيار الشيخ تقي الدين وغيره. وما روي نهى عن بيع وشرط. فقال ابن القيم لا يعلم له إسناد مع مخالفته للسنة الصحيحة والقياس والإجماع. وقال أحمد إنما النهي عن شرطين في بيع. وهذا بمفهومه يدل على جواز الشرط الواحد.

(ولهم) أي للخمسة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (نهى صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة) ولأبي داود من باع بيعتين في

ص: 130

بيعية فله أوكسهما أو الربا (صححهما الترمذي) والأول صححه أيضًا ابن خزيمة والحاكم. وهذا صححه ابن حبان وغيره. واتفق أهل العلم على العمل بهما. وقال الوزير اتفقوا على أنه لا يجوز بيعتان في بيعة واحدة. قال ابن القيم قيل أن يقول بعتك بعشرة نقدًا أو عشرين نسيئة. وهذا التفسير ضعيف. فإنه لا يدخل الربا في هذه الصورة ولا صفقتين هنا وإنما هي صفقة واحدة بأحد الثمنين. والتفسير الثاني أن يقول أبيعكها بمائة إلى سنة على أن أشتريها منك بثمانين حالة. وهذا معنى الحديث الذي لا معنى له غيره. وهو مطابق لقوله "فله أوكسهما أو الربا".

وقال وقيل البيعتان في بيعة هو الشرط في البيعة. فإنه إذا باعه السلعة بمائة مؤجله ثم اشتراها منه بثمانين حالة فقد باع بيعتين في بيعة. فإن أخذ بالثمن الزائد أخذ بالربا. وإن أخذ بالناقص أخذ بأوكسهما. وهذا من أعظم الذرائع إلى الربا بخلاف بمائة مؤجلة أو خمسين حالة. فليس هنا ربا ولا جهالة ولا غرر ولا ضرر. وإنما خيره بين أي الثمنين شاء، اهـ. وفسره أحمد وغيره بأن يبيعه سلعة ويقرضه قرضًا.

(وعن عائشة) رضي الله عنها (في قصة بريرة) وكانت لناس من الأنصار. وذلك أنها جاءت إلى عائشة رضي الله عنها فقالت إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني. فقالت عائشة إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون

ص: 131

ولاؤك لي فعلتُ. فذهبت بريرة إلى أهلها. فقالت لهم فأبوا عليها. فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت إني عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء. فقال "خذيها واشترطي لهم الولاء" زجرًا وتوبيخًا. يعلم منه أنه كان قد بين لهم بطلانه. ثم قال "فإنما الولاء لمن أعتق" ففعلت.

ثم قام في الناس خطيبًا "فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله" أي في شرعه الذي كتبه على العباد و (قال ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) أي الذي ليس في حكم الله. قال ابن القيم ليس المراد به القرآن قطعًا. فإن أكثر الشروط الصحيحة ليست في القرآن بل علمت من السنة. فعلم أن المراد بكتاب الله حكمه. فإنه يطلق على كلامه تعالى. وعلى حكمه الذي حكم به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن كل شرط ليس في حكم الله فهو مخالف له. فيكون باطلاً.

والصواب اعتبار كل شرط لم يحرمه الله. ولم يمنع منه. وإلغاء كل شرط خالف حكم الله (وإن كان مائة شرط) لمخالفته للحق. فوجوده كعدمه. والمراد لو شرطوا مائة شرط فباطل (قضاء الله أحق) بالاتباع من الشروط المخالفة لحكم الله (وشرط الله أوثق) وآكد. لأن الدليل قد دل على بطلان جميع الشروط التي ليست في كتاب الله. فلو كانت ما كانت كان

ص: 132

الحكم كذلك (وإنما الولاء لمن أعتق) فلا يتعداه إلى غيره (متفق عليه) ولهما عن ابن عمر نحوه.

وروي بألفاظ في الصحيحين وغيرهما تدل على أن كل شرط يخالف حكم الله باطل. ومنه لو شرط أن لا خسارة عليه.

أو متى نفق المبيع وإلا رده. أو لا يبيع ولا يهب ولا يعتق. أو شرط البائع على المشتري أن يفعل ذلك. فيبطل الشرط وحده. كشرط الولاء للبائع. إلا إذا شرط العتق فيصح عند الجمهور. وكذا يبطل الشرط لو رهن نحو خمر أو إلى أجل مجهول.

وفي الاختيارات تصح الشروط التي لم تخالف الشرع في جميع العقود. فلو باع جارية وشرط على المشتري إن باعها فهو أحق بها بالثمن صح البيع. والشرط. واشترط عثمان لصهيب وقف داره عليه. ومثل هذا أن يبيعه بشرط أن يعلمه أو لا يخرجه من ذلك البلد. ونحو ذلك. وإن قال إن جئتك بحقك في محله فقال ابن القيم يصح. وليس في الأدلة الشرعية ولا القواعد الفقهية ما يمنع تعليق البيع بالشرط. والحق جوازه. فإن المسلمين على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا. وهذا لم يتضمن واحدًا من الأمرين. فالصواب جواز هذا العقد. وهو اختيار شيخنا.

(ولأحمد أن ابن عمر باع زيد بن ثابت عبدًا بشرط البراءة) أي من كل عيب (فأصاب به زيد عيبًا فأراد رده)

ص: 133

على ابن عمر (فلم يقبله) لأن الشرع أقام الشرط العرفي كاللفظي. وذلك للسلامة من العيب حتى يسوغ له الرد بوجود العيب. ولا يبرأ بشرط السلامة من كل عيب حتى يعين (فقال عثمان لابن عمر تحلف انك لم تعلم بهذا العيب قال لا فرده عليه) قال الشيخ الصحيح في مسألة البيع بشرط البراءة من كل عيب. والذي قضى به الصحابة وعليه أكثر أهل العلم أن البائع إذا لم يكن علم بالعيب فلا رد للمشتري. لكن إن ادعى أن البائع علم بذلك فأنكر البائع حلف أنه لم يعلم. فإن نكل قضي عليه. اهـ.

وإذا كان في المبيع عيب يعلمه البائع بعينه فأدخله في جملة عيوب ليست موجودة وتبرأ منها كلها. فقال ابن القيم لا يبرأ حتى يفرده بالبراءة. ويعين موضعه وجنسه ومقداره. بحيث لا يبقى للمبتاع فيه قول. ولا يقول البائع بشرط البراءة من كل عيب. وليقل وإنك رضيت بها بجملة ما فيها من العيوب التي توجب الرد أو يبين عيوبًا يدخله في جملتها. وأنه رضي بها كذلك. وفي الاختيارات وشرط البراءة من كل عيب باطل. ولا يبرأ حتى يسمي العيب.

قال أحمد يضع يده على العيب. فيقول أبرأ إليك من ذا فأما إذا لم يعمد إلى الداء ولم يوقفه عليه فلا أراه يبرأ يرده المشتري بعيبه. لأنه مجهول. قال ابن رشد وحجة من لم يجز البراءة على الإطلاق أن ذلك من باب الغرر فيما لم يعلمه

ص: 134