الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ البَيع
البيع لغة: أخذ شيء وإعطاء شيء. مأخوذ من الباع. لأن كل واحد من المتبايعين يمد باعه للأخذ والإعطاء.
وشرعًا مبادلة مال أو منفعة بمثل أحدهما. فشمل تسع صور: عين بعين أو دين أو منفعة. دين بعين أو دين أو منفعة. منفعة بعين أو دين أو منفعة.
والحكمة أن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه غالبًا. وصاحبه قد لا يبذله له. ففي شرعية البيع وسيلة إلى بلوغ الغرض من غير حرج.
وحيث أنها تقدمت أركان الإسلام التي لا يستقيم إلا بها. فكل ذي لب لا يتصور منا صدور ذلك إلا بقوة يخلقها الله في أبداننا. وقد أجرى العادة بأن تلك القوة لا تقوم إلا بمادة تحصيلها عن الكسب فيما أباحه الله من السعي في وجوه المعاملات من البيع وغيره. ولا يباح للمسلم أن يفعل شيئًا منه إلا بموجب الشرع. فنخرج من أركان الإسلام إلى المعاملات.
وقد بعث عمر رضي الله عنه من يقيم من الأسواق من
ليس بفقيه. والبيع من أفضل الكسب وجائز بالكتاب والسنة والإجماع والقياس.
(قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ} أي أحل الله لكم الأرباح في التجارة بالبيع والشراء. وكل منهما يطلق على ما يطلق عليه الآخر. فهما من الألفاظ المشتركة بين المعاني المتضادة. وقال الله تعالى: {فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ} وقال: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} وغيرها. ومن السنة "البيعان بالخيار" و "يا معشر التجار" وغيرهما. والإجماع معلوم في الجملة. والحكمة تقتضيه لما تقدم.
وقال تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} وهو أخذ مال الإنسان من غير عوض. وذلك أن أهل الجاهلية قالوا لم حرم هذا وأبيح هذا اعتراضًا منهم على الشرع. فأخبر تعالى أن كل ما فيه معاوضة صحيحة خالية من أكل أموال الناس بالباطل الذي لا يقابله عوض فهو بيع حلال. وطلب الزيادة بطريق التجارة غير حرام في الجملة. إنما الحرام زيادة على صفة مخصوصة في مال مخصوص. قال الشيخ وغيره: الأصل في العقود والمعاملات الصحة حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم. فهي عفو حتى يحرمها الشارع. فإنه سكت عنها رحمة من غير نسيان وإهمال. بل صرحت النصوص بأنها على الإباحة فيما عدا ما حرمه. وأمر بالوفاء به في غير موضع.
(وقال: {إِلَاّ أَن تَكُونَ} أي الأموال {تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} أي طيب نفس كل واحد منكم فافعلوها وتسببوا بها في تحصيل الأموال. بعد أن نهانا عن أكلنا أموالنا بيننا بالباطل.
وقال بعض السلف: التجارة رزق من رزق الله لمن طلبها بصدق. قال الشيخ: وكسب الإنسان فيما يقوم بالنفقة الواجبة على نفسه وعياله واجب عليه. وإنما المذموم فرط تعلق القلب بالمال بحيث يكون هلوعًا جزوعًا منوعًا. فدلت الآية على جواز البيع واشتراط التراضي من المتعاقدين وأنه لا يصح من مكره بلا حق. ودلت على اشتراط الإيجاب والقبول.
ولا ريب أن الناس يتبايعون بالمعاطاة في كل عصر. ولم ينكر فكان إجماعًا. ولما كان الرضى أمرًا خفيًا لا يطلع عليه. وجب تعلق الحكم بسبب ظاهر. يدل عليه وهو الصيغة القولية أو الفعلية. واختار الشيخ وغيره صحة البيع بكل ما عده الناس بيعًا من متعاقب أو متراخ من قول أو فعل.
(وقال: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى} الآية) أي اختبروهم في عقولهم وأديانهم وحفظهم أموالهم. وتمام الآية: {حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ} أي الحلم. والجمهور أن البلوغ في الغلام تارة يكون بالحلم. وهو أن يرى في منامه ما ينزل به الماء الدافق. وفي الحديث "رفع القلم عن ثلاثة الصبي حتى يحتلم" أو يستكمل خمس عشرة سنة. لما في الصحيحين عن ابن عمر: عرضت يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني وعرضت يوم الخندق
وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني. أو ينبت. لعرضهم يوم قريظة فمن أنبت قتل ومن لم ينبت لم يقتل. وتزيد الجارية بوجود الحيض {فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا} صلاحًا في دينهم ومالهم {فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} فيشترط في صحة البيع أن يكون العاقد جائز التصرف. فإنه لا يصح تصرف صبي ولا سفيه بغير إذن ولي.
(وقال: {وَلَا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم} أي لا يأكل بعضكم مال بعض {بِالْبَاطِلِ} أي من غير الوجه الذي أباحه الله. وأصل الباطل الشيء الذاهب. والأكل بالباطل أنواع كثيرة. وقال أيضًا في الآية الأخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} فنهى تعالى عن أكل بعضنا أموال بعض بأي نوع من أنواع المكاسب غير الشرعية كالربا والقمار، وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل، والأسباب المحرمة في اكتساب الأموال.
(وقال: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم} أي بين ووضح لكم {مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} وأكثر المفسرين أن المراد قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} الآية. إلا أن الآية مكية. وآية المائدة مدنية. ولما كان في الترتيب لا في النزول. حسن عود الضمير إلى ما هو متقدم في الترتيب. وقيل المراد {قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية. وإن كانت بعدها بقليل. فلا يمنع أن تكون هي المراد. والآية أعم من ذلك.
وقد اعتنى الشارع بتوضيح البيوعات الفاسدة لأنه يحتاج إلى بيانها لكونها على خلاف الأصل. لا البيوعات الصحيحة اكتفاء بالعمل فيها بالأصل. وعموم الآية يدل على أنه يجب اجتناب ما حرم من البيوعات، فيشترط لصحة البيع أن تكون العين مباحة النفع من غير حاجة كما سيأتي.
(وقال: {إِنَّمَا الْخَمْرُ} وهو كل مسكر من أي شيء كان لقوله صلى الله عليه وسلم "كل مسكر خمر وكل خمر حرام" وسميت الخمر خمرًا لمخامرتها العقل {وَالْمَيْسِرُ} أي القمار ومنه الشطرنج.
وكل شيء من القمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب والبيض {وَالأَنصَابُ} أي الأوثان سميت بذلك لأنهم كانوا ينصبونها {وَالأَزْلَامُ} يعني القداح التي كانوا يستقسمون بها {رِجْسٌ} أي خبيث مستقذر {مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} من تزيينه {فَاجْتَنِبُوهُ} أبلغ من اتركوه. فإن اتركوا لعدم الفعل. واجتنبوا تقتضي الترك والمباعدة والمجانبة {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} ثم قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} ، أما الخمر فإنهم إذا سكروا عربدوا وتشاجروا. وأما الميسر فيبقى المقمور مسلوب المال مغتاظًا.
ثم قال تعالى: {وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ} أي يلهيكم عن ذكر الله ويشوش عليكم صلواتكم {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُون} وهذا تهديد وترهيب وزجر عن تعاطي تلك
المحرمات. وانتظمت هذه الآيات عدة من شروط صحة البيع.
(وعن رفاعة بن رافع) بن خديج الزرقي الأنصاري هو وأبوه صحابيان شهد رفاعة المشاهد كلها والجمل وصفين.
وتوفي أول زمن معاوية. ورافع أحد النقباء وأول من قدم المدينة بسورة يوسف رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الكسب أطيب) وذلك أن منزلة الرزق من الكسب كمنزلة الشبع من الطعام (قال: عمل الرجل بيده) من جهاد وحراثة ونجارة وخياطة وغير ذلك.
وكذا عمل المرأة في بيتها. وغيره مما لا محذور فيه (وكل بيع مبرور) وهو ما خلص من اليمين الفاجرة لتنفيق السلعة.
وعن الغش. والحيل في المعاملة، وعن أبي سعيد مرفوعًا "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين" حسنه الترمذي. وحديث الباب (رواه أحمد) والبزار وغيره وصححه الحاكم وفيهما دليل على فضل الإتجار. ولأحمد عن أبي بردة بن نيار سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الكسب قال "بيع مبرور وعمل الرجل بيده" وفيها دلالة على تقرير ما جبلت عليه النفوس من طلب المكاسب. وإنما سئل عن أطيبها أي أحلها وأبركها. وقدم في حديث رافع عمل اليد على البيع المبرور.
فهو دال على أنه الأفضل. ويدل له ما رواه البخاري "أن داود كان يأكل من عمل يده".
وأشرفها ما يكسب من أموال الكفار بالجهاد. فهو مكسب النبي صلى الله عليه وسلم. ولما فيه من إعلاء كلمة الله. ثم من الزراعة لم تشتمل عليه من عمل اليد. والتوكل على الله. والنفع العام. وقدم في حديث أبي بردة الإتجار. وصوب الجمهور عمل اليد على الاتجار. وفي الاتجار فضل عظيم. لا سيما إن كان ممن يتقي الله ويتسامح.
ففي الصحيح "رحم الله امرءًا سمحًا إذا باع سمحًا إذا ابتاع سمحًا إذا اشترى" ولأحمد "أدخل الله الجنة رجلًا سهلًا بائعًا سهلًا مشتريًا" وفي الصحيحين "تجاوز الله عمن يتجاوز عن الناس" ولمسلم "غفر لمن ينظر المعسر" وقال أحمد: الزم السوق تصل به الرحم وتعود به على نفسك. وقال لا ينبغي له أن يدع العمل. وينتظر ما بيد الناس. وقال عمن فعل هذا: هم مبتدعة قوم سوء يريدون تعطيل الدنيا.
(وعن أبي سعيد مرفوعًا) يعني إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إنما البيع) أي اللازم بالعقد ما كان (عن تراض) أي من المتعاقدين بأن يأتيا به اختيارًا ظاهرًا وباطنًا (رواه ابن ماجه) وتقدم قوله تعالى: {إِلَاّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} وأنه أحد شروط البيع وأنه لا يصح من مكره بلا حق. فإن أكرهه الحاكم على بيع ما له لوفاء دينه صح لأنه حمل عليه بحق. وإن أكره على مقدار من المال فباع ملكه لأجل ذلك كره الشراء منه وصح. لأنه غير مكره عليه. هذا مذهب أحمد
ويسمى بيع المضطر. واختار الشيخ الصحة من غير كراهة. فلو امتنع الناس من الشراء منه لكان أشد ضررًا عليه.
قال ومن استولى على ملك إنسان بلا حق. ومنعه إياه حتى يبيعه له على هذا الوجه فهذا مكره بغير حق. فلا يصح بيعه لأنه ملجأ إليه. اهـ. وإن لم يقصدا البيع بل أظهراه تلجئة خوفًا من ظالم ونحوه لم يصح. وكذا بيع هازل. وبيع الأمانة الذي هو في معنى القرض بعوض. وسئل أحمد عن رجل مقر بالعبودية حتى يباع يؤخذ البائع والمقر بالثمن. فإن مات أحدهما أو غاب أخذ الآخر بالثمن. واختاره الشيخ. وصوبه في الإنصاف. وفي الفروع يتوجه في كل غار. ولو أقر أنه عبده فكبيع.
(وعن جابر) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله حرم بيع الخمر) وفي رواية أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم عام الفتح في رمضان سنة ثمان وهو بمكة "إن الله ورسوله حرم بيع الخمر" وهو كل مسكر (و) حرم بيع (الميتة) وهي ما زالت عنه الحياة لا بزكاة شرعية. وحكى ابن المنذر الإجماع على تحريم بيع الميتة (و) حرم بيع (الخنزير) وقد حرم على لسان كل نبي. وحكى الحافظ الإجماع على تحريم بيعه بجميع أجزائه.
ولأبي داود حرم الخمر وثمنها وحرم الخنزير وثمنه"
(والأصنام) والصنم ما كان مصورًا. ويقال الصنم الوثن وقيل الوثن ما له جثة. وسماها رجسًا لأن وجوب تجنبها أوكد
من وجوب تجنب الرجس. وعبادتها أعظم من التلوث بالنجاسات.
(فقيل أرأيت شحوم الميتة) أي أخبرني عن الشحوم هل تخص من التحريم لنفعها. وذكر ثلاث المنافع فقال (فإنه يطلى بها السفن) أي تدهن بها وتلطخ لئلا يفسدها الماء (ويدهن بها الجلود) لتلين بذلك الدهان (ويستصبح بها الناس) الاستصباح استفعال من المصباح وهو السراج الذي يشعل منه. أي يجعلونها في سرجهم ومصابيحهم يستنيرون بها. أي فهل يجوز بيعها لما ذكر من المنافع. فإنها مقتضية لصحة البيع (فقال لا هو حرام) غير خارجة عن الحكم أي بيع الشحوم حرام. ولأحمد فما ترى في بيع شحوم الميتة (ثم قال عند ذلك) أي عند سؤالهم عن منافع شحوم الميتة التي تستعمل فيه دون الأكل.
(قاتل الله اليهود) أي لعنهم الله كما في غير ما حديث. يقال في مقام الدعاء على المدعو عليه (إن الله لما حرم شحومها) أي شحوم الميتة (جملوه) أي أذابوه. يقال جمله إذا أذابه. والجميل الشحم المذاب (ثم باعوه) وللبخاري "جملوها ثم باعوها"(فأكلوا ثمنه) أي ثمن ما جملوه من الشحوم المحرمة عليهم (متفق عليه) وجوز بعض أهل العلم الاستصباح بالأدهان المتنجسة في غير مسجد. واختار الشيخ. لا ينجس العين مطلقًا.
وما تنجس من الأشياء الطاهرة فالجمهور على الجواز. والعلة في تحريم بيع الخنزير والميتة هي النجاسة عند جمهور العلماء. فيتعدى ذلك إلى كل نجاسة. وأما الأصنام فالعلة عدم المنفعة المباحة. فإن كان ينتفع بها بعد الكسر جاز عند بعضهم. ومنعه الأكثر. وعن ابن عباس مرفوعًا "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها. وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه" رواه أبو داود.
وروى ابن بطة "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل" وفيه دليل على تحريم الحيل والوسائل إلى المحرم. وإبطال ذلك. وأن كل ما حرم الله على العباد فبيعه حرام لتحريم ثمنه. فلا يخرج من هذه الكلية إلا ما خصه دليل كالجلد المدبوغ وتقدم.
(ولهما) أي البخاري ومسلم ورواه الخمسة وغيرهم (عن أبي مسعود) عقبة بن عامر رضي الله عنه قال (نهى صلى الله عليه وسلم)(أي أتى بعبارة تفيد النهي وإن لم يذكرها. وبدأ بالنهي (عن ثمن الكلب) معلمًا كان أو غيره مما يجوز اقتناؤه أو لا يجوز. وهذا مذهب جمهور العلماء. والنص على تحريم ثمنه يدل باللزوم على تحريم بيعه. وروي "إلا كلب صيد". وقال الحافظ لا يصح.
(و) نهى عن (مهر البغي) بتشديد الياء. وهو ما
تأخذه الزانية في مقابل زناها. وسماه مهرًا لكونه على صورته. وأجمعوا على تحريمه وأصل البغي الطلب. غير أنه أكثر ما يستعمل في الفساد. وذكر ابن القيم أنه في جميع كيفياته يجب التصدق به. ولا يرد إلى الدافع. لأنه دفعه باختياره في مقابل عوض لا يمكن صاحب العوض استرجاعه. فهو كسب خبيث يجب التصدق به. ولا يعان صاحب المعصية على حصول غرضه. واسترجاع ماله.
(و) نهى عن (حلوان الكاهن) مصدر حلوته حلوانًا إذا أعطيته. وأصله من الحلاوة. شبه بالشيء الحلو من حيث أنه يؤخذ سهلًا بلا كلفة. وأجمعوا على تحريم حلوان الكاهن.
والكاهن الذي يدعي علم الغيب. ويخبر الناس عن الكوائن من منجم وغيره. فلا يحل له ما يعطاه. ولا يحل لأحد تصديقه فيما يتعاطاه ولهما أيضًا من حديث أبي جحيفة "نهى عن ثمن الدم" قيل نفس الدم وهو حرام بالإجماع. وقيل أجرة الحجام "وثمن الكلب وكسب البغي" ولأحمد وأبي داود من حديث ابن عباس "إن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابًا" وجاء في مسلم "وثمن السنور" وإن كان الجمهور على إباحته لأنه طاهر العين مباح النفع. فقال أحمد وغيره لا يجوز بيعه للنهي عن ثمنه. واختاره ابن القيم وابن رجب وغيرهما.
(وللبخاري عن أبي هريرة مرفوعًا) إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال (قال الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة) ولابن حبان وغيره "ومن كنت خصمه خصمته" قال: (ومنهم رجل باع حرًا فأكل ثمنه) قال ابن الجوزي الحرعبد الله فمن جنى عليه فخصمه سيده ولأبي داود من حديث ابن عمر "ورجل اعتبد محررًا" كأنه يعتقه ثم يكتم عتقه، أو يستخدمه كرهًا بعد.
قال الحافظ وحديث أبي هريرة أشد لأن فيه مع كتم العتق أو جحده العمل بمقتضى ذلك من البيع وأكل الثمن.
وأريد التشديد على هؤلاء بالتصريح. وإلا فهو تعالى خصم لجميع الظالمين. قال المهلب إنما كان إثمه شديدًا لأن المسلمين أكفاء في الحرية. فمن باع حرًا فقد منعه التصرف فيما أباح الله له. وألزمه الذل الذي أنقذه الله منه. وقال ابن المنذر لم يختلفوا في أن من باع حرًا أنه لا قطع عليه. يعني إذا لم يسرقه من حر مثله. إلا ما يروى عن علي. وكان في بيعه خلاف. ثم ارتفع. واستقر الإجماع على المنع منه. قال "ورجل أعطى بي ثم غدر". أي عاهد عهدًا وحلف عليه بالله ثم نقضه. والثالث "رجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره".
(وعن جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء) أي الفاضل عن كفاية صاحبه سواء كان في أرض مباحة أو مملوكة للشرب أو غيره لحاجة الماشية أو الزرع في فلاة وغيرها.
وقال صلى الله عليه وسلم "لا تمنعوا فضل الماء" وهو عند الجمهور محمول على ماء البئر المحفورة في الأرض المملوكة أو في الموات لقصد
التملك وإما لقصد الارتفاق فالحافر لا يملك ماءها بل يكون أحق به إلى أن يرتحل. وفي الصورتين يجب عليه بذل ما يفضل عن حاجته وعلله الشارع أيضاً بكونه ذريعة إلى منع فضل الكلأ لأن صاحب المواشي إذا لم يمكنه الشرب من ذلك الماء لم يتمكن من المرعى الذي حوله. ولمسلم أيضاً من حديث أبي هريرة نحوه. ويأتي قوله "الناس شركاء في ثلاث فى الماء والكلأ والنار"
وخص من العموم ما كان محرزاً في آنية ونحوها قياساً على جواز الاحتطاب. وكذلك بيع البئر والعين. فإنه جائز. وفي الاختيارات من ملك ماءً نابعاً كبئر محفورة في ملكه أو عين ماء في أرضه فله بيع البئر والعين جميعاً. ويجوز بيع بعضها مشاعاً. وإن كان أصل القناة في أرض مباحة. فكيف إذا كان في أرضه. قال الشيخ وهذا لا أعلم فيه نزاعاً. وإنما تنازعوا فيما لو باع الماء دون القرار. وفي الصحة قولان. ومذهب مالك والحنفية الصحة. ونص الشافعي على أنه يملك. لما يأتي من قوله صلى الله عليه وسلم "من يشتري بئر رومة".
ومن احتفر بئراً أو نهراً ونحوه فهو أحق بمائه. وحديث الباب يدل على جواز بيع الماء لأنه منع الفضل لا منع الأصل ومحل النهي إذا لم يجد المأمور له بالبذل ماء غيره. فلا يمنع الفضل عن غيره. ولما رواه أبو داود وغيره مرفوعاً سئل ما الشيء الذي لا يحل منعه قال "الماء" وذكر الملح ومثله الكلأ.
قال ابن القيم ويجوز دخول الأرض المملوكة لأخذ الماء والكلأ لأن له حقاً في ذلك. ولا يمنعه استعمال ملك الغير نص عليه أحمد. لأنه ليس له منعه من الدخول. بل يجب عليه تمكينه. ويحرم منعه. فلا يتوقف دخوله على الأذن إنما يحتاج إليه في الدار إذا كان فيها سكن.
(و) نهي (عن بيع ضراب الجمل. رواه مسلم) ورواه أهل السنن وغيرهم. وصححه الترمذي وغيره. وللبخاري من حديث ابن عمر "نهى عن عسب الفحل" وهو أن يستأجر فحل الإبل أو البقر أو الغنم أو غيرها لينزو على الإناث وعسبه ضرابه والمراد نهي عن أجرة ضراب الجمل. فدل على تحريم استئجار الفحل للضراب. والأجرة حرام. لأن ماء الفحل غير متقوم. ولا معلوم. ولا مقدور على تسليمه. وهذا مذهب الجمهور.
وأما عارية ذلك فلا خلاف في جوازه. وللترمذي إنا نطرق الفحل فنكرم "فرخص له في الكرامة" ولابن حبان "من أطرق فرسًا فأعقب كان له كأجر سبعين فرسًا" فينبغي إطراق الفحل جملًا كان أو غيره.
(وعن حكيم بن حزام مرفوعًا قال لا تبع ما ليس عندك) وذلك أنه قال يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني عن البيع
ليس عندي ما أبيعه منه ثم ابتاعه من السوق. فقال "لا تبع
ما ليس عندك" (رواه الخمسة وصححه الترمذي) وأخرجه
ابن حبان في صحيحه. وقد روي من غير وجه. ولهم
عن عمرو بن شعيب مرفوعًا "لا يحل سلف وبيع. ولا بيع ما ليس عندك" وصححه الترمذي وغيره. والمعنى ما ليس في ملكك وحوزتك وقدرتك. كالعبد الآبق. والطير في الهواء والسمك في الماء.
قال ابن القيم كنهيه عن بيع الغرر. لأنه إذا باع ما ليس عنده فليس على ثقة من حصوله. قد يحصل له وقد لا يحصل فيكون غررًا. اهـ. وعند: لغة تستعمل في الحاضر القريب. وما في حوزتك. وإن كان بعيدًا. فالمراد ليس حاضرًا عندك ولا غائبا في ملكك. وتحت حوزتك. وقال البغوي وغيره النهي في هذا الحديث عن بيوع الأعيان التي لا يملكها. أما بيع شيء موصوف في ذمته فيجوز فيه السلم بشروطه.
فظاهر النهي تحريم ما لم يكن من الأعيان في ملك الإنسان. ولا داخلًا تحت مقدرته. سوى الموصوف في الذمة.
وقال الوزير وغيره اتفقوا على أنه لا يجوز بيع ما ليس عنده. ولا في ملكه. ثم يمضي فيشتريه له. وأنه باطل. قال الشيخ إنما يفعله لقصد التجارة والربح فيبيعه بسعر ويشتريه بأرخص ويلزمه تسليمه في الحال. وقد يقدر عليه وقد لا يقدر عليه.
وقد لا تحصل له تلك السلعة إلا بثمن أعلى مما تسلف فيندم. وإن حصلت بسعر أرخص ندم المسلف. إذا كان يمكنه أن يشتريه هو بذلك السعر.
فصار هذا من نوع الميسر والقمار والمخاطرة. وأما مخاطرة التجارة فيشتري السلعة بقصد أن يبيعها بربح ويتوكل على الله في ذلك. فهذا الذي أحله الله. اهـ. وإن باع ملك غيره بغير إذنه أو اشترى بعين ماله بلا إذنه لم يصح وحكي اتفاقًا. وقال الشيخ: من وكل في بيع أو استئجار أو شراء فلم يسم الموكل في العقد فضامن. ومن ادعى بعد البيع أن البيع لغيره وأنه فضولي أو غاصب لم يقبل منه. ولا تسمع بينته على ذلك. فإن أقام المقر له البينة بالملك سمعت. فإن لم تكن له بينة حلف المشتري أنه لا يعلم مالكًا سوى البائع.
وفي قصة: أصحاب الغار. وتنميته أجرة المستأجر لأجيره دليل على جواز تصرف الرجل في مال الغير. الأجير وغيره بغير إذنه. وهو تصرف الفضولي وما فتح عنوة فقال بعض أهل العلم لا يباع غير المساكن مما فتح عنوة كأرض الشام ومصر العراق. لأن عمر وقفها على المسلمين. وفي الاختيارات يصح بيع ما فتح عنوة ولم يقسم من أرض الشام ومصر والعراق. ويكون في يد مشتريه بخراجه.
قال الشيخ: ومعنى وقفها إقرارها على حالها وضرب الخراج عليها مستمرًا في رقبتها. وليس معناه الوقف الذي يمنع من نقل الملك في الرقبة. بل يجوز بيعها كما هو عمل الأمة.
ومن اشتراها صارت عنده خراجية. وذكر أنها تنتقل بالبيع في أصح قولي العلماء. وهو إحدى الروايتين عن أحمد وأحد قولي
الشافعي والمؤثر بها أحق بها بلا خلاف. اهـ. بخلاف ما فتح صلحًا فيصح عند الجمهور.
ويجوز بيع رباع مكة. وهو أظهر في الحجة. واختيار الشيخ وتلميذه. لأنه إنما يستحق التقدم على غيره بهذه المنفعة.
واختص بها لسبقه وحاجته. وجواز البيع لوروده على المحل الذي كان البائع اختص به عن غيره. وهو البناء. فلو زال لم يكن له أن يبيع الأرض كما أنه ليس له أن يؤجرها وله أن يبنيها ويعيدها كما كانت وهو أحق بها يسكنها ويسكن فيها من شاء. وكانوا يتبايعونها قبل الإسلام وبعده بلا نزاع. بخلاف بقاع المناسك فلا يجوز قال في الإنصاف بلا نزاع.
(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة) قيل هو أن يقوم ارم بهذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت عليه فهو لك بدرهم. وقيل أن يبيعه من أرضه قدر ما انتهت إليه رمية الحصاة. أو أن يعترض القطيع من الغنم فيأخذ حصاة ويقول أي شاة أصابتها فهي لك بكذا. وكل هذا ونحوه متضمن لبيع الغرر. لما في الثمن أو المبيع من الجهالة. ولفظ الغرر يشملها. وإنما أفردت لكونها كانت مما يبتاعها أهل الجاهلية. فنهى صلى الله عليه وسلم عنها. وأضيف البيع إلى الحصاة للملابسة لاعتبار الحصاة فيه.
(و) نهى (عن بيع الغرر) وهو ما لا تعلم عاقبته من
الخطر الذي لا يدري أيكون أم لا. بمعنى مغرور اسم مفعول.
وإضافة المصدر إليه من إضافته إلى المفعول. ومعناه أيضًا الخداع الذي هو مظنة أن لا يرضى به عند تحققه. فيكون من أكل المال بالباطل (رواه مسلم) وجاء النهي عنه في أحاديث كثيرة ومن جملة بيع الغرر المنهي عنه بيع السمك في الماء والطير في الهواء. وهو مجمع عليه. ما لم يألف الرجوع. وفي الفنون هو قول الجماعة ومن شروط البيع القدرة على التسليم.
وعدم القدرة على التسليم غرر. قال الخطابي أصل الغرر ما طوي عنك علمه وخفي عنك باطنه. وكل بيع كان المقصود منه مجهولًا غير معلوم. أو معجوزًا عنه غير مقدور عليه. فهو غرر. وإنما نهي عنه تحصينًا للأموال أن تضيع. وقطعًا للخصومة بين الناس. قال الوزير وغيره اتفقوا على أنه لا يجوز بيع الغرر كالشارد والآبق والطير في الهواء والسمك في الماء ونحو ذلك.
وقال النووي وغيره النهي عن بيع الغرر أصل من أصول الشرع يدخل تحته مسائل كثيرة جدًا. وقال الشيخ كل بيع غرر مثل الطير في الهواء والشارد والآبق والثمرة قبل بدو صلاحها. وبيع الحصاة من الميسر الذي حرمه الله لأنه إن قدر عليه كان المشتري قد قمر البائع حيث أخذ ماله بدون قيمته. وإن لم يقدر عليه كان البائع قد قمر المشتري وفي كل منهما أكل مال بالباطل فهو قمار. اهـ.
ويستثنى منه ما يدخل في المبيع تبعاً بحيث لو أفرد لم يصح
بيعه. وما يتسامح بمثله: إما لحقارته أو للمشقة في تمييزه وتعيينه كأساسات البنيان. واللبن في ضرع الدابة. والحمل في بطنها. والقطن المحشو في الجبة. فإن ذلك مجمع عليه. وكإجارة الدار والدابة شهراً. مع أنه قد يكون الشهر ثلاثين أو تسعة وعشرين. ودخول الحمام بالأجرة مع اختلاف الناس في استعمالهم الماء. وقدر مكثهم. وعلى جواز الشرب في السقاء بالعوض مع الجهالة.
(ولهما عن ابن عمر) رضي الله عنهما (نهى) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن بيع حبل الحبلة) بفتح الحاء والباء فيهما. قال أحمد والترمذي وأكثر أهل اللغة هو بيع ولد الناقة الحامل. قال والعمل عليه عند أهل العلم. لكونه معدومًا ومجهولًا وغير مقدور على تسليمه. فهو من بيع الغرر. وفسر بما وقع في بعض الروايات لابن عمر أو نافع كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج ثم تنتج التي في بطنها. وذهب إليه جماعة من أهل العلم.
وأما بيع اللبن في الضرع فقال الشيخ إن كان موصوفًا في الذمة واشترط كونه من هذه الشاة أو البقرة صح. واستدل بخبر نهي أن يسلم في حائط إلا أن يكون قد بدا صلاحه.
واختار هو وابن القيم جواز بيع المسك في فأرته. لأنها وعاء له يصونه أشبه بيع ما مأكوله في جوفه كرمان. وتجاره يعرفونه.
وجواز بيع فجل ونحوه مغروس في الأرض يظهر ورقه. وصوباه
لوجوه: منها أنه ليس من التغرير. وأهل الخبرة يستدلون بظواهره على بواطنه.
(وفيهما عن أبي سعيد نهي) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن الملامسة) يعني في البيع. ولمسلم من حديث أبي هريرة "أن يلمس كل منهما ثوب صاحبه من غير تأمل" وللنسائي "هي أن يقول الرجل للرجل أبيعك ثوبي بثوبك. ولا ينظر أحد منهما إلى ثوب الآخر" ولكنه يلمسه. وأخرج أحمد عن عبد الرزاق عن معمر: الملامسة أن يلمس الثوب بيده ولا ينشره ولا يقلبه فإذا مسه وجب البيع. قال الحافظ وتفسير أبي هريرة اقعد بلفظ الملامسة. لأنها مفاعلة فتستدعي وجود الفعل والعلة الغرر والجهالة وإبطال خيار المجلس.
(و) نهى عن (المنابذة) في البيع قال أبو هريرة "أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر لم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه" وللنسائي "أن يقول أنبذ ما معي وتنبذ ما معك فيشتري كل واحد من الآخر. ولا يدري كم مع الآخر". وتمام حديث أبي سعيد "والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بالليل أو بالنهار ولا يقلبه والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ بثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض" والعلة الغرر.
وأجمعوا على تحريمه وهو ظاهر الخبر. وقال الوزير اتفقوا على أن بيع الحصاة والملامسة والمنابذة باطل. وفيه أنه لا
يصح بيع الغائب. ومذهب مالك وأحمد وجماعة إن وصفه صح. قال الشيخ وهذا أعدل الأقوال. وقال الوزير إذا رأياها ثم تبايعا جاز ولا خيار للمشتري إذا رآها على الصفة التي كان عرفها. فإن تغيرت فله الخيار. وكذا الأعمى إن وصف له صح.
(وللترمذي وصححه عن جابر: ونهى) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن الثنيا) أي الاستثناء المجهول. كأن يقول بعتك هذه الصبرة إلا بعضها أو هذه الأشجار أو الأغنام أو الثياب ونحوها إلا بعضها. لم يصح البيع للجهالة (إلا أن تعلم) يعني الثنيا فيصح البيع. قال في الإنصاف بلا نزاع. ورواه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم. ورواه مسلم بلفظ "نهى عن الثنيا" وزادوا "إلا أن تعلم" والمراد بها الاستثناء في البيع. نحو أن يبيع الرجل شيئًا ويستثني بعضه.
فإن كان الذي استثناه معلومًا نحو أن يستثنى واحدة من الأشجار معلومة أو منزلاً من المنازل معلومًا أو موضوعًا معلومًا من الأرض أو شاة معلومة من القطيع صح باتفاق أهل العلم.
وإن كان مجهولًا نحو أن يستثني شيئًا غير معلوم لم يصح البيع لما فيه من الجهالة والغرر وإن استثنى من حيوان يؤكل رأسه وجلده وأطرافه صح. قال الشيخ ويصح بيع جلده وحده وبيعه مع جلده جميعًا كما قبل الذبح. لا استثناء الشحم ونحوه للجهالة.
ويصح بيع ما مأكوله في جوفه كبطيخ ورمان وحمص ونحوه في قشره. وطلع قبل تشققه. وحب منعقد في سنبله. وأما الجهالة في الثمن فغرر. واشترط أهل العلم أن يكون الثمن معلومًا. وإن باعه بما ينقطع به السعر أو كما يبيع الناس فقال الشيخ يصح وهو أطيب لنفس المشتري من المساومة. وصوبه ابن القيم. وذكر أنه عمل الناس. وليس في الشرع ما يحرمه والمانعون منه يفعلونه. ولا تقوم المصالح إلا به.
(وعن ابن عمر) رضي الله عنهما (قال كانوا يتبايعون الطعام جزافًا) بتثليث الجيم والكسر أفصح. والجزاف هو ما لم يعلم قدره على التفصيل (فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه متفق عليه) ويأتي الكلام في نقله والتصرف فيه قبل قبضه جزافًا كان أو غيره. طعامًا أو غيره. والحديث دل على جواز بيع الصبرة جزافًا مع جهل المتبايعين بقدرها. وقال الموفق لا نعلم فيه خلافًا ولأنه معلوم بالرؤية فصح بيعه كالثياب والحيوان.
ولا يضر عدم مشاهدة باطن الصبرة. فإن ذلك يشق ولكون الحب ونحوه يعلم برؤية ظاهره. ولا يحتاج إلى معرفة قدرها مع المشاهدة لأنه علم ما اشترى بأبلغ الطرق وهو الرؤية. وكذا لو قال بعتك نصفها أو جزءًا منها معلومًا لأن ما جاز بيعه جملة جاز بيع بعضه. كالحيوان. ولا فرق بين الأثمان والمثمنات في صحة بيعها جزافًا عند الجمهور.