الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لهم اعتباره. وإن كانت منفعته تتعلق بغيرها. وفقد النسب والدين لا يقر معهما النكاح بغير خلاف عن أحمد. وحيث يثبت الخيار بفقد الكفاءة للمرأة أو وليها يسقط خيارها بما يدل على رضاها. من قول أو فعل. وأما الأولياء فلا يسقط إلا بالقول ويفتقر الفسخ إلى حاكم. ولهم الفسخ ولو مع ما يدل على رضاها به إذا لم يرضوا به وأما كفاءة المرأة فليست شرطًا اتفقاً. فقد تزوج صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي. وتسرى بالإماء.
باب المحرمات في النكاح
وعبر بعضهم بموانع النكاح والمحرمات في النكاح ضربان: من يحرمن إلى الأبد أو إلى أمد ومن يحرمن إلى الأبد أقسام: وفي كتاب الله بالنسب سبع وسبع بالسبب. وقال الشيخ موانع النكاح الرحم والصهر والرضاع. وجمع الرحم المحرم وجمع العدد. والكفر والرق والنكاح والعدة والإحرام والطلاق الثلاث. واللعان في أشهر الروايتين والزنا وتزويجها في العدة في رواية. والخنوثة والملك من الجانبين أو ملك الولد والمكاتب وفضل المرأة على الرجل إذا قلنا الكفاءة شرط.
(قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} أي حرم عليكم نكاح أمهاتكم جمع أم. ويدخل فيها الجدات وإن علون من قبل الأم ومن قبل الأب قال ابن رشد اتفقوا على أن الأم ههنا
اسم لكل أنثى لها عليك ولادة من جهة الأم أو من جهة الأب اهـ فسواء أمك التي ولدتك أو التي ولدت من ولدتك. وإن علت ومنه جداتك أم أبيك وأم أمك. وجدتا أبيك وجدتا أمك وجدات أجدادك جدات جداتك وإن علون. وارثات أو غير وارثات لقوله صلى الله عليه وسلم في هاجر أم إسماعيل "تلك أمكم يا بني ماء السماء".
{وَبَنَاتُكُمْ} جمع بنت ويدخل فيها بنات الأولاد وإن سفلن قال ابن رشد اتفقوا على أن البنت اسم لكل أنثى لك عليها ولادة من قبل الإبن أو من قبل البنت أو مباشرة اهـ. وتحرم المخلوقة من ماء الزاني عليه بعموم الآية. وهو مذهب جمهور أهل العلم أبي حنيفة ومالك وأحمد. وقال غير واحد تحرم ابنته وابنة ابنه وأخته وابنة أخيه من الزنا في قول عامة الفقهاء. {وَأَخَوَاتُكُمْ} جمع أخت سواء كانت من قبل الأب والأم أو من قبل أحدهما. قال ابن رشد وغيره اتفقوا على أن الأخت اسم لكل أنثى شاركتك في أحد أصليك أو مجموعهما أعني الأب أو الأم أو كليهما.
{وَعَمَّاتُكُمْ} جمع عمة ويدخل فيهن جميع أخوات آبائك وأجدادك وإن علوا واتفقوا على أن العمة اسم لكل أنثى هي أخت لأبيك أو لكل ذكر له عليك ولادة. {وَخَالَاتُكُمْ} جمع خالة ويدخل فيهما جميع أخوات أمهاتك وجداتك. واتفقوا على أن الخالة اسم لكل أخت لأمك أو أخت كل أنثى لها عليك
ولادة {وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ} ويدخل فيها بنات أولاد الأخ والأخت وإن سفلن. وحكى ابن رشد وغيره الاتفاق على أن بنت الأخ اسم لكل أنثى لأخيك عليها ولادة من قبل أمها أو من قبل أبيها أو مباشرة وبنات الأخت اسم لكل أنثى لأختك عليها ولادة مباشرة أومن قبل أمها أو من قبل أبيها.
{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} أي كما تحرم عليك أمك التي ولدتك كذلك تحرم عليك أمك التي أرضعتك فتحرم الأمهات وجداتهن وإن علت {وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ} أي وكما تحرم عليك أختك من النسب تحرم عليك أختك من الرضاعة. فكل امرأة أرضعتك أمها أو أرضعتها أمك أو أرضعتك وإياها امرأة واحدة. أو ارتضعت أنت وهي من لبن رجل واحد فهي أختك محرمة عليك. {وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ} أي وحرمت عليكم أمهات نسائكم. فكل من عقد النكاح على امرأة حرم عليه أمهاتها وجداتها وإن علون من النسب والرضاعة بنفس العقد دخل بها أو لم يدخل بها. وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين.
وقال الوزير اتفقوا على أن نفس العقد على المرأة يحرم أمها على العاقد على التأبيد وأنه لا يعتبر الوطء في ذلك وقال ابن رشد ذهب الجمهور من كافة فقهاء الأمصار إلى أن الأم تحرم بالعقد على البنت دخل بها أو لم يدخل. {وَرَبَائِبُكُمُ اللَاّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ} الربائب جمع ربيبة وهي بنت المرأة.
سميت ربيبة لتربيته إياها غالبًا وكذا بنات أولادها الذكور والإناث وإن نزلن. وقوله: {فِي حُجُورِكُم} أي في تربيتكم يقال فلان في حجر فلان إذا كان في تربيته. والجمهور على أن الربيبة حرام. سواء كانت في حجر الرجل أم لم تكن في حجره فليس شرطًا كونها في حجر الزوج فهذا الخطاب خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له.
وقال الوزير اتفقوا على أن الرجل إذا دخل بزوجته حرمت عليه بنتها على التأبيد وإن لم تكن الربيبة في حجره وقال صلى الله عليه وسلم "لا تعرضوا علي بناتكن ولا أخواتكن" قال الشيخ وتحرم بنت الربيبة لأنها ربيبة وبنت الربيب أيضًا وقال لا أعلم فيه خلافًا. {اللَاّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ} أي نكحتموهن فإن المراد بالدخول هنا الوطء وإنما كني عنه بالدخول قال ابن جرير وفي إجماع الجميع أن خلوة الرجل بامرأة لا تحرم ابنتها عليه إذا طلقها قبل مسيسها ومباشرتها. وقبل النظر إلى فرجها بشهوة ما يدل على أن معنى ذلك هو الوصول إليها بالجماع.
{فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ} أي وطأتموهن كما هو قول الجمهور {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} أي في نكاح بناتهن إذا فارقتموهن أو متن. قال ابن المنذر أجمع عوام علماء الأمصار أن الرجل إذا تزوج امرأة ثم طلقها وماتت قبل أن يدخل بها حل له أن يتزوج ابنتها فإن خلا بها ولم يطأها لم تحرم ابنتها عليه. وقال القاضي إن تجردت الخلوة عن نظر أو مباشرة لم تحرم وإن
وجد معها نظرة وقبلة وملامسة دون الفرج فروايتان وقال الشيخ إن اتصلت بعقد النكاح قامت مقام الوطء.
{وَحَلَائِلُ} أي زوجات {أَبْنَائِكُمُ} واحدتها حليلة والذكر حليل. سميا بذلك لأن كل واحد منهما حلال لصاحبه. أو لأنها تحل إزار زوجها. وقيل غير ذلك. {الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} أي الذين ولدتموهم من أصلابكم فأخرج زوجة المتبني فإن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة زيد وكان قد تبناه. قال الشيخ لا تحرم عليه زوجة ربيبه لا أعلم فيه نزاعًا وتحرم بنت ابن زوجته لا أعلم فيه نزاعًا. فيحرم على الرجل حلائل أبنائه وأبناء أولاده وإن سفلوا بنفس العقد. من نسب أو رضاع وارثات أو غير وارثات باتفاق أهل العلم.
ويباح للمرأة ابن زوجة ابنها وابن زوج ابنتها وابن زوج أمها وزوج أبيها وزوج زوجة ابنها {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} أي وحرم الله عليكم الجمع بين الأختين معًا في التزويج. وكذا في ملك اليمين وأجمع أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة وسائر السلف. على أنه يحرم الجمع بين الأختين في النكاح. وكذلك الفقهاء متفقون على أنه لا يحل الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء بل أجمع المسلمون على أن معنى (حرمت عليكم أمهاتكم) الآية أن النكاح وملك اليمين في هؤلاء كلهن سواء. وكذلك عند الجمهور الجمع بين الأختين وأمهات النساء والربائب. قال ابن كثير وهم الحجة.
وقال الشيخ يحرم الجمع بين الأختين بالوطء بملك اليمين كقول جمهور العلماء. ومن قال كرهه أحمد فغلط. مأخذه الغفلة عن دلالة الألفاظ. ومراتب الكلام {إَلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ} أي إلا ما قد مضى منكم في الجاهلية فقد عفونا عنه وغفرناه {إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} وكذلك لا يجوز له الجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها كما سيأتي {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء} أي وحرم عليكم من الأجنبيات المحصنات وهن المزوجات فلا يحل للغير نكاحها قبل مفارقة الأزواج وفراغ العدة وهذه السابعة من اللاتي حرمن بالسبب.
{إِلَاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} أي إلا ما ملكتموهن بالسبي فإنه يحل لكم وطؤهن إذا استبرأتموهن. لأن بالسبي يرتفع النكاح بينها وبين زوجها وثبت عن أبي سعيد أنها نزلت في سبايا أوطاس لهن أزواج فكرهوا أن يقعوا عليهن فنزلت هذه الآية. وقيل المراد بالمحصنات من النساء ما عدا الأربع حرام عليكم إلا ما ملكت أيمانكم {كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ} أي هذا التحريم كتاب كتبه الله عليكم فالزموا كتابه ولا تخرجوا عن حدوده. والزموا شرعه وما فرضه.
{وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} أي ما عدا ما ذكر من المحارم هن حلال لكم {أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم} أي تطلبوا وتحصلوا بأموالكم فتنكحوا بصداق إلى أربع. أو تشتروا بثمن ما شئتم بالطريق الشرعي {مُّحْصِنِينَ} أي متزوجين أو متعففين.
وقال الشيخ المحصن هو الذي أحصن المرأة من غيره أي منعها من غيره فلا يشركه فيها غير {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} أي غير زانين مأخذو من سفح الماء وصبه وهو المني.
ثم قال تعالى وَمَن {لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} إلى أن قال: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} فلا ينكح حر مسلم أمة مسلمة إلا بشرطين أن يخاف عنت العزوبة لحاجة المتعة والخدمة. ويعجز عن طول حرة وقيل وثمن أمة قال الموفق فتحل له الأمة المسلمة بهذين الشرطين خوف العنت وعدم الطول عند عامة العلماء وإن اشترط حرية الولد فقال ابن القيم وغيره يكون حرًا ولا ينكح عبد سيدته ولا سيد أمته وللحر نكاح أمة أبيه بشرط دون أمة ابنه. لأن له التملك من ماله وليس للحرة نكاح عبد ولدها.
(وقال: {وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء} حرم تعالى نكاح زوجات الآباء على الأبناء تكرمة للآباء وإعظامًا واحترامًا أن يطأها ابنه من بعده حتى إنها لتحرم على الإبن بمجرد العقد عليها بإجماع المسلمين. وكذا زوجة كل جد وإن علا. قال ابن رشد وغيره إجماعًا. وذلك أن أهل الجاهلية كان منهم من ينكح زوجة أبيه فروي أن هذه الآية نزلت في أبي قيس وفي الأسود بن خلف وفي فاختة. وقال السهيلي كان معمولًا به
في الجاهلية ولهذا قال تعالى {إِلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ} أي معنى في الجاهلية.
{إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} وهي أقبح المعاصي {وَمَقْتًا} أي يورث مقت الله والمقت أشد البغض {وَسَاء سَبِيلا} أي وبئس ذلك طريقًا لمن سلكه. فهو حرام بإجماع المسلمين. بشع غاية البشع. فمن تعاطاه بعد هذا الوعيد الشديد والتهديد الأكيد فقد ارتد عن دينه فيقتل كما سيأتي ولهذا حرمت أمهات المؤمنين على الأمة لكونهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وهو كالأب بل حقه أعظم من حق الآباء بالإجماع بل حبه صلى الله عليه وسلم مقدم على حب النفوس صلوات الله وسلامه عليه.
قال تعالى: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَاّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} أي لا يتزوجها أو لا يطؤها (إلا زان) أي عاص بزنا (أو مشرك) لا يعتقد تحريمه {وَحُرِّمَ ذَلِكَ} أي نكاح الزانية {عَلَى الْمُؤْمِنِين} أي حرم تعالى تعاطيه والتزويج بالبغايا. وهذه الآية كقوله تعالى {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} وقوله (والمحصنات من النساء) أي العفيفات فمفهومها أو غير العفيفة لا تباح والآية وإن كان لفظها الخبر فالمراد النهي.
قال ابن القيم وأما نكاح الزانية فقد صرح الله بتحريمه في سورة النور وأخبر أن من نكحها فهو زان أو مشرك. فهو إما أن يلتزم حكمه تعالى ويعتقد وجوبه عليه فإن لم يعتقده فهو
مشرك. وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زان ثم صرح تعالى بتحريمه فقال: "وحرم ذلك على المؤمنين"
{فَإِن طَلَّقَهَا} أي الطلقة الثالثة بعد ما أرسل عليها الطلاق مرتين {فَلَا تَحِلُّ لَهُ} أي تحرم عليه {مِن بَعْدُ} أي من بعد الطلقة الثالثة {حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} أي غير المطلق فيجامعها. والنكاح تقدم أنه يتناول الوطء والعقد جميعًا. والمراد هنا الوطء لما يأتي من قوله صلى الله عليه وسلم "حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها" قال الشيخ لو قتل رجل آخر ليتزوج امرأته فإنها لا تحل للقاتل أبدًا عقوبة له، ولو خبب رجل امرأة على زوجها يعاقب عقوبة بليغة ونكاحه باطل في أحد قولي العلماء ويجب التفريق بينهما.
وقال تعالى: {وَلَا تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} أي حرم تعالى على المؤمنين أن يتزوجوا المشركات من عبدة الأوثان {حَتَّى يُؤْمِنَّ} ثم أخبر أن أمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم بجمالها ومالها وقال الوزير اتفقوا على أنه لا يجوز للمسلم نكاح المجوسيات ولا الوثنيات ولا غيرهما من أنواع المشركات اللاتي لا كتاب لهن. وسواء في ذلك حرائرهن وإماؤهن. وحكاه ابن رشد اتفاق المسلمين. وعموم الآية غير مراد فلا يدخل فيها الكتابية لما يأتي.
وقال تعالى: {وَلَا تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ} أي لا
تزوجوا الرجال المشركين النساء المؤمنات (حتى يؤمنوا) وقال تعالى {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} ولا نزاع في ذلك ثم قال تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} أي إلى الأعمال الموجبة للنار. فمعاشرتهم ومخالطتهم تبعث على حب الدنيا وإيثارها على الدار الآخرة. وعاقبة ذلك النار. {وَاللهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون} يتعظون.
(وقال في الكتابية) أي في إباحة نكاح الحرة الكتابية واستثنائها من المشركات
{وَالْمُحْصَنَاتُ} أي العفائف {مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} ممن دان بالتوراة أو الإنجيل خاصة كاليهود والسامرة والنصارى ومن وافقهم من الإفرنج والأرمن وغيرهم. وقال الموفق ليس بين أهل العلم اختلاف في حل نساء أهل الكتاب وقال ابن المنذر لا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك. اهـ. وأما المتمسك بصحف إبراهيم وشيث وزبور داود فليسوا بأهل كتاب. فلا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم كالمجوس. وأهل الأوثان. وكذا الدروز والنصيرية ونحوهم.
ويحل نكاح نساء بني تغلب ومن في معناهن من نصارى العرب ويهودهم لأنهم كتابيات قال في الفروع والأولى تركه. وكرهه القاضي وشيخنا. وذكر أنه قول أكثر العلماء كأكل
ذبائحهم بلا حاجة. ولكن لا يحرم وقال القاضي يكره نكاح الحرائر الكتابيات مع وجود الحرائر المسلمات. وهو قول أكثر العلماء كما يكره أن يجعل أهل الكتاب ذباحين مع وجود ذباحين مسلمين. ولكن لا يحرم اهـ.
ولو ولدت بين كتابي وغيره أو كان أبواها غير كتابيين واختارت دين أهل الكتاب قيل لا تباح وقال الشيخ قول أحمد لم يكن لأجل النسب ومنصوصه أنها لا تحرم اعتبارًا بنفسها. وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والجمهور. واختاره هو والموفق وغيرهما.
(ويأتي قوله صلى الله عليه وسلم) في باب الرضاع (ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب) فالمرتضعون من الرجال والنساء باللبن الواحد كالمنتسبين منهم إلى النسب الواحد لا فرق. وفي لفظ "أن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة" وقال في ابنة أم سلمة "لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي إنها ابنة أخي أرضعتني وإياها شويبة) وقال لعائشة وكانت امرأة أخي أفلح أرضعتها إنه عملك فكل امرأة حرمت من النسب حرم مثلها من الرضاع كالعمة والخالة والبنت وبنت الأخ وبنت الأخت قال الموفق لا نعلم فيه خلافًا إلا أم أخته وأم أخيه من رضاع وأخت ابنه.
قال الشيخ لا يثبت به تحريم المصاهرة فلا يحرم على الرجل نكاح أم زوجته وابنتها من الرضاع. ولا على المرأة نكاح
أبي زوجها وابنته من الرضاع ولم يقل صلى الله عليه وسلم ما يحرم من المصاهرة وقال وامرأة ابنه أو أبيه من الرضاع حرمن بالمصاهرة لا بالنسب. ولا نسب بينه وبينهن فلا تحريم اهـ وكل ما يلحق به النسب من نكاح صحيح أو نكاح بشبهة فإنه يحرم بالرضاع فيه النكاح.
(وقال البراء) بن عازب بن الحارث الأوسي رضي الله عنه (لقيت خالي) يعني أبا بردة بن نيار (ومعه الراية) ولأحمد مر بي عمي الحارث بن عمير ومعه لواء قد عقده له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له أي عم أين بعثك النبي صلى الله عليه وسلم (قال أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه رواه النسائي) ورواه أحمد وأهل السنن من طرق عن البراء عن خاله أبي بردة. وفي رواية ابن عمر وفي رواية ابن عمه أنه بعثه صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن يقتله ويأخذ ماله وأجمع أهل العلم على تحريم من وطأ الأب على الابن وإن سفل بتزويج أو ملك أو شبهة.
(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المراة على عمتها أو) تنكح المرأة على (خالتها متفق عليه) وفي لفظ "نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها" ولابن حبان نهى أن تزوج المرأة على العمة والخالة وقال "إنكن إذا فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن" ولأبي داود في المراسيل "مخافة القطيعة" ولأحمد وأبي داود وغيرهما كره أن يجمع بين العمة
والخالة وبين الخالتين والعمتين وقال صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين".
وهذه الأحاديث وما في معناها تدل على تحريم الجمع بين من ذكر وحكاه الترمذي بعد حديث الباب عن عامة أهل العلم. والشافعي عن جميع المفتين. وقال ابن المنذر لا أعلم في ذلك خلافًا وحكى القرطبي الإجماع واستثنى الخوارج. وقال ولا يعتد بخلافهم. وقال ابن رشد اتفق المسلمون على أنه لا يجمع بين الأختين بعقد نكاح. وإن جمع بينهما في عقد بطل وفي عقدين بطل الثاني. وتقدم أن العلة قطيعة الرحم وهي من الكبائر بالاتفاق. وما كان مفضيًا إليها يكون محرمًا.
ويدخل في العمات عمات آبائها وخالاتهم وعمات أمهاتها وخالاتهن وإن علت درجتهن. حرتين كانتا أو أمتين أو حرة وأمة قبل الدخول أو بعده للعموم وحكاه ابن المنذر إجماعًا وخالفه الشيخ في الرضاع. وقال الوزير اتفقوا على أن العمة تنزل في التحرير منزلة الخالة إذا كانت الأولى أخت الأم لأمها أو امرأتين لو كانت إحداهما ذكرًا والأخرى أنثى حرم نكاحه لها لقرابة. وحكاه الشعبي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد.
ويحرم الجمع بين المرأة وأمها في العقد لأن المرأة وأمها أولى من الأختين. وأجمعوا على أنه لا يجوز أن يتزوج بكل
واحدة ممن يحرم عليه الجمع بينها وبين المعتدة منه إذا كن معتدات من طلاق رجعي أو بائن. ولا يحرم الجمع بين ابنة العم وابنة الخال في قول عامة أهل العلم ولا الجمع بين أخت شخص من أبيه وأخته من أمه. ولا بين مبانة شخص وبنته من غيرها ولو في عقد لأنه لا قرابة بينهما ومتى طلقت المرأة وفرغت عدتها أبيحت أختها أو عمتها أو خالتها ونحوهن لعدم المانع وسائر القرابات الإلزام بتحريمه يرده الإجماع على خلاف.
(وعن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه (مرفوعًا) إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا توطأ حامل) أي من غيره (حتى تضع رواه أبو داود) وتقدم قوله تعالى: {وَلَا تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} فتحرم المعتدة من الغير وكذا المستبرأة لأنه لا يؤمن أن تكون حاملًا فيفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب وأجمعوا على أنه لا يصح العقد في مدة العدة وحكاه ابن رشد وغيره سواء كانت عدة حمل أو عدة حيض أو عدة أشهر. وسواء كانت من وطء مباح أو محرم أو من غير وطء.
(وله) أي لأبي داود في سننه (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (مرفوعًا الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله) أي لا يحل لرجل أن يتزوج بمن ظهر منها الزنا وكذلك لا يحل للمرأة أن تتزوج بمن ظهر منه الزنا وقوله "المجلود" خرج مخرج الغالب.
فلا مفهوم له. وتقدم قوله {حُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِين} ولا نزاع في ذلك وقال بعضهم حتى تتوب وتنقضي عدتها وقيل توبتها أن تراود فتمتنع. والصواب توبتها بالندم والاستغفار والعزم على أن لا تعود. فإذا تابت وانقضت عدتها حل نكاحها لزان تائب وغيره. وعن أحمد لا تشترط التوبة وهو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم.
وأما انقضاء العدة فهو مذهب مالك وأحمد وغيرهما ولقوله "لا توطأ حامل حتى تضع وغير ذلك وإن زنت قبل الدخول أو بعده لم ينفسخ النكاح في قول عامة أهل العلم وحكاه الوزير اتفاقًا وقال الشيخ إذا كانت المرأة تزني لم يكن له أن يمسكها على تلك الحال بل يفارقها إلا إذا كان ديوثًا ولا يطؤها وفي بطنها جنين لغيره. قال ابن عبد البر هذا مجمع على تحريمه.
(ويأتي خبر الذي طلق امرأته ثلاثًا) في باب الطلاق وإن شاء الله تعالى قالت عائشة رضي الله عنها طلق رجل امرأته ثلاث (فتزوجها آخر ثم طلقها قبل أن يدخل بها فأراد الأول أن يتزوجها) فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا) أي لا تحل لك (حتى يذوق الآخر عسيلتها) وتذوق عسيلته أي حلاوة الجماع التي تحصل بتغيب الحشفة وفي لفظ حتى يذوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول".
قال جمهور العلماء والعسيلة كناية عن المجامعة، وهو
تغييب الحشفة في فرج المرأة ويكفي منه ما يوجب الغسل كما تقدم. ويجب الحد والصداق فدل الحديث كما دلت الآية على تحريم نكاح مطلقته ثلاثًا حتى يطأها زوج غيره بلا نزاع ولو كافرًا في كتابية وتحرم الملاعنة على الملاعن على التأبيد. قال سهل بن سعد: مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدًا مقال الموفق لا نعلم أحدًا قال بخلاف ذلك.
(وعن قيس بن الحارث) الأسدي وقيل الحارث بن قيس الأسدي رضي الله عنه (قال أسلمت وعندي ثمان نسوة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اختر منهن أربعًا رواه أبو داود) وعن سالم عن أبيه أو غيلان بن سلمة أسلم وله عشر نسوة فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخير منهن أربعًا رواه أحمد والشافعي والترمذي وصححه ابن حبان والحاكم قال أحمد والعمل عليه وروى الشافعي والبيهقي عن نوفل بن معاوية أنه قال أسلمت وتحتي خمس نسوة فقال النبي – صلى الله عليه وسلم "فارق واحدة وامسك أربعًا " وإن كان فيها مقال فبمجموعها يحتج بها. كما هو مفهوم الآية.
وحكي الإجماع على تحريم الزياد على أربع، وأن الزيادة من خصائصه صلى الله عليه وسلم وقال عمر ينكح العبد امرأتين وقال الحكم بن عتبة أجمع الصحابة على أنه لا ينكح العبد أكثر من اثنتين
وقال ابن القيم وقصر عدد المنكوحات على أربع وإباحة ملك اليمن بغير حصر من تمام نعمة الله وكمال شريعته. وموافقتها للحكمة والرحمة والمصلحة. فإن النكاح يراد للوطء
وقضاء الوطر ثم من الناس من يغلب عليه سلطان الشهوة فلا تندفع حاجته بواحدة فاطلق له ثانية وثالثة ورابعة.
ورحم الضرة بأن جعل عامة انقطاع زوجها عنها ثلاثاً ثم يعود. وأما الإماء فلما كن بمنزلة سائر الأموال من الخيل والعبيد وغيرها لم يكن لقصره على أربع منهن أو غيرهن من العدد معنى. وأيضاً للزوجة حق على الزوج اقتضاه عقد النكاح. ويجب القيام به. فقصره على عدد يكون العدل فيه أقرب وجعل العبيد على النصف من الأحرار في الجملة.
(وتقدم) في كتاب الحج قوله صلى الله عليه وسلم (لا ينكح المحرم) بفتح الياء أي لا يعقد المحرم بحج أو عمرة لنفسه (ولا ينكح) بضم الياء أي لا يتولى العقد لغيره. وفيه "ولا يخطب" أي لا يطلب امرأة للنكاح. فدل الحديث على أنه يحرم على المحرم أن يعقد النكاح في حال إحرامه. وهو مذهب جماهير العلماء مالك والشافعي وأحمد وغيرهم. وحكى إجماعاً. فإن فعل فالنكاح باطل. وهو قول عمر وعلي وابن عمر وزيد وغيرهم. ولأن الإحرام يمنع الوطء ودواعيه فمنع صحة عقده حسمًا لمواد النكاح عن المحرم. وصلى الله عليه محمد وآله وصحبه وسلم.
آخر المجلد الثالث من شرح أصول الأحكام، ويليه
المجلد الرابع، وأوله: باب الشروط في النكاح.