المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

البائع. من باب الغبن والغش فيما يعلمه. قال ابن القيم - الإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم - جـ ٣

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الجهَاد

- ‌فصل في وجوب الطاعة

- ‌فصل في الغنيمة

- ‌فصل في الفيء

- ‌باب الأمان

- ‌باب عقد الذمة

- ‌كتابُ البَيع

- ‌فصل فيما نهي عنه

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌باب الخيار

- ‌باب الربا

- ‌باب بيع الأصول والثمار

- ‌باب السلم

- ‌باب القرض

- ‌باب الرهن

- ‌باب الضمان

- ‌فصل في الكفالة

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الصلح

- ‌فصل في حجر السفه

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الشركة

- ‌فصل في المضاربة

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الإجارة

- ‌باب السبق

- ‌باب العارية

- ‌باب الشفعة

- ‌باب الوديعة

- ‌باب إحياء الموات

- ‌باب الجعالة

- ‌باب اللُقَطة

- ‌باب اللقيط

- ‌باب الوقف

- ‌فصل في شرط الواقفوإبدال الوقف لحاجة وغير ذلك

- ‌باب الهبة

- ‌فصل في العطية

- ‌باب الوصايا

- ‌فصل في الموصى له وإليه

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب الفروض

- ‌باب التعصيب

- ‌باب ميراث ذوي الأرحام

- ‌باب ميراث الحمل والمفقود والخنثى والغرقي

- ‌باب ميراث أهل الملل

- ‌باب ميراث المطلقة والمقربة

- ‌باب ميراث القاتل والمبعض والولاء

- ‌باب العتق

- ‌باب الكتابة

- ‌كتاب النكاح

- ‌فصل في أركانه

- ‌فصل في اشتراط الرضى

- ‌فصل في الولي

- ‌فصل في الشهادة

- ‌فصل في الكفاءة

- ‌باب المحرمات في النكاح

الفصل: البائع. من باب الغبن والغش فيما يعلمه. قال ابن القيم

البائع. من باب الغبن والغش فيما يعلمه. قال ابن القيم وإذا أبطلنا الشرط فللبائع الرجوع بالتفاوت الذي نقص من ثمن السلعة بالشرط الذي لم يسلم له هذا هو العدل وقياس أصول الشريعة. ولمن جهل الحال من زيادة أو نقص وفات غرضه الخيار.

* * *

‌باب الخيار

وقبض المبيع والإقالة وما يتعلق بذلك. والخيار اسم مصدر أي طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه. والخيار أقسام باعتبار أسبابه.

(عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا تبايع الرجلان) أي أوقعا العقد بينهما. لا تساوما من غير عقد (فكل منها بالخيار) وفي لفظ "البيعان بالخيار"(ما لم يتفرقا) أي ببدنيهما فيثبت لهما خيار المجلس (وكانا جميعًا) أي وقد كانا جميعًا. والمعنى أن الخيار ممتد زمن عدم تفرقهما. وللبيهقي وغيره "ما لم يتفرقا عن مكانهما" وذلك صريح في المقصود. وقال أبو برزة وابن عمر إن التفرق بالأبدان. قال الحافظ ولم يعلم لهم مخالف من الصحابة. وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

ص: 135

قال النووي ومن قال بعدمه ترد عليه الأحاديث الصحيحة. والصواب ثبوته كما قال الجمهور. قال ابن القيم أثبت الشارع خيار المجلس في البيع حكمة ومصلحة للمتعاقدين وليحصل تمام الرضى الذي شرطه تعالى فيه بقوله (عن تراض منكم) فإن العقد قد يقع بغتة من غير ترو ولا نظر في القيمة فاقتضت محاسن هذه الشريعة الكاملة أن يجعل للعقد حريمًا يتروى فيه المتبايعان. ويعيدان النظر. ويستدرك كل واحد منهما اهـ. ومثل البيع الصلح بمعنى البيع. وكالإجارة والصرف والسلم. لا المساقاة والحوالة والوقف والرهن والضمان ونحو ذلك مما ليس في معنى البيع. وقال الوزير اتفقوا على أن خيار المجلس لا يثبت في العقود التي هي غير لازمة كالشركة والوكالة والمضاربة. واتفقوا على أنه لا يثبت في العقود اللازمة التي لا يقصد فيها العوض. كالنكاح والخلع والكتابة.

قال (أو يخير أحدهما الآخر) أي يشترط أحدهما الخيار مدة معلومة. أو يشترطاه معًا. ويقال إلا بيعًا شرط فيه الخيار.

أو إلا أن يكون البيع بشرط الخيار. فإن الخيار لا ينقضي بالتفرق بل يبقى حتى تنقضي مدة الخيار التي شرطها أحدهما أو كلاهما. لقوله "المسلمون على شروطهم" وإذا مضت مدته لزم البيع بلا خلاف. وحكاه الوزير اتفاقًا. وقال الشيخ ويثبت خيار الشرط في كل العقود. ولو طالت المدة اهـ.

ولمن له الخيار الفسخ إن رد الثمن جزم به الشيخ وغيره.

ص: 136

ولو مع غيبة الآخر وسخطه. والملك مدة الخيارين للمشتري.

وله نماؤه المنفصل وكسبه. ولا يصح تصرف أحدهما في المبيع ولا في عوضه المعين فيها بغير إذن الآخر (1). فإن فعل أو مات سقط خياره. ولا يقبل من بائع أو مشتر أنه اختار أو رد إلا ببينة. وإن اختارا أو أحدهما إمضاء البيع قبل التفرق لزم البيع حينئذٍ وبطل اعتبار التفرق. قال ابن القيم إذا أسقطا الخيار قبل التفرق سقط على الصحيح ودل عليه النص. ولأنهما عقدًا العقد على هذا الوجه. ولأن الخيار حق لهما فيسقط بإسقاطهما أو أحدهما. ويبقى خيار من لم يسقطه.

(فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك) أي بأن خير أحدهما الآخر (فقد وجب البيع) أي لزم وتم ونفذ على ما تبايعا عليه (وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع متفق عليه)، وفي رواية "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يختارا" وعن حكيم بن حزام نحوه. وقال الوزير اتفقوا على أنه إذا وجب البيع وتفرقا من المجلس من غير خيار فليس لأحدهما الرد إلا بالعيب ويستثنى من البيع الكتابة كما تقدم. لكونها تراد للعتق. وتولي طرفي العقد لانفراد العاقد بالعقد. وشراء من يعتق عليه لعتقه بمجرد الانتقال. أو اعترف بحريته

(1) هذا فيما إذا كان الإذن بعد العقد ودخلا في البيع على أصله الشرعي وإلا فإن أراداه قبل العقد لانتفاع المشتري بغلة المبيع لأن الذي يقبضه البائع قرضًا فيكون الخيار حيلة ليربح في قرض وهو حرام. مؤلفه.

ص: 137

قبل الشراء لكونه استنقاذًا لا حقيقة.

(وللخمسة من حديث عمرو بن شعيب) عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث ابن عمر وفيه (ولا يحل له) أي لأحد المتبايعين (أن يفارقه) أي أن يفارق صاحبه (خشية أن يستقيله) أي يفسخ البيع. وقال الترمذي وغيره أي خشية أن يختار فسخ البيع. فالمراد بالاستقالة فسخ النادم. وما روي عن ابن عمر أنه كان إذا بايع رجلًا فأراد أن يتم بيعته قام يمشي هنيهة فمحمول على أنه لم يبلغه النهي.

(وعن ابن عمر قال ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل) هو حبان بن منقذ (يخدع في البيوع فقال من بايعت فقل لا خلابة) أي لا خديعة (متفق عليه) ومعناه البيع بشرط إن أرد الثمن وتسترد المبيع إذا ظهر لي غبن. لقنه صلى الله عليه وسلم هذا القول ليتلفظ به عند البيع. ليطلع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة فيها ليرى له البائع كما يرى لنفسه. وكان الناس إذا ذاك أحقاء لا يغبنون أخاهم المسلم. وكانوا ينظرون له كما ينظرون لأنفسهم.

فدل الحديث على خيار الغبن في البيع والشراء إذا حصل الغبن. وهو مذهب أحمد وغيره أنه يرد بالغبن الفاحش لمن لم يعرف قيمة السلعة. وشرط نحو هذا الشرط. ولابن ماجه وغيره "ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاثة أيام" والمراد إذا

ص: 138

ظهر غبن. لأنه شكا في رواية ما يلقاه من الغبن. وفي معنى الحديث أيضًا مما سيأتي وغيره دليل على ثبوت خيار الغبن.

وهو ثلاثة: أحدها المسترسل وهو من جهل القيمة ولا يحسن يماكس. بل يقول أعطني هذا. والثاني زيادة الناجش.

والثالث التلقي. قال ابن القيم وفي الحديث غبن المسترسل ربا وهو الذي لا يعرف قيمة السلع أو الذي لا يماكس بل يسترسل إلى البائع. واختار الشيخ وغيره ثبوت خيار الغبن لمسترسل لم يماكس. وقال لا يربح على المسترسل أكثر من غيره. وكذا المضطر الذي لا يجد حاجته إلا عند شخص ينبغي أن لا يربح عليه إلا كما يربح على غيره.

(ولهما عنه مرفوعًا نهى عن النَجْش) بفتح فسكون. قال ابن قتيبة هو الختل والخديعة وهو لغة تنفير الصيد واستثارته من مكانه ليصاد. وشرعًا الزيادة في ثمن السلعة المعروضة للبيع.

لا ليشتريها بل ليغر بذلك غيره. سمي الناجش في السلعة ناجشًا لأنه يثير الرغبة فيها. ويرفع ثمنها. فيثبت له الخيار إذا غبن غبنًا يخرج عن العادة. أو يزيد البائع بنفسه. والمشتري لا يعلم. قال الشيخ فإنه يكون ظالمًا ناجشًا. وكذا لو أخبره أنه اشتراها بكذا وهو زائد عما اشتراها به. فيثبت له الخيار. لأنه باعه مساومة.

وأجمع أهل العلم على تحريم النجش لأنه غرر. وقال ابن

ص: 139

أبي أوفى: الناجش آكل ربا خائن. والإثم يختص بالناجش إن لم يعلم به البائع. فإن واطأه على ذلك أثما جميعًا. ولا ريب أنه يحرم تغرير مشتر بأن يسومه كثيرًا ليبذل قريبًا منه. كأن يقول في سلعة ثمنها خمسة أبيعها بعشرة. وجزم به الشيخ وغيره. وأعظم من ذلك أن يقول أعطيت بها كذا وهو كاذب.

(وعن ابن عباس مرفوعًا لا تلقوا الركبان) جمع راكب ولهما عن ابن مسعود "نهى عن تلقي البيوع" ولمسلم عن أبي هريرة "نهى أن يتلقى الجلب" فالتنصيص على الركبان خرج مخرج الغالب في أن من يجلب الطعام وغيره يكون في الغالب راكبًا. وحكم الجالب الماشي حكم الراكب بلا نزاع. وفيها دليل على أن التلقي محرم. وفي رواية لابن عمر "لا تلقوا السلع حتى يهبط بها السوق" وفي رواية كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام فنهى عن تلقي الركبان الذين يجلبون إلى البلد أرزاق العباد للبيع. والمراد من خارج السوق الذي تباع فيه السلع. وبيعه منهم كالشراء. لأن العلة التي هي مراعاة نفع الجالب. أو أهل السوق حاصلة في ذلك.

قال (ولا بيع حاضر لباد) والحاضر المقيم في المدن والقرى. والباد المقيم بالبادية. وفسره ابن عباس بقوله: لا يكون له سمسارًا أي دلالًا يتوسط بين البائع والمشتري. وهو في الأصل المقيم الحاضر. ثم استعمل في متولي البيع والشراء (متفق عليه) وللبخاري عن ابن عمر "نهى أن يبيع حاضر

ص: 140

لباد" ولمسلم عن جابر "لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" ولهما عن أنس "نهينا أن يبيع حاضر لباد وإن كان أخاه لأبيه وأمه".

فدلت هذه الأحاديث على أنه لا يجوز للحاضر أن يبيع للبادي من غير فرق أن يكون البادي قريبًا له أو أجنبيًا. وسواء كان في زمن الغلاء أو لا. وسواء كان يحتاج إليه أهل البلد أم لا. وسواء باعه له على التدريج أو دفعة واحدة. والحكم منوط بالبادي. ومن في معناه. وإنما ذكر البادي لكونه الغالب. فألحق به من شاركه في عدم معرفة السعر من الحاضرين. وكما أنه لا يجوز أن يبيع الحاضر للبادي كذلك لا يجوز أن يشتري له. لأنه قوله لا يبع كلمة جامعة تطلق على الشراء. وفي رواية "أن تبيعوا أو تبتاعوا" يشهد لذلك قوله "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" وإن خالف وباع صح مع الإثم. وهذا مذهب الجمهور الشافعي وأحمد وجماعة من المالكية وغيرهم.

(ولمسلم من حديث أبي هريرة) رضي الله عنه أنه

قال "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتلقى الجلب" مصدر بمعنى اسم

المفعول أي المجلوب. يقال جلب الشيء جاء به من بلد إلى بلد للتجارة. فإن تلقاه إنسان فابتاعه (فإذا أتى) صاحب

السلعة (سيده السوق) الذي تعرف فيه قيم السلع (فهو بالخيار) أي بين أن يمضي البيع أو يفسخ. ففيه أن ابتدأ التلقي من خارج السوق الذي تباع فيه السلع. ومن حديث ابن عمر

ص: 141

"نهانا أن نبيعه حتى نبلغ به سوق الطعام" وفي رواية "فإذا ورد السوق فهو بالخيار" فدل على انعقاد البيع. وهو مذهب الجمهور. وقالوا لا يجوز تلقي الركبان ويثبت له الخيار مطلقًا. وهو ظاهر النص.

وقال الشيخ أثبت النبي صلى الله عليه وسلم للركبان الخيار إذا تلقوا. لأن فيه نوع تدليس وغش وخديعة. وقال ابن القيم نهي عن ذلك لما فيه من تغرير البائع. فإنه لا يعرف السعر فيشتري منه المشتري بدون القيمة. ولذلك أثبت له النبي صلى الله عليه وسلم الخيار مع الغبن. فإن الجالب إذا لم يعرف السعر كان جاهلًا بثمن المثل فيكون المشتري غارًا له. ومنه تلقي سوقة الحجيج الجلب من الطريق. وسبقهم إلى المنازل يشترون الطعام والعلف. ثم يبيعونه كما يريدون. فيمنعهم والي الحسبة.

(وعنه) أي أبي هريرة رضي الله عنه (مرفوعًا: لا تصروا الإبل) بضم ففتح أي لا تربطوا أخلافها ليجتمع لبنها فيكثر. فيظن المشتري أن ذلك عادتها. فيزيد في ثمنها لما يرى من كثرة لبنها. وأصل التصرية حبس الماء. وقال أبو عبيد التصرية حبس اللبن في الضرع. حين يجتمع. اهـ. وفيه "والغنم" واقتصر على ذكر الإبل والغنم دون البقر. لأن غالب مواشيهم كانت من الإبل والغنم. والحكم واحد. ولحديث "نهي عن التصرية للحيوان".

ص: 142

(فمن ابتاعها بعد ذلك) أي اشتراها بعد التصرية (فهو بخير النظرين) أي الرأيين (بعد أن يحلبها) جعله قيدًا في ثبوت الخيار. لكونها لا تعرف غالبًا إلا بعد الحلب. والجمهور على أنه إذا علم بالتصرية ثبت له الخيار على الفور. ولو لم يحلبها (إن رضيها امسكها) وفي رواية: إن شاء أمسكها (وإن سخطها ردها وصاعًا من تمر متفق عليه) وللبخاري (وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر" ولمسلم "فهو بالخيار ثلاثة أيام" ودل الحديث على أنه لا يجوز رد اللبن ولو كان باقيًا على صفته. لم يتغير لاختلاطه بالحادث وتعذر معرفة قدره.

ودل الحديث على أنه لا يلزم قبوله لذهاب طراوته واختلاطه بما تجدد عند المشتري. وأخذ الجمهور بظاهر الحديث وأفتى به ابن مسعود وأبو هريرة. ولا يعلم لهما مخالف في الصحابة. ولم يفرقوا بين أن يكون اللبن الذي احتلب قليلًا أو كثيرًا. لتقدير الشارع لدفع التشاجر وقطع النزاع. وذكر ابن القيم أن حديث المصراة أصح من حديث الخراج بالضمان بالاتفاق. مع أنه لا منافاة بينهما. فإن الخراج ما يحدث في مالك المشتري. وهنا اللبن كان موجودًا في الضرع. فصار جزءًا من المبيع. ولم يجعل الصاع عوضًا عما حدث. بل عن اللبن الموجود في الضرع. وقت العقد. وتقديره بالشرع لاختلاطه بالحادث. وتعذر معرفة قدره. فقدر قطعًا للنزاع. وبغير الجنس لأنه بالجنس قد يفضي إلى الربا.

ص: 143

ودل الحديث أيضًا على صحة البيع مع التصرية. وهو وما في معناه دليل على ثبوت خيار التدليس بما يزيد به الثمن.

وأصول الشريعة توجب الرد به وبالغش. والرد بها أولى من الرد بالعيب. ومنه تسويد شعر الجارية وتجعيده. وجمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها للبيع. وغير ذلك مما فيه تدليس وغش. وإظهار ما ليس معتادًا ليغر المشتري قال في الإنصاف وتحسين وجه الصبرة وتصنع النساج وجه الثوب. وصقال الإسكاف وجه المتاع ونحوه. يثبت للمشتري خيار الرد بلا نزاع. وقال الشيخ وإن دلس مستأجر على مؤجر وغيره حتى استأجره بدون القيمة فله أجرة المثل. وإذا دلس على المشتري رجع المشتري بالثمن على الأصح.

(ولمسلم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر برجل يبيع طعامًا فأدخل يده فيه) أي في الطعام (فإذا هو مبلول فقال من غشنا فليس منا) الغش ضد النصح. من الغشش وهو المشرب الكدر.

وفي لفظ مر بصبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللًا، فقال:"ما هذا يا صاحب الطعام" قال أصابته السماء يا رسول الله قال "أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس. من غشنا فليس منا".

وهذا وعيد شديد يدل على تحريم الغش. وكتم العيب وهو إجماع. وأحاديث الوعيد تجري على ظاهرها ليكون أوقع في النفس. وأبلغ في الزجر. قال الشيخ لا يجوز بيع المغشوش ولا

ص: 144

عمله إذا لم يعلم قدر الغش. لأن المشتري لا يعلم قدر الخلط. فيبقى المبيع مجهولًا. وكذا كل ما كان من الغش في المطعوم والملبوس وغيره.

(وعن عقبة) بن عامر رضي الله عنه (مرفوعًا لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعًا وفيه عيب إلا بينه) له (رواه أحمد) وابن ماجه وغيرهما وفيه "المسلم أخوالمسلم" وجاء نحوه من غير وجه. مما يدل على تحريم الغش وكتم العيب. ووجوب تبيينه للمشتري. ولا نزاع في ذلك ويثبت الفسخ بالإجماع. قال ابن رشد وبالجملة خيار الرد بالعيب ثابت للمشتري. ولما كان ذلك يختلف اختلافًا كثيرًا كاختلاف المبيعات في صفاتها وجب إذا اتفقا على جهل صفة العيب المؤثر في الثمن. وحجة من لم يجز البراءة على الإطلاق أن ذلك من باب الغرر فيما لم يعلم البائع. ومن باب الغبن والغش فيما يعلمه.

والعيب هو ما ينقص قيمة المبيع عادة عما طلب من الثمن كمرض وفقد عضو وزنا الرقيق ونحو ذلك. فما عده التجار في عرفهم منقصًا أنيط به الحكم ومالا فلا. قال الشيخ لا يطمع في إحصاء العيوب. لكن يقرب من الضبط ما قيل إن ما يوجد بالبيع مما ينقص العين أو القيمة نقصًا يفوت به غرض صحيح يثبت الرد إذا كان الغالب في جنس المبيع عدمه. قال الوزير اتفقوا على أن للمشتري الرد بالعيب الذي لم يعلم به حال العقد ما لم يحدث عنده عيب آخر. وأن له إمساكه إن شاء بعد

ص: 145

عثوره عليه. اهـ. وإن علم العيب فأخر الرد لم يبطل خياره إلا أن يوجد منه ما يدل على الرضى من التصرف ونحوه.

وإن اختلفا عند من حدث العيب فقال بعضهم قول بائع مع يمينه. وقال ابن القيم قول من يدل الحال على صدقه. فإن احتمل صدقهما فقول بائع لأن المشتري يدعي ما يسوغ فسخ العقد بعد تمامه ولزومه والبائع ينكره. وإن مات المبيع أو أبق ونحوه وكان البائع علم العيب وكتمه عن المشتري فقال ابن رشد وغيره فقهاء الأمصار على أنه فوت. ويرجع المشتري على البائع بقيمة العيب. ومذهب أحمد وغيره يذهب المبيع على البائع.

(وللخمسة) عن ابن مسعود وغيره (مرفوعًا) إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا اختلف المتبايعان) وفي لفظ "البيعان" أي البائع والمشتري. ولم يذكر الأمر الذي فيه الاختلاف فيعم المبيع والثمن. وكل أمر يرجع إليهما. وفي سائر الشروط المعتبرة (وليس بينهما بينة) تثبت قول أحدهما. وكذا لو تعارضت بينتاهما (فالقول ما قال البائع) إذا وقع الاختلاف بينه وبين المشتري في أمر من الأمور المتعلقة بالعقد ولكن مع يمينه كما جاء أمره البائع أن يستحلف. وهذا مذهب أحمد وغيره (أو يترادان البيع) فإن تراضيا على ذلك جاز بلا خلاف فلا يكون لهما خلاص من النزاع إلا التفاسخ أو حلف البائع. والحديث صححه الحاكم وغيره. وذكر ابن عبد البر. أنه مشهور الأصل

ص: 146

عند جماعة تلقوه بالقبول. وبنوا عليه كثيرًا من فروعه. وقال الخطابي قد اصطلح الفقهاء على قبوله. وذلك يدل على أن له أصلًا. وإن كان في إسناده مقال. فدل على إثبات الخيار لاختلاف المتبايعين.

(وفي لفظ إذا اختلفا) أي المتبايعان في أمر من الأمور المتعلقة بالعقد (ولا بينة لهما) تبين ما اختلفا فيه (تحالفا) فيحلف بائع أولًا ما بعته بكذا. وإنما بعته بكذا. ثم يحلف مشتر ما اشتريته بكذا وإنما اشتريته بكذا. وكذا في عين المبيع أو صفته ونحو ذلك. قال الوزير وغيره اتفقوا على أنه إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة فإنهما يتحالفان ويترادان وإن رضي أحدهما بقول صاحبه أو حلف أحدهما ونكل الآخر أقر العقد. وذكروا الخيار في البيع بتخبير الثمن متى بان أقل أو أكثر. وفي التولية والشركة والمرابحة والمواضعة.

والخلف في الصفة. وتغير ما تقدمت رؤيته. وفقد شرط صحيح أو فاسد، وفوات غرض. وظهور عسر ونحو ذلك. ومطل اختاره الشيخ.

(وعن ابن عمر) رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ابتاع) أي اشترى (طعامًا) مكيلًا كان أو موزونًا أو معدودًا (فلا يبعه حتى يقبضه متفق عليه) من غير وجه عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحكاه الشيخ وغيره إجماعًا

ص: 147

ولمسلم عن ابن عباس "حتى يكتاله" أي حتى يأخذه بالكيل ولهما من غير وجه عن ابن عباس وغيره "حتى يستوفيه" وقال ابن المنذر أجمع العلماء على أن من اشترى طعامًا فليس له أن يبيعه حتى يقبضه. وقال الوزير اتفقوا على أن الطعام إذا اشترى مكايلة أو موازنة أو معادة فلا يجوز لمن اشتراه أن يبيعه من آخر. أو يعاوض به حتى يقبضه الأول. فإن القبض شرط في صحة هذا البيع.

وتواتر النهي عن بيع مطلق الطعام حتى يقبضه من غير فرق بين الجزاف وغيره. وهو مذهب الجمهور. وفي نص حديث ابن عمر السابق كان الناس يتبايعون الطعام جزافًا بأعلى السوق. فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه متفق عليه. ولمسلم "يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه" ولأحمد من حديث حكيم "إذا اشتريت شيئًا فلا تبعه حتى تقبضه" وللبيهقي من حديث أبان "إذا اشتريت شيئًا فلا تبعه حتى تقبضه" ولأبي داود من حديث زيد بن ثابت "نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم" فدلت هذه الأحاديث وما في معناها على أنه لا يجوز بيع أي سلعة اشتريت إلا بعد قبض البائع لها. واستيفائها. إن كان المبيع طعامًا يكال فبكيله. أو يوزن فبوزنه. أو يعد فبعده. وإن كان المبيع يذرع فبذرعه أو ينقل فبنقله. أو غيره فبتخليته.

ص: 148

وعلة النهي عن البيع قبل القبض عجز المشتري عن تسليمه. لأن البائع قد يسلمه وقد لا يسمله. لا سيما إذا رأى المشتري قد ربح فإنه يسعى في رد البيع إما بجحد أو احتيال في الفسخ. قال ابن القيم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى تنقل. لأنه ذريعة إلى جحد البائع البيع، وعدم إتمامه إذا رأى المشتري قد ربح فيها. فيغره الطمع. وشح نفسه بالتسليم كما هو الواقع. وأكده بالنهي عن ربح ما لم يضمن سدًا للذريعة. وهذا من محاسن الشريعة. وألطف باب سد الذرائع. وقال الصحيح أنه لا يجوز بيع شيء من المبيعات قبل قبضه بحال. وهو مذهب ابن عباس حيث يقول ولا أحسب كل شيء إلا مثل الطعام. وهو إحدى الروايتين عن أحمد. لحديث حكيم بن حزام وأبان وزيد بن ثابت.

وقال ثبوت المنع في الطعام بالنص. وفي غيره إما بقياس النظر كما صح عن ابن عباس أو بقياس الأولى. لأنه إذا نهى عن بيع الطعام قبل قبضه فغيره بطريق الأولى فإنه لا فارق بين الطعام وغيره في ذلك. ويلحق بالبيع التصرفات بعوض فيكون فعلها قبل القبض غير جائز كالبيع. ويجوز التصرف في المبيع بغير البيع. ويجوز بيعه لبائعه والشركة فيه. وكل ما ملك بعقد سوى البيع فإنه يجوز التصرف فيه قبل قبضه بالبيع وغيره. لعدم قصد

الربح. وإذا تعين ملك إنسان في موروث أو وصية أو غنيمة

لم يعتبر لصحة تصرفه قبضه بلا خلاف وينتقل

ص: 149

الضمان إلى المشتري بتمكنه من القبض. قال الشيخ ويملك المشتري المبيع بالعقد. ويصح عتقه. قبل القبض إجماعًا فيهما.

(وعن عائشة) رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى) أي حكم (أن الخراج) أي الدخل والغلة والكراء (بالضمان رواه الخمسة) وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والحاكم وغيرهم. وضعفه البخاري.

لأن فيه مسلم بن خالد الزنجي. والباء متعلقة بمحذوف تقديره الخراج مستحق بالضمان. فما يحصل من غلة العين المبتاعة للمشتري كأن يشتري عينًا ويستغلها زمانًا ثم يعثر على عيب قديم لم يطلعه البائع عليه. أو لم يعرفه فله رد العين وأخذ الثمن. وللمشتري مستغله.

فإن أصل الحديث أن رجلًا اشترى غلامًا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عنده ما شاء الله. ثم رده من عيب وجده. فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم برده بالعيب. فقال المقضي عليه قد استعمله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الخراج بالضمان" أي أن المبيع إذا كان له دخل وغلة فإن مالك الرقبة الذي هو ضامن لها يملك خراجها لضمان أصلها. ولا شيء عليه. لما انتفع به لضمان أصله. فلو كان المبيع تالفًا في يده صار من ضمانه. ولم يكن له على البائع رد.

وله النماء المتصل لتعذر انفصاله. ولا يرد المشتري نماء

ص: 150

منفصلًا إلا لعذر كولد الأمة. قال ابن رجب وهو الأصح. وإن حملت أمة أو بهيمة بعد الشراء فالحمل نماء متصل. يتبعها في الفسخ. فإن حملت بعد الشراء وولدته فمنفصل. ويرد ولد الأمة لتحريم التفرق على كلا القولين.

(وعن أبي هريرة مرفوعًا من أقال مسلمًا) وللبزار من أقال نادمًا (بيعته) أي فسخ عقد البيع لندم المشتري (أقال الله عثرته) أي غفر زلته وخطيئته (رواه أبو داود) رواه ابن ماجه وغيره. وصححه ابن حبان والحاكم. وفيه "أقال الله عثرته يوم القيامة" وفي فضل الإقالة أحاديث أخر. وأجمعوا على مشروعيتها. وحقيقتها رفع العقد الواقع بين المتعاقدين. وصورتها أنه اشترى أحد شيئًا من رجل ثم ندم على شرائه إما لظهور الغبن فيه. أو لزوال رجاحته أو لانعدام الثمن أو غير ذلك. فرد المبيع على البائع. وقيل البائع رده.

أزال الله مشقته وعثرته. لأنه إحسان منه على المشتري. لأن البيع قد ثبت فلا يستطيع المشتري فسخه فاستحبت لذلك وكذا لو ندم البائع فأقاله المشتري وتجوز قبل قبض المبيع بمثل الثمن. وهي فسخ لا بيع فلا خيار فيها ولا شفعة. ولا تصح بزيادة على ثمن أو نقصه أو غير جنسه. لأن مقتضاها رد الأمر على ما كان. فإن طلب أحدهما الإقالة وأبي الآخر فاستأنفًا بيعًا جاز.

ص: 151