الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أبو عمرو بن الصلاح (1) المتوفى سنة 643 هـ: اعلم أن الرواية بالأسانيد المتصلة ليس المقصود منها في عصرنا وكثير من الأعصار قبله إثبات ما يروى إذ لا يخلو إسناد منها عن شيخ لا يدري ما يرويه ولا يضبط ما في كتابه ضبطاً يصح لأن يعتمد عليه، وإنما المقصود به بقاء سلسلة الإسناد الذي خصت به هذه الأمة. أقول: وهذا هو الغرض بعينه في عصرنا والعصور السالفة قبله في محافظة الشيوخ على سلسلة السند إلى مصنفي الكتب الشهيرة كالبخاري ومسلم إنما الواجب على أمثالنا أن يتثبتوا في أمور ثلاثة: كون الكتاب الذي يروون الحديث عنه صحت نسبته إلى مؤلفه أو تواترت، والبحث في سند الحديث الذي روي به في ذلك الكتاب وخلوه من الغلط والتحريف والدخيل. وسبيل معرفة الثالث أن تقابل نسخة من الكتاب الذي يراد الأخذ عنه بنسخ أخرى منه مختلفة في الرواية إن كان ثم اختلاف فيها أو بنسخ متعددة منه إن لم يكن اختلاف في الرواية، فإذ ذاك يطمئن القلب إلى تلك النسخة وتتبين منه درجة صحتها وخلوها من العيوب فيقوم ذلك مقام تعدد الرواة اهـ. مفتاح السنة (2) للعلامة أبي عبد الله محمَّد عبد العزيز الخولي وسترى ملخصه في خاتمة المقصد.
الفريدة الثالثة في الكلام على القرآن وتواتره وأئمة علم القرآن
اعلم أن القرآن الكريم الذي أنزل لتبليغ ما فيه من الأحكام وللتعبد بتلاوته مع تدبر معانيه العظام قد تلقته الأمة رواية ودراية بالسند جيلاً بعد جيل إلى هذا الأمد بدون نقص ولا زيادة ولا تحريف ولا تبديل بل والعناية به اشتدت من زمن الصحابة والدواعي توفرت في نقله وحمايته وحفظه وحراسته حتى حصل العلم بكل شيء فيه من حروفه وإعرابه وقراءته ودراسته مع صدق العناية والاهتمام البالغ للغاية، وقد
تكفل سبحانه بحفظه ولم يحفظ كتاباً من الكتب كذلك فقال عزّ من قائل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر: 9] وقال: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} [فصلت: 41، 42]. في روح المعاني للعلامة النِّحرير المفسر الدراكة الشهير، أبي الفضل شهاب الدين أحمد بن محمود الألوسي: اعلم أن القرآن جمع أولاً بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخرج الحاكم بسنده على شرط الشيخين عن زيد بن ثابت قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن في الرقاع (1). وثانياً بحضرة أبي بكر رضي الله عنه فقد أخرج البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت أيضاً قال: أرسل إلى أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر بقرّاء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير. فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت الذي رأى عمر قال زيد: قال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالا: هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ووجدت آخر سورة التوبة مع خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} حتى خاتمة براءة. فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر.
وأخرج ابن أبي داود بسند رجاله ثقات مع انقطاع أن أبا بكر قال لعمر وزيد مع أنه كان حافظاً اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه. ولعل الغرض من الشاهدين أن يشهدا على أن ذلك كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو على أنه مما عرض عليه صلى الله عليه وسلم عام وفاته وإنما اكتفوا في آية التوبة بشهادة خزيمة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين انتهى.
ثم قال: وما اشتهر أن جامعه عثمان رضي الله عنه فهو على ظاهره باطل لأنه إنما حمل الناس في سنة خمس وعشرين على القراءة بوجه واحد باختيار وقع بينه وبين من شاهده من المهاجرين والأنصار لما خشي الفتنة من اختلاف أهل العراق والشام في حروف القرآن، فقد روى البخاري (1) عن أنس أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأجزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال لعثمان: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف.
وقال عثمان للرهط القريشي الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما أنزل بلسانهم ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القراآت في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق، قال زيد: ففقدت آية من الأحزاب حين نسخنا الصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها عند خزيمة بن ثابت الأنصاري {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] ألحقناها في سورتها في المصحف وقد ارتضى ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن المرتضى كرم الله تعالى وجهه قال - على ما أخرج ابن أبي داود بسند صحيح عن سويد بن غفلة عنه -: لا تقولوا في عثمان إلا خيراً فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا. وفي رواية لو وليت لعملت بالمصحف الذي عمله عثمان وهذا الذي ذكرناه من فعل عثمان هو ما ذكره غير واحد من المحققين حتى صرحوا بأن عثمان لم يضع شيئاً فيما جمعه أبو بكر من زيادة أو نقص أو تغيير ترتيب سوى أنه جمع الناس على القراءة بلغة قريش محتجاً بأن القرآن نزل بلغتهم وبعد انتشار هاته المصاحف في هذه الأمة المحفوظة لا سيما الصدر الأول الذي حوى من الأكابر ما حوى وتصدر فيه للخلافة الراشدة عليّ المرتضى وهو باب مدينة العلم لكل عالم والأسد الأشد الذي لا تأخذه في الله لومة لائم لا يبقى في ذهن مؤمن احتمال سقوط شيء يعد من القرآن
وإلا لوقع الشك في كثير من ضروريات هذا الدين الواضح البرهان انتهى. باختصار وفي باب كيفية تلقي الأمة الشرع من النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الله البالغة لولي الله المحدث العلامة النابغة الشيخ أحمد الدهلوي تقرير نفيس رأيت أن نذكره بنصه لما فيه من الفوائد، قال روح الله روحه أعلم أن تلقي الأمة منه الشرع على وجهين أحدهما تلقي الظاهر ولا بد أن يكون بنقل إما متواتر أو غير متواتر والمتواتر منه المتواتر لفظاً كالقرآن العظيم وكنبذ يسيرة من الأحاديث، منها قوله:"إنكم سترون ربكم". ومنه المتواتر معنى ككثير من أحكام الطهارة والصلاة والزكاة والصوت والحج والبيوع والنكاح والغزوات مما لم تختلف فيه فرقة من فرق الإِسلام وغير المتواتر أعلى درجاته المستفيض وهو ما رواه ثلاثة من الصحابة فصاعداً ثم لم يزل يزيد الرواة إلى الطبقة الخامسة وهذا قسم كثير الوجود وعليه بناء رؤوس الفقه ثم الخبر المقضي له بالصحة أو الحسن على ألسنة حفاظ المحدثين وكبرائهم ثم أخبار فيها كلام قبلها بعض ولم يقبلها آخرون فما اعتضد منها بالشواهد أو قول أكثر أهل العلم أو الفعل الصريح وجب اتباعه. وثانيهما التلقي دلالة وهي أن يرى الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أو يفعل فاستنبطوا من ذلك حكماً من الوجوب وغيره فأخبروا بذلك الحكم فقالوا الشيء الفلاني واجب وذلك الآخر جائز ثم تلقي التابعون من الصحابة كذلك فدوّن الطبقة الثالثة فتاواهم وقضاياهم وأحكموا الأمر. وأكابر هذا الوجه عمر وعلي وابن مسعود وابن العباس رضي الله عنهم لكن كان من سيرة عمر رضي الله عنه أنه كان يشاور الصحابة ويناظرهم حتى تنكشف الغمة ويأتيه الثلج فصار غالب قضاياه وفتاواه متبعة في مشارق الأرض ومغاربها وهو قول: إبراهيم لما مات عمر رضي الله عنه: ذهب تسعة أعشار العلم. وقول ابن مسعود رضي الله عنه: كان عمر إذا سلك طريقاً وجدناه سهلاً. وكان علي رضي الله عنه لا يشاور غالباً وكان أغلب قضاياه بالكوفة ولم يحملها عنه إلا ناس وكان ابن مسعود رضي الله عنه بالكوفة فلم يحمل عنه غالباً إلا أهل تلك الناحية. وكان ابن عباس رضي الله عنهما اجتهد بعد عصر الأولين فناقضهم في كثير من الأحكام واتبعه في ذلك أصحابه من مكة ولم يأخذ بما تفرد به جمهور أهل الإِسلام وأما غير هؤلاء الأربعة فكانوا يراؤون دلالة ولكن ما كانوا يميزون الركن والشرط من الآداب
والسنن ولم يكن لهم قول عند تعارض الأخبار وتقابل الدلائل إلا قليلاً كابن عمر وعائشة وزيد بن ثابت رضي الله عنهم وأكابر هذا الوجه من التابعين بالمدينة الفقهاء السبعة لا سيما ابن المسيب بالمدينة وبمكة عطاء بن أبي رباح وبالكوفة إبراهيم وشريح والشعبي وبالبصرة الحسن وفي كل من الطريقتين خلل إنما ينجبر بالأخرى ولا غنى لإحداهما عن صاحبتها أما الأولى فمن خللها ما يدخل في الرواية بالمعنى من التبديل ولا يؤمن من تغيير المعنى ومنه ما كان الأمر في واقعة خاصة يظنه الراوي حكماً كلياً ومنه ما أخرج فيه الكلام مخرج التأكيد ليعضوا عليه بالنواجذ فظن الراوي وجوباً أو حرمة وليس الأمر على ذلك فمَن كان فقيهاً وحضر الواقعة استنبط من القرائن حقيقة الحال كقول زيد رضي الله عنه في النهي عن المزارعة وعن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها إن ذلك كان كالمشورة وأما الثانية فيدخل فيها قياسات الصحابة والتابعين واستنباطهم من الكتاب والسنة وليس الاجتهاد مصيباً في جميع الأحوال وربما كان لم يبلغ أحدهم الحديث أو بلغه بوجه لا ينتهض بمثله الحجة فلم يعمل به ثم ظهر جلية الحال على لسان صحابي آخر بعد ذلك كقول عمر وابن مسعود رضي الله عنهما في التيمم عن الجنابة وكثيراً ما كان اتفاق رؤوس الصحابة رضي الله عنهم على شيء من قبل دلالة العقل على ارتفاق وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي"(1) وليس من أصول الشرع فمن كان متبحراً في الأخبار وألفاظ الحديث فيتيسر له التقصي عن مزال الأقدام ولما كان الأمر كذلك وجب على الخائض في الفقه أن يكون متضلعاً من كلا المشربين ومتبحراً في كلا المذهبين وكان أحسن شعائر الملة ما أجمع عليه جمهور الرواة وحملة العلم وتطابق فيه الطريقان. انتهى.
واعلم أن علم القراءات به يعرف كيفية النطق بالقرآن وبالقراءات ترجح بعض الوجوه المحتمله على بعض. قال العلامة الأمير: فمن القراءات أمام كل فن وحكمة انتهى. ويأتي ذكر كثير من أئمة هذا الفن في المقصد. والقراء السبعة الذين هم الطراز الأول في هذا الفن وعليهم المعوَّل من وقتهم إلى هذا الزمن هم:
1 -
أبو محمد عبد الله بن عامر بن يزيد اليحصبي الدمشقي: قاضيها التابعي الجليل الحافظ المقرئ الثقة الأمين. قرأ عن المغيرة بن أبي شهاب المخزومي وأبي الدرداء وأصحاب عثمان رضي الله عنهم. وعنه جماعة منهم إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر وأبو عبيد مسلم ويحيى بن الحارث. مولده سنة 21 هـ وتوفي سنة 118هـ[736م].
2 -
أبو سعيد عبد الله بن كثير المكي: مولى عمر بن علقمة. أصله من أبناء فارس رضي الله عنه. الإِمام التابعي الفاضل القدوة الثقة المثبت الأمين قرأ على عبد الله بن السائب المخزومي وعلى مجاهد بن جبر وهما على عبد الله بن العباس وعلى زيد بن ثابت رضي الله عنهم عن النبي. وعنه الكثير من الأئمة. ولد بمكة سنة 45 هـ وتوفي سنة 120هـ[737م].
3 -
أبو بكر عاصم بن أبي النجود الأسدي رضي الله عنه: الإِمام التابعي الثقة الفاضل المثبت الأمين العمدة الكامل. قرأ على أبي عبد الله حبيب السلمي وزر بن حبيش الأسدي وهما على عثمان وعلي وابن مسعود وأبيّ بن كعب وزيد بن ثابت رضي الله عنهم على النبي صلى الله عليه وسلم. وعنه جماعة منهم أبو بكر شيبة بن عياش وأبو عمر حفص بن سلمان الكوفي. مات على أحد الأقوال سنة 127هـ[744م].
4 -
أبو عمر وزيان بن العلاء البصري الخزاعي المازني رضي الله عنه: الإِمام العمدة الثقة الذكي المثبت العالم بالقراءة والحديث واللغة قرأ على جماعة من التابعين بالحجاز والعراق منهم ابن كثير ومجاهد بن جبر وسعيد بن جبير وعطاء. وهم عن ابن عباس عن أبي بن كعب رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعليه قرأ الكثير من الأئمة منهم أبو زكريا يحيي بن المبارك اليزيدي ويونس والأصمعي وأبو عبيدة. ولد بمكة سنة 65 هـ وتوفي سنة 154هـ.
3 -
أبو عمارة حمزة بن حبيب الزيات الكوفي: الذكي المتورع الزاهد الإِمام