الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رياض آداب، كلها زواهر وبحار علم كلها لآلىء وجواهر. فقرأت على مَن ترجمت لهم في الماضي وهم أفاضل أمغطوا من سائر العلوم غوارب الإنتاج وأماثل فاضت بحور علومهم كما يفيض البحر المتلاطم الأمواج، اغترفوا من حياض المعارف، نمير الحقائق واقتطفوا من رياض الآداب ثمرات اللطائف والرقائق وإذ ذاك غصن الصبا بأيام السعادات مورق وبدر الشباب في سماء الكمالات مشرق وأنا خلي البال مما يشغل البلبال لا دأب لي إلا مواسم وقود العلوم في سوق عكاظها ولا شغل لي إلا اكتشاف وسائم وجوه المعاني المخبأة تحت براقع ألفاظها واقتناص الشوارد وتقييد الأوابد فعكفت على ذلك الحال، ولازمت ذلك المنوال، حتى حصلت علي رتبة التطويع بعد الاختبار من السادات النظار وهي رتبة يكون صاحبها من العدول المبرزين وممن يمكن نظمه في سلك المدرسين وذلك سنة 1307 هـ وأقرأت بالجامع المذكور الصغرى وصغرى الصغرى والعشماوية والمرشد المعين والرسالة والأجرومية والقطر والماكودي على الخلاصة من أوله إلى العطف وفي سنة 1313 هـ أسند إلى التدريس بالمنستير وفيها أسندت إلى خطة الفتوى بقابس ثم القضاء بها وفي سنة 1319 هـ أسندت إلى خطة القضاء بالمنستير وخطة الإمامة والخطابة بجامعها الكبير وفي أثناء الإقامة بفاس ألّفت مواهب الرحيم في مناقب الشيخ عبد السلام بن سليم المتوفى سنة 989 هـ وطبع وانتشر وشرعت في هذا التأليف وعرضت أثناء جمعه عوائق كثيرة وحررت رسالة في فضيلة الطب والمستشفيات وتقريرات على الأربعين الثنائيات المذكورة في طبقة التابعين غير أنها محتاجة إلى التهذيب وقد عرضت موانع تمنع من الحصول على المطلوب وإن زالت وقدر الله مهلة في الأجل وتسهيلاً في العمل فإني أستأنف ذلك والله الموفق والمعين.
صلة
1735 -
اعلم أني ترجمت لنفسي فيما تقدم والمقصود هو التحدث بالنعمة والاقتداء بالسلف الصالح ونعمه جل ذكره لا تحصى ولا تعد ولا تستقصى قال عزّ من قائل: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: 18] في روح المعاني عند قوله جل جلاله: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] قيل: هو من يرى عجزه عن الشكر لأن توفيقه للشكر يستدعي شكراً آخر إلى ما لا نهاية له وقد نظم بعضهم هذا المعنى فقال:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة
…
عليّ له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله .... وإن طالت الأيام واتسع العمر
وفيه عند قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} [الضحى: 11] فإن التحدث بها شكر لها كما قال عمر بن عبد العزيز مرفوعاً "مَن أعطى عطاءً فوجد فليجز به فإن لم يجد فليثن به فمن أثنى به فقد شكره ومن كتمه فقد كفره ومن تحلى بما لم يعط كان كلابس ثوبي زور" ولذا استحب السلف التحدث بما عمل من الخير إذا لم يرد به الرياء والافتخار بل بعض أهل البيت رضي الله عنهم حمل الآية على ذلك، أخرج ابن أبي حاتم عن مقسم قال: لقيت الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما فقلت له: أخبرني عن قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} فقال: "الرجل المؤمن يعمل عملاً صالحاً فيخبر به أهل بيته" وأخرج ابن أبي حاتم عنه رضي الله عنه قال فيها "إذا أصبت خيراً فحدّث به إخوانك" اهـ روح المعاني وفي السيرة الحلبية في باب عموم بعثته صلى الله عليه وسلم بعد أن ساف أحاديث في بعض الفضائل التي اختص بها فمنها أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أنا محمَّد أنا أحمد" ثم قال ما نصه في وصفه صلى الله عليه وسلم نفسه بما ذكر وقول عيسى عليه السلام {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} الآية وقول سليمان عليه السلام {عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} الآية دليل على جواز التحدث بالنعمة وهو الأصل في ذكر العلماء مناقبهم في كتبهم وهذا مأخوذ من قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} ومن قوله صلى الله عليه وسلم: "التحدث بنعمة الله شكر وتركه كفران" قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} وعن سفيان الثوري: مَن لم يتحدث بنعمة الله فقد عرضها للزوال والحق في ذلك التفصيل وهو أن من خاف من التحدث بالنعمة وإظهارها الرياء فعدم التحدث بها وعدم إظهارها أولى ومن لم يخف ذلك فالتحدث بها وإظهارها أولى وفي الشفا عند قوله السادس أمره بإظهار نعمته عليه وشكره ما شرفه به بنشره وإشادة ذكره بقوله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} فإن من شكر النعمة التحدث بها وهذا خاص به عام لأمته، قال شارحه الشهاب الخفاجي: التحدث بالنعمة شكر لها وقد قالوا إنه يحسن من الإنسان الثناء على نفسه وذكر محاسنه وفضائله في مواضع يستثنوها من الأصل الغالب على الكل محادة من هضم أنفسهم وروي عن علي كرّم الله وجهه أنه قال: إذا أصبت خيراً فحدّث به إخوانك، ومن مواطن التحدث بالنعم ما إذا جهل قدره ونوزع في أمر وروي مثله عن كثير من الصحابة وللسيوطي رحمه الله تعالى تأليف سماه نزول الرحمة في التحدث بالنعمة وأشار بمن التبعيضية فإن من شكر النعمة التحدث بها إلا أن للشكر طرقاً أخر كإظهار الملابس والمطاعم والمراكب وفي الحديث التحدث بالنعمة شكر وفيه إذا أنعم الله على عبده بنعمة أحب أن يرى أثرها عليه اهـ شهاب. وللعارف بالله الشعراني تأليف سماه لطائف المنن والأخلاف في بيان وجوب التحدث بنعمة الله