الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على الإطلاق قال في خطبته: وكان الباعث على تأليفه أموراً منها الاقتداء في ذلك بالسلف الصالح وذكر جماعة منهم الحافظ ابن حجر وتلميذه الحافظ السيوطي فإنه ذكر مناقبه في تراجم الفقهاء وفي طبقات المحدثين وطبقات المفسرين وفي طبقات المقرئين وفي طبقات النحاة واللغويين وفي طبقات الصوفية وقال في كتابه: التحدث بالنعمة إنما ذكرت مناقبي اقتداء بالسلف الصالح وتعريفاً بحالي في العلم ليأخذه الناس علي وتحدثاً بنعمة الله تعالى لا الافتخار على الأقران ولا طالباً الدنيا ومناصبها وجاهها معاذ الله أن أقصد ذلك وأي قدر للدنيا حتى نطلب تحصيلها بما فيه ذهاب الدين واللعنة والطرد عن حضرة الله تعالى. الشعراني وكذلك أقول إني لم أقصد بما ذكرته لك من الأخلاق في هذا الكتاب الافتخار على الأقران معاذ الله أن أهدي إلى حضرته تعالى كتاباً مشتملاً على ما استحق به اللعن والطرد وهذا هو قصدي الآن وأرجو الله تعالى دوام هذه النية الصالحة إلى الممات وما ذلك على الله بعزيز اهـ والعبد الفقير قائل بمثل مقاله ناسج على منواله ومنوال أهل الفضل مثله داعياً بدعائه راجياً القبول بمنه وفضله وما ذلك على الله بعزيز.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
…
إن التشبه بالكرام فلاح
فصل
1736 -
اعلم أن عقود درر الشجرة انتظم من سبع وعشرين طبقة والإمام مالك قدس الله روحه من رجال الطبقة الرابعة ومذهبه ظهر بالمدينة المنورة ثم انتشر في حياته وبعد وفاته في أقاليم كثيرة وأقطار متعددة منها الحجاز والعراق ومصر وطرابلس والأندلس وإفريقية وصقلية والسودان والمغربان الأقصى والأوسط. لكن انتشاره كان طويل المدد وذيعانه كان مديد المدد في خصوص العراق ومصر وإفريقية والأندلس والمغربين فحالته في هاته الأقطار جديرة بأن تذكر وتطلب وحقيقة أن تبسط إذ هي فروع خمسة في رجال المذهب وترتيب رجال كل فرع على مقتضى الوفيات من أوله إلى منتهاه.
1737 -
أما فرع العراق فإن المذهب فيه انتشر انتشاراً باهراً ثم ضعف ضعفاً ظاهراً واستمر الحال على ذلك حتى الآن في الديباج عند ترجمة أبي بكر الأبهري ما نصه انتشر مذهب مالك في البلاد وبعد موت أبي بكر المذكور وكبار أصحابه لتلاحقهم به وخروج القضاء عنهم إلى غيرهم من مذهبي الشافعي وأبي حنيفة ضعف مذهب مالك بالعراق وقيل طالبه لاتباع الناس أهل الساسة والظهور اهـ.
1738 -
وأما فرع مصر فإن المذهب انتشر فيه انتشاراً قوياً ثم انقطع نحو القرنين انقطاعاً كلياً ثم تراجع وذاع أتم ذيعان واستمر على ذلك حتى الآن في حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة عند ذكر من كان بمصر من أئمة الحنابلة ما نصه أن مذهب الإِمام لم يبرز خارج العراق إلا في القرن الرابع وفي هذا القرن ملك العبيديون مصر وأفنوا من كان بها من أئمة المذاهب الثلاثة قتلاً ونفياً وتشريداً وأقاموا مذهب الرفض والشيعة إلى أواخر القرن السادس فتراجعت إليها الأئمة من سائر المذاهب اهـ.
1739 -
وأما فرع إفريقية فإن المذهب استفاض فيه أمداً ثم ضعف مُدداً ثم تراجع إلى انتشاره واستفاضته ولم يزل حتى اليوم على حالته في جذوة الاقتباس كان الغالب على أهل المغرب مذهب الكوفيين إلى أن دخل ابن زياد التونسي وابن أشرس والبهلول بن راشد وأسد بن الفرات وغيرهم من الحفاظ لمذهب مالك فأخذه الكثير من الناس ولم يزل ينتشر إلى أن جاء سحنون ففض حلق المخالفين واستمر المذهب بعده في أصحابه فشاع في أقطار المغرب إلى وقتنا هذا اهـ وانتشر أيضاً العلم بإفريقية واستبحر خصوصاً بالقيروان واستمر على ذلك مدة مديدة وسنين عديدة ثم ضعف ضعفاً بيناً أواخر الدولة الصنهاجية ثم تراجع أوائل دولة بني أبي حفص ونما وانتشر ثم ضعف وكاد ينقطع أواخر هاته الدولة وأوائل دولة الترك ثم أخذ في التراجع والنمو شيئاً فشيئاً إلى هذا العهد وقال ولي الدين بن خلدون: سند تعلم العلم كاد ينقطع من المغرب بإخلال عمرانه وتناقص الدولة وما يحدث عن ذلك من نقص الصنائع وفقدانها وذلك أن القيروان وقرطبة كانتا حاضرتي المغرب والأندلس واستبحر عمرانهما وكان فيهما من العلوم والصنائع أسواق نافقة وبحور زاخرة ورسخ فيهما التعليم لامتداد عصورهما فلما خربتا انقطع التعليم بالمغرب. اهـ وفي مسامرات الظريف أنه بانتهاء المائة التاسعة انقطع الخبر وعمي الأثر وطوي بساط أخبار العلماء والفضلاء مما دهم إفريقية وخصوصاً الحاضرة أواسط المائة العاشرة بتقلص ظل الدولة الحفصية عنها وبلوغها سن الهرم مع ارتباك الأحوال وتراكم النوائب والأهوال. اهـ وفي تاريخ الشيخ حمودة بن عبد العزيز كاد العلم أواخر هاته الدولة وأوائل دولة الترك يرتفع منها بالمرة ثم تراجع شيئاً فشيئاً طبقة بعد طبقة كل طبقة هي أكثر عدداً من التي قبلها. اهـ.
1740 -
وأما فرع الأندلس فإن المذهب شبّ فيه وانتشر ودام على ذلك قروناً كثيرة واستمر ثم شاب وانقطع أواخر القرن التاسع واندثر. في جذوة الاقتباس كان رأيهم منذ فتحت على مذهب الأوزاعي إلى أن رحل زياد بن عبد الرحمن
شبطون وغيره فجاؤوا بعلم مالك وبيّنوا للناس فضله حتى عرفوا حقه واقتدوا به وأخذه أمير الأندلس هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن عبد الملك وألزم الناس به وصيّر القضاء والفتيا عليه وذلك في عشر السبعين ومائة في حياة مالك. اهـ واستمر المذهب في الانتشار والعلم في الاستبحار إلى الطبقة الرابعة عشرة فأخذ في الرجوع إلى الوراء والضعف والقهقرى حتى انقطع بالمرة أواخر المائة التاسعة وانتهى الحديث عنهم بتاتاً.
1741 -
وأما فرع المغربين الأقصى والأوسط فإن أهله كانوا تابعين لإفريقية ثم ظهر لمذهب بينهم وكثر انتشاره واشتد ساعده وعلا مناره واستمر على انتشاره الباهر ونموه الزاهر إلى يومنا الحاضر في جذوة الاقتباس أول من أدخل مذهب مالك المغرب دراس بن إسماعيل المتوفى سنة 357 هـ وفي المعجب اجتمع بمدينة فاس علم القيروان وقرطبة إذ كانت حاضرة الأندلس والقيروان حاضرة المغرب فلما اضطرب أمر إفريقية بعبث العرب فيها واضطرب أمر قرطبة آخر ملوك بني أمية رحل من هذه وهذه من كان فيهما من العلماء والفضلاء من كل طبق فراراً من الفتنة فنزل أكثرهم مدينة فاس. اهـ.