المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الرابع 358/ 4/ 68 - عن أنس بن مالك رضي - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٩

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث الرابع 358/ 4/ 68 - عن أنس بن مالك رضي

‌الحديث الرابع

358/ 4/ 68 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن جارية وجد رأسها مرضوضًا بين حجرين، فقيل: من فعل هذا بكِ؟ فلان؟ فلان؟ حتى ذكر يهودي، فأومأت برأسها، فأُخذ اليهودي فاعترف، فأمر النبي - صلي الله عليه وسلم - أن يُرضّ رأسه بين حجرين".

ولمسلم والنسائي عن أنس: "أن يهوديًا قتل جارية على أوضاحٍ، فأقاده رسول الله - صلي الله عليه وسلم -"(1).

الكلام عليه من وجوه:

الأول: هذه الرواية التي عزاها لمسلم ليست فيه بهذا اللفظ، وإنما لفظه:"فقتله رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بين حجرين"، وهي بهذا اللفظ في البخاري أيضًا. وترجم على الحديث: "إذا قتل بحجر أو

(1) البخاري في أطرافه (2413)، ومسلم (1672)، والترمذي (1394)، وأبو داود (4527، 4528، 4535)، والنسائي (8/ 22)، وابن ماجه (2665)، والدارقطني (3/ 168، 169)، وأحمد (3/ 163)، وابن الجارود (838)، والطيالسي (1986)، والبغوي (2528)، والبيهقي (8/ 42)، وأبو يعلى (2866، 3149).

ص: 82

بعصى (1). ومن أقاد بالحجر (2). وقتل الرجل بالمرأة (3). وإذا أقر بالقتل مرة قتل به (4). والإِشارة في الطلاق والأمور" (5). رواه فيه معلقًا، وفيه أنه عليه الصلاة والسلام قال لها: "من قتلك؟ فلان؟ -لغير الذي قتلها- فأشارت برأسها أن لا. قال: فقال لرجل آخر -غير الذي قتلها- فأشارت أن لا. فقال: ففلان؟ -لقاتلها- فأشارت أن نعم، فأمر به رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فرُضخ رأسه بين حجرين".

نعم هو في النسائي باللفظ الذي عزاه إليه.

الثاني: هذه الجارية وقاتلها لا أعرف اسمها بعد الفحص عنه، وفي الصحيح أن الجارية من الأنصار، والظاهر من قتلها كان غيلة، لأنه أخذ حليها.

الثالث: الأوضاح بالضاد المعجمة: حلي من فضة يُتحلَّى به. وقد ذكر في الصحيح أيضًا: مكانها "الحلي" سُميت بذلك لبياضها. واحدها: وضح. وقيل: إنه حلي من حجارة. حكاه القاضي.

و"الرض": الكسر غير المبان،

(1) حديث (6877).

(2)

حديث (6879).

(3)

حديث (6885).

(4)

حديث (6884).

(5)

حديث (5295)، لم يذكر المؤلف بعض التراجم التي عقد البخاري على هذا الحديث أبواب، منها: باب إذا أومأ المريض برأسه إشارة بينة جازت، حديث (2746)، وأيضًا باب سؤال القاتل حتى يقر، والإِقرار في الحدود (6876).

ص: 83

ومعنى "بين حجرين": أنه وضع رأسها على حجر ورمى بآخر، وفعل به مثل ذلك. وفي الصحيح:"أنه رضخ رأسه بين حجرين"، وفيه:"أنه رجمه بالحجارة"، والمعنى واحد لأنه إذا وضع رأسه على حجر ورضّ بآخر فقد رجم، ورض، ورضخ، وقد يكون رجمه نوعًا مما فعل بها؛ فإن في الصحيح:"أنه ألقاها في القليب"، وهي البير غير المطوية "ورضخ رأسها بالحجارة". وهذا رجم لا شك فيه، وهذا أولى من ادعاء تعدد الواقعة.

الرابع في أحكامه:

الأولى: قتل الرجل بالمرأة، وهو إجماع من يعتد به. وعن عليّ أنه إذا قتل بها أخذ نصف الدية إن شاءوا وإلا أخذوا الدية. قال ابن عبد البر (1): ولا يصح، وروي ذلك عن الحسن، واختُلف فيه عن عطاء، وبه قال البتي.

الثاني: قتل الذمي والمعاهد والمستأمن بالمسلم.

الثالث: جواز سؤال الجريح من جرحك؟ لفائدة تعرف الجارح من بين المتهمين ليطالب، فإن أقرّ ثبت عليه القتل كما جرى لليهودي من أخذه واعترافه، فلو أنكر فالقول قوله مع يمينه ولا يلزمه بمجرد قول المجروح شيء، وهو قول جمهور العلماء.

وقال مالك: يثبت القتل بمجرد قول المجروح على المتهم تعلقًا بهذا الحديث وهو غريب، فإن اليهودي لم يقتل إلا باعترافه لا بمجرد قول المجروح. لا جرم قال النووي (2): إنه تعلُّق باطل.

(1) الاستذكار (25/ 254).

(2)

شرح مسلم (11/ 159).

ص: 84

ورأيت من المالكية من يشنع هذا على النووي ويقول: ليس هذا مذهب مالك وإنما مذهبه أنه لوث وغفل هذا المعترض المتحايل عن مذهبه أن اللوث موجب القصاص. وذكر القاضي (1) أبو عبد الله بن المرابط أنه كان في أول الإسلام قبول [قول](2) القتيل، وأن هذا معنى الحديث؛ وأن ما جاء من اعترافه إنما جاء من رواية قتادة ولم يقلده غيره، وهذا مما عُدَّ عليه، وفيما ذكره نظر لا يخفى.

الرابع: التوصل إلى معرفة القاتل بتعديد الأشخاص عليه لقصد معرفة الحق ودفع الريبة فيه.

الخامس: أن الإشارة بالرأس ونحوه في ذلك قائمة مقام النطق [فإنها نزلت منزلة دعواها. قال القرطبي (3): ومن قال من الرواة: إنها قالت: نعم، فإنما عبر عما فُهم عنها من الإِشارة بالقول](4).

السادس: وجوب القصاص بالمثقل عمدًا وهو ظاهر من الحديث وقوي في المعنى أيضًا، فإن صيانة الدماء من الإِهدار مطلوب، والقتل بالمثقل كالمحدد في إزهاق الأرواح؛ فلو لم يجب القصاص بالقتل بالمثقل لأدى ذلك إلى أن يتخذ ذريعة إلى إهدار القصاص، وهو خلاف المقصود من حفظ الدماء. وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء.

(1) ذكره في إكمال إكمال المعلم (4/ 414).

(2)

في هـ ساقطة.

(3)

المفهم (5/ 24).

(4)

زيادة من ن هـ.

ص: 85

وقال أبو حنيفة: لا قصاص إلا في القتل المحدد من حديد أو حجر أو خشب أو كان معروفًا بقتل الناس كالمنجنيق والإِلقاء في النار.

واختلف عنه في مثقل الحديد كالدبوس، واعتذر الحنفيون عن الحديد بأعذار ضعيفة:

منها: أن قتل اليهودي إنما كان سياسة لا قصاصًا. قالوا: فإنه كان ساعيًا في الأرض بالفساد، وكان من عادته قتل الصغار بذلك الطريق، وهذا كله مردود برواية النسائي التي فيها لفظ الإِقادة، فإنه لا يقال في القتل سياسة. فإن كانت الجناية شبه عمد فإن قتل بما لا يقصد به القتل غالبًا فتعمد القتل به، كالعصا والسوط واللطمة والقضيب والبندقة .. ونحو ذلك، فقال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين فعن بعدهم من أئمة المذاهب وغيرهم، كالشافعي وأبي حنيفة والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور: لا قصاص فيه.

وقال مالك والليث: يجب فيه القود.

السابع: اعتبار المماثلة في استيفاء القصاص بالقتل بالمثقل، فيُقتل على الصفة التي قَتل، فإن قَتل بالسيف قُتل به، وإن قَتل بخشب أو حجر أو نحوهما قُتل بمثله؛ لأن اليهودي رضخها فرضخ هو. وهذا مذهب الشافعي ومالك؛ فإن اختار الولي العدول إلى السيف، فله ذلك.

وقال أبو حنيفة: لا قود إلا بالسيف.

ص: 86

[قال ابن رشد في "مقدماته" في القسامة: يُقتل بالسيف، وإن كان بالإِقرار أو بالبينة، ففيه خلاف](1) وهو قول مخرج عندنا والحديث حجة عليه، وحديث:"لا قود إلا بالسيف"، و"لا قود إلا بحديدة"(2) قد بيَّن البيهقي في "خلافياته"(3) ضعفهما.

والنهي عن المثلة: محمول على من وجب عليه القتل لا على طريق المكافأة.

نعم يُستثنى من هذا ما إذا كان الطريق الذي حصل به القتل محرمًا كالسحر، فإنه لا يقتل به.

واختلف أصحابنا فيما لو قتل باللواط [أو](4) بإيجار الخمر، فالأصح أن المماثلة تسقط، فإنها محرمة كالسحر،

ومنهم من قال: يدس فيه خشبة مثل الذكر، ويوجر مائعًا، ومحل القول في ذلك وأمثاله كتب الفروع. وقد أوضحناها فيها ولله الحمد.

وعندنا أن إذا حرقه بالنار يحرق بها، وخالف ابن الماجشون بحديث:"لا يعذب بالنار إلا ربها"(5).

(1) في ن هـ ساقط.

(2)

البيهقي (8/ 62) عبد الرزاق (17179).

(3)

مختصر الخلافيات (4/ 341).

(4)

في ن هـ (و).

(5)

البخاري (3016)، وأبو داود (2674)، والترمذي (1571)، وأحمد (2/ 307).

ص: 87

وقد يجاب بأن المراد: لا يعذب أدبًا وتعزيرًا؛ وقد قال تعالي: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ} (1) الآية.

وأما قولنا: إن للولي أن يعدل إلى السيف إذا اختار، فقد استثنى بعضهم منه ما إذا قتله بالخنق. قال: لا يعدل إلى السيف وادعى أنه عدول إلى الأشد، فإن الخنق يغيب العقل فيكون أسهل، وأشار إمام الحرمين من أصحابنا إلى حكايته وجهًا.

الثامن: هذه الجارية المذكورة يحتمل أن تكون أمة، وأن تكون حرة؛ إلا أن الجارية لا تطلق على الحرة حقيقة إلا قبل البلوغ، فقد يؤخذ منه على هذا التقدير جواز القسامة مع قول الصبي الذي لم يبلغ وإن كانت لم تقع؛ كما رواه مطرف عن مالك أن الصبي إذا راهق وعرف أقسم على قوله. وقاله ابن الماجشون خلافًا لابن القاسم، وعلى التقدير الأول: يكون في العبد القسامة؛ وهو قول أبي حنيفة خلافًا لمالك (2). وقال أبو يوسف: مرة هو هدر لا قسامة فيه ولا قيمة، ومرة تعقله العاقلة بالقسامة.

وقال الشافعي: لسيد العبد القسامة فيه.

وقال القرطبي (3): فيه دلالة على قتل الكبير بالصغير، لأن الجارية اسم لمن لم يبلغ من النساء كالغلام في الرجال، وهذا لا يُختلف فيه.

(1) سورة النحل: آية 126.

(2)

انظر: الاستذكار (25/ 339، 340).

(3)

المفهم (5/ 25).

ص: 88