الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
352/ 4/ 67 - وعنها [قالت](1): دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم وعندي رجل، فقال: يا عائشة، من هذا؟ [قلت: أخي] (2) من الرضاعة. فقال: يا عائشة. انظرن من إخوانكن؟ فإنما الرضاعة من المجاعة (3).
الكلام عليه من وجوه، والغريب أن الصعبي حذفه من "شرحه" ولم يذكره.
الأول: هذا الحديث بهذه السياقة للبخاري في كتاب الشهادات، لكنه قال:"فإنما" بدل "إنما"، ورواه في باب ما يحرم من نكاح قليل الرضاع (4) وكثيره بلفظ: أنه عليه الصلاة والسلام
(1) زيادة من ن هـ وإحكام الأحكام.
(2)
زيادة من ن هـ وإحكام الأحكام.
(3)
البخاري (2647)، ومسلم (1455)، والنسائي (6/ 101، 102) له في الكبرى (3/ 300) ، وابن ماجه (1945)، وأبو داود (2058)، والدارمي (2/ 158)، والبغوي (9/ 83)، والبيهقي (7/ 456)، وأحمد (6/ 94، 174، 214).
(4)
لفظ الترجمة، باب: من قال: "لا رضاع بعد الحولين لقوله تعالى: =
دخل عليها وعندها رجل فكأنه تغير وجهه، كأنه كره ذلك، فقالت: إنه أخي، فقال:"انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة".
ورواه مسلم بزيادة بعد قولها: "وعندي رجل قاعد فاشتد عليه ذلك، ورأيت الغضب في وجهه. قالت: فقلت: يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة، فقال: "انظرن من إخوانكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة عن المجاعة"، وفي لفظ: "من المجاعة".
الوجه الثاني: هذا المبهم، وهو أخو عائشة من الرضاعة، لا يحضرني اسمه بعد البحث عنه في كتب المبهمات فليتتبع.
الثالث: معنى هذا الحديث أن الرضاعة التي تقع بها الحرمة هي ما كان في زمن الصغر والرضيع طفل يقويه اللبن ويشد جوعه. أما ما كان منه بعد ذلك في الحال التي لا يحصل له فيها ذلك ولا يشبعه إلا الخبز واللحم وما في معناهما فلا حرمة له.
ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: "لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم"(1). رواه أبو داود، ثم رواه مرفوعًا بمعناه، وقال:"أنشز العظم".
وقوله عليه الصلاة والسلام: "انظرن من إخوانكن"، تنبيه على الزمن الذي يثبت للمرضع فيه حكم الرضاع وتترتب أحكامه عليه خشية أن تكون رضاعة ذلك الشخص وقعت في حالة الكبر ولا يترتب عليه أحكامه.
= {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} ، وما يحرم من قليل الرضاعة وكثيره". الفتح (9/ 146) ح (5102).
(1)
أبو داود (2059، 2060).
الوجه الرابع في فوائده:
الأولى: جواز دخول من اعترفت المرأة بالرضاع معه عليها، وأنه يصير أخًا لها.
الثانية: أن الزوج يسأل زوجته عن موجب الخلوة مع الرجل.
الثالثة: الأمر بالاحتياط في ذلك والنظر فيه، وفيما يبيح عدم الاحتجاب.
الرابعة: قبول قول المرأة فيمن اعترفت برضاعه مجردًا والإِرشاد إلى الاحتياط لذلك.
الخامسة: أن الرضاع المحرم هو ما كان بلبن المرأة في زمن يستقل الرضيع به دون غيره من الأغذية، وهو حولان فما دونها عند الجمهور.
وقال أبو حنيفة: هو حولان ونصف.
وقال زفر: ثلاثة أحوال.
وعن مالك: رواية زيادة أيام بعد حولين.
ورواية شهر وشهرين وهي ما في "المدونة".
ورواية ثلاثة أشهر حكاها ابن شاس.
وقالت عائشة وداود: تثبت الحرة برضاع البالغ كالطفل.
وحجة الجمهور قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (1).
(1) سورة البقرة: آية 233.
وهذا الحديث وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة، وروى الدارقطني من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا رضاع إلا ما كان في الحولين"(1)؛ ثم قال: لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل، وهو ثقة حافظ. وخالف ابن القطان، فأعله بالراوي عن الهيثم، وهو [أبو الوليد بن برد](2) الأنطاكي، وقال: لا يعرف، وهو غريب منه؛ فقد روى عن جماعة، وعنه جماعة. وقال النسائي في "كناه": صالح.
وفي "جامع الترمذي": من حديث فاطمة بنت المنذر عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام"(3). ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، وعزاه ابن حزم (4) إلى النسائي أيضًا، ثم قال: خبر منقطع، وفاطمة هذه لم تسمع من أم سلمة.
قلت: إدراكها ممكن لا جرم، خرَّجه ابن حبان في صحيحه (5) إلى قوله: الأمعاء، ومن شرطه الاتصال.
(1) سنن الدارقطني (4/ 173)، وقواه في التعليق المغني وسكت عنه الغساني في تخريج الأحاديث الضعاف. انظر: تلخيص الحبير (4/ 4). والحديث أخرجه ابن عدي في ترجمة الهيثم بن جميل (7/ 2562).
(2)
في بيان الوهم والإِيهام (3/ 238) أبو الوليد يزيد الأنطاكي، وذكر في الهامش عن الكامل (الوليد بن برد الأنطاكي). اهـ.
(3)
الترمذي (1152).
(4)
المحلى (10/ 20).
(5)
ابن حبان (4224).
وأما قصة سهلة بنت سهيل في "صحيح مسلم"(1) في رضاعها سالمًا، وهو رجل، وقوله عليه الصلاة والسلام لها:"أرضعيه تحرمي عليه"، فهي محمولة إلى أنها مختصة بها وبسالم. وقد روى مسلم في صحيحه (2) عن أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنهن خالفن عائشة [رضي الله عنها](3) في هذا.
قال القاضي عياض: ولعل سهلة حلبت لبنها من غير أن يمص ثديها، ولا التقت بشرتاهما. قال النووي (4): وهو حسن، ويحتمل أنه عفى عن مسه للحاجة كما رخص بالرضاعة مع الكبر.
السادس: أن كلمة "إنما" للحصر، لأن المقصود حصر الرضاعة المحرمة لا مجرد إثبات الرضاعة في زمن المجاعة.
السابع: استعمال لفظة إخوان في غير الأصدقاء، وهو أكثر ما يستعمل فيهم عند أهل اللغة والإِخوة في الولادة، فكأنه حمل على الأصدقاء.
الثامن: فيه رد على قولة داود: إنه لا يحرم الرضاع حتى يلتقم
(1) مسلم (1453)، وابن ماجه (1943)، والنسائي (6/ 104، 105)، وأحمد (6/ 38، 201، 356).
(2)
البخاري (4000)، والنسائي (6/ 63، 64)، وأبو داود (2061)، ومالك (2/ 605)، والدارمي (1/ 158)، والبيهقي (7/ 459)، وأحمد (6/ 255، 269، 270)، وعبد الرزاق (3886)، والطبراني في الكبير (6377).
(3)
زيادة من ن هـ.
(4)
شرح مسلم (10/ 31).
الثدي كما حكاه المازري، ورأى أن قوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} ، إنما يطلق على ملتقم الثدي، وقد نبَّه عليه الصلاة والسلام على ما فتق الأمعاء، وهذا يوجد في اللبن الواصل إلى الجوف صبًا في الحلق [أو](1) التقامًا للثدي.
(1) الأصل (أم) وما أثبت يوافق المعلم (2/ 167).