المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث السادس 354/ 6/ 67 - عن البراء بن عازب رضي - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٩

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث السادس 354/ 6/ 67 - عن البراء بن عازب رضي

‌الحديث السادس

354/ 6/ 67 - عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني من مكة-، فتبعتهم ابنة حمزة، تنادي: يا عم [يا عم](1)، فتناولها علي، فأخذ بيدها، وقال لفاطمة: دونكِ ابنة عمك، فاحتملتها، فاختصم فيها علي [وزيد وجعفر] (2). فقال علي: أنا أحق بها، وهي ابنة عمي. وقال جعفر: ابنة عمي، وخالتها تحتي. وقال زيد: ابنة أخي، فقضى بها [النبي صلى الله عليه وسلم](3) لخالتها، وقال: الخالة بمنزلة الأم. وقال لعلي: أنت مني، وأنا منك. وقال لجعفر: أشبهت خلقي وخُلقي. وقال لزيد: أنت أخونا ومولانا (4).

الكلام عليه من وجوه:

الأول: هذا الحديث بهذه السياقة للبخاري فقط، وكذا عزاه

(1) زيادة من حاشية إحكام الأحكام.

(2)

في حاشية إحكام الأحكام وجعفر وزيد وما أثبت يوافق لفظ الصحيح.

(3)

في الحاشية (رسول الله صلى الله عليه وسلم).

(4)

البخاري (2699)، والترمذي (1904)، والنسائي في الكبرى (8578)، والبغوي في شرح السنة (3937)، والبيهقي في السنن (8/ 5).

ص: 33

إليه غير واحد. ومنهم البيهقي (1) الحافظ، ومن المتأخرين عبد الحق في "جمعه". والمزي في "أطرافه"(2)، ووقع لصاحب "المنتقى"(3) ، ولابن الأثير في "جامعه"(4)، أنه من المتفق عليه، ومرادهما قصة صلح الحديبية منه، والمصنف اختصره، والبخاري ذكره في موضعين (5) من صحيحه مطولًا (6). ومن روايته فيهما:"يا عم، يا عم" مرَّتين، وقال:"احمليها" بدل "فاحتملتها"، وزاد في آخره في باب عمرة القضاء من المغازي، بعد قوله:"ومولانا. قال على: ألا تتزوج ابنة حمزة؟! قال: إنها ابنة أخي من الرضاعة".

الثاني: في التعريف براويه وبالأسماء الواقعة فيه، أما راويه فسلف في الصلاة، وابنة حمزة تقدَّم في الباب الاختلاف في اسمها.

وعليّ: تقدمت ترجمته في باب المذي وغيره.

وفاطمة: هي بنت سيد البشر، وقد أوضحت ترجمتها فيما أفردته من الكلام على رجال هذا الحديث يتعين عليك مراجعته منه. وكذا ترجمة جعفر بن أبي طالب موضحة فيه أيضًا.

(1) البيهقي في السنن الكبرى عن علي بغير هذا اللفظ (7/ 452).

(2)

تحفة الأشراف (2/ 53).

(3)

(2/ 663).

(4)

ذكره من رواية مسلم من حديث علي، وأيضًا من حديث ابن عباس من رواية البخاري ومسلم، جامع الأصول (12/ 147، 148).

(5)

الفتح (5/ 303، 304)(7/ 449).

(6)

ذكر هذا الزركشي في كتابه تصحيح العمدة. انظر: مجلة الجامعة الإِسلامية (75، 76).

ص: 34

وأما زيد. فسلف التعريف به في الباب قبله (1).

الثالث: اسم هذه الخالة أسماء بنت عميس أخت سلمى بنت عميس، ثم تزوجها بعد جعفر، الصديق، ثم عليّ [رضي الله عنه](2)، ولها تسع أخوات. وقيل: عشر لأم، منهن ميمونة إحدى أمهات المؤمنين، وست لأب ولأم. قاله أبو عمر، قال: وأختها سلمى كانت تحت حمزة بن عبد المطلب قال: وقد قيل إن التي كانت تحت حمزة أسماء، ثم خلف بعد عليها شداد، ثم بعده جعفر؛ والأصح عندي أن أسماء كانت تحت جعفر، وسلمى أختها تحت حمزة.

الرابع: قوله: "يعني من مكة" قد علمت أنه كان بعد عمرة القضاء ولم يظفر بعض الشراح بهذا، بل قال: يحتمل أن ابنة حمزة هذه عرضت عليه، وقال: إنها لا تحل لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة، ولهذا نادته "بيا: عَم"، وخروجه من مكة بعد موت أبيها واستشهاده في غزوة أُحد، إما في عام الحديبية وإما في عمرة القضاء، وقد علمت ما أوردته لك أنه كان بعد عمرة القضاء.

وقول زيد: "هي ابنة أخي" سببه أنه عليه الصلاة والسلام

(1) ن هـ زيادة: جعفر هذا كان شبيه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهم جماعة جمعهم بعض شيوخنا في بيتين فقال:

بخمسة أشبهوا المختار من مضر

يا حسن ما خولوا من شبهه الحسن

بجعفر وابن عم المصطفى قثم

وسائب وأبي سفيان والحسن

وقد كان يشبه به أيضًا عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن خبيب بن عبد شمس.

(2)

ن هـ ساقطة.

ص: 35

آخى بينه وبين أبيها حمزة.

ومعنى: "أنت مني وأنا منك"، أي لما بيننا من القرابة والصهارة والصحبة والمحبة.

وقوله: "ومولانا" قد أسلفنا في الباب قبله أنه أعتقه، فهو مولاه حقيقة، وقد صح أن "مولى القوم منهم".

الخامس: هذا الحديث أصل في باب الحضانة، وهي القيام بحفظ من لا يستقل وتربيته بما يصلحه، وهي نوع ولاية وسلطنة، لكنها بالإِناث أليق لأنهن أشفق وأهدى إلى التربية وأصبر على القيام بها وأشد ملازمة وتربيتهم مقرر في كتب الفروع ليس هذا موضعه.

ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام: "الخالة بمنزلة الأم"، أي في الحضانة، لأن سياق الحديث دالٌّ عليه. وفي رواية لأحمد (1) وأبي داود (2) والبيهقي (3) من حديث علي رضي الله عنه، فقال عليه الصلاة والسلام:"أما الجارية فأقضي بها لجعفر، فإن خالتها عنده، وإنما الخالة أم"؛ لكن قال البيهقي: الحديث الأول أصح من هذا.

وقال الحافظ أبو بكر البزار (4): لا يُروى عن علي إلا من الطريق المذكورة. وأما أبو محمَّد بن حزم (5) الظاهري،

(1) مسند أحمد (1/ 98، 115، 230).

(2)

سنن أبي داود (2278).

(3)

البيهقي (8/ 6).

(4)

البحر الزخار (3/ 106).

(5)

المحلى (10/ 326).

ص: 36

فوهاه (1) في إسناده. وقال: إسرائيل ضعيف، وهانىء وهبيرة مجهولان، ووهم في ذلك؛ فإسرائيل احتج به الشيخان ووثق. وهانىء قال النسائي: ليس به بأس. وهبيرة: هو ابن مريم، روى عن جماعة، وعنه اثنان. وقال أحمد: لا بأس به.

السادس: في فوائده:

الأولى: صلة الأرحام وإكرامها.

الثانية: الاختصام في طلب صلتها والقيام بها إلى الحكام وأهل الفتوى.

الثالثة: القضاء بالحق وتبيين الحكم للخصوم، لأنه أبعد عن الشحناء بينهم، ودوام العداوة ولا التفات إلى من منع ذلك، وقال: ينبغي الجزم بالحكم من غير تعليل لئلا يؤدي ذلك إلى استبدال الحكم والطمع فيه، فإن ترك ذلك يؤدي إلى ما ذكرنا.

الرابعة: إدلاء كل واحد من المستفتين والخصوم للمفتي والحاكم بحجته لينظر في الصواب منها.

الخامسة: أن للخالة حقًا في الحضانة، وأنها مقدمة على بنت العم.

السادسة: أنها إذا كانت متزوجة من له حق في الحضانة لا تسقط حضانتها لبنت العم عند عصبتها، فإن لهم حقًا في الحضانة إذا لم يكن محظور شرعي من خلوة ونحوها تسقطها. وكذا حكم كل مستحقة للحضانة إذا نكحت من له حق في الحضانة، أو كانت في نكاح مثله.

(1) ن هـ (رجال في إسناده، وقال).

ص: 37

السابعة: قد يستدل بإطلاقه من يرى توريث الخالة عند عدم الوارثين، وأنها بمنزلة الأم في الإِرث، وهم أصحاب التنزيل، إلا أن السياق يقتضي أنها بمنزلتها في الحضانة، وهو طريق إلى بيان المجملات وتعيين المحتملات وتنزيل للكلام على المقصود منه، وفهم ذلك، أعني قاعدة كبيرة من قواعد أصول الفقه تعرض لها بعض المتأخرين وقررها.

قال الشيخ تقي الدين (1): وهي قاعدة متعينة على الناظر وإن كانت ذات شغب على المناظر.

الثامنة: استعمال مكارم الأخلاق للحاكم والمفتي ونحوهما وتطييب قلب المستفتين والمتحاكمين، فإنه عليه الصلاة والسلام قال لكل واحد من عليّ وزيد وجعفر ما تطيب قلبه من الكلام، فإنه جبر عليًا وزيدًا وطيب قلوبهما مما قاله لهما حيث حُرما مرادهما.

وأما جعفر، فجبره بما قال له، لأنه جعل الحضانة لخالتها دونهما، ولأنه لو جبرهما بذلك دونه لحصل عنده ألم لا يفي بكون الصبية عند خالتها وهي عنده.

التاسعة: يؤخذ منه إثبات التسوية بين الخصوم في الحكم والإِقبال على كل منهم بمثل ما يقبل على الآخر.

(1) انظر إحكام الأحكام (4/ 298).

ص: 38