المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث السادس 380/ 6/ 72 - عن الأشعث بن قيس قال: - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٩

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث السادس 380/ 6/ 72 - عن الأشعث بن قيس قال:

‌الحديث السادس

380/ 6/ 72 - عن الأشعث بن قيس قال: "كان بيني وبين رجل خصومة في بئر، فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: شاهداك، أو يمينه.

قلت: إذًا يحلف ولا يبالي. فقال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: "من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال أمرىء مسلم، هو فيها فاجر، لقي الله [عز وجل] (1) وهو عليه غضبان"(2).

الكلام عليه من وجوه:

أحدها: هذا الحديث مذكور في الصحيحين عقب حديث ابن مسعود، ذكره البخاري في مواضع منها: في الشهادات في باب: سؤال الحاكم المدعي هل لك بينة قبل اليمين؟ (3) عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: "من حلف على يمين

(1) زيادة من متن عمدة الأحكام.

(2)

البخاري أطرافه (2356)، مسلم (220)، أبو داود (3/ 565)، ابن ماجه (2/ 778)، الترمذي (3/ 565)، (5/ 224)، الطيالسي (95)، أحمد (5/ 211).

(3)

البخاري الفتح (2666، 2667).

ص: 283

-وهو فيها فاجر- ليقتطع بها مال امرىءٍ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان. قال: فقال الأشعث بن قيس: فيَّ والله كان ذلك، بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي - صلي الله عليه وسلم -، فقال لي: ألك بينة؟ قال قلت: لا، فقال لليهودي: احلف. قال قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذًا يحلف ويذهب بمالي. قال فأنزل الله عنه: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ. . . .} إلى آخر الآية.

ومنها إثر هذا الباب ذكره (1) موقوفًا على ابن مسعود عن أبي وائل عنه: "من حلف على يمين يستحق بها مالًا لقي الله وهو عليه غضبان"، ثم أنزل الله تصديق ذلك {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} إلى قوله:{أَلِيمٌ (77)} ثم إن الأشعث بن قيس خرج إلينا فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن؟ فحدثناه بما قال، فقال: صدق، لفي أُنزلت هذه الآية، كان بيني وبين رجل خصومة في شيء، فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: شاهداك أو يمينه. فقلت له: إنه إذن يحلف ولا يبالي، فقال النبي - صلي الله عليه وسلم -: من حلف على يمين يستحق بها مالًا -وهو فيها فاجر- لقي الله وهو عليه غضبان". فأنزل الله تصديق ذلك. ثم قرأ هذه الآية.

ثم ذكره بعد هذا بورقة (2) عن أبي وائل عن عبد الله مرفوعًا "من حلف على يمين كاذبًا ليقتطع بها مال الرجل -أو قال أخيه-

(1) كتاب الشهادات، باب: اليمين على المدعى عليه في الأموال والحدود. رقم (2669، 2670).

(2)

كتاب الشهادات، باب: قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ} ، رقم (2677، 2676).

ص: 284

لقي الله وهو عليه غضبان. وأنزل الله تصديق ذلك في القرآن {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} إلى قوله: {أَلِيمٌ (77)} . فلقيني الأشعث فقال: ما حدثكم عبد الله اليوم؟ قلت: كذا وكذا. قال: بلى فيَّ أنزلت.

وذكره في كتاب الرهن (1) في باب: إذا اختلف الراهن والمرتهن ونحوه فالبينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، موقوفًا على عبد الله من رواية أبي وائل عنه "من حلف على يمين يستحق بها مالًا وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان"، ثم أنزل الله تصديق ذلك {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ} إلى قوله:{أَلِيمٌ (77)} ، ثم إن الأشعث خرج إلينا فذكره كما سلف، إلَّا أنه قال في "بئر" بدل "في شيء" وقال بعد وهو عليه غضبان، ثم قرأ هذه الآية {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} ، إلى قوله:{أَلِيمٌ (77)} .

وذكره في الأيمان (2) في باب عهد الله عز وجل من حديث أبي وائل أيضًا عن عبد الله مرفوعًا "من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال رجل مسلم -أو قال أخيه- لقي الله وهو عليه غضبان. فأنزل الله عز وجل تصديقه: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} الآية [قال سليمان في حديثه] (3) فمر الأشعث بن قيس فقال: ما يحدثكم عبد الله؟ قالوا له. فقال الأشعث: نزلت فيَّ وفي صاحب لي في بئرٍ كانت بيننا".

(1) كتاب الرهن، باب: إذا اختلف الراهن والمرتهن ونحو رقم (2515، 2516).

(2)

ح رقم (6659).

(3)

زيادة من البخاري ح رقم (6660).

ص: 285

وذكر بعد هذا بورقتين في باب قوله [الله](1) تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} الآية من حديث أبي وائل أيضًا عنه مرفوعًا "من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان" فأنزل الله تصديق ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} إلى آخر الآية (2). فدخل الأشعث بن قيس فقال: ما حدثكم أبو عبد الرحمن؟ فقالوا: كذا وكذا، فقال: فيَّ أُنزلت كانت لي بئر في أرض ابن عم لي [فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم](3) فقال بينتك أو يمينه، قلت: إذًا يحلف عليها يا رسول الله. فقال عليه الصلاة والسلام: "من حلف على يمين صبر وهو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان".

وأما مسلم فذكره في أول كتابه في أثناء الإِيمان مرفوعًا من حديث أبي وائل عن عبد الله قال: قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: "من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم، [هو فيها فاجر] (4) لقي الله وهو عليه غضبان". قال: فدخل الأشعث بن قيس فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن؟ قالوا: كذا وكذا. قال: صدق أبو عبد الرحمن [فيَّ نزلت](5)، كان بيني وبين رجل أرض باليمن. فخاصمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"هل لك عليه بينة؟ " فقلت: لا.

(1) زيادة من البخاري الفتح (11/ 557).

(2)

رقم (6677).

(3)

زيادة من البخاري.

(4)

زيادة من البخاري.

(5)

زيادة من البخاري.

ص: 286

قال: "فيمينه". قلت: إذن يحلف. فقال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -، عند ذلك "من حلف على يمين صبر، يقتطع بها مال امرئ مسلم، هو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان"، فنزلت:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ. . .} إلى آخر الآية.

ثم رواه من حديث أبي وائل أيضًا عن عبد الله، قال: من حلف على يمين يستحق بها مالًا هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان. ثم ذكر نحو ما قاله، غير أنه قال: كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر، فاختصمنا إلى رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فقال:"شاهداك أو يمينه".

ثم رواه من حديث شقيق بن سلمة عن عبد الله رفعه "من حلف على مال امرىءٍ مسلم بغير حقه، لقي الله وهو عليه غضبان" قال عبد الله: ثم قرأ علينا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - مصداقه من كتاب الله: "إن الذين يشترون" إلى آخر الآية. هذا سياق رواية الصحيحين للحديثين فتأمل سياق المصنف لهما تجد فيه بعض التعارض.

الوجه الثاني: في التعريف براويه: هو أبو محمَّد الأشعث بن قيس بن معدي كرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحارث [الأصغر بن الحارث الأكبر](1) بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن ثور بن عفير بن عدي (2) بن مرة بن أُدد بن

(1) غير موجودة في جمهرة أنساب العرب (425).

(2)

في الجمهرة زيادة الحارث ص (422، 425)، وفي أسد الغابة (1/ 97)، ابن الحارث الأصغر بن معاوية بن الحارث الأكبر.

ص: 287

زيد الكندي وكندة هم ولد ثور بن عُفَيْر، قدم على رسول الله - صلي الله عليه وسلم - سنة عشر في وفد كنده في ستين راكبًا من كندة وكان رئيسهم، فأسلم وأسلموا وكان رئيسًا مطاعًا فيهم، وكان في الإِسلام وجيهًا في قومه أيضًا. شهد اليرموك وأصيبت عينه وسمي أشعث لشعوثة رأسه. وكان اسمه معدي كرب فسمي أشعث وغلب عليه هذا الاسم حتى عرف به، وزوّجه الصديق بعد أن رجع عن ردته أخته أم فروة وهي أم محمَّد الذي كني به وشهد هو وجرير جنازة فقدم جريرًا وقال: إني ارتددت ولم يرتد. وخرج إلى العراق في خلافة عمر مع سعد وشهد القادسية والمدائن وجلولا ونهاوند واختط بالكوفة دارًا في كندة ونزلها وشهد تحكيم الحكمين وكان أحد شهود الكتاب.

روي له عن النبي - صلي الله عليه وسلم - تسعة أحاديث اتفقا منها على هذا الحديث. روي له عن الشعبي وجماعة من التابعين. مات بعد علي بأربعين ليلة سنة أربعين وقيل: قبله بشهر، وقيل: سنة اثنين وأربعين، ودفن بداره بالكوفة، وصلّى عليه الحسن. وكانت ابنة الأشعث تحته. قال ميمون بن مهران: وهو أول من مشيت معه الرجال وهو راكب. قال الأصمعي: وهو أول من دفن في منزله.

فائدة: في الرواة الأشعث بن قيس ثلاثة أولهم هذا، وثانيهم: جابري روى عن علي بن صالح، وثالثهم: همداني كوفي روى عن مسعر بن مكدام.

الوجه الثالث: في بيان المبهم الواقع فيه -أعني الرجل-

ص: 288

الذي كان بينه وبينه خصومة. هو الجفشيش (1) بفتح الجيم وبالشين المعجمة المكررة. وقيل: بالحاء المهملة وقيل: بالخاء المعجمة. قال أبو حاتم: وكنيته أبو الخير. قال الطبراني: له صحبة ولا رواية عنه.

قلت: يبعد هذا رواية البخاري "أنه كان من اليهود اللهم إلَّا أن يكون أسلم بعد".

وقال ابن طاهر (2): اسمه معدان.

الوجه الرابع: في ألفاظه غير ما سلف:

"شاهداك" إما على أن يكون خبر مبتدأ فاعلًا بفعل مضمر، أي: أحضر شاهداك أو أشهد ونحو ذلك.

وأما على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: المستحق أو الواجب شرعًا، وشاهداك، أي: شهادة شاهديك.

وأما على أن يكون مبتدأ محذوف الخبر، أي: شاهداك أو يمينه الواجب لك في الحكم.

وقوله: "إذن" اختلف الكتاب في كتابه "إذن" على ثلاثة أقوال:

(1) كتاب الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة (351)، وذكر لكل قول في اختلاف اسمه حديثًا.

(2)

إيضاح الأشكال (115)، وقال ابن حجر في الفتح (5/ 33)، اسمه معدان بن الأسود ولقبه جفشيش بوزن فعليل. انظر: الإصابة (1/ 491)، وقد ذكر فيه أن اسم أباه النعمان معزوًا إلى ابن منده.

ص: 289

أحدها: إنها بالألف مطلقًا.

ثانيها: إنها بالنون مطلقًا.

ثالثها: إن كانت عاملة فبالنون، وإن كانت ملغاة فبالألف.

الوجه الرابع: في فوائده:

الأولى: الوعيد الشديد على فاعل ذلك.

الثانية: اختلف أهل العلم فيما إذا ادعى على غريمه شيئًا فأنكره وأحلفه ثم أراد إقامة البينة عليه بعد الإِحلاف هل له ذلك؟ على قولين:

أحدهما: لا. وهو قول للشافعي.

والثاني: نعم، وهو قول مالك، إلَّا أن يأتي بعذر في تركه إقامة البينة يتوجه له وربما تمسكوا بقوله عليه الصلاة والسلام "شاهداك أو يمينه". وفي حديث آخر:"ليس لك إلَّا ذلك" رواه مسلم من حديث وائل بن حجر، وهو من أفراده. ووجه الدليل منه أن "أو" تقتضي أحد الشيئين فلو أجزنا إقامة البينة بعد التحليف لكان له الأمران معًا -أعني اليمين ، وإقامة البينة- مع أن الحديث يقتضي أنه ليس له إلَّا أحدهما.

قال الشيخ تقي الدين (1): وقد يقال في هذا: إن المقصود من الكلام نفي طريق أخرى لإِثبات الحق فيعود المعنى إلى حصر الحجة في هذين الجنسين -أعني البينة واليمين- إلَّا أن هذا قليل النفع

(1) إحكام الأحكام (4/ 401).

ص: 290

بالنسبة إلى [النظر](1) وفهم مقاصد الكلام (2)، قاعدة صحيحة نافعة للمناظر في نفسه، غير أن المناظر الجدلي قد ينازع في المفهوم ويعسر تقديره عليه.

الثالثة: قد يستدل الحنفية بقوله عليه الصلاة والسلام: "شاهداك أو يمينه" على ترك العمل بشاهد ويمين، وهو قول أهل الكوفة ويحيى بن يحيى من المالكية. وقال الجمهور من الصحابة والتابعين فمن بعدهم بخلافه لقضائه عليه الصلاة والسلام بذلك كما رواه خلق من الصحابة.

الرابع: فيه رد على المالكية ومن قال بقولهم في إلحاقهم اليمين مع الشاهد في باب الاستحقاق، فإن الحديث ما دل إلَّا على أحدهما.

الخامسة: فيه دلالة على توجه اليمين مطلقًا وإن كان الحق مما لا يثبت إلَّا بشاهدين كالنكاح ونحوه. وقد قيل إن كل دعوى لا تثبت إلَّا بشاهدين فلم يقم عليها بينة أو أقام شاهدًا واحدًا فإنها لا توجب يمينًا ولا غيرها وكل دعوى تثبت بشاهدين ويمين فإن اليمين يتوجه فيها (3).

(1) في المرجع السابق المناظرة.

(2)

في المرجع السابق زيادة: نافع بالنسبة إلى النظر، وللأصوليين في أصل هذا الكلام بحث، ولم ينبه على هذا حق التنبيه، -أعني اعتبار مقاصد الكلام- وبسط القول فيه إلَّا أحد مشايخ بعض مشايخنا من أهل المغرب. وقد ذكره قبله بعض المتوسطين من الأصوليين المالكيين في كتابه في الأصول، وهو عندي.

(3)

جاء من رواية عشرين من الصحابة منهم ابن عباس ولفظه: "أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قضى بالشاهد واليمين". رواه مسلم من رواية أبي هريرة، وجابر.

ص: 291

السادسة: فيه إن الخصم إذا قال في خصمه كلامًا يلزم منه مسائلته بالقسم بالله أن لا يقرره وإنما يذكر له الوعيد على ذلك.

السابعة: فيه أيضًا بناء الأحكام على الظاهر والله متولي السرائر.

الثامنة: فيه أيضًا إن الحاكم أو المفتي إذا ذكر حكمًا يستوفي شروطه فإنه عليه الصلاة والسلام ذكر كون الاقتطاع بغير حق وكونه مال معصوم وكون الحالف فاجرًا في يمينه، ثم ذكر ما يترتب عليه وهو غضب الله -نعوذ بالله- وهذا الحكم مشروط بعدم التوبة الشرعية فإن تاب بشرطها زال ذلك.

ص: 292