المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني 374/ 2/ 71 - عن أبي بردة هانئ بن - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٩

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني 374/ 2/ 71 - عن أبي بردة هانئ بن

‌الحديث الثاني

374/ 2/ 71 - عن أبي بردة هانئ بن نيار البلوي رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلي الله عليه وسلم - يقول: "لا يجلد فوق عشرة أسواط إلَّا في حد من حدود الله عز وجل (1).

الكلام عليه من وجوه:

الأول: في التعريف براويه وقد سلف في باب صلاة العيدين واضحًا، وأن ما ذكره في اسمه هو أصح الأقوال.

الثاني: "البلوى" بفتح الباء الموحدة ثم لام ثم واو وياء النسب نسبة إلى بلى بن عمرو بن [حلوان](2) بن [الحافي](3) بن

(1) البخاري (6848)، ومسلم (1708)، وأبو داود (4491، 4492)، والترمذي (1463)، وابن ماجه (2601)، وأحمد (3/ 466)، (4/ 45)، والدارقطني (3/ 207)، والدارمي (2/ 176)، والبيهقي (8/ 568)، والبغوي (2609)، وابن أبي شيبة (6/ 567)، والنسائي في الكبرى (7330).

(2)

غير موجود في جمهرة أنساب العرب (440) ونسبه كما في الجمهرة (443)، أبو بُرْدة بن نيار بن عمرو بن عبيد بن عمرو بن كلاب بن دُهمان بن غَنم بن ذُهل بن هُميم بن هنى بن بلى. أسقط (هاني) ".

(3)

في الأصل ون هـ، الحاف، وما أثبت من المرجع السابق.

ص: 230

قضاعة، فأبو بردة هو هانئ بن نيار بن عبيد بن كلاب بن غنم بن هُبَيْرة بن ذهل بن هانىء بن تلبيّ بن عمرو بن [حلوان بن](1)[الحافي](2) بن قضاعة".

الثالث: هذا الحديث ذكر ابن المنذر (3) في إسناده مقالًا، وقال الأصيلي: اضطرب إسناده فوجب تركه، وقول ابن المنذر: يرجع إلى ما ذكره الأصيلي من الاضطراب، فإن رجال إسناده ثقات والاضطراب الذي أشار إليه: هو أنه روى عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبي بردة. وعنه عن أبيه عن أبي بردة وعنه عمن سمع النبي - صلي الله عليه وسلم -. وهذه الطرق كلها مخرجة في الصحيحين على الاتفاق والانفراد. وروى عنه عن رجل من الأنصار عن النبي - صلي الله عليه وسلم - وهذا الاختلاف لم يؤثر عند البخاري ومسلم. لأنه [يحتمل](4) أن يكون سمعه من أبيه عن أبي بردة. [وسمعه من أبي بردة](5) فحدث به مرة عن هذا، ومرة عن هذا.

وقوله: عمن سمع النبي - صلي الله عليه وسلم - يريد به أبا بردة.

وقوله: "عن رجل من الأنصار" يريد به أيضًا أبا بردة. فإنه -وإن كان قضاعيًا بلويًا- فإنه حليف للأنصار. فنسبه إليهم، وهو مشهور بالنسبة إليهم. وقد ذكر الدارقطني: أن حديث عمرو بن

(1) انظر ت (2/ 230).

(2)

في الأصل ون هـ الحاف، وما أثبت من المرجع السابق.

(3)

انظر: مختصر السنن (6/ 294).

(4)

في المختصر (يجوز).

(5)

عن غير موجودة في المختصر.

ص: 231

الحارث المصري، الذي قال فيه "عن أبيه" صحيح، لأنه ثقة، وقد زاد رجلًا. وتابعه أسامة بن زيد. فهذا الدارقطني قد صحح الحديث بعد وقوفه على الاختلاف. وجنح إلى ما جنح إليه صاحبا الصحيح (1).

الرابع: قوله: "لا يجلد" ضبط بوجهين: أحدهما: بفتح الياء وكسر اللام.

وثانيهما: بضم الياء وفتح اللام.

الخامس: اختلف في تفسير الحد في هذا الحديث.

فقيل: أراد به حق من حقوقه وإن لم يكن من المعاصي المقدرة حدودها لأن المحرمات كلها من حدود الله تعالى. قال الشيخ تقي الدين (2): وبلغني عن بعض أهل العصر أنه قرر هذا المعنى بأن تخصيص الحد بهذه المقدرات أمر اصطلاحي فقهي، وأن عرف الشرع من أول الإِسلام لم يكن كذلك، أو يحتمل أن لا يكون كذلك -هذا أو كما قال- فلا يخرج عنه إلَّا التأديبات التي ليست عن محرَّم شرعي.

وهذا، أولًا: خروج في لفظة "الحد" عن العرف فيها. وما ذكره (3) لا يوجب النقل، والأصل عدمه.

وثانيًا: أنا إذا حملناه على ذلك وأجزنا في كل حق من حقوق

(1) في المرجع السابق زيادة (رضي الله عنهما. والله عز وجل أعلم).

(2)

إحكام الأحكام (4/ 381).

(3)

في إحكام الأحكام زيادة: هذا العصري.

ص: 232

الله أن يزاد لم يبق لناشىء يختص المنع فيه بالزيادة على عشرة أسواط. إذ ما عدا المحرمات كلها التي لا يجوز فيها الزيادة ليس إلَّا ما ليس بمحرم، وأصل التعزير فيه ممنوع، فلا يبقى لخصوص الزيادة معنى. والذي تقتضيه الأدلة أن المراد به فعل المعاصي التي لا حد فيها.

السادس: فيه إثبات التعزير في المعاصي التي لا حد فيها لما تقتضيه من جواز العشرة فما دونها.

السابع: اختلف العلماء في مقدار التعزير، فالمنقول عن مالك وأصحابه أنه لا يتقدر بعشرة ولا غيرها وتخير العقوبات فوق العشرة وفوق الحدود على قدر الجريمة وصاحبها ويجعل ذلك موكولًا إلى رأي الإِمام واجتهاده. وبه قال أبو يوسف ومحمد وأبو ثور والطحاوي.

وذهب أحمد وإسحاق: إلى أنه لا يزاد على عشرة أسواط عملًا بظاهر الحديث فإنه متعرض للمنع من الزيادة عليها وما دونها لا يعارض للمنع فيه. وبه قال صاحب "التقريب"(1) من الشافعية وأشهب من المالكية في بعض أقواله.

وظاهر مذهب الشافعي جواز الزيادة على العشرة إلَّا أنه لا يبلغ به الحد. وعلى هذا ففي المعتبر وجهان:

أصحهما: أدنى الحدود في حق المعزر، فلا يزاد في تعزير

(1) مؤلفه نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود الفقيه أبو الفتح المقدسي النابلسي.

ص: 233

الحر على تسع وثلاثين ضربة، ليكون دون حد [الأحرار](1) ولا في تعزير العبد على تسعة عشر سوطًا ليكون دون حده.

وثانيهما: أدنى الحدود على الإِطلاق، فلا يزاد في حد الحر أيضًا على تسعة عشر سوطًا.

وفيه وجه ثالث: أن الاعتبار فيه بحد الأحرار مطلقًا فيبلغ بالحر والعبد تسعًا وثلاثين ولا يزيد وجوّز الاصطخري من الشافعية في كتابه "أدب القضاء"(2) مجاوزة العشرة في غير السوط وهو مطابق للحديث.

ولكن رواية البخاري عن عبد الرحمن بن جابر عمن سمع النبي - صلي الله عليه وسلم - يقول: "لا عقوبة فوق عشر ضربات إلَّا في حد من حدود الله" يرده.

ثم من خالف الحديث وجوّز الزيادة عليه وهم جمهور الصحابة والتابعين كما حكاه النووي في "شرحه"(3) عنهم، وإن كان القرطبي (4) نقل عن الجمهور المنع من الزيادة. أجاب عن الحديث بأوجه:

أحدها: الطعن فيه وقد سلف جوابه.

ثانيها: نسخه بعمل الصحابة بخلافه من غير إنكار. وعن عمر أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري أنه لا يبلغ بنكال أكثر من عشرين سوطًا. ويروى ثلاثين إلى الأربعين. وضرب عمر صبيغًا -بفتح

(1) في إحكام الأحكام: الشرب.

(2)

مؤلفه هو الحسن بن أحمد بن يزيد بن عيسى أبو سعيد الاصطخري شيخ الشافعية ببغداد، ومحتسبها. ترجمته في تاريخ بغداد.

(3)

شرح مسلم (11/ 222).

(4)

المفهم (5/ 138).

ص: 234

الصاد المهملة ثم باء موحدة ثم مثناة تحت ثم غين معجمة- أكثر من الحد أو من مائة، وضرب من نقش على خاتمه مائة واستضعف هذا الوجه بأنه يبعد عليه إثبات إجماع الصحابة على العمل بخلافه وفعل بعضهم أو فتواه على خلافه لا يدل على النسخ.

ثالثها: أنه محمول على ذنب بعينه أو رجل بعينه، ذكره الماوردي من أصحابنا وفيه نظر.

رابعها: أنه مقصور على زمن النبي - صلي الله عليه وسلم - لأنه كان يكفي الجاني منهم هذا القدر وهو ضعيف جدًا لأنه نزل العموم بغير دليل شرعي على الخصوص ثم هذه المناسبة ضعيفة لا تستقل بإثبات التخصيص.

خامسها: أن المراد [بالحد](1) الحق وإن لم يكن من المعاصي المقدرة حدودها. وقد سلف ما فيه. وقال ابن أبي ذئب وابن أبي ليلى: لا يزاد في الأدب على ثلاثة، وبه قال أشهب مرة. وقال في مؤدب الصبيان لا يزيد على ثلاثة أسواط، فإن زاد اقتص منه، وهذا تحديد يبعد إقامة الدليل عليه، ولعله أخذه من أن الثلاث [اعتبرت](2) في مواضع كثيرة من الشرع، وهو أول حد الكثرة. وفي ذلك ضعف.

(1) في ن هـ، (الحق) وزيادة بالحاشية: يعضده ما روي عن عمر: يحدث للناس من الأحكام بقدر ما أحدثوا من الفجور. وقال الحسن: إنكم لتأتون أمورًا هي في أعينكم أدق من الشعر وإن كنا لنعدها من الموبقات. تنبيه: وقع الخلاف في قدر التعزير دون الحد لأنه حق العباد فيترجح فيه.

(2)

في ن هـ (اغتفرت).

ص: 235

ومذهب أبي حنيفة أنه لا يبلغ بالتعزير أربعين.

وقال ابن أبي ليلى: هو خمسة وسبعون ولا يبلغ به الحد. وروي عن مالك وأبي يوسف أيضًا، ومال إليه أصبغ.

وعن ابن عمر: لا يجاوز به ثمانين.

وقال ابن شبرمة: هو دون المائة وهو رواية عن ابن أبي ليلى. وحكي عن الشافعي أنه يضرب في الأدب أبدًا وإن أتى على نفسه حتى يفي بالإِنابة ويرجع عنه. وعن الزُّبيري من أصحابه إن تعزير كل ذنب مستنبط من حده لا يجاوز حده وهما غريبان، فتحصلنا على أقوال في المسألة:

أحدها: أنه لا يزاد على عشرة.

ثانيها: على ثلاثة.

ثالثها: يزاد إلى تسعة عشرة.

رابعها: إلى تسعة وثلاثين.

خامسها: إلى خمسة وسبعين.

سادسها: إلى ثمانين.

سابعها: إلى دون المائة، ويأتي أكثر من ذلك عند الفرق بين الحر والعبد، وعلى قول الزبيري السالف وغير ذلك، فتأمله.

ص: 236