المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث السادس 369/ 6/ 69 - عن أبي هريرة رضي الله - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٩

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث السادس 369/ 6/ 69 - عن أبي هريرة رضي الله

‌الحديث السادس

369/ 6/ 69 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال: "لو أن (1) امرأ اطلع عليك بغير [إذنك] (2) فحذفته بحصاة، ففقأت عينه، ما كان عليك جناح"(3).

الكلام عليه من وجوه:

الأول: هذا الحديث أدخله المصنف في الحدود وهو مما زاده على "العمدة الكبرى". وكأنها مناسبة أن الشارع جعل مقابلة نظره إلى الشخص من صير الباب رميه بالحصا كما جعل مقابلة الزنا الجلد أو الرجم وغير ذلك.

الثاني: قوله عليه الصلاة والسلام "فحذفته" هو بالخاء المعجمة، كما قيده النووي في "شرح مسلم"(4)، أي: والذال

(1) في متن العمدة رجلًا أو قال:

(2)

في الأصل (إذن)، وما أثبت من ن هـ ومتن العمدة.

(3)

البخاري (6888)، ومسلم (2158)، وأبو داود (1752)، والنسائي (8/ 61)، وفي السنن الكبرى له (7065، 7066)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 338)، وأحمد (2/ 385، 243، 428).

(4)

شرح مسلم (14/ 138)، وفي ابن حبان (6003)(فحذقته) بالقاف.

ص: 196

المعجمة. قال: أي: رميته بها من بين اصبعيك.

قال: "ففقأت" مهموز. وقال "صاحب المطالع"[. .](1)[أيضًا](2)[الأصوب](3) أنه بالمعجمة. قال: وهو الرمي بحصى أو نوى بين سبابتيه أو بين الإِبهام وبالسبابة، وكذا قال القرطبي في "مفهمه" (4) [الرواية] (5) الصحيحة بالخاء المعجمة. قال: ومن رواها بالحاء المهملة فقد أخطأ فإن الخذف بالخاء بالحجر وبالمهملة بالعصا.

قال: "والجناح" الإِثم، والمؤاخذة.

الثالث في فقهه: أخذ الشافعي وغيره بظاهره وحكمته الاحتياط للحريم والعورات بالستر وعدم الاطلاع عليها.

وأباه المالكية وقالوا: لا يقصد عينه ولا غيرها، وأكثرهم على وجوب الضمان إن فعل وهو مخالف للحديث. ومما قيل في تعليل المنع أن المعصية لا تدفع بالمعصية وهو ضعيف جدًا لأنه يمنع كونها معصية في هذه الحالة ويلحق ذلك بدفع الصائل وإن أريد بكونها معصية النظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن هذا السبب فهو صحيح لكنه لا يفيد.

(1) في الأصل كلمة، رسمها هكذا:(وح).

(2)

في ن هـ ساقطة.

(3)

في ن هـ (الأجود).

(4)

المفهم (5/ 479).

(5)

في الأصل الرواة وما أثبت من ن هـ.

ص: 197

وقالوا: في تعليل عدم الضمان إنا أجمعنا على أن النظر إلى عورة غيره لا يبح فقىء عينه ولا يسقط عنه ضمانها فالنظر إلى الإِنسان في بيته أولى والحديث محمول على أنه رماه [ليشهد](1) على أنه نظر [إليه](2) ليدفعه عن ذلك غير قاصد لفقىء عينه فانتفى عنه الإِثم لذلك وهو المنفي في الحديث [والدية لا ذكر لها](3) وهذا عجيب منهم.

ففي "مسند أحمد" و"سنن النسائي" والبيهقي و"صحيح أبو حاتم بن حبان" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال: "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ففقأوا عينيه فلا دية له ولا قصاص"(4). قال البيهقي في"خلافياته"(5) إن إسناده صحيح ورواه أبو داود (6) بلفظ "فقد هدرت عينيه" وهي صحيحة على شرط مسلم كما قاله الشيخ تقي الدين في "اقتراحه"(7). وفي رواية للبيهقي (8) من رواية ابن عمر ما كان عليه فيه شيء وأنصف

(1) في ن هـ (لينبه).

(2)

في الأصل (ليبو) وما أثبت من هـ.

(3)

في ن هـ ساقطة.

(4)

أحمد (2/ 385)، والنسائي (8/ 61)، وسنن البيهقي (8/ 338)، وابن حبان (6004)، وابن الجارود (790).

(5)

مختصر الخلافيات (5/ 31).

(6)

أبو داود (5173).

(7)

الاقتراح (529).

(8)

سنن البيهقي (8/ 338).

ص: 198

القرطبي المالكي فقال في "مفهمه"(1): ظاهر الحديث مع الشافعي وأيضًا [فقد](2) رام صلى الله عليه وسلم[أن](3) يطعن بالمدرى (4) عين من أراد أن يطلع من جحر في باب بيته وقال: لو أعلم أنك تطلع لطعنت به في عينيك" (5). وما كان عليه الصلاة والسلام بالذي يريد أن يفعل ما لا يجوز، أو ما يؤدي إلى دية، قال: وحملهم الحديث على رفع الإِثم تحريف وتبديل بلا تأويل ولا قياس مع النصوص. وتوقف (6) أيضًا في نقلهم الإِجماع في مسألة العورة فإن الحديث يتناول كل مطلع كيفما كان، ومن أي جهة كان. بل هو أولى من الاطلاع في البيت لأن الاطلاع فيه مظنة الاطلاع على العورة، فنفس الاطلاع عليها أحرى وأولى.

إذا تقرر لك ذلك فقد تصرف الفقهاء في هذا الحكم، بأنواع من التصرفات.

منها: أن لا فرق بين أن يكون هذا الناظر واقفًا في الشارع

(1) المفهم (5/ 34).

(2)

في ن هـ (فقال)، وما أثبت يوافق المفهم.

(3)

زيادة من ن هـ. وفي المفهم بدل (المدرى)(المدارة).

(4)

المدرى: شيء يعمل من حديد أو خشب على شكل سن من أسنان المشط وأطول منه يسرح به الشعر المتلبد. اهـ. من النهاية (2/ 115)، وشرح مسلم (14/ 136).

(5)

أخرجه البخاري (6901)، ومسلم (2156)، النسائى (8/ 60، 61)، وأحمد (5/ 330)، والترمذي (2709).

(6)

من هنا بداية نقل من المفهم (5/ 482)، وقد تصرف فيه.

ص: 199

أو في خالص [ملك](1) المنظور إليه، أو في سكة منسدَّة الأسفل؛ إذ ليس للواقف في ملكه مد النظر إلى حرم الناس، ولأصحابنا وجه ضعيف أنه لا يقصد إلَّا عين من وقف في ملك المنظور إليه.

ومنها: أنه يجوز رميه قبل نهيه وإنذاره لإِطلاق الحديث وهو الأصح عند أصحابنا ولأنه عليه الصلاة والسلام كان يخايل الناظر ليرمي منه بالمِدْرى.

وقيل: لابد من نهيه وإنذاره قبله وهو قياس الدفع في البدأة بالأهون فالأهون.

ومنها: أنه لا يلحق غير النظر به كالسمع وهو الأصح عند أصحابنا لأن السمع ليس كالبصر في الاطلاع على العورات.

ومنها: أن لا يرمى الناظر إلا بشيء خفيف كحصاة وبندقة وفي الحديث إشعار به لقوله: فحذفه. وهو لا يكون إلَّا بخفيف فلو رماه بثقيل أو رشقه بنشابه فإنه يتعلق به القصاص أو الدية وفيه وجه بعيد غريب أنه لا ضمان. ولو لم يندفع بالخفيف استغاث عليه ودفعه بما أمكنه.

ومنها: أن الناظر لو كان له في الدار محرم أو زوجة أو متاع لم يجز قصد عينه [لأن له شبهة في النظر، وقيل: لا يكفي أن يكون له في الدار محرم، بل لا يمنع قصد عينه](2) إلَّا إذا لم يكن في الدار إلَّا محارمه. ولو كان الناظر محرمًا لحرم صاحب الدار فلا يرمى إلَّا

(1) في ن هـ (ذلك)، وما أثبت يوافق ما في إحكام الأحكام.

(2)

زيادة من ن هـ وإحكام الأحكام.

ص: 200

أن تكون متجردة. وعن البندنيجي أنه يقال له: انصرف فإن هناك عورة مكشوفة فإن أصر جاز رميه.

ومنها: أنه إذا لم يكن في الدار إلَّا صاحبها فله الرمي، إن كان مكشوف العورة ولا ضمان، وإلا فوجهان.

أصحهما: لا يجوز رميه.

والثاني: يجوز لأن من الأحوال ما يكره الاطلاع عليه.

ومنها: إن الحرم إذا كن في الدار مستترات، أو بيت. فقيل: لا يجوز قصد عينيه لعدم الاطلاع على شيء.

والأصح: الجواز، لإِطلاق الأحاديث، ولأنه لا تنضبط أوقات الستر والتكشف، فالاحتياط حسم الباب.

ومنها: اشتراط عدم تقصير صاحب الدار في كف نظر الناظر فإن جعل بابه مفتوحًا أو كانت كوة واسعة في الدار أو ثلمة في الجدار لم يسدها، فإن كان الناظر مجتازًا لم يجز قصده.

وإن وقف وتعمد، فقيل: يجوز قصده لتعديه النظر،

والأصح: المنع لتفريط صاحب الدار. وأجرى هذا الخلاف فيما إذا نظر من سطح نفسه أو نظر المؤذن من المنارة، لكن الأظهر هنا جواز قصده أو لا تفريط من صاحب الدار وبقيت صور أخرى محل الخوض فيها كتب الفروع وقد بسطناها فيها ولله الحمد.

قال الشيح تقي الدين (1): وهذه التصرفات الفقهية إن كانت

(1) إحكام الأحكام (4/ 362)، وما ذكره من تصرفات الفقهاء استفادة منه مع تصرف المؤلف فيه بالزيادة والحذف.

ص: 201

داخلة تحت إطلاق الأخبار فهي مأخوذة منها، وما لا فبعضه مأخوذ من فهم المعنى المقصود بالأحاديث. وبعضه مأخوذ بالقياس، وهو قليل فيما ذكرناه. ومن تراجم البخاري على هذا الحديث "من أخذ حقه أو اقتص دون السلطان"(1).

قلت: ومن أحكامه حرمة النظر إلى بيت الغير بغير إذنه وإلى الأجانب.

(1)(12/ 225) رقم (6888).

ص: 202

70 -

باب [حد](1) السرقة

[السرقة](2) بفتح السين وكسر الراء ويجوز إسكان الراء مع فتح السين وكسرها، وهي أخذ مال الغير خفية وإخراجه من حرزه، مأخوذ من المسارقة، ويقال: الذي يسرق الإِبل خاصة الحارث وفي مكياله المطفف وفي ميزانه المخسر ذكر ذلك ابن خالويه في كتاب "ليس"(3) وعدد أنواعًا أخر كثيرة.

واعلم أن الله صان الأموال بإيجاب القطع على سارقها حرمة لها ولم يجعل ذلك في غير السرقة كالاختلاس والانتهاب والغصب لأن ذلك قليل بالنسبة إليها ولأنه يمكن استرجاع ذلك باستدعاء إلى ولاة الأمور ويسهل إقامة البينة عليه بخلاف السرقة فإنه يندر إقامة البينة عليها [لعظم](4) أمرها واشتدت عقوبتها لتكون أبلغ في الزجر عنها.

(1) زيادة من ن هـ وإحكام الأحكام مع الحاشية.

(2)

في ن هـ ساقطة.

(3)

كتاب: ليس في "كلام العرب" لابن خالويه: هو أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني المتوفى سنة (370).

(4)

في شرح مسلم (11/ 181) فعظم.

ص: 203

ولم يجعل دية الجناية على العضو المقطوع فيها بقدر ما يقطع فيه حماية للعضو أيضًا وصيانة له فلما هانت بالمخالفة هانت.

وقد أجمع المسلمون على قطع السارق في الجملة وإن اختلفوا في تفصيله وذكر المصنف رحمه الله في الباب ثلاثة أحاديث:

ص: 204