الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
366/ 3/ 69 - وعنه عنهما (1) قالا: "سئل رسول الله - صلي الله عليه وسلم - عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال: [إذا] (2) زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها [ثم إن زنت فاجلدوها (3)]، ثم بيعوها ولو بضفير"(4).
قال ابن شهاب: ولا أدري أبعد الثالثة، أو الرابعة؟
والضفير: الحبل.
(1) في متن عمدة الأحكام مع الحاشية (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني).
(2)
في المرجع السابق: إن.
(3)
زيادة من المرجع السابق.
(4)
البخاري (2153)، ومسلم (1704)، وأحمد (2/ 249، 422)، (4/ 116، 117، 343)، والترمذي (1433)، وأبو داود (4469)، والنسائي في الكبرى (7256، 7257، 7258، 7259، 7260)، وابن الجارود (821)، والحميدي (1082)، وابن ماجه (2565)، والبيهقي (8/ 421)، وعبد الرزاق (7/ 393)، وابن أبي شيبة (6/ 486)، ومالك (2/ 630).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: في التعريف براويه وقد سلف في الحديث قبله، وابن شهاب سلف التعريف في باب العدة وأنه منسوب إلى جد جده.
ثانيها: "الضفير": فقيل: بمعنى مفعول وفي بعض الروايات في الصحيح "ولو بحبل من شعر" وصفه بذلك لأنها أكثر حبالهم.
والمراد بقوله: "اجلدوها" الحد بدليل الرواية الأخرى، في الصحيح في حديث أبي هريرة "فليجلدها الحد".
والأمة: المملوكة وجمعها إماء (1) وأموات. والجلد المأمور به هنا هو نصف الحرة كما سيأتي.
ومعنى "لم تحصن" لم تتزوج، وقيل: لم تسلم، وقيل: لم تعتق. قال القرطبي (2): والثاني: أولى الأقوال في الآية على ما أوضحه ابن العربي.
ثالثها: الحكمة في بيعها وكونه ثمن حقير بتنفيرها وكسر نفسها عن الفاحشة والتنفير عن مثل فعلها لعدم مخالطتها.
فإن قلت: كيف ينبغي له بيعها لغيره ويرضى لأخيه المسلم ما لا يرضى لنفسه.
فالجواب: لعلها تستعف عند المشتري بأن يعفها بنفسه أو يصونها في بيته أو بالإِحسان إليها أو بالتوسعة أو يزوجها أو غير
(1) مختار الصحاح (أم هـ).
(2)
المفهم (5/ 124).
ذلك. ذكره النووي (1) والقرطبي (2) وأيضًا الحرج في ذلك يزول بإعلام البائع بزناها.
رابعها: اعترض الطحاوي (3) على قوله: "ولم تحصن"، وقال تفرد بها مالك وأشار بذلك إلى تضعيفها وأنكر ذلك الحفاظ عليه. وقالوا: بل رواها أيضًا ابن عيينة ويحيى بن سعد عن ابن شهاب [ثم](4) ليس في ثبوتها حكم مخالف، فإن الأمة تجلد على النصف من الحرة سواء أكانت محصنة بالتزويج، كما سلف أو لم يكن. نعم فيه بيان من لم تحصن وقول الله تعالى:{فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (5) فيه بيان من أحصنت فحصل من الآية الكريمة والحديث بيان أن الأمة المحصنة بالتزويج وغير المحصنة تجلد وهو معنى ما ثبت من أفراد "صحيح مسلم"(6): أن عليًا رضي الله عنه خطب فقال: "يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن منهم ومن لم يحصن" الحديث.
فإن قلت: ما الحكمة من التقييد في قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} ، مع أن عليها نصف جلد الحرة سواء كانت الأمة محصنة أم لا؟
(1) شرح مسلم (11/ 212).
(2)
المفهم (5/ 121).
(3)
شرح معاني الآثار (3/ 165).
(4)
زيادة من ن هـ.
(5)
سورة النساء: آية 25.
(6)
مسلم (1705)، والترمذي (1441)، وأبو داود (4473).
فالجواب: كما ذكره في "شرح مسلم"(1) أن الآية نبهت على أن الأمة المزوجة لا يجب عليها إلَّا جلد نصف جلد الحرة لأنه الذي يتنصف، وأما الرجم: فلا يتنصف فليس مرادًا في الآية بلا شك فليس للأمة المزوجة الموطوءة في النكاح حكم الحرة الموطوءة فيه فبينت الآية الكريمة هذا لئلا يتوهم متوهم أن الأمة المزوجة ترجم وقد أجمعوا على أنها لا ترجم، فأما غير الأمة المزوجة فقد علمنا أن عليها النصف أيضًا بالأحاديث الصحيحة منها هذا الحديث فإنه مطلق يتناول المزوجة وغيرها.
الوجه الخامس: في أحكامه:
الأول: أن الزنا عيب في الرقيق يرد به ولذلك حط من قيمته من الأمر ببيعه ولو بحبل، قال أصحابنا: ولو زنا مرة ثم تاب وأصلح وباعه ثبت الرد به لأن تهمة الزنا لا تزول، ولهذا لا يعود إحصان الحر الزاني بالتوبة، ويجب على البائع الإِعلام به. وكذا على الأجنبي إذا عرف به أيضًا وهذا الاستنباط الذي ذكرته وهو أن الزنا عيب في الرقيق يرد به ثم استشهدت بعد ذلك بالحط من قيمته ذكره النووي في "شرحه"(2).
وقال الشيخ تقي الدين (3): كذا ذكره بعضهم. وعنى به النووي وفيه نظر، لجواز أن يكون المقصود أن يبيعها، وإن انحطت قيمتها
(1) شرح مسلم (11/ 213).
(2)
شرح مسلم (11/ 212).
(3)
إحكام الأحكام مسح الحاشية (4/ 349).
إلى الضفير. فيكون ذلك إخبارًا متعلقًا بحال وجودي، لا إخبارًا عن حكم شرعي ولا شك أن من عرف بتكرر زنا الأمة انحطت قيمتها عنده.
الثاني: إن الزاني إذا حد ثم زنى ثانيًا يلزمه حد آخر، وهكذا كلما زنى وحد ثم زنى يلزمه حد آخر، فلو زنا مرات ولم يحد لواحد منهن حد حدًا واحدًا للجميع. ثم حدها إنما يكون بإقرارها أو ببينة أو بعلمه عند من يجوزه.
الثالث: ترك مخالطة الفساق وأهل المعاصي وفراقهم لكنه ذكر الفراق هنا في الرابعة فقد يستنبط منه أن من ارتكب معصية لا يفارق ببيع وهجران ونحوهما إلَّا بعد تكرر ذلك منه.
الرابع: الأمر ببيع الأمة الزانية، وفي معناها العبد الزاني بعد المرة الثالثة لكن اختلف العلماء فيه هل هو أمر ندب أو إيجاب؟ ذهب الشافعي والجمهور إلى الأول.
وذهب داود وأهل الظاهر وأبو ثور [إلى الثاني](1) قال ابن الرفعة في "كفايته" البيع المذكور منسوخ.
الخامس: الأمر بحدها في كل مرة وهو للوجوب وعطف البيع عليه لا ينافيه لأنه قد يعطف غير الواجب على الواجب كقوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} (2)، وقوله:{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} (3).
(1) زيادة من ن هـ.
(2)
سورة الأنعام: آية 141.
(3)
سورة النور: آية 33.
السادس: بيع الشيء الثمين بثمن حقير إذا كان البائع عالمًا به وهو إجماع، فإن كان جاهلًا به فكذلك عند الشافعية وجمهور العلماء، ولأصحاب مالك فيه خلاف. قيل كالأول، وقيل تعتبر بالزيادة على الثلث أو النقص منه، واعترض الشيخ تقي الدين (1) على هذا الوجه فقال: ذكر بعضهم أن فيه دلالة على جواز بيع غير المحجور عليه ماله بما لا يتغابن [الناس به](2).
وهذا النظر تعرض له أيضًا القاضي (3) ثم القرطبي (4).
السابع: أن الحد كاف ولا يضم إليه التعزير، فإن في الصحيح أيضًا "فليجلدها الحد ولا يثرب عليها" والتثريب: التوبيخ واللوم على المذنب، وأبعد من قال: معناه لا يبالغ في جلدها حتى يدميها. وقال الخطابي (5) معناه: لا يقتصر على التثريب.
الثامن: أن السيد يقيم الحد على عبده وأمته وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور من الصحابة والتابعين فمن بعدهم.
وقال أبو حنيفة في طائفة: ليس له ذلك وهذا الحديث وغيره صريح في الدلالة للجمهور.
(1) إحكام الأحكام مع الحاشية (4/ 348).
(2)
في ن هـ وإحكام الأحكام: (به الناس). ويوافقه في معالم السنن (6/ 279).
(3)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (4/ 466).
(4)
المفهم (5/ 121).
(5)
معالم السنن (6/ 279).
وحكى القاضي (1) الخلاف في إقامة القطع عليه ونقل عن مالك وغيره المنع من القطع والقتل وقصاص الأعضاء مخافة أن يمثل بعبده ويدعي أنه أقام عليه الحد فلا يعتق عليه.
قال مالك: فإن كان لها زوج [أجنبي](2) لم يحدها بل الإِمام بخلاف ما إذا كان عبده فإنه يحده (3).
التاسع: إنه لا فرق في إيجاب الحد بين أن تكون الأمة أو العبد مزوجين أم لا لإِطلاقه عليه الصلاة والسلام الجلد من غير تفصيل وهو مذهب جمهور الأمة منهم الأئمة الأربعة.
وقال جماعة من علماء السلف (4): لا حد على من لم تكن مزوجة من النساء والعبيد. منهم ابن عباس وطاوس وعطاء وابن جُريج وأبو عبيد، وهو مفهوم الآية السالفة، وقد أسلفنا بيانها. ونص هذا الحديث يقدم على المفهوم، قال ابن شاهين في "ناسخه ومنسوخه" (5): وأحسب هذا الحديث ناسخًا لحديث ابن عباس المرفوع "ليس على الأمة حد حتى تحصن"(6). مع أنه حديث قد
(1) ذكره في إكمال إكمال المعلم.
(2)
في ن هـ بياض.
(3)
انظر: المفهم (5/ 122).
(4)
انظر: المفهم (5/ 123).
(5)
ناسخ الحديث ومنسوخه (502).
(6)
الدر المنثور (2/ 491). سورة النساء: آية (25)، والعلل المتناهية (2/ 309). وذكره في مجمع الزوائد (6/ 273)، وقال: رواه الطبراني بإسنادين غير عبد الله بن عمران وهو ثقة. اهـ.
علل. وقيل: إنه روي موقوفًا على ابن عباس ولا أعلم [أحدًا](1) أسنده [وجوده](2) إلَّا عبد الله بن عمران العابدي.
قلت: لكنه صدوق كما قاله أبو حاتم (3) الرازي.
العاشر: قال الشيخ تقي الدين (4): قد يقال إن فيه إشارة إلى إعلام البائع المشتري بعيب السلعة، فإنه إنما تنقص قيمتها بالعلم بعيبها، وفيه نظر. ولو لم يعلم لم تنقص.
الحادي عشر: قال وقد يقال أيضًا: إن فيه إشارة إلى أن العقوبات إذا لم تفد مقصودها من الزجر لم تفعل، فإن كانت واجبة كالحد، [فلترك](5) الشرط في وجوبها على السيد وهو الملك، لأن أحد الأمرين لازم: إما ترك الحد ولا سبيل إليه لوجوبه. وأما إزالة شرط الوجوب، وهو الملك، فتعين. ولم يقل اتركوها، أو حدوها كلما تكرر فنخرج عن هذه التعزيرات التي لا تفيد لأنها ليست بواجبة الفعل فيمكن تركها.
قلت: قد حكى إمام الحرمين عن المحققين أن المعزر إذا علم أن التأديب لا يحصل إلَّا بالضرب المبرح لم يكن له الضرب المبرح
(1) زيادة من الناسخ والمنسوخ لابن شاهين.
(2)
غير موجودة في المرجع السابق.
(3)
الجرح والتعديل للرازي (5/ 130)، وقال ابن حبان في الثقات (8/ 130) يخطئ ويخالف وفي الجرح (المعابدي).
(4)
إحكام الأحكام مع الحاشية (4/ 350). مع التقديم والتأخير بين ولو لم يعلم لم تنقص وفيه نظر.
(5)
في إحكام الأحكام (فيترك).
ولا غيره، أما المبرح فلأنه مهلك وليس له الإِهلاك وأما غيره فلا فائدة فيه.
قال الرافعي: ويشبه أن يبقى الأمر في حق الإِمام على أصل التعزير هل هو واجب عليه إن أوجبناه التحق بالحد وحينئذٍ يضربه ضربًا غير مبرح لضرورة الواجب.