الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
370/ 1/ 70 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلي الله عليه وسلم - "قطع في مجن قيمته".
وفي لفظ: ثمنه ثلاثة دراهم (1).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: "المجن" بكسر الميم وفتح الجيم وبالنون الترس مفعل من معنى الاجتنان وهو الاستتار والاختفاء ونحو ذلك، ومنه الجن. وكسرت ميمه لأنه آلة في الاجتنان، كأن صاحبه يستتر به عما يحاذره [قال الشاعر:
فكان] (2) جنيِّ دون [من](3) كنتُ أتقى
(1) البخاري (6795)، ومسلم (1686)، مالك (2/ 634)، وأحمد (2/ 6، 80، 143)، (3/ 64)، والترمذي (1446)، والنسائي (8/ 76، 77)، وفي الكبرى له (7394، 7395، 7396، 7397)، وأبو داود (4386)، وابن ماجه (2584)، وابن الجارود (825)، والدارمي (2/ 173)، والبيهقي في الكبرى (8/ 446)، والبغوي في السنة (10/ 313).
(2)
في الأصل (كان).
(3)
في إحكام الأحكام: ما.
ثلاث شخوص: كاعبان ومُعصِرُ (1)
الثاني: "القيمة" و"الثمن" مختلفان في الحقيقة والمعتبر القيمة وذكر الثمن، إما لتساويهما في ذلك الوقت أو في ظن الراوي أو باعتبار الغلبة وإلَّا فلو اختلفت القيمة والثمن الذي اشتراه به مالكه لم تعتبر إلَّا القيمة.
الثالثة: اختلف العلماء في النصاب في السرقة، أصلًا وقدرًا.
أما الأصل: فجمهورهم على اعتبار النصاب، وشذ أهل الظاهر فلم يعتبروه، ولم يفرقوا بين القليل والكثير، وقالوا: بالقطع فيهما. وحكي أيضًا عن ابن بنت الشافعي والحسن والخوارج لعموم الآية ولم يخصوه بالأحاديث الصحيحة المفسرة لها نعم الاستدلال لاشتراطه بهذا الحديث فيه ضعف، فإنه حكاية فعل، لا يلزم من القطع في هذا المقدار فعلًا عدم القطع فيما دونه نطقًا.
وأما المقدار: ففيه [ثمانية](2) أقوال:
أحدها: ربع دينار أو ما قيمته ربع دينار سواء كانت قيمته ثلاثة دراهم أم أكثرُ أم أقل ولا يقطع في أقل منه وهو قول كثير من العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم أو الأكثرين منهم عائشة وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي والليث والشافعي وأبو ثور وإسحاق وروي
(1) ساقط من ن هـ، والبيت للشاعر عمر بن أبي ربيعة من قصيدته التي تسمى قصب السكر.
(2)
في ن هـ (ثلاثة). انظر للاطلاع على هذه الأقوال الاستذكار (24/ 158، 166).
عن داود أيضًا ودليلهم حديث عائشة الآتي ويقوم ما عدا الذهب بالذهب.
ثانيها: عشرة دراهم، قاله أبو حنيفة ويقوم ما عدا الفضة بالفضة وفيه رواية عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده مرفوعًا "لا تقطع اليد إلَّا في عشرة دراهم"(1) لكنه ضعيف جدًا واختلف عنه في الدينار إذا لم يبلغ عشرة دراهم هل يعتبر بنفسه أو صرفه.
ثالثها: ربع دينار من الذهب أو ثلاثة دراهم أو ما قيمة أحدهما ولا قطع فيما دون ذلك، قاله مالك وأحمد وإسحاق في رواية قال الشافعي وحديث عائشة الآتي لا يخالف حديث ابن عمر هذا فإن الدينار كان اثني عشر درهمًا وربعه ثلاثة دراهم أعني صرفه ولهذا قوِّمت الدية باثني عشر ألفًا من الورق وألف دينار من الذهب وهذا الحديث يستدل به لمذهب مالك في أن الفضة أصل في التقويم دون الذهب فإن [المسروق](2) لما كان غيرهما، وقوِّم بالفضة دون الذهب دل على أنها أصل في التقويم، وإلَّا كان الرجوع إلى الذهب -الذي هو الأصل- أولى وأوجب، عند من يرى التقويم به، والحنفية أجابوا بأن التقويم أمر ظني تخميني، فيجوز أن تكون قيمته عنده ربع دينار أو ثلاثة دراهم ويكون عند غيره أكثرُ وضُعف هذا التأويل بأن ابن عمر لم يكن ليخبر بما يدل على مقدار ما يقطع فيه إلَّا عن تحقيق لعظم أمر القطع.
(1) مصنف ابن أبي شيبة (9/ 474)، وذكره في مجمع الزوائد (6/ 273).
(2)
من ن هـ (الورق)، وما أثبت يوافق إحكام الأحكام.
رابعها: أنه خمسة دراهم قاله سليمان بن يسار وابن شبرمة وابن أبي ليلى والحسن في رواية وروي عن عمر أيضًا.
خامسها: أنه أربعة، حكاه القاضي (1) عن بعض الصحابة.
سادسها: إنه درهمين، روي عن الحسن (2).
سابعها: إنه درهم، روي عن عثمان البتي حكاه القاضي عنه والقرطبي (3) قال: روي عن عثمان وهو مراده.
ثامنها: إنه أربعون درهمًا أو أربعة دنانير، حكي عن النخعي. والصحيح من هذه المذاهب ما قاله الشافعي وموافقوه لأنه صلى الله عليه وسلم صرح ببيان النصاب من لفظه وإنه ربع دينار كما سيأتي في الحديث الآتي من طريق عائشة، وفي الصحيح أيضًا من حديثها "لا تقطع يد السارق إلَّا في ربع دينار فصاعدًا"(4) وهذا حصر منه في أنها لا تقطع إلَّا في القدر المذكور. وحديث ابن عمر في الكتاب قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم محمول على أن هذا القدر كان ربع دينار فصاعدًا ثم هي قضية عين لا عموم لها فلا يجوز ترك صريح لفظه عليه الصلاة والسلام في تحديد النصاب لهذه الرواية المحتملة بل يجب حملها على موافقة لفظه ولابد من ذلك لتوافق صريح تقديره.
(1) روى عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما كما في مصنف ابن أبي شيبة (9/ 471).
(2)
انظر: تفسير القرطبي (6/ 161) والاستذكار (24/ 166).
(3)
المفهم (5/ 173).
(4)
البخاري (6790)، ومسلم (1684)، والنسائي (8/ 81)، وأبو داود (4383)، والترمذي (1445)، وابن ماجه (2585).
وأما رواية: "قطع في مجن قيمته عشرة دراهم" وفي رواية "خمسة" فضعيفة لا يعمل بها إذا انفردت، فكيف وقد خالفت صريح الأحاديث الصحيحة بالتقويم بربع دينار مع أنه يمكن حملها على أنه كانت قيمته عشرة دراهم اتفاقًا.
وأما الحديث الصحيح: "لعن الله السارق يسرق البيضة أو الحبل فتقطع يده"(1) فالمراد به التنبيه على ما هو خير وهو يده في مقابلة حقير من المال وهو ربع دينار فإنه شارك البيضة في الحقارة أو أراد جنس البيض وجنس الحبال أو أنه إذا سرق ذلك فلم يقطع جره ذلك إلى سرقة ما هو أكثرُ منهما فيقطع فكانت سرقة ذلك سببًا لقطعها، أو أن المراد إنه [قد](2) يسرق ذلك فيقطعه بعض الولاة سياسة لا قطعًا جائزًا شرعيًا.
وأبعد من قال: المراد بيضة الحديد (3) وحبل السفينة لأن بلاغة
(1) البخاري (6783)، ومسلم (1687)، والنسائي (8/ 65)، وابن ماجه (2583)، والبغوي (2597، 2598)، والبيهقي (8/ 253)، وأحمد (2/ 253).
(2)
في ن هـ ساقطة.
(3)
هذا ذكره البخاري والبغوي بعد تخريجهما للحديث عن الأعمش بلفظ: "كانوا يرون أنه بيضة الحديد، والحبل: كانوا يرون أنه مما يسوى دراهم. اهـ.
قال الخطابي -رحمنا الله وإياه- في "إعلامه"(2291).
قلت: تأويل الأعمش هذا غير مطابق لمذهب الحديث ومخرج الكلام فيه، وذلك أنه ليس بالسائغ في الكلام أن يقال في مثل ما ورد فيه هذا الحديث من اللوم والتثريب: أخزى الله فلانًا عرض نفسه للتلف في مال له قدر =
الكلام تأباه لأنه لا يذم عادة من خاطر بيده في شيء له قدر.
تنبيه: القطع له شروط، منها: كون المأخوذ في حرز خلافًا لداود، ومحل الخوض فيها كتب الفروع فإنه أمس به. وكذا كيفية القطع هل هو من المنكب أو الرسغ أو المرفق فليراجع منه. والجمهور على أنه من اليد والرجل من المفصل وقال أحمد في الرجل من شطر القدم.
= ومزية، وفي عرض له قيمة. إنما يضرب المثل في مثله بالشيء الوتح الذي لا وزن له ولا قيمة، هذا عادة الكلام وحكم العرف الجاري في مثله.
وإنما وجه الحديث وتأويله: ذم السرقة وتهجين أمرها وتحذير سوء مغبتها فيما قل وكثر من المال. يقول: إن سرقة الشيء اليسير الذي لا قيمة له كالبيضة المذرة، والحبل الخلق الذي لا قيمة له إذا تعاطاها المسترق، فاستمرت به العادة لم ينشب أن يؤديه ذلك إلى سرقة ما فوقها، حتى يبلغ قدر ما يقطع فيه اليد، فتقطع يده. يقول: فليحذر هذا الفعل وليتوقه قبل أن تملكه العادة ويمرن عليها ليسلم من سوء مغبته ووخيم عاقبته. اهـ.