المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث التاسع 363/ 9/ 68 - عن الحسن بن أبي الحسن - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٩

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث التاسع 363/ 9/ 68 - عن الحسن بن أبي الحسن

‌الحديث التاسع

363/ 9/ 68 - عن الحسن بن أبي الحسن البصري [رحمه الله تعالى](1) قال: حدثنا جندب في هذا المسجد، وما نسينا منه حديثًا، ما نخشى أن يكون جندب كذب على رسول الله - صلي الله عليه وسلم -، قال: قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: "كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع، فأخذ سكينًا فحز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات. قال الله عز وجل: عبدي بادرني بنفسه فحرمت عليه الجنة"(2).

الكلام عليه من وجوه:

أحدها: هذا الحديث أخرجه البخاري بهذه السياقة في باب ما ذكر عن بني إسرائيل (3)، من كتاب بدء الخلق، من صحيحه. وقال فيه:"بادرني عبدي" بتقديم "بادرني" على لفظ "عبدي"، وفيه:"وما نسينا منه حديثًا" بدل "منه حديثًا"، كذا رأيته في نسخة معتمدة منه، ورأيت في "الجمع بين الصحيحين للحميدي" كما في الكتاب.

(1) زيادة من حاشية إحكام الأحكام.

(2)

البخاري (1364)، ومسلم (113)، وأحمد (4/ 312)، والطبراني في الكبير (2/ 161).

(3)

الفتح (6/ 572) ح (3463).

ص: 122

ورواه مسلم في كتاب الإِيمان، بلفظين: أحدهما: عن الحسن قال: إن رجلًا ممن كان خرجت به قرحة فلما آذته انتزع [سهمًا من](1) كنانته فنكأها فلم يرقأ الدم حتى مات. قال ربكم: "حرمت عليه الجنة". ثم مدَّ الحسن يده إلى المسجد فقال: إني والله لقد حدثني هذا جندب عن رسول الله - صلي الله عليه وسلم -.

ثانيهما: عنه حدثنا جندب بن عبد الله البجلي في هذا المسجد فما نسينا وما نخشى أن يكون كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: خرج برجل فيمن كان قبلكم خراج. . . . فذكر نحوه.

ثانيها: في التعريف براويه، وقد سلف في باب العيدين.

والحسن هذا أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن بن يسار البصري، بفتح الباء وكسرها، نسبة إلى البصرة، البلدة المعروفة، مثلثة الباء، الأنصاري مولاهم، مولى زيد بن ثابت.

وقيل: جابر بن عبد الله.

وقيل: مولى أبي اليسر، ويقال: إنه من سبي ميسان وقع إلى المدينة فاشترته الرُّبيع بنت النضر عمة أنس بن مالك، فأعتقته. وهو من أكابر التابعين وسادات المسلمين، ومن مشاهير العلماء والزهاد المذكورين، ومن الفصحاء المبرزين وأحد الشجعان الموصوفين. وُلد لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب، أمه خيرة مولاة أم سلمة، ربما غابت فترضعه أم سلمة أم المؤمنين، فيرون أن تلك

(1) زيادة من ن هـ.

ص: 123

الحكمة والفصاحة كانت من بركتها، وأخوه عمار من البكائين، وله أخ ثالث اسمه سعيد [أدرك ثلاثين ومائة](1)[من الصحابة وأكثر، وكان مع جلالته يكثر من الإرسال. قال هشام بن حسان: أدرك ثلاثين ومائة من الصحابة](2)، ولم يصح له سماع من بعضهم إلا القليل، بل روايته ومرسلاته صحيحة. قال أبو زرعة: كل شيء. قال الحسن: قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: وجدت له أصلًا ثابتًا ما خلا أربعة أحاديث. وقال ابن أبي حاتم: لا يصح له سماع من جندب، وحديثه هذا صريح في سماعه منه، وفضائله كثيرة أفردت بالتأليف. قال أيوب -يعني السختياني-: كان الرجل يجلس إلى الحسن ثلاث سنين فلا يسأله عن شيء هيبة له. وقال أبو قتادة العدوي: ما رأيت رجلًا أشبه رأيًا بعمر بن الخطاب منه. مات سنة عشر ومائة بعد ابن سيرين بمائة يوم عن تسع وثمانين سنة.

ثالثها: في ألفاظه ومعانيه: "الجرح [. . .] (3). الظاهر أنه هنا بالضم، وهو اسم للمكان المجروح. ورواية مسلم به "قرحة": هي حبات تخرج في بدن الإِنسان، والرواية الأخرى: "خراج" بضم الخاء وتخفيف الراء القرحة أيضًا، ويبعد أن يكون بالفتح لأنه مصدر خرج.

و"جزع" بكسر الزاي: أي لم يصبر.

(1) في الأصل (رأى الحسن عشرين من مائة) وما أُثبت من ن هـ.

(2)

في ن هـ ساقطة.

(3)

في الأصل زيادة (هي حبات تخرج في بدن الإِنسان).

ص: 124

و"السكين" تذكر وتؤنث، وتقال بالهاء أيضًا وهي المدية، أيضًا بتثليث الميم.

و"حز" بالحاء المهملة أي: قطع يده أو بعضها. قاله الشيخ تقي الدين (1). وقال ابن الجوزي في "كشف مشكل الصحيحين"(2): الحز: قطع بعض العضو دون إبانته. ورأيت من علق على هذا الكتاب ضبطه بخطه بالجيم.

و"رقأ" بفتح الراء والقاف والهمز: ارتفع وانقطع. يقال: رقأ الدم والدمع يرقأ رقوًا مثل ركع يركع ركوعًا: إذا انقطع.

رابعها: في الحديث إشكالان أصوليان نبه عليهما الشيخ تقي الدين، أحدهما: قوله تعالى: "بادرني بنفسه"، وهي مسألة تتعلق بالآجال، ولا شك أن أجل كل شيء حينه ووقته. يقال: تم أجله، أبي: تم أمده، وجاء حينه، وليس كل وقت أجلًا، ولا يموت أحد بأي سبب كان إلا بأجله، وقد علم الله أنه يموت بالسبب المذكور. وما علمه فلا يتغير، فعلى هذا يبقى قوله: "بادرني بنفسه محتاجًا إلى التأويل، فإنه قد يوهم أن الأجل كان متأخرًا عن ذلك الوقت، فقدم عليه ولم يذكر الشيخ تأويله.

وقال [الفاكهي و](3) غيره: يحتمل أن تكون المبادرة من حيث السبب في ذلك، والقصد له لا أنه كان أجله متأخرًا لو لم يفعل لكن لما كان على صورة المستعجل لأجله بتسببه في ذلك صح إطلاق

(1) إحكام الأحكام (4/ 335).

(2)

(2/ 46) أقول: أثبته المحقق بالجيم. فليصحح.

(3)

في هـ ساقطة.

ص: 125

اسم المبادرة عليه صورة، ويحتمل أيضًا أن تكون المبادرة من حيث أنه لم يطلب منه ذلك مع أن علمه تعالى سابق بوقوع ذلك منه وهو راجع إليه أيضًا. وعبارة القاضي أبي بكر في الجواب: إن قدر الله في خلقه مطلق ومقيد بصفة، فالمطلق يمضي على الوجه المراد بلا صارت، والمقيد بصفة له وجهان:

فوجود الصفة يقتضي أحدهما وعدمه يقتضي الآخر. مثاله عمر دائرٌ بين عشرين سنة إن قتل نفسه وبين ثلاثين إن لم يقتلها، والله تعالى عالم بما يؤول إليه الأمر ولا يقع إلا ما علمه، والتردُّد إنما هو في حق العبد. والأجلان كالواجب المخير الواقع منه معلوم عند الله، والعبد مخيَّر في أي الخصال يكفر بها، فالذي يكفر به معلوم عند الله قبل التكفير مبهم عند العبد، وكذلك الأجلان، فالعبد يختار أحدهما وما يختاره معلوم عند الله، ولا يقع غيره. ويؤيد ذلك قوله:"بادرني بنفسه"، أي اختار الأجل المقيد، ولم يقل:"بادرته بنفسه".

والإِشكال الثاني: قوله: "فحرمت عليه الجنة" قد يتعلق به من يرى وعيد الأبد وأهل السنّة يجيبون عنه بأوجه:

أحدها: أنه يحتمل أن يكون مشركًا قد ضم إلى تركه هذا الفعل.

ثانيها: لعله فعله مستحلًا له، فتحريم الجنة عليه بسبب كفره لا بقتله نفسه.

ثالثها: أن المراد بالجنة المرتفعة القدر من بين الجنان.

رابعها: أن لا يدخلها أول الداخلين ويطال احتباسه أو يحبس في الأعراف.

ص: 126

وقال النووي: ويحتمل أن شرع أهل ذلك العصر تكفير أصحاب الكبائر، وأنه نكأها استعجالًا للموت أو لغير مصلحة، فإنه لو كان على طريق المداواة التي يغلب على الظن نفعها لم يكن حرامًا.

خامسها: في أحكامه:

أحدها: تحريم قتل النفس سواء كانت نفس الإِنسان أو غيره، فإن نفس الإِنسان ليست ملكه، يتصرَّف فيها على حسب ما يراه، بل على حسب الأمر والنهي الشرعيَّين حتى لو أراد قطع أنملة من أنامله فما دونها -لا لمعنى شرعي- كان عاصيًا فلا ملك على الحقيقة إلا لله رب العالمين.

وأما قوله تعالى -حكايةً عن موسى-: {قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي} (1)، ففيها حذف تقديره إلا أمر نفس أو إلا طاعة نفسي وأخي؛ وذلك أنهم لما قالوا:{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا} غضب عليه الصلاة والسلام، وقال ذلك كأنه يقول لم يطعني منهم إلا نفسي وأخي.

ثانيها: بيان صفة التحديث بصيغته ومكانه وحال المحدث في ضبطه وعدم نسيانه والمحدث عنه، فإن الحسن البصري ذكر الرواية بلفظ حدثنا، وفي مسجد البصرة وعدم نسيانه لما رواه وعدم كذب المحدث عنه وعدالة الصحابة.

ثالثها: ترجيح رواية الحديث بلفظه دون معناه.

(1) سورة المائدة: آية 25.

ص: 127

رابعها: التحديث عن الأمم الماضية للاعتبار وتقرير الأحكام، وذلك ما اطلعه الطفيل بن عمرو في منامه وهيئته حسنة، ورآه مغطيًا يديه فقال له: ما صنع بك ربك. قال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي أراك مغطيًا يديك؟ قال: قيل لي: لن يصلح منك ما أفسدت. فقصها الطفيل على رسول الله - صلي الله عليه وسلم -، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم وليدة فاغفر"(1).

وهذا الحديث فيه حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنّة أن من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها ومات من غير توبة، فليس بكافر، ولا يقطع له بالنار، هو في حكم المشيئة. وهذا الحديث أيضًا شرح (2) لحديث جندب المذكور ولغيره من الأحاديث [الموهمة](3) لتخليد قاتل نفسه في النار، ورد على المعتزلة القائلين بذلك وعلى المرجئة القائلين بعدم المؤاخذة بالذنوب مع الإِيمان وهو نص في عين المسألة.

(1) مسلم (116)، وأحمد (3/ 371).

(2)

في الأصل (الموهمة).

(3)

زيادة من ن هـ.

ص: 128