المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثالث 372/ 3/ 70 - عن عائشة رضي الله عنها: - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٩

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث الثالث 372/ 3/ 70 - عن عائشة رضي الله عنها:

‌الحديث الثالث

372/ 3/ 70 - عن عائشة رضي الله عنها: "أن قريشًا أهمهم شأن المخزومية التى سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: من يجترىءُ عليه إلَّا أُسامة بن زيد حب رسول الله - صلي الله عليه وسلم -، فكلمه أُسامة، فقال: أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فاختطب فقال: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله: [لو كانت] (1) فاطمة بنت محمَّد سرقت لقطعت يدها"(2).

وفي لفظ: كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي - صلي الله عليه وسلم - بقطع يدها.

(1) في متن العمدة لو أن.

(2)

البخاري (3732)، ومسلم (1688)، وأبو داود (4373، 4374)، والنسائي (8/ 72، 74)، وفي الكبرى له (7382، 7383، 7384)، وابن ماجه (2547)، والترمذي (1430)، وأحمد (6/ 162)، والدارمي (2/ 173)، وابن الجارود (804، 805، 806)، والبيهقي في الكبرى (8/ 442)، والبغوي في السنة (2603)، وعبد الرزاق (10/ 201)، وابن أبي شيبة (6/ 462).

ص: 213

الكلام عليه من وجوه:

أحدها: هذا اللفظ الأخير هو لمسلم خاصة وفي بعض ألفاظ البخاري "ضَل" بدل "أهلك" وفي رواية له "أن بني إسرائيل كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه" وفي رواية لمسلم له: "إن هذه المخزومية سرقت في غزوة الفتح"، وفي رواية له:"أنه عليه الصلاة والسلام تلون وجهه لما كلمه أسامة في أمرها وأنه قال: يا رسول الله استغفر لي، وأنه لما كان العشي قام فاختطب فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإنما أهلك" إلى آخره. وفيه "ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها. قالت عائشة: فحسنت توبتها بعد، وتزوجت، وكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله - صلي الله عليه وسلم -.

الوجه الثاني: اسم هذه المخزومية فاطمة بن الأسود بن عبد الأسد بن هلال بن عمرو بن مخزوم قاله ابن سعد (1). أسلمت وبايعت وهي ابنة أخي أبي سلمة عبد الله بن الأسد زوج أم سلمة، قال ابن سعد: وفي رواية أهل المدينة وغيرهم من أهل مكة أن التي سرقت فقطع يدها أم عمرو بنت سفيان بن عبد الأسد بن هلال خرجت حجة الوداع فمرت بركب [نزول](2) فأخذت عيبة لهم فأتوا بها النبي - صلي الله عليه وسلم - فقطع يدها.

ثالثها: قد عرفت فيما مضى عن "صحيح مسلم" إن هذه

(1) الطبقات (8/ 263).

(2)

في ن هـ ساقطة.

ص: 214

السرقة كانت في غزوة الفتح وعزاه ابن العطار في "شرحه" إلى "موطأ ابن وهب" وعزوه إلى ما ذكرناه أولى، وقد عرفت مما سقناه أيضًا أن المسروق كان عيبة لهم. وفي "سنن أبي داود" وكتاب "ابن عمر" أنه كان حليًا، وفي "سنن أبي داود"(1) أيضًا أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله - صلي الله عليه وسلم - رواه تعليقًا وأسنده ابن ماجه (2) من طريق ابن إسحاق إلى مسعود بن الأسود وفيهما أنها عاذت بزينب، وفي مسلم أنها عاذت بأم سلمة.

الرابع: "قريش" قبيلة وهم ولد النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة على المشهور وقيل: ولد إلياس.

وقيل: ولد مُضر [بن](3) نزار.

وقيل: ولد فهر بن مالك بن النضر، وفهر لقب له واسمه قريش ونسبه البيهقي إلى أكثرُ أهل العلم.

وقيل: إنه قصي بن كلاب حكاه الماوردي (4) وغيره.

وسموا قريشًا لتقريشهم، أي: تجمعهم على أخذ الأموال، وقيل: لشدتهم، وقيل: لأنهم كانوا تجارًا والتجار يقرشون ويفتشون

(1) انظر تخريج حديث الباب.

(2)

انظر تخريج حديث الباب.

(3)

زيادة من ن هـ.

(4)

الحاوي الكبير. أقول: اختار ابن حزم رحمه الله في كتابه جمهرة أنساب العرب (12، 464) أن قريش ينتسبون إلى فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة.

ص: 215

عن أموال التجارة. وحكى ابن دحية في "تنويره" في ذلك عشرين قولًا (1).

والنسبة إلى قريش: قرشي، والعباسي: قريشي، فإن أردت بقريش الحي: صرفته، وإن أردت القبيلة لم تصرفه.

الخامس: "المخزومية" نسبة إلى بني مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ويقظة وتميم وكلاب إخوة والمخزومي (2): في غير هذا نسبة إلى مخزوم بن عمرو وإلى مخزوم بن مالك، وإلى مخزوم بن صاهلة بطن من هذيل.

السادس: في ألفاظه ومعانيه.

إنما أهمهم شأنها لما خافوا من لحوق العار الجاهلي في قطع يدها وافتضاحهم بين القبائل به وظنوا أن الشفاعة والسعي في إسقاطه يفيدان فيه، فلما أقسم عليه الصلاة والسلام على أنه لو سرقت ابنته فاطمة لقطع يدها علموا أن ذلك حتم لا مندوحة عنه. وإنما قال:"لو سرقت فاطمة بنت محمَّد" لأن اسمها الأخرى فاطمة كما أسلفناه.

(1) ذكر السبكي في كتابه طبقات الشافعية (3/ 148)، وروى في كتابه هذا أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن سبب تسمية قريش قريشًا فقال: قريش حوت في البحر، يغلب الحيتان ويقهرهم، وهو أكبر دواب البحر، ويصطاد الحيتان وسائر دواب البحر فيأكلها فلذلك سميت قريش قريشًا لأنها أغلب الناس وأشجعهم. قلت: ويقال: إن في البحر شيئًا يقال له: القِرش، يفترس الآدمي. اهـ. محل المقصود منه.

(2)

انظر: اللباب في تهذيب الأنساب (3/ 179).

ص: 216

"والاجتراء" التجاسر بطريق الإِدلال.

"والحِب" بكسر الحاء هو المحبوب، وفيه منقبة ظاهرة له.

"وإنما" للحصر.

قال الشيخ (1) تقي الدين: والظاهر أنه ليس للحصر المطلق مع احتمال ذلك، فإن بني إسرائيل كانت فيهم أمور كثيرة تقتضي الإِهلاك، فيحمل ذلك على حصر مخصوص، وهو الإِهلاك بسبب المحاباة في حدود الله فلا ينحصر ذلك في هذا الحد المخصوص.

"وأيم الله" معناها: القسم ولا يستعمل إلَّا مضافًا إلى الله تعالى وفيها لغات: "إيم الله " بكسر الهمزة وفتحها وضم الميم فيه أشهر من كسرها، و"إيمن الله" بكسر الهمزة وفتحها وبزيادة نون في آخرها و "إم الله" بكسر الهمزة وحذف الياء والنون، و"م الله" بحذف الهمزة والياء والنون وتثليث الميم، و"م الله" مثلث الميم أيضًا، و"أُومن الله" بضم الهمزة وسكون الواو وضم الميم والنون. وقد جمع ابن مالك لغاتها في بيتين فقال:

همز أيم وأيمن فافتح وإكسر أو أم قل

أو قل مُ أو من بالتثليث قد شكلا

وأيمنُ اختم به الله كلا

أضيف إليه في قسم تبلغ به الأملا

وحكى القاضي (2)"لأيمن الله"، و"ليم الله باللام"، فهذه أربعة

(1) إحكام الأحكام (4/ 373).

(2)

إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 419).

ص: 217

عشر لغة، قيل: هي جمع يمين وألفها ألف قطع وهو مذهب الفراء والصحيح أنها مفردة وأن ألفها ألف وصل. قال الأزهري (1): وضم آخره وحكم القسم الخفض [كما ضم لعمرك كأنه ضم يمينًا ثانية فقال: وايمنك ولايمنك عظيمة وعمرك ولعمرك عظيم]. وعن ابن عباس أن يمين الله من أسمائه تعالى (2).

السابع في أحكامه وفوائده:

الأول: قطع السارق رجلًا كان [أو](3) امرأة.

الثاني: تمسك أحمد وإسحاق بالرواية الثانية على أن جاحد المتاع يقطع يده.

وجماهير العلماء وفقهاء الأمصار على أن لا قطع فيه وتأوّلوها على أن المراد أنها قطعت بالسرقة وذكرت العارية تعريفًا لها ووصفًا لا أنها سبب القطع جمعًا بينها وبين الرواية الأخرى إنها سرقت وقطعت بسبب السرقة وهو متعين فإنها قضية واحدة كما ذكره النووي في "شرح مسلم"(4)، لكن الاختلاف في عين المسروق يورث ريبة في تعددها إلَّا أن يدعى أن بعض الرواة اقتصر على بعضه وبعضهم على الباقي.

(1) تهذيب اللغة (15/ 526) وما بين القوسين العبارة في التهذيب: "كأنه أضمر فيها يمين ثان، فقيل: وأيمنك فلأيمنك عظيمة، وكذلك: لعمرك فلعمرك عظيم".

(2)

المرجع السابق.

(3)

زيادة من ن هـ.

(4)

شرح مسلم (11/ 188).

ص: 218

وادعى كثير من الأئمة أن الرواية الثانية أعني رواية الجحد شاذة فإنها مخالفة لجماهير الرواة والشاذ لا يعمل به ولهذا لم يودعها البخاري "صحيحه"، وإنما هي من أفراد مسلم قالوا: وتفرّد بها معمر.

قال القرطبي (1): وقد تابعه عليها من لا يعتد بحفظه كابن أخي الزهري ونمطه. قال العلماء: وإنما لم يذكر السرقة في هذه الرواية لأن المقصود منها عند الراوي ذكر منع الشفاعة في الحدود لا الإِخبار عن السرقة.

الثالثة: جواز الحلف من غير استحلاف وهو مستحب إذا كان فيه تفخيم لأمر مطلوب، وقد اختلف العلماء في جواز الحلف به وهذا الحديث دال على جوازه.

الرابعة: المنع في الشفاعة في الحدود، وهو إجماع، بعد بلوغه إلى السلطان، أما قبله فهو جائز عند أكثرُ العلماء إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب شر وأذى للناس، فإن كان لم يشفع فيه، أما المعاصي التي لا حد فيها وإنما فيها التعزير فيجوز الشفاعة والتشفيع فيها بالشرط السالف وإن بلغت الإِمام لأنها أهون.

الخامسة: حرمة التشفيع في صاحب الحد إذا بلغ الإِمام.

السادسة: تعظيم أمر المحاباة للأشراف في حقوق الله تعالى وحدوده وأنها سبب الهلاك، وقد نبّه عليه الصلاة والسلام على ذلك بهلاك من قبلنا من الأمم بذلك بالحصر "بإنهما" كما سلف.

(1) المفهم (5/ 77).

ص: 219

السابع: جواز تعليق القول بتقدير أمر آخر وقد شذ قوم في المنع من قول: "لو" فإنه صح "أنها تفتح عمل الشيطان"(1) لكن المنع مؤول على فعل أمر قد فات أو فعل محذور ونحوه.

الثامن: مساواة الشريف وغيره في أحكام الله وحدوده وأن من راع الشريف فيها يخشى عليه الهلاك.

التاسع: عدم مراعاة الأهل والأقارب والأصحاب في مخالفة الدين وقد حث الله تعالى على ذلك بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (2) وقوله: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ} (3)، الآية.

وقوله: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} ، الآية.

العاشر: جواز الحلف باسم الله وهو يمين عندنا بالنية لا عند الإِطلاق على الأصح لأنه لا يعرفه إلَّا الخواص، وعن مالك وأبي حنيفة أنه صريح.

الحادي عشر: استدل به لأحد القولين عند المالكية أنه قال: "والله لو وقع كذا لفعلت كذا" ونحو هذا، ومن ذلك لو كنت حاضرًا لك عند مخاصمة أخي لفقأت عينك، هل يكون حانثًا بهذا اللفظ أم لا؟

(1) سبق تخريجه في كتاب الحج.

(2)

سورة النساء: آية 135.

(3)

سورة التوبة: آية 24.

ص: 220