الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس
360/ 6/ 68 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أنه استشار الناس في إملاص المرأة، فقال المغيرة [بن شعبة] (1): شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرةٍ -عبدٍ، أو أمة-، فقال (2): لتأتين بمن يشهد معك، فشهد [معه] (3) [محمد] (4) بن مسلمة". ["إملاص المرأة": أن تلقى جنينها ميتًا](5).
الكلام عليه من وجوه: وهو أصل في إثبات الغرَّة:
أحدها: في التعريف بالأسماء الواقعة فيه.
أما عمر بن الخطاب: فسلف أول الكتاب.
(1) زيادة من متن العمدة على حاشية إحكام الأحكام.
(2)
البخاري (6905)، ومسلم (1683)، وأحمد (253)،والنسائي (8/ 47)، وأبو داود (4570، 4571)، وابن ماجه (2640)، والدارمي (2/ 296)، والبيهقي في السنن (8/ 198، 199)، والبغوي (10/ 207)، وابن أبي شيبة (6/ 238).
(3)
في ن هـ (له). وتوافق صحيح مسلم.
(4)
زيادة من ن هـ والمرجع السابق.
(5)
زيادة من متن حاشية إحكام الأحكام.
وأما المغيرة: فسلف في باب مسح الخف.
وأما محمَّد بن مسلمة: فهو حارثي أنصاري أوسي، كنيته أبو عبد الله، ويقال أبو عبد الرحمن: ويقال أبو سعيد، وهو حليف بني عبد الأشهل، واسم جده سلمة بن مالك بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن عمرو، وهو النبيت بن خالد بن الأوس، شهد محمَّد بدرًا والمشاهد كلها، وله أحاديث، روى عنه ابنه محمود وجابر وجماعة. وكان على مقدمة عمر في مسيره إلى الجابية، وكان شديد السمرة طويلًا أصلع ذا جثة، وكان من فضلاء الصحابة، وهو أحد الذين قتلوا كعب بن الأشرف، واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة مرة، وقد اعتزل الفتنة واتخذ سيفًا من خشب وأقام بالربذة، وكان له من الولد عشر ذكور وست بنات. وأمه: اسمها جليلة. مات سنة ثلاث وأربعين، وقيل: سبع، وقيل: ست من صفر عن سبع وسبعين سنة، وصلَّى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ أمير بالمدينة.
الثاني: وقع في "المستصفى" للغزالي أن حمل بن النابغة شهد عند عمر بذلك ولم يذكر محمَّد بن مسلمة، وهو غريب.
تنبيه: هذا الحديث رواه مسلم من رواية وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه، عن المسور بن مخرمة قال:"استشار عمر الناس" فذكره بلفظ المصنف؛ إلا أنه قال: "ائتني" بدل: "لتأتيني".
ورواه البخاري من حديث هشام عن أبيه، عن المغيرة، عن عمر نحوه؛ ومن حديث هشام عن أبيه:"أن عمر نشد الناس" فذكره
بنحوه، وفي بعض طرقه:"أن عمر قال للمغيرة: لا تبرح حتى تجيء بالمخرج مما قلت، فشهد معه محمَّد بن مسلمة".
واعترض الدارقطني (1) على رواية مسلم، فقال: وهم وكيع في هذا الحديث، وخالفه أصحاب هشام، فلم يذكروا فيه المسور، وهو الصواب، ولم يذكر مسلم غير حديث وكيع، وذكره البخاري حديث من خالفه، وهو الصواب، واعترض النووي في "شرح مسلم"(2)، فقال: إنما رواه البخاري عن هشام، عن أبيه، عن المغيرة:"أن عمر سأل عن إملاص المرأة"، ولابد من ذكر المسور أو عروة، وهو ابن المغيرة ليتصل الحديث، فإن عروة لم يدرك عمر.
الثالث: "الإِملاص" بكسر الهمزة: وهو جنين المرأة. يُقال: أملصت به، وأزلقت به. وأسهلت به وحطات به بمعنى كما نص عليه أهل اللغة، وهو إذا وضعته قبل أوانه، وكل ما زلق من اليد فقد ملص بفتح الميم وكسر اللام ملصًا بفتحهما، وأملص أيضًا لغتان، وأملصته أنا. ورواية مسلم. "ملاص المرأة" بحذف الألف وهو صحيح على لغة مَلِص مثل لزم لزامًا. يقال: مَلِص الشيء إذا قلت، لكن المعروف في اللغة: إملاص بالهمز، وهو ما ذكره الحميدي في "جمعه"، وفي بعض نسخ هذا الكتاب تفسير الإِملاص من كلام المصنف (3). قال:"إملاص المرأة"[مصدر أملصت]، وهو أن تلقي جنينها ميتًا، وإنما سمي بذلك لأنها تزلقه.
(1) الإلزامات والتتبع (317).
(2)
شرح مسلم (11/ 180).
(3)
كما في تعليق (5) ص 96 وما بين القوسين غير موجود في أحكام الإحكام.
رابعها: أصل الغرة في الوجه. ولهذا قال أبو عمرو (1). المراد بالغرة الأبيض منهما خاصة ولا يجزي الأسود. قال: ولولا أنه عليه الصلاة والسلام أراد بالغرة معنى زائدًا على [محض](2) العبد والأمة لما ذكرها ولاقتصر على قوله: "عبد أو أمة".
قال النووي (3): هذا قول [أبي](4) عمرو، وهو خلاف ما اتفق عليه الفقهاء أنه يجزي فيها البيضاء والسوداء، ولا تتعين البيضاء.
قال أهل اللغة: الغرة عند العرب أنفس الشيء، وأطلقت هنا على الإِنسان لأن الله خلقه في أحسن تقويم، فهو من أنفس المخلوقات. قال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} الآية.
قال الجوهري (5): وكأنه عبر بالغرة عن الجسم كله كما قالوا: أعتق رقبة.
واعلم أن الفاكهي نقل مقالة أبي عمرو هذا عن ابن عبد البر، والظاهر عندي وهمه في ذلك وسببه أن القاضي ثم النووي (6) حكياه عن ابن عمرو بالواو، وهو ابن العلا فظنه [أبا عمر](7) بن عبد البر فصرح به نسبة له.
(1) ذكره في إكمال إكمال المعلم (4/ 430) وصحفه (أبو عمر).
(2)
في ن هـ (شخص).
(3)
شرح مسلم (11/ 176).
(4)
في الأصل (ابن) وما أثبت من ن هـ وشرح مسلم.
(5)
مختار الصحاح (غ ر ر).
(6)
شرح مسلم (11/ 175).
(7)
في ن هـ (أبا عمرو).
خامسها: قوله "بغرة" هو منون و"عبدٍ أو أمة" بدل منه هكذا الرواية كما قاله القاضي وغيره، ويؤيده رواية البخاري:"قضى بالغرة عبد أو أمة" ورواه بعضهم؛ بالإضافة، والأول أوجه وأقيس وأصوب، لأن الإِضافة تكون من باب إضافة الشيء إلى نفسه، وهي قليلة.
و"أو" في قوله: "أو أمة" للتقسيم لا للشك، وجاء في بعض الروايات زيادة:"أو فرس أو بغل"(1)، وهي زيادة غير محفوظة، وإن أخذ بها بعض السلف. قاله البيهقي. وقال ابن القطان (2): بل زيادة صحيحة، لضعف الاعتلال.
قلت: وأوردها ابن حبان في صحيحه (3) من حديث محمَّد بن عمرو، عن ابن سلمة، عن أبي هريرة.
وأما النووي: فقال [في "شرح](4) مسلم" إنها زيادة باطلة، وكأنه فهم ذلك من قوله البيهقي السالفة.
سادسها: في أحكامه:
الأول: استشارة الإِمام في الأحكام إذا لم يعلمها.
الثاني: أن العلم الخاص قد يخفى عن الأكابر، فيتعلَّمونه ممن دونهم "فالحكمة ضالة المؤمن، حيث وجدها [التقطها] (5) ".
(1) أبو داود (4579)، والبيهقي (8/ 115).
(2)
بيان الوهم والإِيهام في كتاب الإِحكام (5/ 459).
(3)
ابن حبان (6022).
(4)
زيادة من ن هـ. شرح مسلم (11/ 176).
(5)
أخرجه الترمذي (2677) سوى ما بين القوسين وبدله (فهو أحق بها) القضاعي في مسنده الشهاب (146).
الثالث: الرد على من يغلو من المقلدين في أنه إذا استدل عليه بحديث، فيقال: لو كان صحيحًا لعلمه فلان مثلًا. فإن ذلك إذا خفي على أكابر الصحابة، وجاز عليهم فهو على غيرهم أجوز.
الرابع: أن دية الجنين غرة عبد أو أمة، وهو إذا ألقته ميتًا بسبب الجناية -وهو إجماع-.واعتبر الفقهاء أن يكون قيمتها عشر دية الأم أو نصف عشر دية الأب.
وقيل: لا يشترط ذلك لإِطلاق الخبر، ولا يشترط فيها أن تكون بيضاء -كما سلف- بل تجزي السوداء أيضًا.
قال مالك: والحمر أحب إليَّ من السود، فإن غلب ممن أوسط السودان. وقال الفاسي: فإن قلت الحمر بذلك البلد أخذ من السود ولا يجزي غير العبد والأمة من الحيوانات.
وشذَّ طاووس وعطاء ومجاهد: فقالوا لإجزاء الفرس، وشذ داود فقال بإجزاء كل ما وقع عليه اسم الغرة، وصريح الحديث يردهما وزيادة "أو فرس أو بغل" قد أسلفنا الكلام على حالها. وقال ابن سيرين: يجزئ مائة شاة. حكاه القرطبي (1) قال: وفي بعض طرق أبي داود: "خمس مائة شاة"، وهو وهم، وصوابه:"مائة شاة". وفي "مسند الحارث بن أبي أسامة"(2) من حديث حمل بن
(1) المفهم (5/ 61).
(2)
في مسند الحارث بن أبي أسامة "في الجنين غرة عبد، أو أمة، أو عشر من الإِبل، أو مئة شاة". أخرجه الطبراني (4/ 9)، وذكره في المطالب العالية برقم (1902).
مالك: "أو عشر من الإِبل" قال: وشذت شرذمة، فقالوا: لا شيء في الجنين، وهي محجوجة بهذه النصوص وبإجماع الصحابة.
تنبيهات:
أحدها: شرط الغرة التمييز، لأن من لا يميِّز لا استقلال له، والسلامة من عيب المبيع، لأن المعيب ليس من الخيار اللهم إلا أن يرضى به ويقبل كبير لم يعجز بهرم في الأصح، لأنه إذا لم ينته إلى الهرم هو من الخيار. وقيل: لا يقبل بعد عشرين سنة. وقيل: هذا في الجارية، أما الغلام، فلا يقبل بعد خمس عشرة لأنه لا يدخل على النساء بعد ذلك، وهذا كله من تصرف الفقهاء.
الثاني: اتفقوا على أن دية الجنين ما ذُكر، سواء كان الجنين ذكرًا أو أنثى، وإنما كان كذلك لأنه قد يخفى فيكثر فيه النزاع، فضبطه الشارع بضابط يقطعه، وسواء كان كامل الأعضاء أم ناقصها، أو كان مضغة تصور فيها خلق آدمي، ففي كل ذلك الغرة بالإِجماع.
الثالث: الغرة تكون لورثة الجنين على مواريثهم الشرعية، وهذا شخص يورث ولا يرث.
قال النووي في "شرح مسلم"(1): ولا يعرف له نظير إلا من بعضه حر وبعضه رقيق، فإنه لا يرث عندنا وهل يورث فيه قولان: أصحَّهما يورث.
قلت: ولا يخفى أن المعتق يورث ولا يرث، وشذَّ فقال: إن الجنين كعضو من أعضاء الأم، فتكون ديته لها خاصة. حكاه القاضي
(1) شرح مسلم (11/ 176).
عياض (1)، وقيل: يشاركها فيها الأب. وعن مالك أنها للأبوين أثلاثًا، فإن انفرد أحدهما فله وما أسلفناه هو مذهبنا ومذهب الجمهور.
رابعها: هذا كله إذا انفصل الجنين ميتًا كما أسلفته، فإن انفصل حيًا ثم مات وجب فيه كمال الدية، فإن كان ذكرًا وجب فيه مائة بعير، وإن كان أنثى فخمسون. وهذا مجمع عليه وسواء في هذا الخطأ والعمد.
وعند المالكية خلاف في إثبات القسامة فيه.
وقال أشهب: إن مات حين استهل فلا قسامة فيه، وإن خرج حيًا ثم مات ففيه القسامة. حكاه الباجي (2) عنه [ومشهور مذهب](3) مالك أنه لا قود فيه وإن كان عمدًا.
[خامسها](4): تُعرف حياته بالحركة والعطاس والرضاع وغير ذلك مما يستيقن به حياته عند الشافعي وأبي حنيفة والثوري وأكثر الفقهاء كما حكاه عنهم ابن عبد البر (5) قال: ومذهب مالك أن الاستهلال الصياح والبكاء دون الحركة والعطاس. وقال قتادة: لو مكثت الروح فيه ثلاثًا ما ورثته.
(1) ذكره في إكمال إكمال المعلم (4/ 432).
(2)
المنتقى (7/ 81).
(3)
في ن هـ (والمشهور من قول).
(4)
في ن هـ (تنبيه).
(5)
الاستذكار (25/ 82).
وحكى الباجي (1) خلافًا في العطاس والحدث، لأن الحدث من استرخاء [المواسك](2).
[سادسها](3): متى وجبت الغرة فهي على العاقلة لا على الجاني، وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وسائر الكوفيين.
وقال مالك والبصريون: تجب على الجاني، وهو قول قديم للشافعي.
وقال بعض المالكية: إن تعمد فعلى الجاني وإلا فعلى العاقلة.
سابعها: يلزم الجاني الكفارة أيضًا عند الشافعي وآخرين خلافًا لمالك وأبي حنيفة.
ثامنها: يُشترط انفصال الجنين ميتًا في حياتها أو موتها، وكذا إن ظهر بلا انفصال في الأصح عندنا.
ويتفرع: على الوجهين صور محل الخوض فيهما كتب الفروع، ولو ماتت الأم ثم خرج الجنين ميتًا فعندنا يجب فيه الغرة. وقال مالك وجمهور أصحابه: لا شيء فيه. ولو ماتت الأم ولم ينفصل الولد ولم يظهر فلا غرة، لأنا لا نتيقن وجود الجنين، فلا يوجب شيئًا بالشك.
تاسعها: لو فقدت الغرة فخمسة أبعرة، وقيل: القيمة.
(1) المنتقى (7/ 82).
(2)
في المرجع السابق (المرسل).
(3)
في ن هـ (خامسها) إلى آخر المسائل.
قال القاضي: ومقتضى مذهب مالك أنه يتخير بين إعطاء غرة أو عشر دية الأم.
عاشرها: هذا كله في جنين الحرة، وأما الرقيقة ففي جنينها عشر قيمة أمه يوم الجناية.
وقيل: يوم الإِجهاض وتكون الغرة لسيدها ومحل الخوض في ذلك كتب الفروع، فإنه أليق به.
الوجه الخامس: من أحكام الحديث تمسك بقول عمر رضي الله عنه: "لتأتين بمن يشهد معك" بعض من اعتبر العدد في الرواية. وهو مذهب غير صحيح، فإنه قد ثبت قبول خبر الواحد، العدل وهو قاطع بعدم اعتبار العدد فيها. وقد قبل عمر خبر الضحاك وغيره من غير استظهار (1). وأما طلب العدد في حديث جزئي فلا يدل على اعتباره كليًا، لجواز أن يحال ذلك على مانع خاص بتلك الصورة، أو قيام سبب يقتضي التثبت، وزيادة الاستظهار؛ لاسيما إذا قامت قرينة، مثل عدم علم عمر بهذا الحكم، وكذلك حديثه مع أبي موسى في الاستئذان (2).
(1) قال: قال عمر رضي الله عنه: الدية على العاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئًا. فأخبره الضحاك بن سفيان الكلابي: أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - كتب إليه: أن ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها.
أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح (2110).
(2)
الموطأ (964)، وأبو داود (5184)، وأحمد (3/ 439)، ومصنف ابن أبي شيبة (8/ 493).
قال الشيخ تقي الدين: ولعل الذي أوجب ذلك استبعاده عدم العلم به، وهو في باب إلاستئذان أقوى. وقد صرَّح عمر بأنه أراد أن يستثبت. وأجيب أيضًا بجواب آخر، وهو أن عمر رضي الله عنه كان يفعل هذا أول الأمر احتياطًا، وقد يُجاب بثالث بأنها شهادة على حكم الحاكم، فلهذا طلب العدد، لكنه بعيد.