الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع
381/ 7/ 72 - عن ثابت بن الضحاك الأنصاري رضي الله عنه أنه بايع رسول الله - صلي الله عليه وسلم - تحت الشجرة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من حلف على يمين بملة غير الإِسلام، كاذبًا متعمدًا، فهو كما قال. ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة. وليس على رجل نذر فيما لا يملك"(1).
وفي رواية: "لعن المؤمن كقتله".
وفي رواية: "ومن ادعى دعوى كاذبةً ليتكثر بها، لم يزده الله [عز وجل] (2) إلا قلة".
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: هذه الرواية الأخيرة هي من أفراد مسلم كما نبه عليه عبد الحق.
(1) البخاري (1363)، ومسلم (110)، والنسائي (7/ 55، 6، 19)، وأبو داود (3257)، والترمذي (1543)، وابن ماجه (2098)، وابن الجارود (924)، والحميدي (850)، وأحمد (4/ 33، 34)، والبيهقي (8/ 23)(10/ 30)، وأبو يعلى (1535)، والطيالسي (1197).
(2)
في هـ ساقطة.
ثانيها: في التعريف براويه وفيه اضطراب ذكرته فيما أفردته من الكلام على رجال هذا الكتاب فراجعها.
ثالثها: في أحكامه وفيه مسائل:
الأولى: الحلف بالشيء حقيقة هو القسم به، وإدخال بعض حروف القسم عليه كقوله:"والله، والرحمن"، وقد يطلق على التعليق بالشيء يمين كقول الفقهاء: حلف بالطلاق على كذا، ومرادهم تعليق الطلاق به، وهو مجاز لمتابعة اليمين في اقتضاء الحث أو المنع، والأقرب هنا هذا لأجل قوله:"كاذبًا متعمدًا" والكذب يدخل القضية الأخبارية التي يقع مقتضاها تارة، وتارة لا يقع.
وأما قولنا: "والله" وما أشبهه: فليس الإِخبار بها عن أمر خارجي. وهو الإِنشاء -أعني: إنشاء القسم- فتكون صورة هذا اليمين على وجهين:
أحدهما: أنه معلق بالمستقبل كأن فعلت كذا فهو يهودي، أو نصراني.
وثانيها: إنه يتعلق بالماضي، كقوله: إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني، فأما الأولى فلا تتعلق به الكفارة عندنا وعند المالكية، خلافًا للحنفية، وقد يتعلق الأولون بهذا الحديث فإنه لم يذكر كفارة، وجعل المرتَّب على ذلك قوله:"هو كما قال".
وأما الثاني: فلا كفارة فيه عندنا وعند المالكية ولا يكفر بذلك أيضًا إلَّا أن يقصد التعظيم. وفيه خلاف عند الحنفية فقيل إنه لا يكفر اعتبارًا بالمستقبل.
وقيل: يكفر لأنه تنجيز معنى، كما إذا قال:"هو يهودي" قال بعضهم: والصحيح أنه لا يكفر فيها، إن كان يعلم أنه يمين. وإن كان عنده أنه يكفر بالحلف، فقوله بملة غير الإِسلام يعم جميع الملل كاليهودية والنصرانية وغيرها.
الثالثة: الكذب عند أصحابنا المتكلمين هو الإِخبار عن الشيء على خلاف ما هو عمدًا كان أو سهوًا. وخالفت المعتزلة فشرطوا فيه العمد. وهذا الحديث وغيره يرد قولهم فإنه عليه الصلاة والسلام قيده بالعمد لأنه قد يكون سهوًا يسبق لسانه فلا يكون كما قال.
قال القاضي عياض (1): وقيد التعمد من زيادات سفيان الثوري وهي زيادة حسنة إن كان المتعمد الحلف بها مطمئن القلب بالإِيمان وهو كاذب في تعظيم ما لا يعتقد تعظيمه، فإن قاله معتقدًا لتعظيمها واعتقد اليمين بها لكونها حقًا فهو كافر كما اعتقد فيها.
الرابعة: قوله عليه الصلاة والسلام: "ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة". هو من باب مجانسة العقوبات الأخروية للجنايات الدنيوية، ويؤخذ منه أن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم. لأن نفسه ليست ملكًا له، وإنما هي لله تعالى فلا يتصرف فيها إلَّا بما أُذن.
قال القاضي عياض (2): وفيه دلالة لمالك -ومن قال بقوله- على أن القصاص من القاتل بما قتل به محدَّدًا كان أو غير محدد،
(1) ذكره في إكمال إكمال المعلم (1/ 219).
(2)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (1/ 218).
خلافًا لأبي حنيفة، اقتداءً بعقاب الله تعالى لقاتل نفسه في الآخرة. ثم ذكر حديث اليهودي، وحديث العرنيين، ونازعه الشيخ تقي الدين في أخذ ذلك من هذا الحديث، وقال: إنه ضعيف جدًا لأن أحكام الله تعالى لا تقاس بأفعاله. وليس كل ما فعله في الآخرة بمشروع لنا في الدنيا، كالتحريق بالنار، وإلساع الحيات والعقارب، وسقي الحميم المقطِّع للأمعاء.
وبالجملة فما لنا طريق إلى إثبات الأحكام إلَّا نصوص تدل عليها، أو قياس على المنصوص عن القياسيين، ومن شرط ذلك أن يكون الأصل المقيس عليه حكمًا. أما ما كان فعلًا لله تعالى فلا، وهذا ظاهر جدًا، وليس ما نعتقده فعلًا لله تعالى في الدنيا أيضًا بالمباح لنا. فإن الله تعالى يفعل ما يشاء بعباده ولا حكم عليه. وليس لنا أن نفعل بهم إلَّا ما أذن لنا فيه، بواسطة أو بغيرها.
الخامسة: التصرفات الواقعة قبل الملك للشيء على وجهين:
أحدهما: تصرفات التنجيز كما لو أعتق عبد غيره، أو باعه، أو نذر نذرًا متعلقًا به. فهذه تصرفات لاغية اتفاقًا، إلا من شذ في العتق خاصة، حيث قال يعتق عليه إذا كان موسرًا، وقيل: إنه رجع عنه.
ثانيها: التصرفات المتعلقة بالملك كتعليق الطلاق بالنكاح مثلًا، فهذا مختلف فيه، فالشافعي يلغيه كالأول، ومالك وأبو حنيفة يعتبرانه، ومشهور مذهب مالك باعتباره إذا خص دون ما إذا عمم. وقد يستدل للشافعي بهذا الحديث وما يقاربه ومخالفوه يحملونه على التنجيز،
أو يقولون بموجب الحديث، فإن التنفيذ إنما يقع بعد الملك، فالطلاق -مثلًا- لم يقع قبل الملك، فمن هاهنا يجيء القول بالموجب.
قال الشيخ: وهاهنا نظر دقيق في الفرق بين الطلاق -أعني تعليقه بالملك- وبين النذر في ذلك، فتأمله.
قلت: لعله إن الوفاء بالنذر قربة بل هو في أصله قربة على أحد الآراء فيه بخلاف أصل الطلاق فإنه أبغض الحلال إلى الله فلا يلزم الطلاق المعلق. بخلاف النذر المعلق.
قال الشيخ: واستبعد قوم تأويل الحديث وما يقاربه بالتنجيز من حيث إنه أمر ظاهر جلي لا تقوم به. فائدة: يحسن حمل اللفظ عليها وليست جهة هذا للاستبعاد يقويه فإن الأحكام كلها في الابتداء كانت متيقنة وفي إثباتها فائدة متجددة، وإنما حصل الشيوع والشهرة لبعضها فيما بعد ذلك، وذلك لا ينفي حصول الفائدة عند تأسيس الأحكام.
السادسة: اللعن الإِبعاد عن الرحمة وقطعه عنها والقتل هو الموت والقطع عن التصرفات، فقوله عليه الصلاة والسلام:"ولعن المؤمن كقتله" إما أن يكون كقتله في أحكام الدنيا، أو في أحكام الآخرة، لا يمكن الأول لأن قتله يوجب القصاص، ولعنه لا يوجب ذلك.
وأما الثاني: فإما أن يراد بها التساوي في الإِثم، أو في العقاب، وكلاهما مشكل الآن والإِثم يتفاوت بتفاوت مفسدة الفعل،
وليس إذهاب الروح في المفسدة كمفسدة الأذى باللعنة. وكذلك
العقاب يتفاوت بحسب تفاوت الجرائم، قال تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} . وذلك دليل على التفاوت في العقاب والثواب، بحسب التفاوت في المصالح والمفاسد، فإن الخيرات مصالح، والمفاسد شرور. نبه على ذلك الشيخ في "شرحه"(1)، ثم نقل عن القاضي عن المازري (2) أن الظاهر من الحديث التشبيه في الإثم وهو تشبيه واقع لأن اللعنة قطع عن الرحمة والموت قطع عن التصرف.
قال القاضي: وقيل لعنته يقتضي قصده بإخراجه من جماعة المسلمين ومنعهم منافعه ويكثر عددهم به كما لو قتله.
وقيل: لعنته تقتضي قطع منافعه الأخروية عنه، وبعده منها بإجابة لعنته. فهو كمن قُتل في الدنيا، وقطعت عنه منافعه فيها.
وقيل: معناه استواؤهما في التحريم. قال الشيخ: وأقول هذا يحتاج إلى تلخيص ونظر. أما ما حكاه عن الإِمام من أن الظاهر من الحديث تشبيه في الإِثم، وكذلك ما حكاه -من أن معناه استواؤهما في التحريم- فهذا يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يقع التشبيه والاستواء في أصل التحريم والإِثم.
والثاني: أن يقع في مقدار الإِثم.
فأما الأول فلا ينبغي أن يحمل عليه، لأن كل معصية -قلّت
(1) إحكام الأحكام (4/ 412).
(2)
المعلم بفوائد مسلم (1/ 306).
أو عظمت- فهي مشابهة أو مستوية مع القتل في أصل التحريم فلا يبقى في الحديث كبير فائدة، مع أن المفهوم منه تعظيم أمر اللعنة بتشبيهها بالقتل.
وأما الثاني فقد بينا ما فيه من الإِشكال. وهو التفاوت في المفسدة بين إزهاق الروح وإتلافها، وبين الأذى باللعنة.
وأما ما حكاه عن الإِمام -من قوله إن اللعنة قطع عن الرحمة، والموت قطع عن التصرف- فالكلام عليه أن نقول: اللعنة تطلق على نفس الإِبعاد الذي هو فعل الله تعالى. وهو الذي يقع فيه التشبيه.
والثاني: أن تطلق اللعنة على فعل اللاعن وهو طلبه لذلك الإِبعاد بقوله: "لعنه الله" مثلًا، أو بوصفه للشخص بذلك الإِبعاد بقوله:"فلان ملعون"، وهذا ليس بقطع عن الرحمة بنفسه، ما لم تتصل به الإِجابة، فيكون حينئذ تسببًا إلى قطع التصرف، ويكون نظيره التسبب إلى القتل. غير أنهما يفترقان في أن التسبب إلى القتل -بمباشرة الحزِّ وغيره من مقدمات القتل- مفض إلى القتل بمطرد العادة، فلو كان مباشرة اللعن مفضيًا إلى الإِبعاد الذي هو اللعن دائمًا لاستوى اللعن مع مباشرة مقدمات القتل، وزاد عليه. وبهذا يتبين لك الإِيراد على ما حكاه القاضي، من أن لعنته له تقتضي قصد إخراجه عن جماعة المسلمين كما لو قتله، فإن قصده إخراجه لا يستلزم إخراجه، كما يستلزمه مقدمات القتل، وكذلك أيضًا ما حكاه من أن لعنته تقتضي قطع منافعه الأخروية عنه بإجابة دعوته،
إنما يحصل ذلك بإجابة دعوته، وقد لا تجاب في كثير من الأوقات، فلا يحصل انقطاعه عن منافعه، كما يحصل بقتله.
ولا يستوي القصد إلى القطع بطلب الإِجابة، مع مباشرة مقدمات القتل المفضية إلى من مطرد العادة ويحتمل ما حكاه القاضي عن الإِمام وغيره -أو بعضه- أن لا يكون تشبيهًا في حكم دنيوي ولا أخروي بل يكون تشبيهًا لأمر وجودي بأمر وجودي كالقطع.
والقطع -مثلًا في بعض ما حكاه-، أي: قطعه عن الرحمة أو عن المسلمين بقطع حياته، وفيه بعد ذلك نظر، والذي يمكن أن يقرر به ظاهر الحديث -في استوائهما من الإِثم- أنا نقول: لا نسلم أن مفسدة اللعنة مجرد أداه، بل فيها -مع ذلك- تعريضه لإِجابة الدعاء فيه، بموافقة ساعة لا يُسأل الله فيها شيئًا إلَّا أعطاه، كما دل عليه الحديث من قوله عليه الصلاة والسلام:"لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا ساعة"(1)، الحديث. وإذا عرّضه باللعنة لذلك ووقعت الإِجابة، وإبعاده من رحمة الله، كان ذلك أعظم من قتله، لأن القتل تفويت الحياة الفانية قطعًا، والإِبعاد من رحمة الله أبعد ضررًا بما لا يحصى، وقد يكون أعظم الضررين على سبيل الاحتمال متساويًا أو مقاربًا لأخفها على سبيل التحقيق. ومقادير المصالح والمفاسد وأعدادهما أمر لا سبيل للبشر إلى الاطلاع على حقائقه، هذا آخر كلامه.
(1) أخرجه مسلم (3009).
وأجاب غيره بأوجه:
ومنها: أنه خرج مخرج المبالغة قصدًا للزجر عن اللعنة كقوله عليه الصلاة والسلام: "التمس ولو خاتمًا من حديد"(1) وكقوله: "ثم بيعوها ولو بضفير"(2).
ومنها: أن تكون مفسدته كمفسدة القتل لكن خفف فيه القود رفقًا، كما خفف الإِيجاب في السواك عن كل صلاة رفقًا.
ومنها: أن يكون المراد بالتشبيه بقتل الإنسان نفسه لأنه المتقدم في أول الحديث، فالتقدير ولعن المؤمن كقتله نفسه لأن المؤمن لا يكون لعانًا كما جاء في الحديث (3)، وإنما يلعن الكافر من كفر فقد أباح قتل نفسه فيكون لعنه مثل قتله نفسه لأنه نفى عنها الإِيمان المانع من قتلها فيكون كقتلها.
السابعة: التقييد في المؤمن يحتمل أن يكون للتشنيع والتشنيع كما تقدم نظيره في الحديث الخامس من قوله: "من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرىء مسلم" والظاهر أنه لإِخراج الكافر ولا خلاف في جواز لعن الكفار جملة من غير تعيين.
واختلفوا: في لعن العاصي المعين، والمشهور المنع ونقل ابن
(1) سبق تخريجه في النكاح.
(2)
سبق تخريجه في الحديث الثالث من كتاب الحدود.
(3)
ولفظه: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا البذيء ولا الفاحش". أحمد (1/ 404، 416)، والترمذي (1977)، والبيهقي (10/ 193، 243).
العربي الاتفاق عليه] (1).
الثامنة: قوله عليه الصلاة والسلام: "ومن ادعى دعوى كاذبة" إلى آخره هو عام في كل دعوى يتشبع بها المرء بما لم يعطه (2) من ادعى فضيلة ليست [له](3) أو علم أو إصلاح وغير ذلك من المزايا ويدخل فيه أيضًا الدعوى على خصمه بما ليس له والتكثر فيه يرجع إلى ضم ما ليس له إلى ماله والعلة فيه ذهاب بركته بضم الحرام إليه والتكثر في الأول يرجع إلى تعظيم الناس له على تقدير صحة ما
(1) نهاية السقط.
(2)
وفيه حديث عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" البخاري (5219)، ومسلم (2130)، وأبو داود (4997)، وشرح السنة (1/ 233)، وأحمد (6/ 345، 346، 353)، وقال البغوي في شرح السنة (9/ 161)، المتشبع: المتكثر بأكثر مما عنده يتصلف به، وهو الرجل يُرى أنه شبعان، وليس كذلك "كلابس ثوبي زور" قال أبو عبيد: هو المرائي يلبس ثياب الزهاد يُرى أنه زاهد. اهـ. غريب الحديث (2/ 253)، وقال غيره: هو أن يلبس قميصًا يصل بكميه كمين آخرين يُرى أنه لابس قميصين فكأنه يسخر من نفسه. ويُروى عن بعضهم أنه كان يكون في الحي الرجل له هيأة ونُبل، فإذا احتيج إلى شهادة زور، شهد بها، فلا تُرد من أجل نُبله وحُسن ثوبيه. وقيل: أراد بالثوب نفسه، فهو كناية عن حاله ومذهبه، والعرب تكنى بالثوب عن حال لابسه، تقول: فلان نقي الثياب: إذا كان بريئًا من الدنس وفلان دنس الثياب: إذا كان بخلافه، ومعناه: المتشبع بما لم يُعط بمنزلة الكاذب القائل ما لم يكن. اهـ.
(3)
زيادة يقتضيها السياق.
ادعاه والقلة فيه قلة قدره وتعظيمه عندهم لكذبه في دعواه بها ولو كان كاذبًا ثم قيد التكثر في الكذب خرج مخرج الغالب فإن غالب كذب الناس إنما هو لجلب الحطام.
فائدة: حكى ابن سيده "دعوى كاذب" بالتذكير لكن التأنيث أفصح، كما في الحديث. وحكى أيضًا "دعوى باطل".
فائدة ثانية: المضبوط في معظم الأصول "ليتكثر" بالثاء المثلثة وضبطه بعضهم بالمهملة، وله وجه وهو أن يصير ذلك كبيرًا عظيمًا.
التاسعة: في تلخيص الأحكام الواقعة في الحديث:
أولها: المنع من الحلف بملة غير الإسلام كاليهودية والنصرانية وغيرها مطلقًا، وكذا تعليق الحلف بها وتقدم ذكر الكفارة فيه وعدتها.
ثانيها: تحريم الجناية على نفسه بالقتل وإثمه بذلك.
ثالثها: المماثلة في القصاص، وقد سلف فيه.
رابعها: منع النذر فيما لا يملك وهل يجب عليه فيه كفارة يمين؟ قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وداود والجمهور: لا، لقوله عليه الصلاة والسلام:"لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك العبد" رواه مسلم (1) من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه وهو محمول على ما إذا أضاف النذر إلى معين ولا يملكه، بأن قال: إن
(1) مسلم (1641)، أبو داود (3316)، والنسائي (7/ 19)، وابن ماجه (2124)، والبغوي (2714)، وابن الجارود (933)، والحميدي (829).
شفى الله مريضي فللَّه علي أن أعتق عبد فلان أو أتصدق بثوبه أو بداره أو نحو ذلك، فأما إذا التزم في الذمة شيء لا يملكه فيصح نذره كأن شفا الله مريضي فللَّه علي عتق رقبة وهو في ذلك الحال لا يملك شيئًا.
وقال أحمد: يجب في النذر في المعصية ونحوها كفارة يمين. وفيه حديث من طريق عمران بن حصين (1) وعائشة (2)"لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين" لكنه حديث [ضعيف](3) باتفاق المحدثين، كما نقله النووي في "شرح مسلم".
وأما حديث عقبة بن عامر في صحيح مسلم: "كفارة النذر كفارة اليمين"، فاختلف العلماء في المراد به على أقوال:
أحدها: أنه محمول على نذر اللجاج والغضب كأن كلمت زيدًا مثلًا فللَّه عليّ حجة أو غيرها، فهو مخير بين كفارة يمين وبين ما التزمه، وهذا تأويل جمهور أصحابنا.
(1) النسائي (7/ 19، 28، 29 - 30)، قال ابن عبد البر في الاستذكار (15/ 51): هذان حديثان مضطربان لا أصل لهما عند أهل العلم بالحديث لأن حديث عائشة إنما يدور على سليمان بن أرقم وهو متروك الحديث، وعنه رواه ابن شهاب لا يصح عنه غير ذلك، وقد أوضحنا ذلك في التمهيد (6/ 96) وحديث عمران بن حصين يدور على زهير بن محمَّد، عن أبيه، وأبوه مجهول لم يرو عنه، غير ابنه زهير، وزهير أيضًا عنده مناكير. اهـ.
(2)
أبو داود (3190، 319)، والترمذي (1524)، والنسائي (1/ 686).
(3)
زيادة من شرح مسلم (11/ 101).
ثانيها: أنه محمول على النذر المطلق كقوله: للَّه عليّ نذر، وهذا تأويل مالك وكثيرين أو الأكثرين.
ثالثها: إنه محمول على نذر المعصية كمن نذر أن يشرب الخمر مثلًا، وهذا تأويل أحمد وبعض الشافعية.
رابعها: إنه محمول على جميع أنواع النذور، وهذا تأويل جماعة من فقهاء المحدثين وقالوا: إنه مخير في جميع المنذورات بين الوفاء بما التزمه، وبين كفارة اليمين (1).
خامسها: تغليظ التحريم في لعن المؤمن ووجوب احترامه ورعايته.
سادسها: تحريم الدعوى تكثرًا كاذبًا، وذم التكثر والكذب وتحريم تعاطي أسباب القلة المعنوية.
(1) وما ذكره هنا ساقه النووي في شرح مسلم (11/ 104).
باب النذور