الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
386/ 5/ 73 - عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي، صدقة إلى الله وإلى رسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك" (1).
الكلام عليه من وجوه:
سها بعض الشرَّاح فحذفه:
أحدها: في التعريف براويه: هو أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو محمَّد، ويقال: أبو بشير كعب بن مالك بن أبي كعب عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي المدني الشاعر.
(1) البخاري (6690)، ومسلم (2769)، والترمذي (3102)، وأبو داود (3317)، والنسائي (6/ 152، 153)، وفي الكبرى له (5615، 5616، 5617، 11232)، وعبد الرزاق (5/ 397، 399)، والطبراني في الكبير (19/ 42، 46 ، 53)، أحمد (3/ 454، 456، 460)، وابن جرير في التفسير (7/ 11).
أحد الثلاثة الذين تيب عليهم بسبب التخلف عن تبوك: هلال بن أمية الواقفي، ومرارة بن الربيع العامري ويقال: ابن ربيعة، ويقال: ابن ربعي. وقد ضبط أهل السير أسماءهم وأن أولها "مكة"(1)، وآخر أسماء آبائهم "عكة"، وفيهم أنزلت:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا. . . .} (2) الآية وقصتهم مشهورة في الصحيحين بطولها. [وكان](3) ممن شهد العقبة، واختلف في شهوده بدرًا، والصحيح أنه لم يشهدها، وشهد أحدًا والمشاهد كلها، حاشا تبوك، فإنه تخلف عنها.
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة آخى بينه وبين طلحة بن عُبيد الله حين آخى بين المهاجرين والأنصار. وأمه ليلى بنت زيد بن ثعلبة من بني سلمة أيضًا، وكان يهجو المشركين، ويتهددهم بالحرب، ويقول: فعلنا ونفعل. وكان شعراء المسلمين ثلاثة: حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك. فكان كعب يخوفهم الحرب، وابن رواحة يعيرهم بالكفر، وكان حسان يقبل [على](4) الأنساب قاله ابن سيرين [قال](5) وأما شعراء
(1) إشارة إلى رمز الاسم، مرارة، كعب، هلال هذا بالنسبة: إلى مكة" فـ"الميم" ترمز إلى مرارة و"الكاف" إلى كعب، و"الهاء" إلى هلال.
وأما عكة فالحروف ترمز إلى آخر أسماء الآباء فـ "العين" ترمز للربيع، و"الكاف" ترمز إلى مالك و"الهاء" ترمز إلى أمية.
(2)
سورة التوبة: آية 118.
(3)
زيادة من ن هـ.
(4)
زيادة من هـ.
(5)
زيادة من ن هـ.
المشركين: فعمرو بن العاص وعبد الله بن الزبعري. وأبو سفيان بن الحارث.
روى كعب عن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ثمانين حديثًا، اتفقا منها على ثلاثة، وللبخاري حديثٌ، ولمسلم حديثان. روى عنه بنوه عبد الله وعبد الرحمن وعُبيد الله ومحمد ومعبد وحفيده عبد الرحمن بن عبد الله وابن عباس وطائفة، عَمِنَ في آخر عمره، ومات بالمدينة في خلافة معاوية سنة خمسين وقيل: إحدى، وقيل: ثلاث، وقد جاوز الستين.
الثاني: لم يتبين في رواية المصنف مقدار البعض، الممسك، وجاء مبينًا في سنن أبي داود تعيينه ففيه قلت: يا رسول الله إن من توبتي إلى الله أن أخرج من مالي كله إلى الله وإلى رسوله صدقة، قال:"لا". قلت: "فنصفه". قال: "لا". قلت: فثلثه. قال: نعم. قلت: فإني سأمسك سهمي من خيبر، وهذه الرواية في سندها محمَّد بن إسحاق، وقد صرح بالتحديث فيكون حجة.
الثالث: معنى: "إن من توبتي" من شكر توبتي.
ومعنى: "انخلع" أخرج منه. كما جاء في "سنن أبي داود" كما ذكرناه آنفًا.
الرابع في فوائده وأحكامه:
الأولى: قصد فعل الخيرات، والتصدق بكل المال.
الثانية: المشاورة في الأمور المهمة لأهل العلم والدين، والشفقة بالمشاور، وإنما أورد الاستشارة بصيغة الحكم، لشدة ما حصل له من الفرج بالتوبة.
الثالثة: استحباب الصدقة شكرًا لما يتجدد من النعم، لاسيما لما عظم منها، وهو أصل لأهل الطريق في عمل الشكران عند تجدد النعم أو دفع النقم ونحو ذلك.
الرابعة: أن الصدقة لها أثر في محو الذنوب، فإنها تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار (1)؛ [ولهذا](2) شرعت الكفارات المالية، لما فيها من صلاحية محو الذنوب، ويترتب عليها الثواب الحاصل بسببها، وقد تحصل به الموازنة. فيمحي أثر الذنوب، وقد يكون دعاء من يتصدق عليه سببًا للمحو أيضًا. كذا ذكر هذا الاستنباط الشيخ تقي الدين (3)، ويترجح فيه، لأن تصدقه هنا لأجل الشكر، لا لمحو الذنب، فإنه لا ذنب إذن وأنه قال ذلك بعد أن تيب عليه.
(1) أحمد (3/ 321، 399)، عبد الرزاق (20719)، ابن جان (1723)، الطبراني في الكبير (19/ 361)، الحاكم (4/ 422، 479)، قال في مجمع الزوائد (5/ 247) رواه أحمد والبزار ورجالهما رجال الصحيح، وأيضًا (10/ 230، 231)، وقال رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.
(2)
في ن هـ (ولأجل هذا).
(3)
إحكام الأحكام (4/ 426).
الخامسة: أن التقرب إلى الله [تعالى](1) بمتابعة [رسوله -عليه أفضل الصلاة والسلام-](2).
السادسة: أن إمساك ما يحتاج إليه من المال أولى من إخراجه كله في الصدقة. وقد قسم العلماء ذلك بحسب اختلاف حال الإِنسان في صبره على الضرّ والإِضافة، فإن كان لا يصبر على ذلك كُره له، وإن كان يصبر فلا. وعلى ذلك تنزل الأخبار المختلفة الظواهر. وصحح أصحابنا أيضًا أنه يحرم عليه أن يتصدق بما يحتاج إليه لنفقة من يلزمه نفقته أو لدين لا يرجو له وفاء.
السابعة: استدل به بعض المالكية على مذهبه أن من نذر التصدق بكل ماله أكتفي منه بالثلث وهو ضعيف، كما قال الشيخ تقي الدين (3)، لأن اللفظ الذي أتى به كعب بن مالك ليس بتنجيز صدقته حتى يقع في محل الخلاف، وإنما هو [لفظ عن](4) نية قصد فعل متعلقها -ولم يقع بعد- فأشار عليه الصلاة والسلام بأن لا يفعل (5) ذلك، [ويمسك](6) بعض ما له، وذلك قبل إيقاع ما عزم عليه. هذا ظاهر اللفظ، أو هو محتمل له وكيفما كان فتضعف منه الدلالة على مسئلة الخلاف، وهو تنجيز
(1) زيادة من ن هـ.
(2)
زيادة من ن هـ.
(3)
إحكام الأحكام (4/ 426).
(4)
زيادة من ن هـ والمرجع السابق.
(5)
في ن هـ زيادة واو.
(6)
في ن هـ (بمسك)، وفي إحكام الأحكام "وأن يمسك".
الصدقة بكل المال نذرًا مطلقًا أو معلقًا.
قلت: وأما أبو داود (1) ففهم منه نذر الصدقة بكل ماله، وترجم عليه في "سننه" [في] (2) باب: فيمن نذر أن يتصدق بماله، وأورد في أثنائه الرواية التي أسلفناها عنه وتبعه المصنف، فأدخله في النذور أيضًا، وفيه النظر المذكور.
(1) سنن أبي داود (3/ 612).
(2)
زيادة من ن هـ.