الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن
362/ 8/ 68 - عن عمران بن حصين رضي الله عنهما: "أن رجلًا عض يد رجل، فنزع يده من [فمه] (1) فوقعت ثنيتاه، [فاختصموا] (2) إلى [رسول الله] (3) صلى الله عليه وسلم، فقال: يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل، لا دية لك"(4).
الكلام عليه من وجوه: والتعريف براويه سلف في باب التيمم.
الأول: المعضوض هو أجير يعلى، وقيل: يعلى نفسه ابن أمية، ويقال: ابن منية يُنسب تارة إلى أبيه وتارة إلى أمه، وقيل إنها جدته، والرواية الأولى هي الصحيحة المعروفة عند الحفاظ. وقال صاحب "المفهم" (5): إنها الأولى والأليق من رواية مسلم: "أن يعلى
(1) في متن حاشية إحكام الإِحكام (فيه).
(2)
في المرجع السابق (فاختصما).
(3)
في المرجع السابق (إلى النبي).
(4)
البخاري (2265)، ومسلم (1674)، وأحمد (4/ 222)، وأبو داود (4584)، والنسائي (8/ 30)، وابن ماجه (2656)، والنسائي في الكبرى (6962، 6963، 6964)، والدارمي (2/ 195)، وعبد الرزاق (9/ 355)، والطبراني في الكبير (18/ 187).
(5)
المفهم (5/ 32).
قاتل رجلًا فعضَّ أحدهما صاحبه" الحديث، إذ لا يليق هذا الفعل بيعلى مع جلالته وفضله.
وقال النووي (1) يحتمل أنهم قضيتان جرتا ليعلى ولأجيره في وقتين مختلفين.
تنبيه: والد يعلى هو أمية -كما أسلفناه- ابن أبي عبيد بن همام بن الحارث الحنظلي التميمي، كنيته أبو خالد، وقيل: أبو صفوان أسلم يوم الفتح وشهد حنينًا والطائف، وكان معروفًا بالسخاء. قُتل سنة ثمان وثلاثين مع علي بصفين بعد أن شهد الجمل مع عائشة.
وأمه مُنية بضم الميم وإسكان النون وفتح المثناة تحت، ثم هاء بنت جابر عمة عتبة بن غزوان. ويقال: أخته. وقال الدارقطني: منية بنت الحارث جدته أم أبيه، وبها يُعرف. قاله الزُّبير بن بكار، وأهل الحديث يقولون إنها أمه.
قال القاضي (2): وصحفه بعضهم فقال: منبة بضم الميم ثم نون مفتوحة ثم باء موحدة، وكان ابن وضاح يقول: أمه منية وأبوه منية، ووهم في اسم الأب، وإنما هو أمية. قال أبو عمر: ولم يصب الزُّبير في دعواه أنها جدته.
الثاني: كانت هذه القصة في غزوة تبوك، أعني قصة أجير يعلى.
(1) شرح مسلم (11/ 160).
(2)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (4/ 414).
الثالث: "الفحل" بالحاء المهملة أي: الفحل من الإِبل وغيرها من الدواب.
وقوله: "فمه" كذا هو بإثبات الميم، وفي بعض نسخ الصحيحين بالياء المثناة تحت بدلها، وهو الأكثر في اللغة، وإن كانت الأولى فأشبه كثيرة.
وقوله: "فوقعت [ثنيتاه] (1) " كذا هو بالتثنية، وفي بعض الروايات في الصحيح بالتوحيد.
الرابع: في أحكامه:
[أحدها](2): تحريم العض. [وأنه ليس من شيم بني آدم](3).
ثانيها: الحديث قال لمذهب الشافعي وأبي حنيفة وكثيرين أو الأكثرين على أنه لا ضمان فيما إذا عض إنسان يد آخر فانتزعها فسقطت سنه بشرط أن لا يمكنه تخليص يده بغير ذلك من ضرب في شدقيه أو فك لحييه ليرسلها، فلو أمكن تخليصها بأيسر ما يقدر عليه فانتقل إلى الأثقل. فعليه الضمان.
وأجاز المارودي (4) من الشافعية له أن ينزع يده من فيه بجبذها ولو سقطت أسنانه، ابتداءً من غير عجز عن نزعها بفك لحييه
(1) في الأصل (ثنيته).
(2)
في الأصل الخامس وما أُثبت من ن هـ إلى آخر المسائل.
(3)
زيادة من هـ.
(4)
الحاوي الكبير (17/ 370، 371).
ونحوه، ولو لم يمكنه التخليص إلا بعضو آخر بأن يبعج بطنه أو يفقأ عينه أو يعصر خصييه، فله ذلك على الصحيح.
وقيل: ليس له قصد عضو آخر.
وخالف مالك في ذلك فقال في المشهور عنه. يجب الضمان في السن مطلقًا، والحديث صريح لمذهب الأكثرين.
ونقل المازري (1) مثل مقالة مالك عن الشافعي، وهي غريبة لا نعرفها في مذهبه. وتبعه القرطبي (2)، ثم شرع يخرج قولًا للشافعي من مسألة الصائل: إنه لا ضمان وهو عجيب.
ونقل المازري عن بعض محققي شيوخهم أن من ضمنه علله بأنه يمكنه النزع برفق حتى لا تتقلع أسنانه، فإذا زاد على ذلك صار متعدِّيًا بالزيادة، فضمن، وحملوا الحديث على من لا يمكنه النزع إلا بما أدى إلى سقوط الأسنان.
وقال بعضهم: لعل أسنانه كانت متحركة فسقطت عقب النزع، وهو بعيد من ظاهر الحديث، فلا تشتغل به والتقييد بعدم الإِمكان -كما أسلفته- ليس في الحديث، ولكن يؤخذ من القواعد الكلية، وكذا إلحاق عضو آخر غير الفم وإن كان النص ورد في صورة مخصوصة.
ثالثها: رفع الجنايات إلى الحكام لأجل الفصل.
(1) المعلم بفوائد مسلم (2/ 379).
(2)
المفهم (5/ 33).
رابعها: تشبيه فعل الآدمي بفعل الحيوان الذي لا يعقل للتنفير عن مثل فعله.
خامسها: أن المتعدي بالجناية إذا ترتبت عليه جناية بسبب جنايته يوجب ضمانًا بمجردها أنه لا يجب له ضمان تلك الجناية بدية ولا قيمة.