الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
504.
... بِأَنَّهَا تُعَادِلُ السَّمَاعَا
…
وَقَدْ أَبَى الْمُفْتُوْنَ ذَا امْتِنَاعَا
505.
... إِسْحَاقُ وَالثُّوْرِيْ مَعَ النُّعْمَانِ
…
وَالشَّافِعيْ وَأحْمَدُ الشَّيْبَانِيْ
506.
... وَ (ابْنُ الْمُبَارَكِ) وَغَيْرُهُمْ رَأوْا
…
بِأَنَّهَا أَنْقَصُ، قُلْتُ: قَدْ حَكَوْا
507.
... إِجْمَاعَهُمْ بِأَنَّهَا صَحِيْحَهْ
…
مُعْتَمَداً، وَإِنْ تَكُنْ مَرْجُوْحَةْ
القسمُ الرابعُ من أقسامِ الأَخذِ والتحمُّلِ: المناولةُ،
وهي على نوعينِ:
الأولُ: المناولةُ المقرونةُ بالإجازةِ، وهي أَعلى أنواعِ الإجازةِ على الإطلاقِ.
ثُمَّ لهذهِ المناولةِ العاليةِ صورٌ، أعلاها أنْ يُناولَهُ شيئاً من سماعِهِ، أصلاً أو فرعاً مقابلاً به، ويقولَ: هَذا مِنْ سَمَاعِي، أو رِوَايَتِي عن فلانٍ فاروهِ عنِّي، ونحو ذلكَ. وكذا لو لم يذكرْ شيخَهُ وكان اسمُ شيخِهِ في الكتابِ المُنَاول، وفيهِ بيانُ سماعِهِ منهُ، أو إجازتِهِ منهُ، ونحوِ ذلكَ، ويُمَلِّكُهُ الشيخُ لهُ، أو يقولُ له: خُذْهُ وانتسخْهُ، وقابلْ به، ثم رُدَّهُ إليَّ، ونحَو ذلك. ومنها أَنْ يناولَهُ له ثُمَّ يَرْتَجِعَهُ منهُ في الحالِ، وسيأتي حكمُ هذهِ الصورةِ في الأبياتِ التي تلي هذهِ، ومنها أَنْ يُحضِرَ الطالبُ الكتابَ - أَصْلَ الشيخِ أو فرعَهُ المُقابلَ بهِ - فيعرضَهُ عليهِ، وسَمَّاهُ غيرُ واحدٍ من الأئمةِ عَرْضَاً، فيكونُ هذا عَرْضَ المناولِة، وقد تقَدَّمَ عَرْضُ السَّماعِ. فإذا عَرَضَ الطالبُ الكتابَ على الشَّيْخِ، تأَمَّلَهُ الشَّيْخُ، وهوَ عارفٌ مُتَيَقِّظٌ، ثمَّ يُنَاولُهُ للطالبِ، ويقولُ: هوَ روايتي عن فلانٍ أو عمَّنْ ذُكِرَ فيه، أو نحوَ ذلك، فاروِهِ عنِّي، ونحوَ ذلكَ. ولم يتعرضِ ابنُ الصلاحِ لكونِ الصورةِ الأُوْلى من صُوَرِ المناولةِ أعلى، ولكنَّهُ قَدَّمَها في الذِّكْرِ، وقالَ القاضي عياضٌ: أَرفعُها أَنْ يدفعَ الشَّيْخُ كتابَهُ للطالبِ فيقولَ: هذهِ روايتي فارْوِها عنِّي، ويدفَعَها إليهِ، أو يقولَ له: خذْها فَانْسَخْهَا، وقابلْ بها ثمَّ اصْرِفْهَا إليَّ، أو يأتيهِ الطالبُ بنسخةٍ
صحيحةٍ إلى آخرِ كلامِهِ. وهذهِ المناولةُ المقرونةُ بالإجازةِ حَالَّةٌ محلَّ السَّماعِ عندَ بعضهِم، كما حكاهُ الحاكمُ عن ابنِ شهابٍ، وربيعةَ الرأي، ويحيى بنِ سعيدٍ الأنصاريِّ، ومالكٍ في آخرينَ مِن أهلِ المدينةِ، ومَكَّةَ والكوفةِ والبصرةِ والشامِ ومصرَ وخُراسانَ.
وفي كلامِهِ بعضُ تخليطٍ؛ إذْ خلطَ عَرْضَ المناولةِ بعرْضِ السَّمَاعِ، وقالَ الحاكمُ في هذا العرضِ: أما فقهاءُ الإسلامِ الذين أَفتوْا في الحلالِ والحرامِ فإنَّهم لم يَرَوْهُ سماعاً، وبهِ قالَ الشافعيُّ والأوزاعيُّ والبويطيُّ والْمُزَنيُّ وأبو حنيفةَ وسفيانُ الثوريُّ وأحمدُ بنُ حنبلٍ وابنُ المباركِ ويحيى بنُ يحيى وابنُ راهويهِ. قالَ: وعليهِ عَهِدْنَا أَئمَتَنا، وإليهِ ذهبوا، وإليهِ نَذْهَبُ. وقالَ ابنُ الصلاحِ: إنَّهُ الصحيحُ وإنَّ هذا مُنْحَطٌّ عن التَّحْدِيثِ والإخبارِ.
وقولي: (قُلتُ: قَدْ حَكَوَا إجماعَهُمْ)، أي: أجماعَ أهلِ النقلِ، وإنما زدْتُ نَقْلَ اتفاقِهم هنا؛ لانَّ الشيخَ حكى الخلافَ المتقدِّمَ في الإجازةِ، ولم يحكِ هنا إلَاّ كونَها مُوازيةً للسَّمَاعِ أولا، فأردْتُ نَقْلَ اتفاقِهِم على صَحَّتِهَا، وقد حكاهُ القاضي عياضٌ في " الإِلماعِ " بعد أنْ قالَ: وهي روايةٌ صحيحةٌ عند معظمِ الأئَمةِ والمحدِّثينَ، وسَمَّى جماعةً، ثُمَّ قالَ: وهو قولُ كافةِ أهلِ النقلِ والأَداءِ والتحقيقِ من أهلِ النَّظَرِ. انتهى.
وقولي: (مُعتَمَداً) ، هو بفتحِ الميمِ، وهو تمييزٌ، أي: صحيحةً اعتماداً.
508.
... أَمَّا إذا نَاولَ وَاسْتَرَدَّا
…
فِي الْوَقْتِ صَحَّ وَالْمُجَازُ أَدَّى
509.
... مِنْ نُسْخَةٍ قَدْ وَافَقَتْ مَرْوِيَّهْ
…
وَهَذِهِ لَيْسَتْ لَهَا مَزِيَّهْ
510.
... عَلَى الذَّيِ عُيَّنَ فِي الاجَازَهْ
…
عِنْدَ الْمُحَقِّقِيْنَ لَكِنْ مَازَهْ
511.
... أَهْلُ الْحَدِيْثِ آخِراً وَقِدْمَا
…
أَمَّا إذا مَا الشَّيْخُ لَمْ يَنْظُرْ مَا
512.
... أَحْضَرَهُ الطَّالِبُ لَكِنْ اعْتَمَدْ
…
مَنْ أَحْضَرَ الْكِتَابَ وَهْوَ مُعْتَمَدْ
513.
... صَحَّ وَإِلَاّ بَطَلَ اسْتِيْقَانَا
…
وَإِنْ يَقُلْ: أَجَزْتُهُ إِنْ كَانَا
514.
... ذَا مِنْ حَدِيْثِي، فَهْوَ فِعْلٌ حَسَنُ
…
يُفِيْدُ حَيْثُ وَقَعَ التَّبَيُّنُ
هذا أحدُ صورِ المناولةِ الذي تقدمَ الوعدُ بذكرِهِ، وهو أَنْ يُنَاولَهُ الشيخُ الكتابَ، ويجيزُ له روايتَهُ ثم يرتجِعَهُ منه في الحالِ. فالمناولةُ صحيحةٌ ولكنها دونَ الصُّوَرِ المتقدمَةِ لعدمِ احتواءِ الطالبِ عليهِ وغيبتِهِ عنهُ.
وقولي: (والمجُازُ)، أي: والمجازُ له، وهو مبتدأٌ خبرُهُ: أدَّى، أي: ومَنْ تناولَ على هذهِ الصُّورَةِ فَلَهُ أَن يُؤَدِّيَ مِنَ الأَصْلِ الذي ناولَهُ لهُ الشيخُ واستردَّهُ، إذا ظَفَرَ بهِ، معَ غَلبَةِ ظنِّهِ بسلامتِهِ من التغييرِ، أو مِنْ فَرْعٍ مُقَاْبَلٍ بهِ كذلكَ، وهو المرادُ بقولي:(قَدْ وَافَقَتْ مَرْوِيَّهْ) أي: الكتابَ الذي تناولَهُ، إمَّا بكونِهِ من الكتابِ المُنَاولِ نفسِهِ، مَعَ غَلَبَةِ السلامةِ، أو مِنْ نسخةٍ توافِقُهُ بمقابَلَتِهِ، أو إخبارِ ثقةٍ بموافقَتِها، ونحوِ ذلكَ.
وقولي: (وَهَذِهِ)، أي: وهذهِ الصورةُ من صُوَرِ المناولةِ ليستْ لها مزيةٌ على الإجازةِ بكتابٍ مُعَيَّنٍ، قالَ القاضي عياضٌ: وعلى التحقيقِ فليسَ هذا بشيءٍ زائدٍ على
معنى الإجازَةِ للشيءِ المُعَيَّنِ من التصانيفِ المشهورةِ والأَحاديثِ المعروفةِ المُعَيَّنَةِ، ولا فرقَ بين إجازتِهِ إيَّاهُ أَنْ يُحَدِّثَ عنه بكتابِ " الموطأ " وهوَ غائبٌ أو حاضرٌ، إذ المقصودُ تعيينُ ما أَجَازَهُ لهُ. لكنْ قديماً وحديثاً شيوخُنُا من أَهلِ الحديث يَرَوْنَ لهذا مزيةً على الإجازةِ. قال: - ولا مزيةَ له عند مشايخِنا من أَهلِ النظرِ والتحقيقِ، بخلاف الوُجُوْهِ الأُوَلِ.
فقولي: (عِنْدَ المُحَقِّقينَ) مما زِدْتُهُ على ابنِ الصَّلاحِ من كلامِ القاضي عياضٍ. وابنُ الصلاحِ إنَّمَا حَكَى هذا عن غيرِ واحدٍ من الفقهاءِ والأُصوليينَ لا عن أَهلِ التحقيقِ، كما قالَ عياضٌ، واللهُ أعلمُ.
ومن صُوَرِ المناولةِ: أنْ يُحْضِرَ الطالبُ الكتابَ للشيخِ، فيقولَ: هذا روايتُكَ فناولْنِيْهِ وأَجِزْ لي روايتَهُ فلا ينظرُ فيه الشيخُ، ولا يتحقَقُ أَنَّهُ روايتُه، ولكنِ اعتمدَ خبرَ الطالبِ، والطالبُ ثقةٌ، يُعتمَدُ على مثلِهِ، فَأجابَهُ إلى ذلكَ؛ صحتِ المناولةُ والإجازةُ. وإنْ لم يكنِ الطالبُ موثوقاً بخبرِهِ ومعرفتِهِ، فإنَّهُ لا تجوزُ هذهِ المناولةُ، ولا تصحُّ، ولا الإجازةُ فإنْ ناولَهُ وأَجازَهُ، ثُمَّ تبيَّنَ بعدَ ذلكَ بخبرِ ثقةٍ يُعتمدُ عليه: أَنَّ ذلك كان من سماعِ الشيخِ أو مِنْ مرويَّاتِه فهل يُحكَمُ بصحةِ المناولةِ والإجازة السابقتَيْنِ؟ لَمْ يَنُصَّ عَلَى هذهِ صريحاً ابنُ الصلاحِ، وعمومُ كلامهِ يقتضي: أنَّ ذَلِكَ لا يصحُّ. وَلَمْ أرَهَ أيضاً في كلامِ غيرِهِ، إلَاّ في عمومِ كلامِ الخطيبِ الآتي. والظاهرُ الصحَّةُ؛ لأَنَّهُ تبيَّنَ بعدَ ذلكَ صحَّةُ سماعِ الشيخِ لما ناولَهُ وأجازَهُ، وزالَ ما كنَّا نخشى من عدمِ ثقةِ المُخْبِرِ، واللهُ أعلمُ. قالَ الخطيبُ: ولو قالَ: حَدِّثْ بما في هذا الكتابِ عنِّي إنْ كانَ مِنْ حَدِيْثِي، مع براءَتي
مِنَ الغَلَطِ والوَهْمِ، كانَ ذلكَ جائزاً حسناً. انتهى. ويدخلُ في كلامِ الخطيبِ الصورتانِ: ما إذا كان مَنْ أحضرَ الكتابَ ثقةً معتمداً؛ وما إذا كان غيرَ موثوقٍ به. فإنْ كانَ ثقةً، جازتِ الروايةُ بهذهِ المناولةِ والإجازةِ، وإن كانَ غيرَ موثوقٍ بهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ الإجازةِ بخبرِ مَنْ يوثَقُ به أَنَّ ذلك الذي ناولَهُ الشيخُ كانَ مِنْ مرويَّاتِهِ؛ جازتْ روايتُهُ بذلك. وأشرتُ إلى ذلكَ بقولي:(يُفيدُ حَيْثُ وَقَعَ التَّبَيُّنُ) . وهذا النصفُ الأخيرُ من الزوائدِ على ابنِ الصلاحِ.
515.
... وإنْ خَلَتْ مِنْ إذْنِ المُنَاْولَهْ
…
قِيْلَ: تَصِحُّ والأَصَحُّ بَاْطِلَهْ
هذا النوعُ الثاني من نوعَيْ المناولةِ: وهو ما إذا تجرَّدَتِ المناولةُ عن الإجازة بأَنْ يُنَاولَهُ الكتابَ، ويقول: هذا مِنْ حَدِيْثِي، أو من سَمَاعَاتي، ولا يقولُ لهُ: ارْوِهِ عنِّي، ولا أَجزتُ لكَ روايتَهُ، ونحوَ ذلكَ. وقدِ اخْتُلِفَ فيها، فحكى الخطيبُ عن طائفةٍ من أهلِ العلمِ: أنَّهم صَحَّحُوها وأَجازوا الروايةَ بها، وقالَ ابنُ الصلاحِ: هذهِ إجازةٌ مختلةٌ، لا تجوزُ الروايةُ بها، قالَ: وعابَها غيرُ واحدٍ مِنَ الفقهاءِ والأصوليينَ على المحَُدِّثِيْنَ الَّذِيْنَ أَجازوها، وسَوَّغُوا الروايةَ بِهَا. وَقَالَ النوويُّ في "التقريبِ والتيسيرِ": لا تجوزُ الروايةُ بِهَا عَلَى الصحيحِ الَّذِي قَالَهُ الفقهاءُ، وأصحابُ الأصولِ. قلتُ: ما أطلقَهُ من أَنَّهُ قالَهُ الفقهاءُ وأصحابُ الأصولِ معَ كونهِ مخالفاً لكلامِ ابنِ الصَّلَاحِ في حكايتهِ لذلكَ عنْ غيرِ واحدٍ، فهوَ مخالِفٌ لما قالهُ جماعةٌ من أهلِ الأصُولِ، مِنْهُمْ صاحبُ "