الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويُحْسَبُ من الأَصلِ. قالَ ولا يُخرَّجُ إلَاّ لما هوَ من نفسِ الأَصلِ، لكن رُبمَّا جُعلَ على الحرَفِ كالضَّبَّةِ، أو التصحيحِ، ليدُلَّ عليهِ. وسيأتي بيانُ التضبيبِ والتصحيحِ بعدَهُ. وقالَ ابنُ الصلاحِ: التخريجُ أَوْلَى، وأَدلُّ من وَسَطِ الكلمةِ، كما تقدَّمَ.
التَّصْحِيْحُ، وَالتَّمْرِيْضُ، وهُو التَّضْبِيْبُ
590.
... وَكَتَبُوْا (صَحَّ) عَلى الْمُعَرَّضِ
…
لِلشَّكِّ إِنْ نَقْلاً وَمَعْنًى ارْتُضِي
591.
... وَمَرَّضُوْا فَضَبَّبُوْا (صَاداً) تُمَدّْ
…
فَوْقَ الذَّيِ صَحَّ وُرُوْداً وَفَسَدْ
592.
... وَضَبَّبُوْا فِي الْقَطْعِ وَالإِرْسَالِ
…
وَبَعْضُهُمْ فِي الأَعْصُرِ الْخَوَالي
593.
... يَكْتُبُ صَادَاً عِنْدَ عَطْفِ الأَسْمَا
…
تُوْهِمُ تَضْبِيْباً، كَذَاكَ إِذ مَا
594.
... يَخْتَصِرُ التَّصْحِيْحَ بَعْضٌ يُوْهِمُ
…
وَإِنَّمَا يَمِيْزُهُ مَنْ يَفْهَمُ
التصحيحُ هو كتابةُ: ((صَحّ)) ، على الحرفِ الذي يُشارُ إلى صحتِهِ. والتمريضُ، والتضبيبُ: هو كتابةُ صورةِ ((صـ)) هكذا فوقَ الحرفِ الَّذِي يُشارُ إِلَى تمريضِهِ. ووجدتُ عن أبي القاسمِ بنِ الإفليلي، واسمُهُ إبراهيمُ بنُ محمدِ بنِ زكريا، قالَ:
كَانَ شيوخُنَا من أهلِ الأَدَب - وفي الإلماع للقاضي عِيَاض: شيوخُنا من أهلِ المغربِ - يَتَعَالَمُوْنَ أَنَّ الحرفَ إذا كُتبَ عليهِ ((صَحّ)) ، أَنَّ ذلكَ علامةٌ لصحةِ الحرفِ فَوُضِعَ حرفٌ كاملٌ عَلَى حرفٍ صَحَّيحٍ، وإذا كانَ عليهِ صادٌ ممدودةٌ دون حاءٍ كانَ علامةً أَنَّ الحرفَ سقيمٌ، إذ وُضِعَ عليه حرفٌ غيرُ تامٍّ، ليدلَّ نَقْصُ الحرفِ على اختلالِ الحرفِ قالَ: ويُسمَّى ذلكَ الحرفُ أيضاً: ضَبَّةً، أي: أَنَّ الحرفَ مقفلٌ بها، لا يتَّجِهُ لقراءةٍ كما أَنَّ الضَّبَّةَ مقفلٌ بها. قالَ ابنُ الصلاحِ: ولأنَّها أشبهتِ الضَّبَّةَ التي تُجعَلُ على كَسْرٍ أو خَلَلٍ فاستعيرَ لها اسمُها.
قلتُ: هذا بعيدٌ؛ لأَنَّ ضَبَّةَ القَدَحِ جُعِلَتْ للجبرِ، وهذهِ ليستْ جابرةً، وإنَّمَا هيَ علامةٌ لكونِ الروايةِ هكذا، وَلَمْ يتَّجِهْ وجْهُهَا، فهي علامةٌ لصحةِ ورودِها، لئلَاّ يظنَّ الرَّاوِي أَنَّها من غَلَطٍ فيُصْلِحَهَا، وَقَدْ يأتي بعدَ ذلكَ مَنْ يُظْهِرُ لهُ وجهَ ذلكَ. وَقَدْ غيَّرَ بعضُ المتجاسرينَ ما الصوابُ إبقاؤُهُ. وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ما ذكرتُهُ الْقَاضِي
عياضٌ، وتبعهُ عليه ابنُ الصلاحِ أيضاً، واللهُ أعلمُ.
ولا يُصَحِّحُ إلَاّ على ما هو عُرْضَةٌ للشكِّ، أو الخلافِ، وقد صَحَّ روايةً ومعنًى؛ ليُعْلَمَ أَنَّهُ لم يَغْفَلْ عنهُ، وأنَّهُ قد ضُبِطَ، وصحَّ على الوجهِ. وأَمَّا ما صحَّ من طريقِ الروايةِ، وهو فاسدٌ من جهةِ المعنى، أو اللَّفظِ، أو الخطِّ، بأن يكونَ غيرَ جائزٍ في العربيةِ، أو شَاذَّاً، أو مُصَحَّفَاً، أو نَاقِصَاً، وما أشبهَ ذلكَ؛ فجرتْ عادةُ أهلِ التقييدِ، كما قالَ القاضي عياضٌ أنْ يَمدُّوا على أَوَّلِهِ مثلَ الصادِ، ولا يُلزقُ بالكلمةِ المُعَلَّمِ عليها، لِئَلَاّ يُظَنَّ ضَرْبَاً. قالَ: ويسمُّونهُ ضَبَّةً، ويسمُّونَهُ تَمْرِيْضَاً. قالَ ابنُ الصلاحِ: ومن مواضعِ التَّضْبِيْبِ، أَنْ يقعَ في الإسنادِ إرسالٌ، أو انقطاعٌ، فمِنْ عَادَتِهِم تَضْبِيْبُ موضعِ الإرسالِ، والانقطاعِ. قالَ: ويُوجدُ في بعضِ الأُصولِ القديمةِ في الإسنادِ الذي يجتمعُ فيهِ جماعةٌ معطوفةٌ أسماؤُهُم بعضُها على بعضٍ، علامةٌ تُشْبِهُ الضَّبَّةَ فيما بينَ أسمائهِمِ، فَتُوْهِمُ مَنْ لا خبرةَ لهُ أَنَّهَا ضَبَّةٌّ، وليستْ بضَبَّةٍ، وكأنَّهَا علامةُ وصلٍ فيما بينهما، أُثْبِتَتْ تأكيداً للعطفِ، خوفاً من أَنْ تُجعلَ ((عن)) مكانَ الواوِ، والعلمُ عندَ اللهِ تعالى. قالَ: ثُمَّ إنَّ بعضَهم ربما اختصرَ علامةَ التصحيحِ، فجاءتْ صورتُها تُشْبِهُ صورةَ التضبيبِ، والفِطْنةُ من خيرِ ما أُوْتِيَهُ الإنسانُ.