الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا روى ثقةٌ عن ثقةٍ حديثاً فكذَّبَهُ المُرْوَى عنهُ صريحاً
، كقولِهِ كَذَبَ عليَّ، أو بنفيٍ جازم، كقولِهِ ما رويتُ هذا لهُ فقدْ تعارضَ قولُهما، فيردُّ ما جحَدَهُ الأصلُ؛ لأنَّ الراوي عنه فرعُهُ ولكن لا يَثْبُتُ كذبُ الفَرْعِ بتكذيبِ الأصلِ له في غيرِ هذا الذي نفاهُ، بحيثُ يكونُ ذلك جرحاً للفرعِ؛ لأنَّهُ أيضاً مُكَذِّبٌ لشَيخِهِ في نَفْيهِ لذلكَ وليسَ قَبولُ جَرْحِ كُلٍّ منهما بأوْلى من الآخرِ فتَساقَطا
وقولي في آخرِ البيتِ كَذِبَهْ، مفعولٌ مقدّمٌ لقولي لَا تُثْبِتَنْ وقولي وَارْدُدْ مَا جَحَدْ أي اردُدْهُ من حيثُ الفرعُ إذا نفى الأصلُ تحديثَهُ للفرعِ به خاصّةً ولا يردُّ من حيثُ الأصلُ نفسهُ إذا حدَّثَ به، كما صرَّحَ بهِ القاضي أبو بكرٍ فيما حكاهُ الخطيبُ عنه وكذا إذا حَدَّثَ به فرعٌ آخرُ ثقةٌ عنه، ولم يكذبْهُ الأصلُ، فهو مقبولٌ، وهذا واضحٌ أما إذا لم يكذبْهُ الأصلُ صريحاً، ولكنْ قالَ لا أذكرُهُ، أو لا أعْرِفُهُ، ونحوَ ذلكَ ممّا يقتضي جوازَ أنْ يكونَ نَسِيَهُ، فذلكَ لا يقتضي رَدَّ روايةِ الفرعِ عنهُ ومَعَ ذلكَ فقد اختُلفَ فيه هل يكونُ الحكمُ للفرعِ الذاكرِ، أو للأصلِ الناسي؟ فذهبَ جمهورُ أهلِ الحديثِ، وجمهورُ الفقهاءِ، والمتكلِّمينَ إلى قبولِ ذلكَ وأنَّ نسيانَ الأصلِ لا يُسقِطُ العملَ بما نسيَه قال ابنُ الصلاحِ وهو الصحيحُ وذهبَ بعضُ أصحابِ أبي حنيفةَ إلى إسقاطِهِ بذلك، وحكاهُ ابنُ الصَّبَّاغِ في العُدَّة عن أصحابِ أبي حنيفةَ
مثالُهُ حديثٌ رواهُ أبو داودَ، والترمذيُّ، وابنُ ماجه من روايةِ ربيعةَ بنِ أبي عبدِ الرحمنِ، عن سُهيلٍ بنِ أبي صالحٍ، عن أبيهِ، عن أبي هريرةَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى باليمينِ معَ الشاهدِ زادَ أبو دوادَ في روايةٍ أنَّ عبدَ العزيزِ الدَّراوَرديَّ، قال فذكرتُ ذلك لسهيلٍ، فقال أخبرني ربيعةُ وهو عندي ثقةٌ أَنِّي حَدَّثْتُهُ إيّاهُ، ولا أحفظُهُ قالَذذ عبدُ العزيزِ وقدْ كانَ أصابتْ سهيلاً علّةٌ أذهبَتْ بعضَ عقلِهِ، ونسيَ بعضَ حديثِهِ فكانَ سهيلٌ بعدُ يُحدِّثهُ، عن ربيعةَ عنه، عن أبيهِ
ورواهُ أبو داودَ أيضاً من روايةِ سليمانَ بنِ بلالٍ، عن ربيعةَ، قالَ سليمانُ فلقيتُ سهيلاً، فسألتُهُ عن هذا الحديثِ، فقال ما أعرفُهُ فقلتُ لهُ إنَّ ربيعةَ أخبرني بهِ عنكَ قال فإنْ كانَ ربيعةُ أخبركَ عَنِّي، فحدِّثْ به عَنْ ربيعةَ عَنِّي
وقد مَثَّلَ ابنُ الصلاحِبحديثٍ آخرَ، تركتُ التمثيلَ به لما سأذكرُهُ وَهُوَ حديثٌ رواه الثلاثةُ المذكورونَ من روايةِ سليمانَ بنِ موسى، عن الزهريِّ، عن عروةَ، عن عائشةَ رضي الله عنها مرفوعاً إذا نُكِحَتِ المرأةُ بغيرِ إذْنِ وَليِّها، فنِكاحُها باطلٌ فذكرَ الترمذيُّ أنَّ بعضَ أهلِ الحديثِ ضعَّفَهُ من أجلِ أنَّ ابنَ جُريجٍ قَالَ ثُمَّ لقيتُ الزهريَّ، فسألتُهُ فأنكَرَهُ
وإنّما تركتُ التمثيلَ بهذا المثالِ؛ لعدم صحةِ إنكارِ الزهريِّ لَهُ فَقَدْ ذَكَرَ الترمذيُّ بعدَهُ عن ابنِ مَعِينٍ أنَّهُ لَمْ يذكرْ هَذَا الحرفَ عَلَى ابنِ جريجٍ، إلاّ إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ قَالَ وسَمَاعُهُ عن ابنِ جريجٍ ليسَ بذاكَ إنّما صَحَّحَ كُتُبَهُ عَلَى كتبِ عبدِ المجيدِ بنِ عبدِ العزيزِ بنِ أبي رَوَّادٍ، ما سمعَ من ابنِ جُريجٍ وضَعَّفَ يَحْيَى روايةَ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ، عن ابنِ جريجٍ وَقَدْ جمعَ غيرُ واحدٍ من الأئمةِ أخبارَ مَنْ حَدَّثَ، ونَسِيَ، مِنْهُمْ الدارقطنيُّ، والخطيبُ، قالَ الخطيبُ في الكفايةِ ولأجلِ أنَّ النسيانَ غيرُ مأمونٍ عَلَى الإنسانِ، فيبادرُ إِلَى جحودِ ما رُوي عَنْهُ، وتكذيبِ الرَّاوِي لَهُ، كَرِهَ مَنْ كَرِهَ من العلماءِ التحديثَ عن الأحياءِ ثُمَّ رَوَى عن الشعبيِّ أنّهُ قَالَ لابنِ عَوْنٍ لا تحدّثْعن الأحياءِ وعن مَعْمَرٍ أنّهُ قالَ لعبدِ الرزاقِ إنْ قَدَرْتَ ألاّ تحدِّثَ عن رجلٍ حيٍّ فافعلْ وعن الشافعيِّ أنَّهُ قَالَ لابنِ عبدِ الحكم إيَّاكَ والروايةَ عن الأحياءِ وفي روايةِ البيهقيِّ في المدخلِ لا تُحدِّثْ عن حيٍّ، فإنَّ الحيَّ لا يؤمَنُ عَلَيْهِ النسيانُ، قالَه لهُ حينَ رَوَى عنِ الشافعيِّ حكايةً فأنكرَها، ثُمَّ ذكرَها
…