الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعَاْرُضُ الْوَصْلِ والإرْسَاْلِ
أوِ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ
147.
... وَاحْكُمْ لِوَصْلِ ثِقَةٍ في الأظْهَرِ
…
وَقِيْلَ بَلْ إرْسَالُهُ لِلأكْثَرِ
…
وَنَسبَ الأوَّلَ لِلْنُّظَّارِ
…
أنْ صَحَّحُوْهُ، وَقَضَى (البُخَارِيْ)
149.
... بِوَصْلِ لَا نِكَاحَ إلَاّ بِوَلِيْ
…
مَعْ كَوْنِ مَنْ أَرْسَلَهُ كَالْجَبَلِ
…
وَقِيْلَ الاكْثَرُ، وَقِيْلَ: الاحْفَظُ
…
ثُمَّ فَمَا إرْسَالُ عَدْلٍ يَحْفَظُ
151.
... يَقْدَحُ فِي أَهْليَّةِ الوَاصِلِ، أوْ
…
مُسْنَدِهِ عَلَى الأَصَحِّ، وَرَأَوْا
…
أَنَّ الأصَحَّ: الْحُكْمُ لِلرَّفْعِ وَلَوْ
…
مِنْ وَاحِدٍ في ذَا وَذَا، كَما حَكَوْا
إذا اختلفَ الثقاتُ في حديثٍ، فرواهُ بعضُهم متّصلاً، وبعضُهم مرسلاً. فاختلفَ أهلُ الحديثِ فيهِ هلِ الحكمُ لمَنْ وصلَ، أو لمَنْ أرسلَ، أو للأكثرِ، أو للأحفظِ؟ على أربعةِ أقوالٍ:
أحدُها: أنَّ الحكمَ لَمنْ وصلَ، وهو الأظهرُ الصحيحُ. كما صحّحَهُ
الخطيبُ. وقال ابنُ الصلاحِ: إنّهُ الصحيحُ في الفقِهِ وأصولِهِ. وهذا معنى قولِهِ: (ونَسَبَ) أي: ابنُ الصلاحِ الأولَ للنُّظّارِ أنْ صحّحوه، فالنُّظارُ هم أهلُ الفقهِ
والأصولِ. وأنْ هنا مصدريةٌ، أي: تصحيحَهُ. وهو بدلٌ من قولِهِ: (الأول) أي: ونَسَبَ تصحيحَ الأولِ للنُّظارِ. وسُئلَ البخاريُّ عن حديثِ: ((لا نكاحَ إلا بولي)) وهو حديث اختلِفَ فيه على أبي إسحاق السَّبِيعيِّ فرواهُ شُعبةُ والثوريُّ عنه، عن أبي بُردةَ عن النبيِّ (مرسلاً، ورواه إسرائيلُ بنُ يونُسَ في آخرينَ، عن جدِّهِ أبي إسحاقَ، عن أبي بُرْدَةَ عن أبي موسى الأشعريِّ، عن النبيِّ (متصلاً، فحَكَمَ البخاريُّ لمَنْ وصلَهُ، وقال: الزيادةُ من الثقةِ مقبولةٌ. هذا مع أنَّ مَنْ أرسلَهُ شعبةُ وسفيانُ، وهما جبلانِ في الحفظِ والإتقانِ.
والقولُ الثاني: أنَّ الحكمَ لمَنْ أرسلَ. وحكاهُ الخطيبُ عن أكثرِ أصحابِ الحديثِ، وهذا معنى قولِهِ:(وقيلَ بل إرسالُه للأكثرِ) . وقولُهُ: (للأكثرِ) ، خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، أي: وقيلَ الحكمُ لإرسالِهِ، وهذا للأكثرِ، أي: قولُ الأكثرِ.
والقولُ الثالثُ: أنَّ الحكمَ للأكثرِ، فإنْ كان مَنْ أرسلَهُ أكثرَ ممَّن وصلَهُ، فالحكمُ للإرسالِ، وإنْ كانَ من وَصَلَهُ أكثرَ، فالحكمُ للوصلِ.
والقولُ الرابعُ: أنَّ الحكمَ للأحفظِ، فإنْ كانَ مَنْ أرسلَ أحفظَ، فالحكمُ له، وإن كان مَنْ وصلَ أحفظَ فالحكمُ له، وهذا معنى قولِهِ: وقيلَ: الأكثرُ، وقيلَ: الأحفظُ. وكلاهُما خبرُ مبتدأ محذوفٍ تقديرُه: وقيلَ: المعتبرُ الأكثرُ، وقيلَ: الأحفظُ.
وينبني على هذا القولِ الرابعِ - وهو أنَّ الحكمَ للأحفظِ - ما إذا أرسلَ الأحفظُ، فهلْ يقدحُ ذلكَ في عدالةِ مَنْ وصَلَهُ، وأهليَّتِهِ، أوْ لَا؟ فيهِ قولانِ: أصحُّهُما، وبه صَدَّرَ ابنُ الصلاحِ كلامَهُ أنَّهُ: لا يَقدَحُ. قالَ: ومنهم مَنْ قالَ: يَقدَحُ في مسندِهِ، وفي
عدالتِهِ، وفي أهليتِهِ. وهذا معنى قولِهِ: (ثُمَّ فَمَا إرْسَالُ عَدْلٍ يَحْفَظُ
…
) إِلَى آخره. وقولُهُ: (أوْ مُسْنَدِهِ) أي: وما أسندَهُ من الحديثِ غَيْر هَذَا الَّذِي أرْسَلَهُ مَنْ هُوَ أحفظُ؛ لأنَّ هذا بناءٌ على أنَّ الحكمَ للأحفظِ، وقد أرسل، فلا شكَّ في قدحِهِ في هذا المسنَدِ على هذا القولِ. وقولُهُ:(وَرَأوا أنَّ الأصح الحُكْم للرَّفْع) . أشارَ بهِ إلى مسألةِ تعارضِ الرفعِ والوقفِ. وهو ما إذا رفعَ بعضُ الثقاتِ حديثاً، ووقفَهُ بعضُ الثقاتِ، فالحكمُ على الأصَحِّ، كما قالَ ابنُ الصلاحِ، لما زادَهُ الثقةُ من الرفعِ؛ لأنَّهُ مثبتٌ، وغيرُهُ ساكتٌ، ولو كان نافياً فالمثبِتُ مقدّمٌ عليه؛ لأنَّهُ عَلِمَ ما خَفِيَ عليهِ.
وقولُهُ: (وَلَو من وَاحِد في ذَا وَذا) . أشارَ بهِ إلى ما إذا وقعَ الاختلافُ مِن راوٍ واحدٍ ثقةٍ في المسألتينِ معاً فوصَلَهُ في وقتٍ وأرسَلَهُ في وقتٍ، أو رَفَعهُ في وقتٍ، ووقَفَهُ في وقتٍ، فالحكمُ على الأصَحِّ لوصلِهِ ورْفعِهِ، لا لإرْسالِهِ ووقْفِهِ. هكذا صحّحَهُ ابنُ الصلاحِ. وأما الأصوليون فصححوا أنَّ الاعتبارَ بما وقع منه أكثرُ. فإنْ وقعَ وصلُه، أو رفعُه أكثرَ من إرسالِهِ، أو وقفهِ؛ فالحكمُ للوصلِ، والرفعِ. وإنْ كان الإرسالُ، أو الوقفُ أكثرَ، فالحكمُ له.