الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُنْكَرُ
167.
... وَالْمُنكَرُ: الفَرْدُ كَذَا البَرْدِيجِيْ
…
أَطْلَقَ، وَالصَّوَابُ فِي التَّخْرِيْجِ
168.
... إِجْرَاءُ تَفْصِيْلٍ لَدَى الشُّذُوْذِ مَرْ
…
فَهْوَ بِمَعْناهُ كَذَا الشَّيْخُ ذَكَرْ
169.
... نَحْوَ ((كُلُوا البَلَحَ بالتَّمْرِ)) الخَبَرْ
…
وَمَالِكٍ سَمَّى ابْنَ عُثْمَانَ: عُمَرْ
170.
... قُلْتُ: فَمَاذَا؟ بَلْ حَدِيْثُ ((نَزْعِهْ
…
خَاتَمَهُ عِنْدَ الخَلَا وَوَضْعِهْ))
قالَ الحافظُ أبو بكرٍ أحمدُ بنُ هارونَ البَرْديجيُّ: المنكرُ هوَ الحديثُ الذي ينفردُ بهِ الرجلُ، ولا يُعرفُ متُنُه من غيرِ روايتِهِ، لا من الوجهِ الذي رواهُ منهُ ولا من وجهٍ آخرَ. قالَ ابنُ الصلاحِ: فأطلقَ البرديجيُّ ذلكَ، ولمْ يفصِّلْ. قالَ: وإطلاقُ الحكمِ على التفرُّدِ بالرَّدِّ، أو النَّكارةِ، أو الشُّذوذِ، موجودٌ في كلامِ كثيرٍ من أهلِ الحديثِ. قالَ: والصوابُ فيهِ التّفصيلُ الذي بيناهُ آنفاً في شرحِ الشاذِّ، قالَ: وعندَ هذا نقولُ:
المنكرُ ينقسم قسمينِ على ما ذكرناهُ في الشاذِّ، فإنَّهُ بمعناهُ.
وقولُهُ: (نحو كُلوا
…
) إلى آخرِ البيتِ هما مثالانِ للمنكرِ الذي هوَ بمعنى الشاذِّ. فالأولُ مثالٌ للفردِ الذي ليسَ في راويهِ من الثقةِ والإتقانِ ما يحتملُ معهُ تفرُّدُهُ، وهوَ ما رواهُ النسائيُّ، وابنُ ماجه منْ روايةِ أبي زُكَيْرٍ يحيى بنِ محمّدِ بنِ قيسٍ عنْ هِشامِ بنِ عُروةَ عنْ أبيهِ عنْ عائشةَ؛ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قالَ: ((كلوا البَلَحَ بالتَّمْرِ، فإنَّ ابنَ آدمَ إذا أكلَهُ غَضِبَ الشيطانُ،
…
الحديثَ)) ، قالَ النسائيُّ هذا حديثٌ منكرٌ، قالَ ابنُ الصلاحِ تفرّدَ بهِ أبو زُكيرٍ، وهوَ شيخٌ صالحٌ أخرجَ عنه مسلمٌ في كتابِهِ غيرَ أنَّهُ لَمْ يبلغْ مبلغَ مَنْ يحتملُ تفرُّدُهُ انتهى.
وإنّما أخرجَ لهُ مسلمٌ في المتابعات.
والثاني: مثالٌ للفردِ المخالفِ لما رواهُ الثقاتُ، وهوَ ما رواهُ مالكٌ، عنِ الزهريِّ، عنْ عليِّ بنِ حسينٍ، عنْ عمرَ بنِ عثمانَ، عنْ أُسامةَ بنِ زيدٍ، عنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قالَ:((لا يَرِثُ المسلمُ الكافرَ، ولا الكافرُ المسلمَ)) . فخالفَ مالكٌ غيرَهُ منَ الثقاتِ في
قولهِ: عُمرَ بنِ عُثمانَ، يعني: بضمِّ العينِ، وذكرَ مسلمٌ في " التمييز " أنَّ كلَّ مَنْ رواهُ منْ أصحابِ الزهريِّ قالَ فيهِ: عَمْرو بنِ عثمانَ، يعني: بفتح العينِ، وذكرَ أنَّ مالكاً كانَ يشيرُ بيدهِ إلى دارِ عُمَرَ بنِ عثمانَ، كأنَّهُ علمَ أنَّهم يخالفونَهُ، وعَمرٌو وعُمَرُ جميعاً ولدا عثمانَ غيرَ أنَّ هذا الحديثَ إنّما هوَ عن عَمرٍو - بفتحِ العينِ - وحكمَ مسلمٌ وغيرُهُ على مالكٍ بالوهمِ فيهِ، هكذا مثَّلَ ابنُ الصلاحِ بهذا المثالِ، وفيهِ نظرٌ، منْ حيثُ إنَّ هذا الحديثَ ليسَ بمنكرٍ، ولمْ يطلقْ عليهِ أحدٌ اسمَ النكارةِ فيما رأيت والمتن ليسَ بمنكرٍ، وغايتُهُ أنْ يكونَ السندُ منكراً، أو شاذاً لمخالفةِ الثقاتِ لمالكٍ في ذلكَ، ولا يلزمُ من
شذوذِ السندِ ونكارتِهِ وجودُ ذلكَ الوصفِ في المتنِ فقدْ ذكرَ ابنُ الصلاحِ في نوعِ المعللِ: أنَّ العلةَ الواقعةَ في السندِ قدْ تقدحُ في المتنِ، وقدْ لا تقدحُ ومثَّلَ ما لا تقدحُ بما رواهُ يعلى بنُ عُبيدٍ، عنِ الثَّوريِّ، عنْ عَمرِو بنِ دينارٍ، عنِ ابنِ عُمرَ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قالَ:((البَيِّعَانِ بالخِيَار)) قالَ: فهذا إسنادٌ معلَّلٌ غيرُ صحيحٍ، والمتنُ على كلِّ حالٍ صحيحٌ، قالَ: والعلّةُ في قولهِ عن عَمرِو بنِ دينارٍ، وإنّما هوَ عنْ عبدِ اللهِ بنِ دينارٍ. انتهى.
فحكمَ على المتنِ بالصحةِ معَ الحكمِ بوهمِ يعلى بنِ عُبيدٍ فيهِ وإلى هذا الإشارةُ بقولي: (قلتُ: فماذا)، وإذا قالَ مالكٌ: عُمَرَ بنَ عثمانَ، فماذا؟ أي: فما يلزمُ منهُ من نكارةِ المتنِ.
ثمَّ أشرتُ إِلَى مثالٍ صحيحٍ لأحدِ قسمَيْ المنكرِ، بقولي: (بَلْ حَدِيْث نزعه
…
) إلى آخرهِ، أي: بل هذا الحديثُ مثالٌ لهذا القسمِ من المنكر، وهوَ ما رواهُ أصحابُ السننِ
الأربعةِ من روايةِ همّامِ بنِ يحيى عنِ ابنِ جريجٍ عن الزُّهريِّ عن أنسٍ، قالَ: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ((إذا دَخَلَ الخلاءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ)) ، قالَ أبو داودَ بعدَ تخريجهِ: هذا حديثٌ منكرٌ، قالَ: وإنّما يُعْرَفُ عنِ ابنِ جُرَيجٍ، عنْ زيادِ بنِ سعدٍ، عنِ الزهريِّ، عنْ أنسٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم:((اتّخذَ خاتماً منْ وَرِقٍ، ثمَّ ألقاهُ)) ، قالَ: والوهمُ فيهِ من همّامٍ، ولمْ يروِهِ إلَاّ همّامٌ، وقالَ النسائيُّ بعدَ تخريجهِ: هذا حديثٌ غيرُ محفوظٍ انتهى. فهمّامُ بنُ يحيى ثقةٌ، احتجَّ بهِ أهلُ الصحيحِ، ولكنَّهُ خالفَ الناسَ، فروى عنِ ابنِ جريجٍ هذَا المتنَ بهذا السندِ وإنّما رَوَى الناسُ عنِ ابنِ جريجٍ الحديثَ الذي أشارَ إليهِ أبو داودَ، ولهذا حكمَ عليهِ أبو داودَ بالنكارةِ، وأما الترمذيُّ فقالَ فيه: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.