المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القسم الثاني: الحسن - شرح التبصرة والتذكرة ألفية العراقي - جـ ١

[العراقي]

فهرس الكتاب

- ‌طبعات الكتاب

- ‌القسم الأول: الدراسة

- ‌الباب الأول: ابن الصلاح ومقدمته

- ‌الفصل الأول:دراسة تحليلية لسيرة ابن الصلاح

- ‌الفصل الثانيدراسة عن مقدمة ابن الصلاح

- ‌المبحث الأولآراء العلماء في الكتاب

- ‌المبحث الثانيتوظيف العلماء جهودهم خدمة لكتاب ابن الصلاح:

- ‌أ. المختصرات:

- ‌ب. المنظومات:

- ‌ج. الشروح:

- ‌د. التنكيت:

- ‌الباب الثانيالحافظ العراقيوكتابه " شرح التبصرة والتذكرة

- ‌الفصل الأولدراسة تحليلية لسيرة الحافظ العراقي

- ‌المبحث الأولاسمه، ونسبه، وكنيته، وولادته:

- ‌المبحث الثانيأسرته:

- ‌المبحث الثالثنشأته:

- ‌المبحث الرابعمكانته العلمية وأقوال العلماء فيه:

- ‌المبحث الخامسشيوخه:

- ‌المبحث السادستلامذته:

- ‌المبحث السابعآثاره العلمية:

- ‌المبحث الثامنوفاته:

- ‌الفصل الثاني: دراسة كتاب شرح التبصرة والتذكرة

- ‌المبحث الأولمنهجه في شرحه

- ‌المبحث الثانيمصادره في شرحه:

- ‌المبحث الثالثدراسة عروضية لنظم ألفية الحافظ العراقي:

- ‌المبحث الرابعشروح الألفية:

- ‌القسم الثانيالتحقيق

- ‌الفصل الأولالتعريف بالكتاب

- ‌المبحث الأولمادته ومحتواه:

- ‌المبحث الثانياسم الكتاب:

- ‌المبحث الثالثتاريخ إكمال الشرح:

- ‌الفصل الثانيوصف النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق

- ‌الفصل الثالثمنهج التحقيق

- ‌أَقْسَامُ الحَدِيْثِ

- ‌أصحُّ كُتُبِ الحديثِ

- ‌الصَحيحُ الزَائدُ على الصَحيحَينِ

- ‌ المستخرجاتِ

- ‌مَرَاتِبُ الصَّحِيْحِ

- ‌حُكْمُ الصَّحِيْحَيْنِ، وَالتَّعْلِيْقِ

- ‌نَقْلُ الحَديثِ مِنَ الكُتبِ المُعتَمَدةِ

- ‌القِسْمُ الثَّاني: الحَسَنُ

- ‌الْقِسْمُ الثَّالِثُ الضَّعِيْفُ

- ‌ المرفوعِ

- ‌المُتَّصِلُ وَالمَوصُولُ

- ‌الموقوفِ

- ‌ المقطوعُ

- ‌فُرُوْعٌ

- ‌قولُ الصحابيِّ: ((من السنةِ كذا))

- ‌قولُ الصحابيِّ: أُمِرْنا بكذا

- ‌قولُ الصحابيِّ كُنَّا نَرَى كذا

- ‌ مَا فَسَّرَهُ الصَّحَابِيْ

- ‌قولُهم عن الصحابيِّ يرفعُ الحديثَ

- ‌ما جاءَ عن صحابيٍّ موقوفاً عليهِ

- ‌ المرسلِ

- ‌المُنْقَطِعُ والمُعْضَلُ

- ‌العَنْعَنَةُ

- ‌تَعَاْرُضُ الْوَصْلِ والإرْسَاْلِأوِ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ

- ‌التَّدْلِيْسُ

- ‌ الشاذِّ

- ‌الْمُنْكَرُ

- ‌الاعْتِبَارُ وَالمُتَابَعَاتُ وَالشَّوَاهِدُ

- ‌زِيَادَاتُ الثِّقَاتِ

- ‌الأفْرَاْدُ

- ‌المُعَلَّلُ

- ‌ المضطربِ

- ‌المُدْرَجُ

- ‌ الموضوعُ

- ‌المَقْلُوْبُ

- ‌تَنْبِيْهَاْتٌ

- ‌مَعْرِفَةُ صِفَةِ مَنْ تُقَبَلُ رِوَايَتُهُ وَمَنْ تُرَدُّ

- ‌ بيانٌ لشروطِ العدالةِ

- ‌ بيانٌ لما تثبتُ به العدالةُ

- ‌‌‌ تعديلُ المرأةِالعدلِ، والعبدِ العدلِ

- ‌ تعديلُ المرأةِ

- ‌ تزكيةُ العبدِ

- ‌ الاستفاضةُ والشهرةُ

- ‌ ضبطُ الراوي

- ‌ التعديلِ والجرحِ، هل يقبلانِ، أو أحدُهما من غيرِ ذكرِ أسبابِهِما، أم لا يقبلانِ إلاّ مُفسّرَينِ

- ‌ تعارضَ الجرحُ والتعديلُ في راوٍ واحدٍ

- ‌التعديلُ على الإبهامِ

- ‌ روايةُ العدلِ عن شيخٍ بصريحِ اسمِهِ، فهلْ ذلكَ تعديلٌ له أم لا

- ‌ روايةِ المجهولِ

- ‌ روايةِ مبتدعٍ لم يُكفَّرْ في بدعتِهِ

- ‌ المبتدعِ الذي يُكَفَّرُ ببدعتِهِ

- ‌مَنْ تَعمَّدَ كَذِباً في حديثِ رسولِ اللهِ

- ‌إذا روى ثقةٌ عن ثقةٍ حديثاً فكذَّبَهُ المُرْوَى عنهُ صريحاً

- ‌ روايةِ مَنْ أخذَ على التحديثِ أجراً

- ‌ روايةَ مَنْ عُرِفَ بالتساهُلِ في سماعِ الحديثِ وتحمُّلِهِ

- ‌يُكْتَفَى في أهليةِ الشيخِ

- ‌يُكتَفَى في اشتراطِ ضَبْطِ الراوي

- ‌مَرَاْتِبُ التَّعْدِيْلِ

- ‌مَتَى يَصِحُّ تَحَمُّلُ الْحَدِيْثِ، أَوْ يُسْتَحَبُّ

- ‌أَقْسَاْمُ التَّحَمُّلِ

- ‌أَوَّلُهَا: سَمَاْعُ لَفْظِ الشَّيْخِ

- ‌الثَّاْنِي: القِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ

- ‌تَفْرِيْعَاتٌ

- ‌إذا كانَ الشيخُ الذي يُقْرَأُ عليه عَرْضَاً لا يحفظُ ذلك المقروءَ عليهِ

- ‌إذا قَرأَ القارئُ على الشَّيخِ، وسكتَ الشَّيخُ على ذلكَ، غيَر مُنْكِرٍ له مع إِصغائِهِ، وفهمِهِ، وَلمَ يُقِرَّ باللفظِ

- ‌ بيانٌ لأَلفاظِ الأَداءِ

- ‌الشَّكُ فِي الأَخْذِ

- ‌ السَّمَاعِ…مِنْ نَاسِخٍ

- ‌ عَزَبَ عن السامعِ الكلمةُ والكلمتانِ

- ‌ الشَّيْخُ يُدْغِمُ الحرفَ

- ‌(نا)

- ‌ السَّماعُ من وراءِ حجابٍ

- ‌ سمعَ من شيخٍ حديثاً ثم قال له: لا تَرْوِهِ عَنِّي

- ‌الثَّالِثُ: الإجَاْزَةُ

- ‌ وهيَ على تسعةِ أنواعٍ:

- ‌لَفْظُ الإجَازَةِ، وَشَرْطُهَاْ

- ‌الرَّاْبِعُ: الْمُنَاولَةُ

- ‌ وهي على نوعينِ:

- ‌كَيْفَ يَقُوْلُ مَنْ رَوَى بِالمُنَاولَةِ وَالإِجَاْزَةِ

- ‌الخَاْمِسُ: المُكَاتَبَةُ

- ‌السَّاْدِسُ: إعْلَامُ الشَّيْخِ

- ‌السَّاْبِعُ: الْوَصِيَّةُ بالكِتَاْبِ

- ‌الثَّاْمِنُ: الْوِجَاْدَةُ

- ‌كِتَاْبَةُ الْحَدِيْثِ وَضَبْطُهُ

- ‌اختلفَ الصحابةُ والتابعونَ في كتابةِ الحديثِ:

- ‌يَنْبَغِي لطالبِ العلمِ ضبطُ كتابهِ

- ‌ الْخَطُّ الرَّقِيْقُ

- ‌كيفيةِ ضَبْطِ الحرفِ المُهْمَلِ

- ‌ أنْ يُبيِّنوا اختلافَ الرواياتِ

- ‌ أَنْ يجعلَ بينَ كلِّ حديثينِ دارةً (صورةَ O) تفصلُ بينَ الحديثينِ وتميِّزُ بَيْنَهُمَا

- ‌ أن يُحافظَ على كَتْبِ الثناءِ على اللهِ تعالى

- ‌ يُصَلي على النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ

- ‌المُقَاْبَلَةُ

- ‌خْرِيْجُ السَّاْقِطِ

- ‌التَّصْحِيْحُ، وَالتَّمْرِيْضُ، وهُو التَّضْبِيْبُ

- ‌الْكَشْطُ، وَالْمَحْوُ، وَالضَّرْبُ

- ‌الْعَمْلُ فِي اخْتِلاْفِ الرُّوَاْيَاْتِ

- ‌الإِشَاْرَةُ بِالرَّمْزِ

- ‌كِتَاْبَةُ التَّسْمِيْعِ

- ‌صِفَةُ رِوَايَةِ الْحَدِيْثِ، وَأَدَائِهِ

- ‌الرِّوَاْيَةُ مِنَ الأَصْلِ

- ‌الرِّوَاْيَةُ بِالْمَعْنَى

- ‌الاقْتِصَاْرُ عَلَى بَعْضِ الْحَدِيْثِ

- ‌التَّسْمِيْعُ بِقِرَاءَةِ اللَّحَّاْنِ، وَالْمُصَحِّفِ

- ‌إِصْلَاحُ اللَّحْنِ، وَالْخَطَأِ

الفصل: ‌القسم الثاني: الحسن

وفي بعضِ الرواياتِ: ((مَنْ كَذَبَ عَليَّ)) مطلقاً دونَ تقييدٍ.

فقولي: (امتناعُ جزمٍ) ، مبتدأٌ ومضافٌ إليه، وإجماعُ: خَبَرُهُ.

‌القِسْمُ الثَّاني: الحَسَنُ

ص: 149

50.

... وَالحَسَنُ المَعْرُوْفُ مَخْرَجاً وَقَدْ

اشْتَهَرَتْ رِجَالُهُ بِذَاكَ حَدْ

(حَمْدٌ) وَقَالَ (التِّرمِذِيُّ) : مَا سَلِمْ

مِنَ الشُّذُوْذِ مَعَ رَاوٍ مَا اتُّهِمْ

52.

... بِكَذِبٍ وَلَمْ يَكُنْ فَرْداً وَرَدْ

قُلْتُ: وَقَدْ حَسَّنَ بَعْضَ مَا انفَرَدْ

وَقِيْلَ: مَا ضَعْفٌ قَرِيْبٌ مُحْتَمَلْ

فِيْهِ، وَمَا بِكُلِّ ذَا حَدٌّ حَصَلْ

اختلفَ أقوالُ أئمةِ الحديثِ في حَدِّ الحديثِ الحسنِ، فقال أبو سليمانَ الخطّابيُّ، وهو حَمْدُ المذكورُ في أولِ البيتِ الثاني: ((الحسنُ: ما عُرِفَ مَخْرَجُهُ واشتهرَ رجالُهُ.

ص: 151

قال: وعليه مدارُ أكثرِ الحديثِ، وهو الذي يقبلُهُ أكثرُ العلماءِ، ويستعملُهُ عامةُ الفقهاءِ)) . انتهى. ورأيتُ في كلامِ بعضِ المتأخّرينَ أنَّ في قولِهِ ما عُرِفَ مخرجُهُ احترازاً عن المنقطعِ، وعن حديثِ المُدَلِّسِ قبلَ أنْ يتبينَ تدليسُهُ. قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ:((ليسَ في عبارةِ الخطّابيِّ كبيرُ تلخيصٍ. وأيضاً فالصحيحُ قد عُرِفَ مخرجُهُ واشتُهِرَ رجالُهُ. فيدخلُ الصحيحُ في حَدِّ الحَسَنِ. قالَ: وكأنَّهُ يريدُ مما لم يبلغْ درجةَ الصحيحِ)) .

قال الشيخُ تاج الدينِ التبريزيُّ: فيه نظرٌ؛ لأنَّهُ - أي: ابنُ دقيقِ العيدِ - ذكرَ من بعدُ: أنَّ الصحيحَ أخصُّ من الحسنِ. قالَ: ودخولُ الخاصِّ في حدِّ العامِّ ضروريٌّ. والتقييدُ بما يخرجهُ عنهُ مخلٌ للحدِّ وهو اعتراضٌ متجهٌ.

وقالَ أبو عيسى الترمذيُّ في "العلل" التي في آخر " الجامعِ ": ((وما ذكرنا في هذا الكتاب: حديثٌ حسنٌ، فإنَّما أردنا به حُسْنَ إسنادِهِ عندنا. كُلُّ حديثٍ يُروى لا يكونُ في إسنادِهِ مَنْ يُتَّهَمُ بالكذبِ، ولا يكونُ الحديثُ شاذاً، ويُرْوَى من غيرِ وجهٍ نحوُ ذلك فهو عندنا حديثٌ حسنٌ)) . قال الحافظ أبو عبدِ الله محمدُ بنُ أبي بكرٍ بنِ الموَّاق: إنّهُ لم يَخُصَّ الترمذيُّ الحسنَ بصفةٍ تميزُهُ عن الصحيحِ، فلا يكونُ صحيحاً إلا وهو غير شاذٍ، ولا يكونُ صحيحاً حَتَّى يكونَ رواتُهُ غيرَ متهمينَ، بل

ص: 152

ثقاتٌ. قال: فظهرَ من هذا أنَّ الحسنَ عند أبي عيسى صفةٌ لا تخصُّ هذا القسمَ بل قد يَشْركُهُ فيها الصحيحُ. قال: فَكلُّ صحيحٍ عندَهُ حسنٌ، وليسَ كُلُّ حسنٍ عندَهُ صحيحاً. قال أبو الفتحِ اليعمريُّ: بقي عليه أنهُ اشترطَ في الحسنِ أنْ يُرْوَى من وجهٍ آخرَ، ولم يشترطْ ذلك في الصحيحِ. قلت: وسنرى في كلامِ أبي الفتحِ بعدَ هذا بدونِ الصفحةِ أنَّهُ لا يشترطُ في كلِّ حسنٍ أنْ يكونَ كذلك، فتأمَّلْهُ.

وقولُهُ: (قلتُ وقد حَسَّن بعضَ ما انفرد) . هذا من الزوائدِ على ابنِ الصَّلاحِ. وهو إيرادٌ على الترمذيِّ، حيث اشترطَ في الحسنِ أنْ يُروَى من غيرِ وجهٍ نحوُه. ومع ذلك فقد حَسَّنَ أحاديثَ لا تُروَى إلا من وجهٍ واحدٍ، كحديثِ إسرائيلَ، عن يوسفَ ابن أبي بردةَ، عن أبيهِ، عن عائشةَ، قالت: كانَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا خرجَ من الخلاءِ قال: غفرانكَ. فإنَّهُ قال فيه: حسنٌ غريبٌ لا نعرفُهُ إلا من حديثِ إسرائيلَ، عن يوسفَ ابن أبي بردةَ. قال: ولا يُعرفُ في هذا البابِ إلا حديثُ عائشةَ. وأجاب أبو الفتحِ اليعمريُّ عن هذا الحديثِ بأنَّ الذي يحتاجُ إلى مجيئِهِ من غير وجهٍ ما كانَ راويه في درجة المستورِ ومَنْ لم تثبتْ عدالتُهُ. قال: وأكثرُ ما في البابِ أنَّ الترمذيَّ عَرّفَ بنوعٍ منه لا

ص: 153

بكلِّ أنواعِهِ. وقولُهُ: (وقيل ما ضَعْفٌ قريبٌ مُحْتَمَلٌ فيه) . هذا قولٌ ثالثٌ في حدِّ الحسنِ. قالَ ابنُ الجوزيِّ في " العللِ المتناهيةِ " وفي " الموضوعات ": الحديثُ الذي فيه ضَعفٌ قَريبٌ محتَملٌ، هو الحديثُ الحسنُ. ولم يسمِّ ابنُ الصلاحِ قائلَ هذا القولِ، بل عزاهُ لبعضِ المتأخِّرينَ، وأرادَ به ابنَ الجوزيِّ. واعترضَ ابنُ دقيقِ العيدِ على هذا الحدِّ بأنهُ ((ليس مضبوطاً بضابطٍ، يتميَّزُ به القَدْرُ المحتَملُ من غيرِهِ، قالَ: وإذا اضطربَ هذا الوصفُ لم يحصلِ التعريفُ المميِّزُ للحقيقةِ)) . وقال ابنُ الصلاحِ بعد ذِكْرِ هذهِ الحدودِ الثلاثةِ: كلُّ هذا مُستبْهَمٌ، لا يَشْفِي الغليلَ، قالَ: وليسَ في كلامِ الترمذيِّ، والخطّابيِّ ما يفصلُ الحسنَ من الصحيحِ. انتهى. وهذا المرادُ بقولِهِ:(وما بكلِّ ذا حدٌّ حَصَلْ) . أي: وما بكلِّ قولٍ من الأقوالِ الثلاثةِ حصلَ حدٌّ صحيحٌ للحَسَنِ.

54.

... وَقَالَ بَانَ لي بإمْعَانِ النَّظَرْ

أنَّ لَهُ قِسْمَيْنِ كُلٌّ قَدْ ذَكَرْ

قِسْماً، وَزَادَ كَونَهُ مَا عُلِّلا

وَلَا بِنُكْرٍ أوْ شُذُوْذٍ شُمِلَا

ص: 154

أي: وقال ابنُ الصلاحِ: وقد أمعنْتُ النَظَرَ في ذلك، والبحثَ، جامعاً بين أطرافِ كلامِهِم، ملاحظاً مواقعَ استعمالِهِم، فتنقحَ لي واتضَحَ أنَّ الحديثَ الحسنَ قسمانِ:

أحدُهما: الحديثُ الذي لا يخلو رجالُ إسنادهِ من مستورٍ لم تتحققْ أهليتُهُ، غيرَ أنَّهُ ليس مغفلاً، كثيرَ الخطأ فيما يرويه، ولا هو متهمٌ بالكذبِ في الحديثِ، أي: لم يظهرْ منه تعمُّدُ الكذبِ في الحديثِ، ولا سببٌ آخرُ مفسِّقٌ ويكونُ متنُ الحديثِ مع ذلك قد عُرِفَ، بأنْ رُوِي مثلُهُ أو نحوُهُ من وجهٍ آخرَ، أو أكثر، حتى اعتضدَ بمتابعةِ مَنْ تابعَ راويهِ على مثلِهِ، أو بما لَهُ مِنْ شاهدٍ، وهو ورودُ حديثٍ آخرَ نحوه، فيخرجُ بذلك عن أنْ يكونَ شاذاً، أو منكراً. وكلامُ الترمذيِّ على هذا القسمِ يتنزلُ.

القسمُ الثاني: أنْ يكونَ راويه من المشهورين بالصدقِ والأمانةِ، غيرَ أنَّهُ لا يبلغُ درجةَ رجالِ الصحيحِ؛ لكونهِ يقصُرُ عنهم في الحفِظِ والإتقانِ، وهو مع ذلك يرتفعُ عن حالِ مَنْ يُعَدُّ ما ينفردُ به من حديثِهِ منكراً. قال: ويعتبرُ في كلِّ هذا مع سلامةِ الحديثِ من أنْ يكونَ شاذاً، أو منكراً سلامتُهُ من أنْ يكونَ مُعَلّلاً. وعلى القسمِ الثاني يتنزلُ كلامُ الخطّابيِّ. قال: فهذا الذي ذكرناه جامعٌ لما تفرّقَ في كلامِ مَنْ بلغَنَا كلامُهُ في ذلك. قال: وكأنَّ الترمذيَّ ذَكَرَ أحدَ نوعَي الحَسَنِ، وذَكَرَ الخطابيُّ النوعَ الآخرَ، مقتصِراً كلُّ واحدٍ منهما على ما رأى أنَّهُ مشكِلٌ، معرضاً عمّا رأى أنَّهُ

ص: 155

لا يُشْكِلُ أو أنَّهُ غَفَلَ عن البعضِ وذهلَ. وقولُهُ: (كلٌّ قدْ ذَكَر)، أي: كلُّ واحدٍ من الترمذيِّ، والخطّابيِّ. وقولُه:(وزادَ)، أي: ابنُ الصلاحِ.

والإمعانُ مصدرُ أمْعَنَ. من قولِ الفقهاءِ في التيمُّمِ: أمعنَ في الطلبِ. وكأَنَّهُ مأخوذٌ من الإبعادِ في العَدْوِ. ففي التهذيبِ عن الليثِ بن المظفّرِ: أمعنَ الفرسُ وغيرُهُ، إذا تباعَدَ في عَدْوِهِ. وفي " الصحاحِ ": أمعَنَ الفرسُ: تباعَدَ في عَدْوِهِ. ويحتملُ أنَّهُ من أمعنَ الماءَ إذا أجرَاهُ. ويحتَملُ غيرَ ذلك. وقد بينتُهُ في " الشرحِ الكبيرِ ".

56.

... وَالفُقَهَاءُ كلُّهُمْ يَستَعمِلُهْ

وَالعُلَمَاءُ الْجُلُّ مِنْهُمْ يَقْبَلُهْ

57.

... وَهْوَ بأقْسَامِ الصَّحِيْحِ مُلْحَقُ

حُجِّيَّةً وإنْ يَكُنْ لا يَلْحَقُ

البيتُ الأولُ مأخوذٌ من كلامِ الخطّابيِّ. وقد تقدّم نَقْلُهُ عنه إلا أنَّهُ قال: عامّةُ الفقهاءِ، وعامةُ الشيءِ يطلقُ بإزاءِ معظمِ الشيءِ، وبإزاءِ جميعِهِ. والظاهرُ أنَّ الخطابيَّ أرادَ الكُلَّ. ولو أرادَ الأكثرَ لما فَرَّقَ بين العلماءِ والفقهاءِ. وقوله:(حجيّةً) ، نصبٌ على التمييزِ، أي: الحسنُ ملحقٌ بأقسامِ الصحيحِ في الاحتجاجِ به، وإنْ يكن دونَهُ في الرُّتْبَةِ. قالَ ابنُ الصلاحِ:((الحسنُ يتقاصرُ عن الصحيحِ)) . قال: ((ومِنْ أهلِ الحديثِ مَنْ لا يفردُ نوعَ الحسنِ ويجعلُهُ مندرجاً في أنواعِ الصحيحِ؛ لاندراجهِ

ص: 156

في أنواعِ ما يحتجُّ به)) . قال: ((وهو الظاهرُ من كلامِ الحاكمِ في تصرفاتِهِ. قال: ثمَّ إنَّ مَنْ سَمَّى الحسنَ صحيحاً لا يُنْكِرُ أنهُ دونَ الصحيحِ المقدّمِ المبينِ أولاً. قال: فهذا إذَنْ اختلافٌ في العبارةِ دون المعنى)) .

58.

... فَإنْ يُقَلْ: يُحْتَجُّ بِالضَّعِيْفِ

فَقُلْ: إذا كَانَ مِنَ المَوْصُوْفِ

رُوَاتُهُ بِسُوْءِ حِفْظٍ يُجْبَرُ

بِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ يُذْكَرُ

60.

... وَإنْ يَكُنْ لِكَذِبٍ أوْ شَذَّا

أوْ قَوِيَ الضَّعْفُ فَلَمْ يُجْبَر ذَا

أَلَا تَرَى الْمُرْسَلَ حَيْثُ أُسْنِدَا

أوْ أرْسَلُوا كَمَا يَجِيءُ اعْتُضِدَا

لما تقدّمَ أنَّ الحسنَ قاصرٌ عن الصحيحِ، وإنّما أُلْحِقَ به في الاحتجاجِ. وتقدَمَ أنَّ الحسنَ لا يُشترطُ فيه ثقةُ رجالِهِ، بل إذا كان فيهم من لا يُتَّهَمُ بالكَذِبِ ورُوِيَ من وَجْهٍ آخرَ كان حسناً، على الشروطِ المتقدمةِ. وغيرُ المتهمِ أعمُّ منْ أنْ يكونَ ثقةً، أو مستوراً، والمستورُ غيرُ مقبولٍ عند الجمهورِ.

ص: 157

وربّما كان من تابعَهُ مستوراً أيضاً. وكلاهما لو انفردَ لم تَقُمْ به حجّةٌ فكيفَ يحتجُّ به إذا انضمَّ إليهِ مَنْ لا يحتجُّ به منفرداً. وأجابَ عنه ابنُ الصلاحِ بما ذُكرَ في البيتِ الأخيرِ من هذهِ الأبياتِ الأربعةِ. فقالَ بعد قولِهِ: إنَّ الحسنَ متقاصرٌ عن الصحيحِ: ((وإذا استبعدَ ذلك من الفقهاءِ الشافعيةِ مُسْتَبعدٌ ذكرنا له نصَّ الشافعيِّ (في مراسيلِ التابعينَ أنَّهُ يقبلُ منها المرسلَ الذي جاءَ نحوُه مسنداً. وَكَذَلِكَ لَوْ وافقَهُ مرسلٌ آخرُ أرسلَهُ مَنْ أخذَ العلمَ عن غيرِ رجال التابعيِّ الأولِ في كلامٍ لَهُ ذكرَ فِيْهِ وجوهاً من الاستدلالِ عَلَى صحةِ مَخْرجِ المُرْسَلِ بمجيئِهِ من وجهٍ آخرَ)) . ثُمَّ قَالَ في جوابِ سؤالٍ آخرَ: ((لَيْسَ كُلُّ ضعفٍ في الحديثِ يزولُ بمجيئِهِ من وجوهٍ، بَلْ ذَلِكَ يختلف فمنه ضَعْفٌ يُزِيلُه ذَلِكَ، بأنْ يكونَ ضَعْفُهُ ناشِئَاً مِنْ ضَعْفِ حفظِ راويه مَعَ كونِهِ مِنْ أهلِ الصِّدْقِ والديانة. فإذا رأينا ما رواهُ قَدْ جاءَ من وجهٍ آخرَ عرفنا أنَّهُ

ص: 158

مِمَّا قَدْ حفظَهُ وَلَمْ يختلَّ فِيْهِ ضبطُهُ لَهُ. وَكَذَلِكَ إذا كانَ ضَعْفُهُ من حيثُ الإرسالُ زالَ بنحوِ ذَلِكَ كَمَا في المُرْسَلِ الَّذِي يُرْسِلُهُ إمامٌ حافظٌ، إذ فِيْهِ ضعفٌ قليلٌ يزولُ بروايتهِ من وجهٍ آخرَ. - قَالَ -: ومن ذَلِكَ ضعفٌ لا يزولُ بنحوِ ذَلِكَ؛ لقوةِ الضعفِ؛ وتقاعدِ هذا الجابرِ عن جَبْرِهِ ومقاومتِهِ. وذلك كالضعفِ الذي ينشأُ من كونِ الراوي متهماً بالكذبِ أو كونِ الحديثِ شاذاً. قال: وهذهِ جملةٌ تفاصيلُها تدركُ بالمباشرةِ والبحثِ، فاعلمْ ذلك فإنَّهُ من النفائِسِ العزيزةِ، والله أعلمُ. وقولُهُ:(رواتُهُ) ، هو مرفوعٌ لسدِّهِ مَسَدَّ الفاعلِ، وهو مفعولُ قولِهِ:(الموصوفِ) .

وقوله: (أوْ أرسلوا كما يجيءُ)، يريدُ: أو أرسلوه على الوجهِ الذي يجيءُ لا مطلقاً. وأُشيرَ بقولِهِ: (يجيء) إلى موضعِ الكلامِ على المُرْسَلِ.

62.

... وَالحَسَنُ: الْمشهُوْرُ بِالعَدَالَهْ

وَالصِّدْقِ رَاوِيهِ، إذَا أَتَى لَهْ

63.

... طُرُقٌ اخْرَى نَحْوُهَا مِن الطُّرُقْ

صَحَّحْتُهُ كَمَتْنِ (لَوْلَا أنْ أَشُقْ)

64.

... إذْ تَابَعُوْا (مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو)

عَلَيْهِ فَارْتَقَى الصَّحِيْحَ يَجْرِي

ص: 159

قوله المشهورُ، صفةٌ للحَسَنِ، لا خبرٌ له والشرطُ وجوابُهُ في موضعِ الخَبَرِ، أي والحَسَنُ الذي راويه مشهورٌ بالصدقِ والعدالةِ، إذا أتَتْ له طرقٌ أخرى حكمَتْ بصحتِهِ، كحديثِ محمدِ بنِ عمرو، عن أبي سلمةَ، عن أبي هريرةَ؛ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال لولا أنْ أشقَّ على أمتي لأمرتُهم بالسواكِ عند كلِّ صلاةٍ

قالَ ابنُ الصلاحِ محمدُ بنُ عمرِو بنِ علقمةَ من المشهورينَ بالصدقِ والصيانةِ لكنَّهُ لم يكن من أهلِ الإتقانِ حتَّى ضَعَّفَهُ بعضُهم مِنْ جهةِ سوءِ حفظِهِ ووثَّقَهُ بعضُهم لصدقِهِ وجلالتِهِ فحديثُهُ من هذهِ الجهةِ حَسَنٌ، فلمَّا انضمَّ إلى ذلكَ كونُهُ رُوي من أوجُهٍ أُخَرَ، زالَ بذلك ما كنا نخشاهُ عليه من جهةِ سوءِ حفظِهِ وانجبرَ بهِ ذلك النقصُ اليسيرُ، فصحَّ هذا الإسنادُ، والتحقَ بدرجةِ الصحيحِ وقد أخذَ ابنُ الصلاحِ كلامَهُ هذا من الترمذيِّ فإنَّهُ قالَ بعدَ أنْ أخرجَهُ من هذا الوجهِ حديثُ أبي سلمةَ عن أبي هريرةَ عندي صحيحٌ ثُمَّ قالَ وحديثُ أبي هريرةَ إنَّما صَحَّ؛ لأنَّه قد رُوي من غيرِ وَجْهٍ

ص: 160

وقولُهُ إذ تابعوا محمدَ بنَ عمرٍو ذكرهُ بعد قولِهِ كمتنِ لولا أنْ أشقَّ ليعلمَ أنَّ التمثيلَ ليس لمُطْلَقِ هذا الحديثِ، ولكنْ بقيدِ كونِهِ من روايةِ مُحَمَّدِ بنِ عمرو ولستُ أريدُ بالمتابعةِ كونَهُ رواهُ عن أبي سلمةَ عن أبي هُرَيرَة غيرُ محمدِ بنِ عمرٍو؛ ولكنَّ متابعةَ شيخِهِ أبي سلمةَ عليه عن أبي هريرةَ فقد تابعَ أبا سلمةَ عليه عن أبي هريرةَ، عبدُ الرحمن بنُ هرمزٍ الأعرجُ، وسعيد المقبريُّ، وأبوه أبو سعيدٍ، وعطاءٌ مولى أُمِّ صُبَيَّةَ، وحميدُ بنُ عبدِ الرحمن، وأبو زرعة بنُ عمرِو بنِ جريرٍ، وهو متفقٌ عليه من طريقِ الأعْرَجِ والمتابعةُ قَدْ يُراد بها متابعةُ الشيخِ، وقد يُراد بها متابعةُ شيخِ الشيخِ، كما سيأتي الكلامُ عليهِ في فصلِ المتابعاتِ والشواهدِ

ص: 161

.. قَالَ: وَمِنْ مَظِنَّةٍ لِلحَسَنِ

جَمْعُ (أبي دَاوُدَ) أيْ في السُّنَنِ

66.

... فإنَّهُ قَالَ ذَكَرْتُ فِيْهِ

ما صَحَّ أوْ قَارَبَ أوْ يَحْكِيْهِ

وَمَا بهِ وَهْنٌ شَدِيْدٌ قُلْتُهُ

وَحَيْثُ لَا فَصَالِحٌ خَرَّجْتُهُ

68.

... فَمَا بِهِ وَلَمْ يُصَحَّحْ وَسَكَتْ

عَلَيْهِ عِنْدَهُ لَهُ الحُسْنُ ثَبَتْ

و (ابْنُ رُشَيْدٍ) قَالَ -وَهْوَ مُتَّجِهْ-

قَدْ يَبْلُغُ الصِّحَّةَ عِنْدَ مُخْرِجِهْ

أي: قال ابنُ الصَّلاحِ: ومن مظانِّه - أي: الحسنِ - سننُ أبي داودَ السجستانيِّ - رحمهُ اللهُ تعالى -. رُوينا عنه أنَّهُ قالَ: ذكرتُ فيه الصحيحَ وما يُشْبِهُهُ ويقارِبُهُ. قال: وروينا عنه أيضاً ما مَعْناهُ أنَّهُ يذكُرُ في كُلِّ بابٍ أصحَّ ما عرفَهُ في ذلكَ

ص: 162

البابِ. وقال: ما كان في كتابي من حديثٍ فيه وَهْنٌ شديدٌ فقد بينتُهُ، وما لم أذكرْ فيه شيئاً فهو صالحٌ وبعضُها أصحُّ من بعضٍ. قال ابنُ الصلاحِ:((فعلى هذا ما وجدناه في كتابِهِ مذكوراً مطلقاً، وليس في واحدٍ من الصحيحينِ، ولا نَصَّ على صحتِهِ أحدٌ ممَّنْ يُميِّزُ بين الصحيحِ والحسنِ عرفناه بأنَّهُ من الحسَنِ عند أبي داودَ. وقد يكونُ في ذلك ما ليسَ بحسَنٍ عند غيرِهِ، ولا مندرجٍ فيما حقّقنا ضبطَ الحسنِ به)) . ثم ذكرَ كلامَ ابنِ منده في شرطِ أبي داودَ، والنسائيِّ. وقد ذكرتُهُ بعد هذا بسبعةِ أبياتٍ. وقد اعترضَ أبو عبد اللهِ محمدُ بنُ عمرِ بنِ محمدِ الفِهريُّ الأندلسيُّ المعروفُ بابن رُشَيد، على كلامِ ابنِ الصَّلاحِ بأنْ قال: ((ليس يلزمُ أنْ يُستفادَ من كونِ الحديثِ لم

ص: 163

ينصَّ عليه أبو داودَ بضَعْفٍ، ولا نَصَّ عليهِ غيرُهُ بصحةٍ أنَّ الحديثَ عند أبي داودَ حسنٌ. إذْ قد يكونُ عنده صحيحاً، وإنْ لم يكن عندَ غيرِهِ كذلك. وقال أبو الفتح اليعمريُّ:((وهذا تعقّبٌ حسنٌ)) . انتهى. وهذا معنى قولِهِ: (وهو مُتَّجِهْ)، وهي جملةٌ معترضةٌ. ومعمولُ القولِ قد يبلغُ إلى آخرهِ. وقد يُجابُ عن اعتراضِ ابنِ رُشيد: بأنَّ ابنَ الصلاحِ إنَّما ذكرَ ما لنا أنْ نعرفَ الحديثَ به عندَهُ والاحتياطُ أنْ لا يرتفعَ به إلى درجةِ الصِّحَّةِ، وإنْ جازَ أنْ يبلغَها عند أبي داودَ؛ لأنَّ عبارتَهُ: فهو صالحٌ، أي للاحتجاجِ به.

فإنْ كان أبو داودَ يَرى الحسنَ رتبةً بين الصحيحِ والضعيفِ، فالاحتياطُ ما قالَهُ ابنُ الصلاحِ، وإنْ كان رأيُهُ كالمتقدّمين أنَّهُ ينقسمُ إلى صحيحٍ وضعيفٍ، فما سكت عنه فهو صحيحٌ، والاحتياطُ أنْ يُقْالَ صالحٌ كما عَبَّرَ هو عن نفسِهِ.

70.

... وَللإمَامِ (اليَعْمُرِيِّ) إنَّما

قَوْلُ أبي دَاوُدَ يَحْكي مُسْلِما

حَيثُ يَقُوْلُ: جُمْلَةُ الصَّحِيْحِ لا

تُوجَدُ عِنْدَ (مَالِكٍ) وَالنُّبَلا

72.

... فَاحْتَاجَ أنْ يَنْزِلَ في الإسْنَادِ

إلى يَزيْدَ بنِ أبي زيَادِ

وَنَحْوِهِ، وإنْ يَكُنْ ذُو السَّبْقِ

قَدْ فَاتَهُ، أدْرَكَ بِاسْمِ الصِّدْقِ

74.

... هَلَاّ قَضَى عَلَى كِتَابِ مُسْلِمِ

بِمَا قَضَى عَلَيْهِ بِالتَّحَكُّمِ

أي وللإمامِ أبي الفتحِ محمّدِ بن محمدِ بنِ محمدِ بنِ سَيِّدِ النّاسِ اليَعْمُريِّ تعقّبٌ على كلامِ ابنِ الصَّلاحِ، فقالَ في شرح الترمذيِّ لم يَرْسُمْ أبو داود شيئاً بالحسنِ

ص: 164

وعملُه في ذلك شبيهٌ بعملِ مسلم، الذي لا ينبغي أنْ يحملَ كلامَهُ على غيرِهِ أنّه اجتنبَ الضعيفَ الواهيَ، وأتى بالقسمينِ الأولِ والثاني، وحديثُ من مَثَّلَ به من الرواةِ من القسمينِ الأولِ والثاني، موجودٌ في كتابِهِ دونَ القسم الثالثِ قال فهلَاّ ألزمَ الشيخُ أبو عمرٍو مسلماً من ذلك ما ألزَمَ به أبا دوادَ؟ فمعنى كلامِهِمَا واحدٌ وقولُ أبي داودَ وما يشبهُهُ، يعني في الصِّحَّةِ، وما يقارِبُهُ، يعني فيها أيضاً قال وهو نحوُ قولِ مسلمٍ أنَّهُ ليس كُلُّ الصحيحِ نجدُهُ عند مالكٍ، وشعبةَ وسفيانَ، فاحتاجَ أنْ ينزلَ إِلَى مثلِ حديثِ ليثِ بن أبي سُليمٍ، وعَطَاءِ بنِ السائبِ، ويزيدَ بن أبي زيادٍ؛ لما يَشْملُ الكُلَّ من اسمِ العدالةِ والصدقِ، وإنْ تفاوتوا في الحفظِ والإتقانِ، ولا فرقَ بين الطريقينِ، غيرَ أنَّ مسلماً شرطَ الصحيحَ فَتَحرَّجَ من حديثِ الطبقةِ الثالثةِ، وأبا داودَ لم يشترطْهُ فذكرَ ما يشتدُّ وَهنُهُ عندَهُ والتزمَ البيانَ عنهُ قال وفي قولِ

ص: 165

أبي دوادَ أنَّ بعضَها أصحُّ من بعضٍ ما يشيرُ إلى القَدَرِ المشتَركِ بينَها من الصحَّةِ، وإنْ تفاوتَتْ فيه لما تقتضيهِ صيغةُ أفْعَلَ في الأكثرِ انتهى والجوابُ عمّا اعترضَ به ابنُ سَيِّدِ الناسِ أنَّ مسلماً التزم الصحةَ في كتابِهِ، فليس لنا أن نحكمَ على حديثٍ خَرَّجَهُ فيه بأنَّهُ حسنٌ عندَهُ، لما تقدّمَ من قُصورِ الحَسَنِ عن الصحيحِ وأبو داودَ قال إنَّ ما سكت عنه فهو صالحٌ والصالحُ قد يكونُ صحيحاً، وقد يكونُ حسناً عند مَنْ يَرَى الحسنَ رتبةً دونَ الصحيحِ ولم يُنْقَلْ لنا عن أبي داودَ هل يقولُ بذلك، أ

ويَرى ما ليس بضعيفٍ صحيحاً؟ فكانَ الاحتياطُ أنْ لا يرتفعَ بِمَا سكتَ عَنْهُ إِلَى الصِّحَّةِ حَتَّى يعلمَ أنَّ رأيَهُ هُوَ الثاني، ويحتاجُ إِلَى نَقلٍ وقولُهُ يحكي مسلماً، أي يشبهُ قولَ مُسْلِم وقولُهُ حيثُ يقولُ، أي مُسْلِم، وكذا قولُهُ فاحتاجَ، أي مُسْلِم وقولُهُ فاتَهُ، أي يزيدَ بنَ أبي زيادٍ، ونحوه وقولُهُ هلاّ قضى، أي ابنُ الصلاحِ وقولُهُ عَلَيْهِ، أي على كتابِ أبي داودَ

وَ (البَغَوِيْ) إذْ قَسَّمَ المَصَابحَا

إلى الصِّحَاحِ وَالحِسَانِ جَانِحا

76.

... أنَّ الحِسَانَ مَا رَوُوْهُ في السُّنَنْ

رَدَّ عَلَيهِ إذْ بِهَا غَيْرُ الحَسَنْ

أي والبَغويُّ رُدَّ عليهِ في تسميتِهِ في كتابِ المصابيحِ ما رواهُ أصحابُ السُّنَنِ الحِسانَ إذ في السنن غيرُ الحسَنِ من الضعيفِ والصحيحِ، إنْ قلنا الحسنُ ليس أعمَّ من الصحيحِ، كما سيأتي في بقيّةِ الفصلِ قال ابنُ الصلاحِ هذا اصطلاحٌ لا يُعرفُ، وليس الحسنُ عند أهلِ الحديثِ عبارةً عن ذلكَ

ص: 166

.. كَانَ (أبُوْ دَاوُدَ) أقْوَى مَا وَجَدْ

يَرْوِيهِ، والضَّعِيْفَ حَيْثُ لَا يَجِدْ

78.

... فِي البَابِ غَيْرَهُ فَذَاكَ عِنْدَهْ

مِنْ رَأيٍ اقوَى قَالهُ ابْنُ مَنْدَهْ

(وَالنَّسَئيْ) يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يُجْمِعُوا

عَليْهِ تَرْكاً، مَذْهَبٌ مُتَّسِعُ

هذا بيانٌ لكونِ السننِ فيها غيرُ الحسن. قالَ ابنُ الصلاحِ: روينا عنه أي: عن أبي داودَ ما معناهُ أنَّهُ يذكرُ في كلِّ بابٍ أصحَّ ما عرَفَهُ في ذلك الباب. وقال أبو عبد الله ابنُ منده عنه: إنَّهُ يخرجُ الإسنادَ الضعيفَ إذا لم يجدْ في البابِ غيرَهُ؛ لأنَّهُ أقوى عندَهُ من رأي الرجالِ. وَقَالَ ابنُ منده: إنَّهُ سمعَ محمدَ بنَ سعدٍ الباورديَّ بمصرَ يقولُ: كانَ من مذهبِ أبي عبدِ الرحمنِ النَّسائيِّ أنْ يخرجَ عن كلِّ منْ لم يُجمَعْ على تركهِ.

ص: 167

فقولُهُ: (والضعيفَ) أي: ويروِي الضعيفَ. وقولُهُ: (مذهبٌ متّسعٌ) ، خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ.

80.

... وَمَنْ عَليها أطْلَقَ الصَّحِيْحَا

فَقَدْ أَتَى تَسَاهُلاً صَرِيْحَا

أي ومَنْ أطلقَ الصحيحَ على كتبِ السُّنن، فقد تساهَلَ، كأبي طاهرٍ

السِّلَفيِّ حيث قال في الكتبِ الخمسةِ اتفقَ على صحتِها علماءُ المشرقِ

ص: 168

والمغربِ وكأبي عبدِ الله الحاكم حيثُ أطلقَ على الترمذيِّ الجامعَ الصحيحَ، وكذلك الخطيبُ أطلقَ عليه، وعلى النسائيِّ اسمَ الصحيحِ

وَدُوْنَهَا في رُتْبَةٍ مَا جُعِلَا

عَلى المَسَانِيْدِ، فَيُدْعَى الجَفَلَى

82.

... كَمُسْنَدِ الطَّيَالَسِيْ وأحْمَدَا

وَعَدُّهُ لِلدَّارِميِّ انْتُقِدَا

أي ودونَ السننِ في رتبةِ الصحةِ ما صنِّفَ على المسانيدِ، وهو ما أُفْرِدَ فيه حديثُ كُلِّ صَحَابِيّ عَلَى حِدَةٍ من غيرِ نَظَرٍ للأبوابِ كمسندِ أبي داودَ الطيالسيِّ

ص: 169

ويُقَالُ إنَّهُ أولُ مسندٍ صنِّفَ وكمسندِ أحمدَ بنِ حنبلٍ وأبي بكرِ بن أبي شيبةَ، وأبي بكرٍ البّزارِ، وأبي القاسم البغويِّ، وغيرهم وقد عَدَّ فيها ابنُ الصلاحِ مسندَ الدارميِّ، فَوَهِمَ في ذلك؛ لأنَّه مُرتّبٌ عَلَى الأبوابِ، لا عَلَى المسانيدِ وأشرتُ إِلَى ذَلِكَ بقولي وَعَدَّهُ، أي ابنُ الصلاحِ وقولُهُ فيُدْعَى الجَفَلى، كَنَّى به عن بيانِ كونِ المسانيدِ دونَ السننِ في مرتبةِ الصحةِ؛ لأنَّ من جَمَعَ مسندَ الصحابيِّ يجمعُ فيه ما يقعُ له من حديثِهِ، سواءٌ كان صالحاً للاحتجاجِ أم لا؟ والجَفَلى بفتح الجيمِ والفاءِ معاً مقصورٌ وهي الدعوةُ العامةُ للطعامِ فإنَّ الدعوةَ عندَ العربِ على قسمينِ الجفلى وهي العامةُ، والنقرى وهي الخاصّةُ قال طَرَفةُ

نَحْنُ في المَشْتَاةِ نَدْعُو الجَفَلَى

لا تَرَى الآدِبَ فينا يَنْتَقِرْ

وفي خطبةِ الإلْمَامِ لِلشَّيخِ تقيِّ الدينِ: ولم أدعُ الأحاديثَ إليهِ الجَفَلَى.

ص: 170

83.

... والحُكْمُ لِلإسْنَادِ بِالصِّحَّةِ أوْ

بِالْحُسْنِ دُوْنَ الحُكْمِ لِلمَتْنِ رَأَوْا

وَاقْبَلْهُ إنْ أَطْلَقَهُ مَنْ يُعْتَمَدْ

وَلَمْ يُعَقِّبْهُ بِضَعْفٍ يُنْتَقَدْ

أي: ورأوا الحكمَ للإسنادِ بالصحةِ كقولهم: ((هذا حديثٌ إسنادُهُ صحيحٌ)) ، دونَ قولِهِم:((هذا حديثٌ صحيحٌ)) . وكذلك حكمُهُم على الإسنادِ بالحسن، كقولهم:((إسنادُهُ حسنٌ)) دونَ قولِهِم: ((حديثٌ حسنٌ)) ؛ لأنَّهُ قَدْ يصحُّ الإسنادُ لثقةِ رجالِهِ، ولا يصحُّ الحديثُ لشذوذٍ أو علّةٍ. قال ابنُ الصلاحِ:((غير أنَّ المصنفَ المعتمدَ منهم إذا اقتصرَ على قولِهِ: إنّهُ صحيحُ الإسنادِ، ولم يذكرْ له علّةً، ولم يقدحْ فيه، فالظاهرُ منه الحكمُ له بأنَّهُ صحيحٌ في نفسهِ؛ لأنَّ عدمَ العلةِ والقادحِ، هو الأصلُ والظاهرُ)) . قلتُ: وكذلك إنِ اقتصرَ على قولِهِ: حَسَنُ الإسنادِ، ولم يُعَقِّبْهُ بضعفٍ، فهو أيضاً محكومٌ له بالحُسْنِ.

85.

... وَاسْتُشْكِلَ الحُسْنُ مَعَ الصِّحَّةِ في

مَتْنٍ، فَإنْ لَفْظاً يُرِدْ فَقُلْ: صِفِ

بِهِ الضَّعِيْفَ، أوْ يُرِدْ مَا يَخْتَلِفْ

سَنَدُهُ، فَكَيْفَ إنْ فَرْدٌ وُصِفْ؟

أي: واستُشْكِلَ الجمعُ بَيْنَ الصحةِ والحسنِ في حديثٍ واحدٍ، كقولِ الترمذيِّ وغيرِهِ:((هَذَا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ)) ؛ لأنَّ الحسنَ قاصرٌ عن الصَّحِيحِ، كما سبقَ، فكيفَ يجتمعُ إثباتُ القصورِ ونفيُهُ في حديثٍ واحدٍ. وقد أجابَ ابنُ الصلاحِ بجوابٍ، ثمَّ جَوَّزَ جواباً آخرَ. وضَعَّفَ الجوابينِ ابنُ دقيقِ العيدِ، فمزجتُ الجوابينِ بردِّهِما. فقولُهُ:

ص: 171

(فإنْ لفظاً يُردْ)، أي: ابنُ الصلاحِ، فإنَّهُ قالَ:((إنّه غيرُ مستنكَرٍ أنْ يُرادَ بالحسنِ معناهُ اللُّغويُّ دون الاصطلاحيِّ)) . قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: ((ويلزمُ عليهِ أنْ يطلقَ على الحديثِ الموضوعِ إذا كان حسنَ اللفظِ أنَّهُ حسنٌ)) .

وقولُهُ: (أو يُرِدْ ما يختلف سندُهُ)، هذا هو الجوابُ الأولُ الذي أجابَ به ابنُ الصلاحِ أنَّ ذلك راجعٌ إلى الإسنادِ بأنْ يكونَ له إسنادانِ: أحدُهما صحيحٌ، والآخر: حسنٌ. قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: ((يَرِدُ عليهِ الأحاديثُ التي قيلَ فيها: حسنٌ صحيحٌ مع أنَّهُ ليس لها إلاّ مخرجٌ واحدٌ. وفي كلامِ الترمذيِّ في مواضعَ يقولُ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ لا نعرفهُ إلا مِنْ هذا الوجه)) . وهذا معنى قولِهِ: (فكيفَ إنْ فردٌ وُصِف)، أي: فكيفَ إنْ وصفَ حديثٌ فردٌ بأنّهُ حسنٌ صحيحٌ، كحديث العلاءِ بنِ عبدِ الرحمنِ، عن أبيهِ، عن أبي هريرةَ:((إذا بقي نصفُ شعبانَ فلا تصوموا)) ، فقالَ فيه الترمذيُّ: حسنٌ صحيحٌ لا نعرِفُهُ إلا مِنْ هذا الوجهِ على هذا اللفظِ.

ص: 172

87.

... وَ (لأَبِي الفَتْحِ) في الاقْتِرَاحِ

أنَّ انفِرَادَ الحُسْنِ ذُوْ اصْطِلَاحِ

88.

... وَإنْ يَكُنْ صَحَّ فَليْسَ يَلْتَبِسْ

كُلُّ صَحِيْحٍ حَسَنٌ لَا يَنْعَكِسْ

89.

... وَأوْرَدوا مَا صَحَّ مِنْ أفْرَادِ

حَيْثُ اشْتَرَطْنَا غَيْرَ مَا إسْنَادِ

وهذا جوابٌ عن الاستشكالِ المذكورِ، أجابَ به ابنُ دقيقِ العيدِ في كتاب " الاقتراحِ "، بعدَ رَدِّ الجوابينِ المتقدّمينِ، وحاصلُهُ أنَّ الحسنَ لا يُشتَرطُ فيه القصورُ عن الصِّحَّةِ إلا حيثُ انفردَ الحسنُ فيرادُ بالحسنِ حينئذٍ المعنى الاصطلاحيُّ. وأمّا إنِ ارتفعَ إلى درجةِ الصحةِ فالحسنُ حاصلٌ لا محالةَ تبعاً للصحةِ؛ لأنَّ وجودَ الدرجةِ العُليا، وهي الحفظُ والإتقانُ، لا ينافي وجودَ الدنيا، كالصدقِ؛ فيصحُّ أنْ يُقالَ: حسنٌ باعتبارِ الصفةِ الدنيا، صحيحٌ باعتبارِ الصفةِ العليا.

قال: ويلزَمُ على هذا أنْ يكونَ كُلُّ صحيحٍ حسناً ويؤيِّدُهُ قولُهُم: حَسَنٌ في الأحاديثِ الصحيحةِ وهذا موجودٌ في كلامِ المتقدّمين. انتهى. وقد تقدّمَ أنَّ ابنَ الموّاقِ أيضاً، قال: كُلُّ صحيحٍ عند الترمذيِّ حسنٌ، وليسَ كلُّ حَسَنٍ صحيحاً.

ص: 173

وقولُهُ: (وأوردوا إلى آخرهِ) : هذا إيرادٌ أوردَهُ ابنُ سَيِّدِ الناسِ على ابن الموّاقِ، فقالَ: قدْ بَقِيَ عَلَيْهِ أنَّهُ اشترطَ في الحسنِ أنْ يُروى نحوُهُ من وجهٍ آخرَ، ولم يشترطْ ذلك في الصحيحِ، فانتفى أن يكونَ كلُّ صحيحٍ حسَنَاً. انتهى. فعلى هذا: الأفرادُ الصحيحةُ ليست بحسنةٍ عند الترمذيِّ إذ يشترطُ في الحسنِ أن يُروى من غير وجهٍ، كحديثِ:((الأعمالُ بالنياتِ)) ، وحديثِ:((السَّفرُ قِطْعةٌ من العذَابِ)) ،

ص: 174

وحديث: ((نهى عن بيعِ الوَلاءِ وعن هِبَتِهِ)) . قلتُ: وجوابُ ما اعترضَ به أنَّ الترمذيَّ إنَّما يشترطُ في الحسنِ، مجيئَهُ من وجهٍ آخرَ، إذا لم يبلغْ رُتْبَةَ الصحيحِ، فإنْ بلغَها لم يشترطْ ذلك بدليلِ قولِهِ في مواضعَ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ، فلمّا ارتفعَ إلى درجةِ الصحةِ أثبتَ له الغرابةَ باعتبارِ فرديَّتِهِ.

ص: 175