الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَنْبَغِي لطالبِ العلمِ ضبطُ كتابهِ
بالنَّقْطِ والشَّكْلِ ليؤدَّيهُ كما سمعَهُ فقد روينا عن الأوزاعيِّ، قالَ العَجْمُ نورُ الكتابِ، قالَ ابنُ خَلَاّدٍ هكذا الحديثُ، والصوابُ الإعَجامُ، وهو النَّقْطُ، أي يُبَيِّنُ التاءَ من الياءِ، والحاءَ من الخاءِ، قالَ والشَّكْلُ تقييدُ الإعراْبِ ثُمَّ اختلفوا هلْ يقتصرُ على ضَبْطِ المُشْكِلِ، أو يضبطُهُ هو وغيرُهُ؟ فقالَ عليُّ بنُ إبراهيمَ البغداديُّ في كتابِ سِمَاْتِ الخَطِّ ورقومِهِ إِنَّ أهلَ العلمِ يكرهون الإعْجَامَ والإعرابَ إلَاّ في المُلْتَبسِ وقالَ القاضي عياضٌ النَّقْطُ والشَّكْلُ مُتَعَيِّنٌ فيما يُشْكِلُ وَيُشْتَبهُ وقالَ ابنُ خَلَاّدٍ قالَ أصحابُنا أمَّا النَّقْطُ فلابُدَّ منهُ؛ لأنَّهُ لا تُضْبَطُ الأشياءُ المُشْكِلَةُ إلَاّ بهِ، وقالَوا إنما يُشْكَلُ ما يُشْكِلُ ولا حاجةَ إلى الشَّكْلِ مع عدمِ الإشكالِ، قالَ وقالَ آخرونَ الأَولَى أَنْ يُشْكَلَ الجميعُ قالَ القاضي عياضٌ وهذا هو الصَّوابُ لا سِيَّمَا للمُبْتَدِئ وغيرِ المتبحِّرِ في العلمِ فإنَّهُ لا يميِّزُ ما يُشْكِلُ مما لا يُشْكِلُ، ولا صوابَ وجهِ الإعرابِ للكلمةِ من خَطَئِهِ
وقولي كلِّهِ، مخفوضٌ بالإضافةِ، أي وقيلَ يَنْبَغِي شَكْلُ كُلِّهِ وقولي لِذِي ابتِدَاءِ، ليسَ بقيدٍ بمعنى أَنَّهُ يَشْكُلُ للمُبْتَدِئ فقطْ، وإنما هو كالتعليلِ لمنْ يقولُ يُشْكَلُ الكلُّ لأجلِ المبتدئ، فهو مُشْكِلٌ عليهِ، وربَّمَا ظُنَّ أَنَّ الشيءَ غيرُ مُشْكِلٍ لوضوحِهِ، وهو في الحقيقةِ محلُّ نظرٍ محتاجٌ إلى الضَّبْطِ
ووقعَ بينَ العلماءِ خلافٌ في مسائلَ مرتَّبةٍ على إعرابِ الحديثِ، كحديثِ
ذَكَاةُ الْجَنِيْنِ ذَكَاةُ أُمِّهِ، فاستدلَّ بهِ الجمهورُ، كالشافعيةِ والمالكيةِ وغيرِهم، على أَنَّهُ لا تجبُ (1) ذكاةُ الجنينِ، بناءً على أَنَّ قولَهُ ذكاةُ أُمِّهِ مرفوعٌ، وهو المشهورُ في الروايةِ ورجَّحَ الحنفيونَ الفتحَ على التشبيهِ، أي يُذَكَّى مثلَ ذكاةِ أُمِّهِ، ونحوِ ذلكَ مِنَ الأحاديثِ التي يَتَرتبُ الاحتجاجُ بها على الإعْرَاْبِ ثم إنَّهُ ينبغي الاعتناءُ بضبطِ ما يَلْتَبِسُ من الأسماءِ، قالَ أبو إسحاقَ النَّجيرميُّ أَوْلَى الأَشياءِ بالضبطِ أسماءُ الناسِ؛ لأَنَّهُ لا يَدْخُلُهُ القياسُ، ولا قَبْلَهُ ولا بَعْدَهُ شيءٌ يدلُّ عليهِ وذكرَ أبو عليٍّ الغَسَّانيُّ أَنَّ عبدَ اللهِ بنَ إدريسَ، قالَ لَمَّا حدَّثَني شعبةُ بحديثِ أبي الحوراءِ السعديِّ عَنِ
الحسَنِ بنِ عليٍّ كتبتُ تحتَهُ حوُرٌ عِينٌ لئلَاّ أَغْلَطَ، يعني فيقرأهُ أبي الجوزاءِ - بالجيمِ والزايِ
وأما صورةُ ضَبْطِ المُشْكِلِ، فقالَ القاضي عياضٌ جرى رسمُ المشايخِ وأهلِ الضَّبْطِ في الحروفِ المُشْكِلَةِ، والكلماتِ المُشْتَبِهَةِ إذا ضُبِطَتْ وصُحِّحَتْ في الكتابِ أَنْ يُرْسَمَ ذلكَ الحرفُ المُشْكِلُ مُفْرداً في حاشيةِ الكتابِ قُبَالَةَ الحرفِ بإهمالِهِ، أو نَقْطِهِ وعَلَّلَ ذلكَ بأنَّ الانفرادَ يرفعُ إِشكالَ الالتباسِ بضبطِ ما فوقَهُ وتحتَهُ من السطورِ، لا سِيَّمَا معَ دقةِ الكتابِ وضيقِ الأَسطرِ وذكرَ ابنُ الصلاحِ نحوَهُ ولَمْ يَتَعَرَّضَا لتقطيعِ حروفِ الكلمةِ المُشْكِلَةِ التي تكتبُ في هامشِ الكتابِ، وقد رأيتُ غيرَ واحدٍ من أَهْلِ الضبطِ يفعلُهُ وهوَ حسنٌ وفائدَتُهُ أنهُ يُظهِرُ شَكْلَ الحرفِ بكتابتهِ مفرداً في بعضِ الحروفِ، كالنون والياء المثناة من تحتُ بخلافِ ما إذا كُتِبَتِ الكلمةُ كلُّها، والحرفُ المذكورُ في أَوَّلِها أَوْ وَسَطِها، واللهُ أعلمُ قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ في الاقتراح ومِنْ عادةِ المتُقِنِيْنَ أَن يبالغوا في إيضاحِ المُشْكِلِ فيفرِّقُوا حروفَ الكلمةِ في الحاشيةِ ويَضْبِطُوْهَا حَرْفاً حَرْفاً