الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العَنْعَنَةُ
136.
... وَصَحَّحُوا وَصْلَ مُعَنْعَنٍ سَلِمْ
…
مِنْ دُلْسَةٍ رَاويْهِ، والِلِّقَا عُلِمْ
…
وَبَعْضُهُمْ حَكَى بِذَا إجمَاعَا
…
و (مُسْلِمٌ) لَمْ يَشْرِطِ اجتِمَاعَا
138.
... لكِنْ تَعَاصُرَاً، وَقِيلَ يُشْتَرَطْ
…
طُوْلُ صَحَابَةٍ، وَبَعْضُهُمْ شَرَطْ
…
مَعْرِفَةَ الرَّاوِي بِالاخْذِ عَنْهُ،
…
وَقيْلَ: كُلُّ مَا أَتَانَا مِنْهُ
140.
... مُنْقَطِعٌ، حَتَّى يَبِينَ الوَصْلُ،
…
وَحُكْمُ أَنَّ حُكمُ عَنْ فَالجُلُّ
…
سَوَّوْا، وَللقَطْعِ نَحَا (البَرْدِيْجِيْ)
…
حَتَّى يَبِينَ الوَصْلُ في التَّخْرِيجِ
العَنْعَنةُ: مصدرُ عنعنَ الحديثَ، إذا رواه بلفظِ: عَنْ، مِنْ غيرِ بيانٍ للتحديثِ، والإخبارِ، والسماعِ.
واختلفوا في حكمِ الإسنادِ المعنعنِ، فالصحيحُ الذي عليهِ العملُ، وذهبَ إليهِ الجماهيرُ من أئمة الحديثِ وغيرِهم، أنَّهُ من قبيلِ الإسنادِ المتصلِ بشرطِ سلامةِ الراوي الذي رواهُ بالعنعنةِ من التدليسِ. وبشرطِ ثبوتِ ملاقاتِهِ لمَنْ رواهُ عنه بالعنعنةِ. قالَ ابنُ الصلاحِ:((وكادَ ابنُ عبد البرِّ يَدَّعي إجماعَ أئمةِ الحديثِ على ذلك)) . قلتُ: لا
حاجةَ لقولِهِ: كاد، فقد ادّعاهُ. وادّعى أبو عَمْرو الدانيُّ إجماعَ أهلِ النقلِ على ذلكَ، لكنَّهُ اشترطَ أنْ يكونَ معروفاً بالروايةِ عنه، كما سيأتي في موضعه. لكن قد يظهرُ عدمُ اتّصالِهِ بوجهٍ آخرَ، كما في الإرسالِ الخفيِّ، على ما سيأتي في موضعِهِ، وما ذكرناهُ من اشتراطِ ثبوتِ اللقاءِ هو مذهبُ عليِّ بنِ المدينيِّ، والبخاريِّ وغيرِهما من أئمة هذا العلمِ.
وأنكرَ مسلمٌ في خُطبةِ صحيحِهِ اشتراطَ ذلك، وادّعى أنَّهُ قولٌ مخترعٌ لم يسبقْ قائِلُه إليهِ، وإنَّ القولَ الشائعَ المتفقَ عليهِ بين أهلِ العلمِ بالأخبارِ قديماً وحديثاً أنّهُ يكفي في ذلك أنْ يثبتَ كونُهُما في عصرٍ واحدٍ، وإنْ لم يأتِ في خبرٍ قطُّ أنّهما اجتمَعا أو تشافها. قال ابنُ الصلاحِ: ((وفيما قالَهُ مسلمٌ نظرٌ. - قال -: وهذا الحكمُ لا أراهُ يَستمرُّ بعدَ المتقدّمينَ فيما وُجِدَ من المصنّفينِ في تصانيفهم مما ذكروهُ عن مشايخهِم قائلين فيه: ذكرَ فلانٌ، قال فلانٌ، ونحو ذلك. أي: فليسَ له حكمُ الاتصالِ، إلا إنْ كان له من شيخِهِ إجازةٌ على ما سيأتي في آخر هذا البابِ.
ولم يكتفِ أبو المظفرِ السمعانيُّ بثبوتِ اللقاءِ، بل اشترطَ طولَ الصُّحبةِ بينهما. واشترطَ أبو عمرو الدانيُّ أنْ يكونَ معروفاً بالروايةِ عنه. واشترط أبو الحسنِ القابسيُّ
أنْ يُدْرِكَهُ إدراكاً بَيِّنَاً. وهذا داخلٌ فيما تقدّمَ من الشروطِ، وبيانُ الإدراكِ لابدَّ منه. وذهبَ بعضُهم إلى أنَّ الإسنادَ المعنعنَ من قبيلِ المرسلِ والمنقطعِ، حتى يتبينَ اتصالُهُ بغيرهِ، وهذا المرادُ بقولِهِ:(وقيل كلُّ ما أتانا منه منقطع) ، إلى آخرهِ.
وقولُهُ: (وحكمُ أنَّ، حكمُ عَنْ، فالجلُّ سَوَّوا) أي: ذهبَ جمهورُ أهلِ العلمِ إلى التسويةِ بين الروايةِ المعنعنةِ، وبين الروايةِ بلفظِ: أنَّ فلاناً قالَ. وهو قولُ مالكٍ وممنْ حكاهُ عن الجمهورِ ابنُ عبد البرِّ في " التمهيدِ ". وأنَّهُ لا اعتبارَ بالحروفِ والألفاظِ، وإنّما هو باللقاءِ والمجالسةِ والسماعِ والمشاهدةِ يعني: مع السلامةِ من التدليسِ. ثم حكى ابنُ عبد البرِّ عن أبي بكرٍ البرديجيِّ أنَّ حرف (أنَّ) محمولٌ على الانقطاعِ حتى يتبينَ السماعُ في ذلك الخبرِ بعينِهِ من جهةٍ أخرى. قال: وعندِي لا معنى لهذا، لإجماعِهم على أنَّ الإسنادَ المتصلَ بالصحابيِّ، سواءٌ قال فيه: قال، أو أنَّ، أو عَنْ، أو سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني فكلُّهُ متصِلٌ.
142.
... قَالَ وَمِثْلَهُ رَأى ابْنُ شَيْبَةْ
…
كَذا لَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْ صَوْبَهْ
…
قُلتُ: الصَّوَابُ أنَّ مَنْ أدْرَك مَا
…
رَوَاهُ بالشَّرْطِ الَّذي تَقَدَّمَا
144.
... يُحْكَمْ لَهُ بالوَصْلِ كَيفَمَا رَوَى
…
بـ قَالَ أو عَنْ أو بـ أنَّ فَسَوَا
…
وَمَا حَكَى عَنْ (أحمَدَ بنِ حنبلٍ)
…
وَقَولِ (يَعْقُوبٍ) عَلَى ذا نَزِّلِ
فاعلُ ((قالَ)) هو: ابنُ الصلاحِ، فقال: ووجدْتُ مثلَ ما حكاهُ عن البَرْديجي للحافظِ الفَحْلِ يعقوبَ بنِ شيبةَ في مسندِهِ الفحلِ، قال: فإنّهُ ذكرَ ما رواهُ أبو الزبيرِ، عن محمدِ ابن الحنفيةِ، عن عمّارٍ، قال: أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وهو يُصلِّي فسلمتُ عليه، فردَّ عليَّ السلامَ. وجعلَهُ مسنداً موصولاً. وذكرَ روايةَ قيسِ بنِ سعدٍ، كذلك عن عطاءِ بنِ أبي رباحٍ، عن ابنِ الحنفيةَ: أنَّ عمّاراً مَرَّ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو يصلّي فجعله مرسلاً من حيثُ كونُهُ قالَ: إنَّ عمّاراً فعلَ، ولم يقلْ: عن عمّارٍ، واللهُ أعلم. انتهى كلامُ ابنِ الصلاحِ. ولم يقع على مقصودِ يعقوبَ بنِ شيبةَ، وهو المرادُ بقولِهِ:(كذا له) أي: لابن الصلاحِ. (ولم يُصَوِّبْ صوبَهُ) أي: ولم يعرجْ صوبَ مقصدِهِ، وبيانُ ذلك أنَّ ما فعلَهُ يعقوبُ هو صوابٌ من العملِ، وهو الذي عليه عملُ الناسِ،
وهو لم يجعلْهُ مرسلاً من حيثُ لفظُ: أنَّ، وإنّما جعلَهُ مرسلاً من حيثُ أنّهُ لم يُسنِدْ حكايةَ القصةِ إلى عمّارٍ، وإلا فلو قالَ: إنَّ عمّاراً قال: مررتُ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، لما جعلَهُ مرسلاً، فلما أتى به بلفظِ: أنَّ عماراً مرَّ، كانَ محمدُ بنُ الحنفيةِ هو الحاكي لقصّةٍ لم يُدركْهَا؛ لأنَّهُ لَمْ يُدرِكْ مرورَ عمارٍ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فكانَ نَقْلُهُ لِذَلِكَ مرسلاً. ثُمَّ بينتُ ذَلِكَ بقاعدةٍ يُعرفُ بِهَا المتصلُ من المرسلِ بقولي:(قلتُ) ، وهو من الزوائدِ على ابنِ الصلاحِ، إلا حكايةَ كلامِ أحمدَ ويعقوبَ.
وتقريرُ هذهِ القاعدةِ: أنَّ الراوي إذا رَوَى حديثاً فيه قِصّةٌ، أو واقعةٌ، فإن كان أدركَ ما رواهُ، بأنْحكى قصةً وقعت بين النبيِّ صلى الله عليه وسلم وبينَ بعضِ الصحابةِ، والراوي لذلك صحابيٌّ أدركَ تلك الواقعةَ، فهي محكومٌ لها بالاتصالِ، وإنْ لم يُعلَمْ أنّهُ شاهدَها وإنْ لم يدركْ تلك الواقعةَ، فهو مرسلُ صحابيٍّ. وإن كان الراوي تابعياً، فهو منقطعٌ، وإن روى التابعيُّ عن الصحابيِّ قِصَّةً أدركَ وُقوعَها، كان متّصلاً، وإن لم يدركْ وُقوعَها، وأسندَها إلى الصحابيِّ كانت متّصلةً. وإنْ لم يدركْهَا، ولا أسندَ حكايتَها إلى الصحابيِّ فهي منقطعةٌ كروايةِ ابنِ الحنفيةِ الثانيةِ، عن عمّارٍ. ولابُدَّ من اعتبارِ السلامةِ من التدليسِ في التابعينَ، ومَنْ بعدَهم.
وقد حكى أبو عبدِ اللهِ بنُ الموَّاقِ اتفاقَ أهلِ التمييزِ من أهلِ الحديثِ على ذلك في كتابه " بُغية النُّقاد " عند ذكرِ حديث عبدِ الرحمنِ بنِ طَرفةَ أنَّ جدَّهُ عَرْفجةَ قُطِعَ أنفُهُ
يومَ الكلابِ،
…
الحديث. فقال: الحديثُ عندَ أبي داودَ مرسلٌ. وقد نبّهَ ابنُ السَّكَنِ على إرسالِه فقال: فذكرَ الحديثَ مرسلاً. قال ابنُ الموَّاقِ: وهو أمرٌ بَيِّنٌ لا خلافَ بين أهل التمييزِ من أهلِ هذا الشأنِ في انقطاعِ ما يُرْوَى كذلك، إذا عُلمَ أنَّ الراويَ لم يدركْ زمانَ القِصَّةِ كما في هذا الحديثِ.
وقولُهُ: (فسَوَا) ، هو ممدودٌ قُصِرَ لضرورةِ الشعرِ.
وقولُهُ: (وما حكى)، أي: ابنُ الصلاح عن أحمدَ بنِ حنبلٍ، فإنّهُ حكى قبلَ هذا عن أحمدَ أنَّ: عَنْ فلانٍ، وأنَّ فلاناً ليسا سواءً.
(وقولِ يعقوبٍ) ، هو مجرورٌ بالعطفِ، ويعقوبَ: هو ابنُ شيبةَ. (على ذا نَزّلْ) أي: نزلْهُ على هذهِ القاعدةِ. أما كلامُ يعقوبَ فقد تقدمَ تنزيلُهُ عَلَيْهِ. وأما
كلامُ أحمدَ فإنَّ الخطيبَ رَوَاهُ في " الكفاية " بإسنادِهِ إِلَى أبي داودَ قَالَ: سمعتُ أحمدَ قيلَ لَهُ: إنَّ رجلاً قَالَ عروةَ: أنَّ عائشةَ قالت: يا رسولَ اللهِ، وعن عروةَ عن عائشةَ سواءٌ؟ قال: كيفَ هذا سواءٌ، ليس هذا بسواءٍ. فإنَّما فرّقَ أحمدُ بين اللفظينِ؛ لأنَّ عروةَ في اللفظِ الأولِ لم يُسنِدْ ذلك إلى عائشةَ، ولا أدرك القِصَّةَ فكانتْ مرسلةً. وأمَّا اللفظُ الثاني فأسْنَدَ ذلك إليها بالعنعنةِ، فكانت متصلةً.
146.
... وَكَثُرَ استِعْمَالُ (عَنْ) في ذَا الزَّمَنْ
…
إجَازَةً وَهْوَ بِوَصْلٍ مَا قَمَنْ
ما تقدّم ذكرُهُ من أَنَّ ((عَنْ)) محمولةٌ على السماعِ، هو في الزَّمَنِ المتقدّمِ. وأمّا في هذه الأزمانِ، فقال: ابنُ الصلاحِ: كَثُرَ في عَصرنا وما قاربَهُ بين المنتسبينَ إلى الحديثِ استعمالُ ((عَنْ)) في الإجازةِ فإذا قال أحدُهُم: قرأتُ على فلانٍ، عن فلانٍ، أو نحو ذلك. فَظُنَّ بهِ أنَّهُ رواهُ عنهُ بالإجازة قال: ولا يُخْرِجُه ذلك من قَبيلِ الاتصالِ على ما لا يخفى. وهذا معنى قولي: (وهو بوصلٍ ما قَمَنْ)، أي: بنوعٍ من الوصلِ؛ لأنَّ الإجازةَ لها حكمُ الاتصالِ لا القطعِ. وقَمَنْ: بفتحِ الميمِ لمناسبةِ ما قبَلَهُ، وفي الميمِ لغتان: الفتحُ، والكسرُ. ومَعناهُ حَقِيقٌ بذلك وجَدِيرٌ به.