الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخبرنا، والمختارُ الصحيحُ اللائقُ بمذاهبِ أهلِ التحرِي والنَّزَاهةِ، أنْ يُقَيَّدَ ذلكَ بالكتابةِ، فيقول: حدَّثَنا أو أخبرنا كتابةً، أو مُكاتبةً، أو كَتَبَ إليَّ، ونحَو ذلك. وقالَ الحاكمُ: الذي أَخْتَارُهُ وعهدْتُ عليهِ أَكثرَ مشايخي وأَئِمَّةِ عَصْرِي أَنْ يقولَ فيما كَتَبَ إليهِ المحدِّثُ من مدينةٍ، ولم يُشَافِهْهُ بالإجازَةِ: كَتَبَ إليَّ فلانٌ.
السَّاْدِسُ: إعْلَامُ الشَّيْخِ
541.
... وَهَلْ لِمَنْ أَعْلَمَهُ الشَّيْخُ بِمَا
…
يَرْوِيْهِ أَنْ يَرْوِيَهُ؟ فَجَزَمَا
542.
... بِمَنْعِهِ (الطُّوْسِيْ) وَذَا الْمُخْتَارُ
…
وَعِدَّةٌ (كَابْنِ جُرَيْجٍ) صَارُوْا
543.
... إلى الْجَوَازِ وَ (ابْنُ بَكْرٍ) نَصَرَهْ
…
وَصَاحِبُ الشَّامِلِ جَزْمَاً ذَكَرَهْ
544.
... بَلْ زَادَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ لَوْ مَنَعَهْ
…
لَمْ يَمْتَنِعْ، كَمَا إذا قَدْ سَمِعَهْ
545.
... وَرُدَّ كَاسْتِرْعَاءِ مَنْ يُحَمَّلُ
…
لَكِنْ إذا صَحَّ، عَلَيْهِ الْعَمَلُ
القسمُ السادسُ من أقسامِ أَخْذِ الحديثِ وتحمُّلِهِ: إعلامُ الشَّيخِ للطالبِ أَنَّ هذا الحديثَ، أو الكتابَ سماعُهُ من فلانٍ، أو روايتُهُ؛ من غيرِ أَنْ يأذنَ لهُ في روايتِهِ عنهُ، وقدِ اختُلِفَ في جوازِ روايتهِ لهُ بمجردِ ذلكَ: فذهبَ غيرُ واحدٍ من المحدِّثينَ وغيرِهِم، إلى المنعِ من ذلكَ، وبهِ قَطَعَ أبو حامدٍ الطوسيُّ مِنَ الشَّافِعِيِّيْنَ، ولم يذكرْ غيرَ ذلكَ،
فيما حكاهُ ابنُ الصلاحِ عنهُ. والظاهرُ أنَّهُ أرادَ بأبي حامدٍ هذا الغزاليَّ، فإنَّهُ كذلكَ في " المستصفى"، فقالَ: أمَّا إذا اقتصرَ على قولِهِ: هذا مسمُوعي مِنْ فلانٍ، فلا تجوزُ الروايةُ عنهُ؛ لأَنَّهُ لم يأذنْ في الروايةِ، فلعلَّهُ لا يُجَوِّزُ الروايةَ لخللٍ يعرفُهُ فيهِ، وإنْ سَمِعَهُ. انتهى كلامُه. وفي الشَّافِعِيِّيْنَ غيرُ واحدٍ يُعْرَفُ بأبي حامدٍ الطّوسيِّ لكنْ لم يَذْكُرْ لهُ مصنفاتٍ ذَكَرَ فيها هذهِ المسألةَ. ومَا قالَهُ أبو حامدٍ مِنَ المنعِ، هو المختارُ، كما قالَ ابنُ الصلاحِ، وقد تقدَّمَ أنَّ مقتضى كلامِ السيفِ الآمديِّ اشتراطُ الإذنِ فيهِ. وذهبَ كثيرونَ، منهم: ابنُ جريجٍ، وعبيدُ اللهِ العُمَريُّ، وأصحابُهُ المدنيُّونَ، وطوائفُ من المحدِّثينَ، والفقهاءِ والأصوليِّيْنَ والظَّاهِريِّيْنَ، إلى الجوازِ. واختارَهُ ونَصَرَهُ الوليدُ بنُ بكرٍ الغَمْريُّ - بفتح الغين المعجمة - في كتابِ " الوِجَازِة " له. وبه قطعَ أبو نَصْرٍ ابنُ الصَّبَّاغِ صاحبُ " الشاملِ "، وحَكَاهُ القاضي عياضٌ عن الكثيرِ.
واختارَهُ أبو محمدِ بنُ خَلَاّدٍ الرامَهُرْمُزيُّ، وهوَ مذهبُ عبدِ الملكِ بنِ حبيبٍ من المالكيَّةِ - وهو
الذي ذكرهُ صاحبُ " المحصولِ " واتباعه، بل زادَ بعضُهم على هذا، وهو القاضي أبو محمَّدِ بنُ خَلَاّدٍ الرامَهُرْمُزيُّ، فقالَ: حَتَّى لو قالَ لهُ: هذهِ روايتي، ولكنْ لا تروِها عنِّي، ولا أُجيزُهُ لكَ، لم يضرَّهُ ذلكَ. قالَ القاضي عياضٌ: ومَا قالَهُ صحيحٌ لا يقتضي النظرُ سواهُ؛ لأَنَّ مَنْعَهُ أنْ لا يُحَدِّثَ بما حَدَّثَهُ لا لعلةٍ ولا ريبةٍ في الحديثِ لا يُؤَثِّرُ؛ لأَنَّهُ قَدْ حدَّثَهُ، فهو شيءٌ لا يُرْجَعُ فيهِ، وردَّهُ ابنُ الصلاحِ بأنْ قالَ: إنَّمَا هذا كالشاهدِ إذا ذَكَرَ في غيرِ مجلسِ الحُكْمِ شهادتَهُ بشيءٍ، فليس لمنْ سمعَهَ أنْ يَشْهَدَ على شهادتهِ، إذا لم يَأذَنْ له ولم يُشْهِدْهُ على شهادتِهِ، قال: وذلك مما تساوَتْ فيه الروايةُ والشهادةُ؛ لأَنَّ المعنى يجمعُ بينهما فيهِ، وإنِ افترقتا في غيرِهِ. وقالَ القاضي عياضٌ: قياسُ مَنْ قاسَ الإذنَ في الحديثِ في هذا الوجهِ وعدمِهِ على الإذنِ في الشهادةِ وعدمِهِ غيرُ صحيحٍ؛ لأَنَّ الشهادةَ على الشهادةِ لا تصحُّ إلَاّ مَعَ الإشْهادِ والإذنِ في كلِّ حالٍ، إلَاّ إذا سَمِعَ أَداءَها عندَ الحاكمِ، ففيهِ اختلافٌ، والحديثُ عن السماعِ والقراءةِ لا يُحتاجُ فيهِ إلى إذْنٍ باتِّفَاقٍ، فهذا يَكْسِرُ عليهم حُجَّتَهُم بالشهادةِ في مسألتِنا هنا، ولا فرقَ. وأيضاً فالشهادةُ مُفْترقةٌ مِنَ الروايةِ في أكثرِ الوُجُوْهِ. ثم عدَّدَ أشياءَ ممَّا يفترقانِ فيهِ.