الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(مسألة: الواجب على الكفاية
على الجميع ويسقط بالبعض لنا إثم الجميع بالترك باتفاق، قالوا: يسقط بالبعض قلنا استبعاد، قالوا: كما أمر بواحد مبهم أمر ببعض مبهم قلنا إثم واحد مبهم لا يعقل، قالوا: فلولا نفر قلنا يجب تأويله على المسقط جمعًا بين الأدلة).
أقول: هذه مسائل تتعلق بالواجب هذه أولاها: وهو فى الواجب على الكفاية نحو الجهاد مما يحصل الغرض منه بفعل البعض وحكمه أنه يجب على الجميع ويسقط بفعل البعض وقيل بل إنما يجب على البعض لنا أن الجميع إذا تركوه يأثمون وهو معنى الوجوب احتج المخالفون بوجوه:
قالوا: أولًا: يسقط بفعل البعض ولو وجب على الجميع لما سقط.
الجواب: هذا استبعاد ولا مانع من سقوط الواجب على الجميع بفعل البعض إذا حصل به الغرض كما يسقط ما فى ذمة زيد بأداء عمرو عنه، والاختلاف فى طرق الإسقاط لا يوجب الاختلاف فى الحقيقة كالقتل للردة والقصاص فإن الأول يسقط بالتوبة دون الثانى.
قالوا: ثانيًا: كما يجوز الأمر بواحد مبهم اتفاقًا يجوز أمر بعض مبهم، فإن الذى يصلح مانعًا هو الإبهام، وقد علم إلغاؤه.
الجواب: الفرق بأن إثم واحد غير معين لا يعقل بخلاف الإثم بواحد غير معين.
قالوا: ثالثًا: قال تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: 122]، وهو تصريح بالوجوب على طائفة غير معينة من الفرقة.
والجواب: أن الظاهر يؤول للدليل فيحمل على غير ظاهره جمعًا بين الأدلة فإنه أولى من إلغاء دليل بالكلية وقد دل دليلنا على الوجوب على الجميع فيؤول هذا بأن فعل الطائفةكان الفرقة مسقط للوجوب عن الجميع.
قوله: (على الجميع) أى على كل واحد وقيل المراد الجميع من حيث هو إذ لو تعين على كل واحد كان إسقاطه عن الباقين دفعًا للطلب بعد تحققه؛ فيكون نسخًا فيفتقر إلى خطاب جديد ولا خطاب فلا نسخ فلا سقوط؛ بخلاف الإيجاب على الجميع من حيث هو فإنه لا يستلزم الإيجاب على كل واحد ويكون التأثيم للجميع
بالذات ولكل واحد بالعرض، وأجيب بأن سقوط الأمر قبل الأداء قد يكون بغير النسخ كانتفاء علة الوجوب كاحترام الميت مثلًا فإنه يحصل بفعل البعض فلهذا ينسب السقوط إلى فعل البعض وأيضًا يجوز أن ينصب الشارع أمارة على سقوط الوجوب من غير نسخ.
قوله: (والاختلاف فى طرق الإسقاط) لا دخل له فى تمام الجواب وإنما أورده الآمدى ردًا على من أنكر اشتراك الكفاية والمعين فى حقيقة الوجوب؛ بناء على أن المعين لا يسقط بفعل الغير بخلاف الكفاية، وأورده العلامة فى هذا المقام جوابًا عن بيان الملازمة بأن ما يسقط عن المكلف بفعل غيره لا يكون واجبًا كالمعين، وتقريره أنا لا نسلم أن ما يسقط بفعل غيره لا يكون واجبًا فإن الاختلاف فى طريق السقوط لا يوجب الاختلاف فى طريق الثبوت كالقتل يجب بالردة والقصاص ويسقط الأول بالتوبة دون الثانى والثانية بالدية والعفو دون الأول مع أن الحقيقة واحدة، ولزيادة تحقيق الاتحاد صوره الآمدى فيمن ارتد ثم قتل عمدًا وأما الشارح المحقق فلما بين أن الواجب المعين على زيد يسقط بفعل عمرو ولم يستقم جعله جوابًا لمثل هذا السؤال، ولو أراد أن لا يمتنع تعدد طرق إسقاط الواجب فيجوز أن تسقط الكفاية بالبعض كما تسقط بالكل لم يلائمه البيان بقوله فإن الأول يسقط بالتوبة دون الثانى بل الملائم أن يقال فإنه يسقط بالتوبة وبالدية وبالعفو.
قوله: (إثم واحد غير معين لا يعقل) أى خلاف المعقول وهذا إنما يصح لو لم يكن مذهبهم إثم الجميع بسبب ترك البعض على ما يدل عليه قوله لنا إثم الجميع باتفاق.
قوله: (هذه مسائل تتعلق بالواجب) الواجب، باعتبار فاعله ينقسم إلى فرض عين وفرض كفاية وباعتبار نفسه إلى معين ومخير، وباعتبار وقته إلى مضيق وموسع، وباعتبار مقدمة وجوده إلى مطلق ومقيد وقد تتعلق بالموضع مسألة أخرى وهى ظن الفوات بالموت مع تبين خطئه فهذه خمس مسائل تتعلق بالواجب قد صرح الشارح فى كل واحدة منها أنها من مسائل الواجب سوى مسألة الإطلاق والتقييد.
قوله: (مما يحصل الغرض منه بفعل البعض) يشير إلى أن فرض الكفاية واجب يحصل الغرض منه بفعل بعض المكلفين أى بعض كان كالجهاد فإن الغرض منه حراسة المؤمنين وإذلال العدو وإعلاء كلمة الحق وذلك حاصل بوجود الجهاد من أى فاعل كان وكإقامة الحجيج ودفع الشبه إذ الغرض منها حفظ قواعد الدين من أن تزلزلها شبه المبطلين، وحصوله لا يتوقف إلا على صدوره من فاعل ما ومثل هذا لا يتعلق وجوبه بكل واحد على الأعيان بحيث لا يسقط بفعل البعض لإفضائه إلى التزام ما لا حاجة إليه ولا بعض معين لاهدائه إلى الترجيح من غير مرجح فتعين أن يتعلق وجوبه بالكل على وجه يسقط بفعل البعض أو يتعلق ببعض غير معين والمختار هو الأول.
قوله: (والاختلاف فى طرق الإسقاط) جواب عما قيل من أن الواجب على الأعيان لا يسقط بفعل البعض وهذا يسقط فيختلفان فى حقيقة الواجبية لكن الأول متعلق بالجميع فلا يكون الثانى كذلك وإلا اتفقا فى الحقيقة، وتقرير الجواب إن اختلاف شيئين فى طرق الإسقاط بأن يسقط أحدهما بطريق ولا يسقط الآخر به لا يوجب الاختلاف فى الحقيقة فإن القتل للردة والقتل للقصاص متفقان فى تمام الحقيقة مع أن الأول يسقط بالتوبة دون الثانى.
قوله: (كما يجوز الأمر) أى: فى الواجب المخير بواحد مبهم اتفاقًا أى من المتخاصمين ههنا.
قوله: (وقد علم إلغاؤه) أى إلغاء الإبهام فى المكلف به فكذا فى المكلف فإن قلت: انتفاء المانع لا يكفى فى ثبوت شئ بل لا بد معه من وجود المقتضى قلنا: دليل وجوب الفعل مع عدم إلزام الباقين بعد قيام بعض به أى بعض كان يقتضى الوجوب على بعض مبهم لكنه لم يتعرض له لظهوره، ولو كان دليل الوجوب صريحًا فى بعض مبهم كان الحال أظهر وحاصل الجواب أن الإبهام هناك ملغى لإمكان تأثيم المكلف بترك أحد الأمور مبهمًا فيعمل بمقتضى الدليل وههنا لا مانع إذ لا يعقل تأثيم المكلف غير معين فلا يعمل بمقتضاه بل لو تم بحسب الظاهر لأول.
قوله: (وهو تصريح بالوجوب على طائفة) أى الوجوب المستفاد من لولا الداخلة على الماضى الدالة على التنديم واللوم، وأما أنه على طائفة غير معينة فظاهر.
قوله: (إن الظاهر يؤول للدليل) أى القاطع الذى لا يحتمل التأويل.
المصنف: (الواجب على الكفاية. . . إلخ) عرف بأنه محتم يقصد حصوله من غير نظر بالذات إلى فاعله فلا ينظر إليه إلا بالتبع ضرورة أنه لا يحصل بدون فاعل وقد شمل ما هو دينى كصلاة الجنازة وما هو دنيوى كالحرف والصنائع وخرج فرض العين، فإنه قد نظر فيه بالذات إلى فاعله سواء قصد من عين مخصوصة كالنبى صلى الله عليه وسلم فيما فرض عليه دون أمته أو لا كالنبى وأمته فيما فرض على جميعهم، وحاصل القول فى فرض الكفاية أنه قيل بوجوبه على الكل وهو قول الجمهور وقيل على البعض فقيل مبهم وهو مختار ابن السبكى وقيل معين عند اللَّه يسقط الطلب بفعله وفعل غيره كما يسقط الدين عن الشخص بأداء غيره عنه وقيل البعض من قام به هذا وفى تعاينه بالشروع فيه وعدمه وفى كونه أفضل من فرض العين والعكس خلاف مسطور فى الفروع.
الشارح: (وقيل: بل إنما يجب على البعض) اختاره ابن السبكى وقوله لنا أن الجميع إذا تركوه يأثمون يقال عليه إثمهم لتفويتهم ما قصد من جهتهم وفائدة الخلاف بين القولين أنه على الأول من لم يظن أن غيره فعل وجب عليه الفعل وعلى الثانى لا يجب إلا إذا ظن أن غيره لم يفعله.
التفتازانى: (وقيل: المراد الجميع من حيث هو) يرد عليه أنه على هذا القول لا يخرج من عهدة التكليف إلا إذا فعل الجميع وهو باطل.
التفتازانى: (فلا سقوط) أى مع أن السقوط واقع فلا بد أن الإيجاب على الجميع من حيث هو.
التفتازانى: (كاحترام الميت مثلًا) أى فعلة وجوب الصلاة عليه احترامه بها.
التفتازانى: (فلهذا ينسب السقوط إلى فعل البعض) أى لحصوله بفعل البعض ينسب السقوط لفعل البعض وإن كان فى الحقيقة السقوط لانتفاء علة الوجوب.
التفتازانى: (فى حقيقة الوجوب) الأولى فى حقيقة الواجبية بأن تكون الواجبية فيهما على الكل وقوله كالمعين أى فى أن الوجوب على الكل وقوله: لا يكون واجبًا أى على الكل وقوله فى طريق الثبوت أى ثبوت الوجوب على الكل مثلًا، وقوله عن بيان الملازمة أى التى أشير إليها بقوله قالوا يسقط بفعل البعض بأنه قال لو كان واجبًا على الكل لما سقط بفعل البعض وبيان هذه الملازمة أن ما يسقط
بفعل غير المكلف لا يكون واجبًا كالمعين حتى يكون واجبًا على الكل وقوله وتقريره أى تقرير قوله والاختلاف. . . إلخ. جوابًا عن بيان الملازمة.
التفتازانى: (وهذا إنما يصح لو لم يكن مذهبهم. . . إلخ) قد يجاب بأن المراد أن القول بتأثيم واحد مبهم قصدًا وتأثيم الكل تبعًا غير معقول.
التفتازانى: (وهذا إنما يصح لو لم يكن مذهبهم أثم الجميع. . . إلخ) رد بأن ترك البعض يقتضى أولًا وبالذات إثم البعض إذ هم التاركون للواجب وإن كان يؤول إلى إثم الجميع ثانيًا وبالعرض فيلزم تأثيم المبهم وأما كون الكل من فرد البعض المبهم إذ مرادهم بالبعض أعم من أن يتحقق فى البعض أو الكل فالكل إذا أتوا به أتوا بما يجب عليهم فإثم الكل فرد من إثم البعض فيه أن الكل وإن كان فردًا للبعض لكن الواجب على أى واحد مما صدق عليه البعض أو الوجوب على البعض المبهم فى أى فرد تحقق فإن كان الأول فالوجوب على الكل والاختلاف فى التعبير وإن كان الثانى فتأثيم المبهم لازم قطعًا لأن الآثم هو التارك للواجب عليه والتارك البعض المبهم وتأثيمه غير معقول.
قوله: (جواب عما يقال من أن الواجب على الأعيان لا يسقط بفعل البعض) كيف يأتى هذا مع أن الشارح بين أن الواجب المعين على زيد يسقط بفعل عمرو، ويجاب بأن المراد الواجب على الأعيان لا يسقط بفعل بعض مبهم مع كون الإيجاب تعلق بعين كل وما قاله الشارح واجب معين على شخص سقط بفعل غير من وجب عليه لكون الغرض المقصود منه حاصلًا بفعل ذلك الغير وقوله: فيختلفان فى حقيقتة الواجبية أى فلا يكون كل واجبًا على الكل وقوله لكن الأول. . . إلخ. لا وجه للاستدراك هنا وكان الأولى إبداله بأن يقول وحيث كان الأول واجبًا على الجميع وجب أن يكون الثانى وهو فرض الكفاية على البعض وإلا اتفقا فى حقيقة الواجبية مع الاختلاف فى طرق الإسقاط وهو باطل.