المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(مباحث الأمر) قال: (الأمر حقيقة فى القول المخصوص اتفاقًا، وفى الفعل - شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني - جـ ٢

[عضد الدين الإيجي]

فهرس الكتاب

- ‌ ابتداء الوضع

- ‌(مسألة: الواجب على الكفاية

- ‌(مسألة: الأمر بواحد من أشياء

- ‌(مسألة: من أخر مع ظن الموت قبل الفعل

- ‌(مسألة: ما لا يتم الواجب إلا به

- ‌(مسائل الحرام)

- ‌(مسائل المندوب)

- ‌(مسائل المكروه)

- ‌(مسائل المباح)

- ‌(خطاب الوضع)

- ‌(المحكوم فيه)

- ‌(مسألة: لا تكليف إلا بفعل

- ‌(المحكوم عليه)

- ‌(مسألة: يصح التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه

- ‌(مباحث الأدلة الشرعية)

- ‌(مباحث الكتاب)

- ‌(مسألة: العمل بالشاذ غير جائز

- ‌(مباحث السنة)

- ‌(مسألة: إذا علم بفعل ولم ينكره

- ‌(مباحث الإجماع)

- ‌(مسألة: لا يختص الإجماع بالصحابة

- ‌(مسألة: التابعى المجتهد معتبر

- ‌(مسألة: إجماع أهل المدينة من الصحابة والتابعين حجة

- ‌(مسألة: الإجماع لا يكون إلا عن مستند

- ‌(مسألة: المختار امتناع ارتداد كل الأمة

- ‌(مسألة: يجب العمل بالإجماع المنقول بخبر الآحاد

- ‌(مباحث الخبر)

- ‌(مباحث خبر الواحد)

- ‌(مسألة: التعبد بخبر الواحد العدل جائز

- ‌(مسألة: مجهول الحال لا يقبل

- ‌(مسألة: الصحابى من رأى النبى عليه الصلاة والسلام

- ‌(مسألة: الأكثر على جواز نقل الحديث بالمعنى

- ‌(مسألة: إذا كذب الأصل الفرع

- ‌(مسألة: حذف بعض الخبر جائز

- ‌(مباحث الأمر)

- ‌(مسألة: صيغة الأمر بمجردها لا تدل على تكرار

- ‌(مسألة اختيار الإمام والغزالى رحمهما اللَّه أن الأمر بشئ معين

- ‌(مسألة: صيغة الأمر بعد الحظر للإباحة

- ‌(مسألة: إذا أمر بفعل مطلق فالمطلوب الفعل

- ‌(مباحث النهى)

- ‌(مسألة: النهى عن الشئ لعينه يدل على الفساد شرعًا

- ‌(مباحث العام والخاص)

- ‌(مسألة: العموم من عوارض الألفاظ

- ‌(مسألة: الجمع المنكر ليس بعام

- ‌(مسألة: المشترك يصح إطلاقه على معنييه مجازًا

- ‌(مسألة: خطابه لواحد لا يعم

- ‌(مسألة: جمع المذكر السالم

الفصل: ‌ ‌(مباحث الأمر) قال: (الأمر حقيقة فى القول المخصوص اتفاقًا، وفى الفعل

(مباحث الأمر)

قال: (الأمر حقيقة فى القول المخصوص اتفاقًا، وفى الفعل مجاز، وقيل مشترك، وقيل: متواطئ، لنا سبقه إلى الفهم، فلو كان متواطئًا لم يفهم منه الأخص كحيوان فى إنسان واستدل لو كان حقيقة لزم الاشنراك فيخل بالتفاهم فعورض بأن المجاز خلاف الأصل فيخل بالتفاهم وقد تقدَّم مثله والتواطؤ مشتركان فى عام فيجعل اللفظ له دفعًا للمعذورين وأجيب بأنه يؤدى إلى رفعهما أبدًا، فإن مثله لا يتعذر وإلى صحة دلالة الأعم على الأخص وأيضًا فإنه قول حادث هنا).

أقول: فرغ من السند وشرع فى المتن، مما يشترك فيه الكتاب والسنة والإجماع، فمنه أمر ونهى وعام وخاص ومطلق ومقيد ومجمل ومبين وظاهر ومؤوّل، ومنطوق ومفهوم، فبدأ بالأمر آتيًا عليها بما ذكرنا من الترتيب فالأمر ولا نعنى به مسماه كما هو المتعارف فى الأخبار عن الألفاظ أن يلفظ بها، والمراد مسمياتها بل لفظة الأمر وهو أم ر كما يقال زيد مبتدأ وضرب فعل ماض وفى حرف جر وإنه حقيقة فى القول المخصوص اتفاقًا فلو أنه قسم من الكلام وقد يطلق على الفعل فالأكثر على أنه فيه مجاز وقيل مشترك بين القول المخصوص والفعل، وقيل متواطئ فيهما، أى هو للقدر المشترك بينهما لنا سبق القول المخصوص إلى الفهم عند إطلاقه فكان حقيقة فيه غير مشترك بينهما وإلا لبادر الآخر أو لم يتبادر شئ منهما وهو ظاهر وليس متواطئًا وإلا لكان أعم من القول المخصوص ولم يفهم منه القول المخصوص لأن الأعم لا يدل على الأخص كما لا يفهم من الحيوان الإنسان خاصة واستدل بأنه لو كان حقيقة فى الفعل لكان مشتركًا إذ لا يشك فى أنه حقيقة فى القول المخصوص واللازم باطل لأن الاشتراك يخل بالتفاهم.

الجواب: أنه لو لم يكن حقيقة للزم المجاز واللازم باطل لأنه يخل بالتفاهم ويرجح كل بوجوه ترجيحه التى مرت وإليه الإشارة بقوله وقد تقدَّم مثله.

القائلون بالتواطؤ قالوا: أمران يشتركان فى عام وهو مفهوم أحدهما فوجب جعله لذلك العام دفعًا للاشتراك والمجاز فإن كليهما محذوران لإخلالهما بالتفاهم.

الجواب: أما أولًا: فبأنه إنما يستقيم لو لم يدل دليل على خلافه، وإلا لوجب

ص: 489

رفع الاشتراك والمجاز أصلًا، إذ ما من معنيين إلا ويجرى فيه ذلك.

وأما ثانيًا: فبأنه يؤدى إلى بطلان صحة دلالة الأعم على الأخص، كما ذكرنا.

وأما ثالثًا: فبأنه قول حادث يرفع كونه حقيقة فى القول المخصوص بخصوصه وأنه مجمع عليه فوجب ردّه.

قوله: (فرغ من السند) يشير إلى أن البحث عن الخبر كان من جهة كونه من مباحث السند وإلا فهو من حيث كونه من أقسام المتن لا يتعلق به بحث للأصولى، وبهذا يظهر أن ما ذكره بعض الشارحين من أنه لما فرغ لمن الخبر شرع فى الأمر ليس على ما ينبغى.

قوله: (مما يشترك) يعنى أن أقسام المتن بعضها مما يشترك فيه النص والإجماع كهذه المذكورات وبعضها مما يخص النص كالناسخ والمنسوخ وسيذكر وبدأ بالأمر والنهى لأن معظم الابتلاء بهما وبمعرفتهما تتم معرفة الأحكام ويتميز الحلال والحرام ولهذا صدر بعض كتب الأصول بباب الأمر.

قوله: (وأنه قسم من الكلام) فقد يكون نفسيًا وقد يكون لفظيًا.

قوله: (للقدر المشترك بينهما) أى بين القول المخصوص والفعل وهو مفهوم أحدهما على ما صرح به المحقق عند الاحتجاج على هذا المذهب وبعضهم على أن الفعل أعم من أن يكون باللسان أو بغيره وأما على ما ذكره العلامة من أنه الموجود أو الشئ أو الشأن أو نحو ذلك فلا يكون للقدر المشترك بينهما خاصة ويكون هذا مذهب أبى الحسين البصرى أنه مشترك بين الشئ والشأن والصفة والطريق وقد صرح أن هذا مذهب آخر لبعض المتأخرين والظاهر أنه أراد به الآمدى ولا يثبت لهذا المدهب فى كتب الأصول سوى ما ذهب إليه أبو الحسين من كونه حقيقة فى الشأن المشترك يعنى بين القول والفعل فإن الآمدى إنما ذكر هذا الكلام فى معرض المنع وقال لا يلزم من كونه حقيقة فى الفعل كونه مشتركًا لإمكان أن يكون بعض الصفات المشتركة بين القول المخصوص والفعل هو مسمى الأمر فيكون متواطئًا مقولًا على كل واحد منهما بحسب الحقيقة لا من حيث خصوصه، ثم قال فإن قيل هذا إحداث قول مخالف للإجماع ومستلزم لصفة إطلاق الأمر على النهى وسائر أقسام الكلام لأن المعنى المشترك لا يخرج عن الوجود والشيئية والصفة

ص: 490

ونحو ذلك، قلنا كونه حقيقة فى الشأن وفى الصفة مما قال به أبو الحسين وصدقه على النهى وغيره ظاهر فلا محذور.

قوله: (وإلا لبادر الآخر) يعنى أن عند إطلاق الأمر يسبق القول المخصوص إلى الفهم على أنه مراد دون الفعل فلو كان مشتركًا لبادر كل منهما على طريق الخطور ولم يبادر شئ منهما على طريق الإرادة كما سبق فى بحث المشترك.

قوله: (وهو ظاهر) يعنى إنما لم يتعرض المصنِّفُ لهذه المقدمات لظهورها.

قوله: (لو لم تكن حقيقة للزم المجاز) اقتصر على المعارضة لظهور المنع كما نقلنا عن الآمدى وتوجيهه أنه إن أراد بقوله لا شك فى أنه حقيقة فى القول أنه حقيقة فيه بخصوصه ومن حيث إنه نفس الموضوع له تعين النزاع وإن أريد من حيث إنه من أفراد الموضوع له فلا ينفى التواطؤ كما إذا دخل زيد فقلنا دخل رجل أو إنسان أو حيوان وغلط من زعم أن مثل هذا مجاز إنما نشأ من أنه فهم من استعمال اللفظ فى الموضوع له استعماله فى نفس المسمى دون أفراده، وأنت خبير بأنه قل ما يقع فى الاستعمال.

قوله: (كما ذكرنا) يعنى بأن يفهم من الحيوان الإنسان خاصة لأنه يفهم من إطلاق الأمر القول خاصة، ومنع هذا مكابرة.

قوله: (وأنه مجمع عليه) فإن قيل قد أجاب الآمدى عن ذلك بأن كونه حقيقة فى الشأن وفى الصفة قول لأبى الحسين، قلنا قد اشتهر فيما بينهم أنه لا نزاع فى كون الأمر موضوعًا للقول المخصوص بخصوصه، وكأن أبا الحسين يجعله مشتركًا بينه بخصوصه وبين الشأن والصفة، ونحو ذلك حتى أن إطلاقه حقيقة على القول المخصوص بأن يكون بخصوصه وبأنه من حيث أنه من أفراد الشأن والصفة بخلاف كونه حقيقة فى الفعل فإنه لا يكون إلا بالاعتبار الثانى.

الشارح: (حقيقة فى القول المخصوص اتفاقًا) أى أن الاتفاق على مجرد كونه حقيقة فى القول المخصوص والخلاف بعد ذلك فى أنه حقيقة فيه من حيث خصوصه كما هو حقيقة فى الفعل كذلك فيكون مشتركًا لفظيًا أو حقيقة فيه من حيث خصوصه وفى الفعل مجاز كما هو القول الراجح، أو حقيقة لأن حيث خصوصه بل لكونه فردًا من القدر المشترك كما هو رأى القول بالتواطئ.

ص: 491

الشارح: (وإلا لبادر الآخر ولم يتبادر شئ منهما) هكذا وقع فى بعض النسخ وعليه درج المحشى وفسر مبادرة الآخر بالمبادرة خطورًا وجعل عدم تبادر شئ منهما بمعنى عدم التبادر إرادة، وقد رد جعل المبادرة على سبيل الخطور من علامات الحقيقة بأن فهم الجزء سابق على فهم الكل من لفظ الكل وليس بحقيقة فى الجزء وكذا يسبق إلى الذهن من لفظ العمى مثلًا، معنى الملكة المضاف إليه العدم وليس حقيقة فى البصر فالحق أن يعتبر فى علامة الحقيقة عدم تبادر الغير على أنه مراد وجعل مجموع الأمرين علامة على نسخة الواو يفيد أن علامة الحقيقة الأمران معًا وهو خلاف ما ذكره القوم وفى نسخة أو لم يبادر شئ منهما وحمل بعض الحواشى ذلك على أنه يفهم عند إطلاق لفظ الأمر بلا قرينة لو كان مشتركًا الفعل والقول معًا عند من يقول يجب إعمال لفظ المشترك فى معنييه أو معانيه عند عدم التضاد، أو لم يفهم شئ عند من يفول أنه مجمل لا يفهم منه شئ من معانيه قال ميرزاجان: الأظهر أن قوله وإلا لبادر الآخر يعنى أيضًا كما وجد فى بعض النسخ وهو إشارة إلى رأى من يقول علامة الحقيقة سبقه إلى الفهم من حيث أنه مراد وقوله أو لم يتبادر شئ منهما إشارة إلى القول بأن علامة الحقيقة عدم تبادر غيره من حيث أنه مراد. اهـ. ببعض تغيير ثم إن الرد المتقدم بأن فهم الجزء سابق على الكل مردود بأن ذلك فى تحصيل الكل لا فى فهم الكل من لفظ الكل.

الشارح: (لو لم يدل دليل على خلافه) أى وقد دل الدليل وهو تبادر القول المخصوص منه.

الشارح: (وأما ثالثًا فبأنه قول حادث. . . إلخ) أى جعل الأمر للقدر المشترك الذى هو أحد الأمرين قول حادث خارق للإجماع لأن هذا القول لا يجعله حقيقة إلا فى القدر المشترك وهذا لا ينافى أن هناك قولًا بأنه للقدر المشترك وللقول بخصوصه الذى ذهب إليه أبو الحسين على ما بينه المحشى.

قوله: (لا يتعلق به بحث للأصولى) أى لأن الأصولى إنما ينظر فى أدلة الحكم والخبر من حيث هو خبر ليس منها.

قوله: (وبهذا يظهر. . . إلخ) فى بعض الحواشى أن المتن وهو ما يدل على حكم شرعى قد يكون خبرًا كقوله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار حتى يتفرقا" وقد يكون إنشاء

ص: 492

أمرًا أو نهيًا أو نحوهما، فالمتن من وجه إما خبر وإما إنشاء كما أنه من وجه إما عام وإما خاص ومن وجه إما مطلق وإما مقيد وهكذا، ولكن لما كان السند هو الإخبار عن طريق المتن لم يكن له بد من تعريف الخبر وأحكامه فى بحث السند فلم يعده ههنا وشرع فى ذكر باقى الأقسام.

قوله: (النص) هو الكتاب والسنة.

قوله: (عند الاحتجاج على هذا المذهب) أى على إثبات مذهب القول للقدر المشترك.

قوله: (وتوجيهه) أى توجيه المصنف.

ص: 493

قال: (حد الأمر اقتضاء فعل غير كف على جهة الاستعلاء).

أقول: ذكر للأمر حدود فمنها صحيح ومنها مزيف فالصحيح عنده أنه اقتضاء فعل غير كف على جهة الاستعلاء، فالاقتضاء جنس، وقوله غير كف يخرج النهى لما علمت أنه يقتضى الكف وهو فعل، وقوله: على سبيل الاستعلاء يخرج ما على سبيل التسفل، وهو الدعاء، وما على سبيل التساوى وهو الالتماس، واشترط الاستعلاء كما هو رأى أبى الحسين ولم يهمل هذا الشرط كما هو رأى الأشعري، ولم يشترط العلو كما هو رأى المعتزلة، لذمهم الأدنى بأمر الأعلى ويرد عليه كف نفسك فإنه أمر بالكف وأن الحق أنه لا يشترط الاستعلاء لقوله تعالى حكاية عن فرعون:{فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الشعراء: 35].

قوله: (اقتضاء فعل) لما كان العمدة فى الكلام عند الأشاعرة هو النفسى عرّف الأمر على ما هو النفسى الذى لا يختلف بالأوضاع واللغات ليعلم أن اللفظى هو ما يدل عليه من أى لغة كانت.

قوله: (لما علمت) أى فى أول تقسيم الحكم حيث قال إن الطلب، وأما الفعل ففى النهى الكف لكن ينبغى أن يعلم أنه اقتضاء الكف لا ما يقتضى الكف.

قوله: (لذمهم الأدنى بأمر أعلى) تعليل لعدم إهمال شرط الاستعلاء وعدم اشتراط العلو وذلك لأن العقلاء يذمون الأدنى بسبب أنه أمر الأعلى فلو اشترط العلو لما كان هذا أمرًا ولولا أن فيه الاستعلاء لما استحق الذم وهذا مع ظهوره قد خفى على بعضهم حتى توهم أنه دليل للمعتزلة فى اشتراط العلو.

قوله: (ويرد عليه) قد أجاب العلامة بأن المراد فعل غير كف لا يكون قد اشتق منه اللفظ الدال على الاقتضاء، وذلك بأن لا يكون كفًا كما فى أخذت أو كان ولكن قد اشتق منه الصيغة مثل اكفف ولم يرتضه المحقق لبعده وعدم دلالة اللفظ عليه أصلًا لكن نقول لا خفاء فى أن المراد الكف عما هو مأخذ الاشتقاق عند العود إلى الكلام اللفظى فيدخل اكفف ويخرج لا تكفف.

قوله: (وأن الحق) أى ويرد عليه أن اشتراط الاستعلاء مخالف لما عليه الاستعمال إذ قد أطلق الأمر حيث لا يتصوّر الاستعلاء كما فى قوله تعالى حكاية عن فرعون: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الشعراء: 35]، والأصل الحقيقة وله أن يجيب بأنه

ص: 494

مجاز للقطع بأن الطلب على سبيل التضرع أو التساوى ولا يسمى أمرًا.

الشارح: (فالصحيح عنده أنه اقتضاء فعل) إنما قال عنده لأن هذا التعريف ليس بمرضى عند الشارح لأنه تعريف للأمر الذى هو قسم من الكلام النفسى وبحث الأصولى إنما هو فى اللفظ الدال عليه الذى هو معروض العموم والخصوص إلى غير ذلك من الأمور التى تعرض للألفاظ، وإن كان مرجع الأدلة إلى الكلام النفسى كذا ذكره بعضهم ورده المحشى بقوله لما كان العمدة. . . إلخ. لكن ينبغى أن يعلم أنه اقتضاء الكف لا ما يقتضى الكف أى حيث قال الشارح أنه يقتضى الكف فجعله شيئًا يقتضى مع أنه نفس الاقتضاء.

الشارح: (ويرد عليه كف نفسك. . . إلخ) يمكن الجواب بأن الكف فى كف نفسك مقصود لذاته بخلافه فى لا تزن فالغرض الأصلى فيه عدم الزنا فهو مقصود لغيره لكن هذا يقتضى الاقتصار على الفعل فيقول اقتضاء فعل ولا حاجة إلى أن يقول غير كف.

ص: 495

قال: (قال القاضى والإمام: القول المقتضى طاعة المأمور بفعل المأمور به ورد بأن المأمور مشتق منه وأن الطاعة موافقة الأمر فيجئ الدور فيهما، وقيل خبر عن الثواب على الفعل وقيل عن استحقاق الثواب، وردّ بأن الخبر يستلزم الصدق أو الكذب والأمر يأباهما).

أقول: وأما المزيف من حد الأمر فذكر أصحابنا فيه وجوهًا، والمعتزلة وجوهًا، أما أصحابنا فقال القاضى: الأمر وهو القول المقتضى طاعة المأمور بفعل المأمور به وارتضاه الجمهور واعترض عليه بأنه مشتمل على الدور، رأى هو تعريف له بما لا يعرف إلا به من وجهين:

أحدهما: أن المأمور وهو واقع فى الحد مرتين مشتق من الأمر فتتوقف معرفته على معرفة الأمر لأن معنى المشتق منه موجود فى المشتق مع زيادة فيكون تعريف الأمر به دورًا.

وثانيهما: أن الطاعة موافقة الأمر والمضاف من حيث هو مضاف لا يعرف إلا بمعرفة المضاف إليه فإذا قد ظهر أنه يجئ الدور فيهما أى بحسب لفظ المأمور والطاعة، واعلم أنه يمكن دفع الدور بأنا إذا عرّفنا الأمر من حيث هو كلام كفانا ذلك فى أن نعلم المخاطب به وهو الأمور وما يتضمنه وهو المأمور به وفعل مضمونه وهو طاعته ولا يتوقف على معرفة حقيقة الأمر المطلوب معرفتها فلا دور، أو نقول تميز الأمر غير تصور حقيقته ثم تميزه كاف فى معرفة هذه الأمور والمطلوب تصوّر حقيقته وقد مر مثله، وقال قوم أنه خبر عن الثواب على الفعل وآخرون أنه خبر عن استحقاق الثواب على الفعل لئلا يلزم الخلف فى خبره عند العفو واعترض عليهما بأن الخبر يستلزم إما الصدق أو الكذب إذ لا يخلو عن أحدهما قطعًا، والأمر ينافيهما فإنه لا يكون صدقًا ولا كذبًا أبدًا، وتنافى اللازمين دليل تنافى الملزومين وكيف يجعل أحد المتنافيين جنسًا للآخر.

قوله: (واعلم) يعنى أن معرفة المأمور والمأمور به والطاعة لا تتوقف على معرفة الأمر بحقيقته بل على معرفته بوجه ما أو على تميزه وحصوله دون معرفته على ما مر فى بحث الخبر ولا يخفى ما فيه.

قوله: (لئلا يلزم الخلف) ذكر الآمدى أن من أصحابنا من قال الأمر هو الخبر بالثواب على الفعل تارة والعقاب على الترك تارة. ويرد عليه أنه يستلزم الثواب

ص: 496

والعقاب حذرًا عن الخلف فى خبر الصادق وليس كذلك، أما الثواب فلجواز إحباط العمل بالردة، وأما العقاب فلجواز العفو والشفاعة فالأولى أنه الخبر باستحقاق الثواب والعقاب ليندفع هذا الإشكال هذا كلامه، ولما لم يكن فى الكتاب تعرض للعقاب لم يستقم قول الشافعى عند العفو بل المناسب عند الإحباط ولهذا غيره بعضهم إلى عند تخلف الثواب وصحفه بعضهم إلى عند العقوبة وقد سقط من القلم شئ، وغاية ما يمكن أن يقال أن حدّ النهى يقابل حد الأمر فمن حده بالخبر بالثواب على الفعل لزمه حد النهى بالخبر بالعقاب على الفعل ويلزم الخلف على تقدير العفو فعدل إلى استحقاق الثواب والعقاب.

قوله: (قطعًا) دفع لما فى شرح العلامة من أن من حد الأمر بهذين الحدين قد لا يسلم أن كل خبر يحتمل الصدق والكذب

الشارح: (ولا يتوقف على معرفة الأمر) أى بل يتوقف على معرفة الكلام.

الشارح: (وقد مر مثله) أى فى بحث الخبر وهو الرق بين تصور الشئ وتميزه بنفسه.

الشارح: (واعترض عليهما) الظاهر أن المعرف تسامح فعرف الأمر بلازمه وأراد بالخبر ملزومه من الطلب وإلا فكيف يتصور من العلماء تعريف المتباينين بالآخر.

قوله: (ولا يخفى ما فيه) وهو أن ما أخذ فى التعريف لا بد من تصوره ولا يكفى مجرد تميزه فى نفسه المنفك عن التصور وأما إذا فرق بين الجوابين بأن الأمر فى الوجه الأول تصور بوجه ما ولم يتميز به عن ما عداه وفى الثانى تصور بوجه يميزه عن ما عداه فلا يظهر معنى لقوله ولا يخفى ما فيه.

قوله: (الأمر هو الخبر بالثواب على الفعل تارة والعقاب على الترك تارة) الأولى حذف تارة من الموضعين.

قوله: (وقد سقط من القلم شئ) أى من الشارح وقد يصحح كلامه بدون ضميمة بأن يقال المراد من العفو أى محو الثواب بالردة لأن العفو من معانيه المحو وقوله وغاية ما يمكن. . . إلخ. هو ما سقط.

الشارح: (قطعًا) أى لأنه لا اعتبار بمن يثبت الواسطة.

ص: 497

(قال: المعتزلة لما أنكروا كلام النفس، قالوا: قول القائل لمن دونه افعل ونحوه ويرد التهديد وغيره والمبلغ والحاكى والأدنى، وقال قوم صيغة افعل بتجردها عن القرائن الصارفة عن الأمر وفيه تعريف الأمر بالأمر وإن أسقطه بقيت صيغة افعل مجردة، وقال قوم صيغة افعل بإرادات ثلاث: وجود اللفظ، ودلالته على الأمر، والامتثال، فالأول عن النائم والثانى عن التهديد ونحوه، والثالث عن المبلغ وفيه تهافت لأن المراد إن كان اللفظ فسد لقوله وإرادة دلالتها على الأمر وإن كان المعنى فسد لقوله الأمر صيغة افعل، وقال قوله الأمر إرادة الفعل، ورد بأن السلطان لو أنكر متوعدًا بالإهلاك ضرب سيد لعبده فادعى مخالفته فطلب تمهيد عذره بمشاهدته فإنه يأمر ولا يريد لأن العاقل لا يريد هلاك نفسه وأورد مثله على الطلب لأن العاقل لا يطلب هلاك نفسه وهو لازم والأولى لو كان إرادة لوقعت المأمورات كلها لأن معنى الإرادة تخصيصه بحال حدوثه فإذا لم يوجد لم يتخصص).

أقول: هذه من الحدود المزيفة للأمر التى ذكرها المعتزلة وأنهم لما أنكروا كلام النفس وكان الطلب نوعًا منه لم يمكنهم أن يحدوه به فتارة حدوه باعتبار اللفظ، وتارة باقتران صفة الإرادة وتارة جعلوه نفس صفة الإرادة، أما باعتبار اللفظ، فقالوا هو قول القائل لمن دونه افعل، ورد بأنه يرد على طرده قول القائل افعل لمن دونه تهديدًا أو تعجيزًا أو غيرهما فإنه يرد لخمسة عشر معنًى، وأيضًا يرد على طرده قول القائل افعل لمن دونه إذا صدر عن مبلغ لأمر الغير أو حاك له وأيضًا يرد على عكسه اشعل إذا صدر عن الأدنى على سبيل الاستعلاء ولذلك يذم بأنه أمر من هو أعلى منه وقد يجاب عن الأول بأن المراد قول افعل مرادًا به ما يتبادر منه عند الإطلاق، وعن الثانى أنه ليس قولًا لغيره افعل وعن الثالث بمنع كونه أمرًا عندهم لغة وإن سمى به عرفًا، وقال قوم هو صيغة افعل مجردة عن القرائن الصارفة عن الأمر، واعترض عليه بأنه تعريف الأمر بالأمر ولا يعرف الشئ بنفسه وإن أسقط هذا القيد بقى صيغة الأمر مجردة فيلزم تجرده مطلقًا حتى عما يؤكد فيه كونه أمرًا وقد يجاب عنه بأن المراد القرائن الصارفة عما يتبادر منها إلى الفهم عند إطلاقها وأما باعتبار ما يقترن بالصيغة من الإرادة فقال قوم صيغة فاعل بإرادات ثلاث: إرادة وجود اللفظ، وإرادة دلالتها على الأمر، وإرادة الامتثال واحترز بالأولى عن النائم إذ يصدر عنه صيغة افعل من غير إرادة وجود اللفظ، وبالثانية

ص: 498

عن التهديد والتخيير والإكرام والإهانة ونحوها، وبالثالثة عن الصيغة التى تصدر عن المبلغ والحاكى فإنه لا يريد الامتثال واعترض عليه بأن فيه تهافتًا لأن المراد بالأمر إن كان هو اللفظ فسد لقوله وإراة دلالتها على الأمر واللفظ غير مدلول عليه وإن كان المعنى فسد لقوله الأمر صيغة افعل والمعنى ليس صيغة وقد يجاب بأن المراد فى أحدهما اللفظ وفى الآخر المعنى لأنه يقال عليهما، وأما باعتبار نفس الإرادة فقال قوم الأمر إرادة الفعل واعترض بأنه لو أنكر سلطان ضرب سيد لعبده متوعدًا له بالإهلاك إن ظهر أنه لا يخالف أمره والسيد يدعى مخالفة العبد له فى أوامره ليدفع عن نفسه الهلاك فإنه يأمر عبده بحضرة السلطان ليعصيه ويشاهد السلطان عصيانه له فيزول إنكاره يخلص من الهلاك، فههنا قد أمره وإلا لم يظهر عذره وهو مخالفة الأمر ولا يريد منه الفعل لأنه لا يريد ما يفضى إلى هلاك نفسه وإلا كان مريدًا لهلاك نفسه، وأنه محال، وقد أجيب بأن مثله يجئ فى الطلب لأن العاقل لا يطلب ما يستلزم هلاكه وإلا كان طالبًا لهلاكه وهو لازم وقد يدفع بالمنع إذا علم أن طلبه لا يفضى إلى وقوعه وذكر المصنِّفُ أن الأولى فى إبطال كون الأمر هو الإرادة أنه لو كان الإرادة هو الإرادة لوقعت المأمورات كلها لأن الإرادة تخصص الفعل بحال حدوثه، وإذا لم يوجد لم يحدث فلا يتصور تخصيصه بحال حدوثه.

قوله: (هو قول القائل) يعنون القول لذى هو اللفظ لأنهم لا يقولون بالنفسى بخلاف ما ذكره القاضى فإنه يحتمل اللفظى والنفسى ولم يذكر فى الشرح لفظة ونحو إشارة إلى أنه لا حاجة إليه فى التحقيق لظهور أنه ليس المراد لفظة افعل بعينه بل هو كناية عن كل ما يدل على طلب الفعل من صيغ الأمر من أى لغة يكون وعلى أى وزن يكون.

قوله: (فإنه يرد لخمسة عشر معنًى) لإيجاب: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43]، الندب:{فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33]، الإرشاد:{وَاسْتَشْهِدُوا} [البقرة: 282]، الإباحة:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [الأعراف: 31]، التهديد:{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]، الامتثال:{فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ} [النحل: 114]، الإكرام:{ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ} [ق: 34]، التسخير:{كُونُوا قِرَدَةً} [البقرة: 65]، التعجيز:{فَأْتُوا بِسُورَةٍ} [البقرة: 23]، الإهانة:

ص: 499

{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49]، التسوية:{فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا} [الطور: 16]، الدعاء:"اللهم اغفر لى"، التمنى:

* ألا أيها الليل الطويل ألا انجلى *

الاحتقار: {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} [الشعراء: 43]، التكوين:{كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82].

قوله: (على سبيل الاستعلاء) قَيَّد بذلك ليصير أمرًا بلا نزاع وإلا فقد ذكر أنه ليس بشرط.

قوله: (ولذلك) أى ولكونه أمرًا يذم الأدنى وينسب إلى الجهل والحمق حيث أمر الأعلى وذكر ما ينبئ عن الاستعلاء.

قوله: (ليس قولًا لغيره افعل) لأن معناه أن تصدر هذه الصيغة من القائل على قصد طلب الفعل من الغير.

قوله: (يمنع كونه أمرًا) لا خفاء فى سقوط هذا المنع لورود الاستعمال شائعًا على ما هو مذكور فى موضعه وهو كاف فى إثبات اللغة.

قوله: (بقى صيغة الأمر) الصواب صيغة افعل مجردة يعنى يصير حد الأمر صيغة افعل مجردة فيلزم تجردها عن كل شئ حتى عما يؤكد كونها للأمر فلا يصدق على مثل افعل كذا وجوبًا، قال الآمدى: إن اقتصروا فى حد الأمر على أنه صيغة افعل المجردة عن القرائن وزعموا أنها فى غير الأمر لا تكون مجردة عن القرائن لم يكن هذا أوفى من قول القائل: التهديد هو صيغة افعل المجردة عن القرائن، إلا أن يدل عليه دليل من جهة السمع وهو غير متحقق، وفى بعض الشروح إن اقتصر على صيغة افعل بمجردها عن القرائن الصارفة لم يصح لبقائه مبهمًا إذ لا يراد بالقرائن العموم ولا المفهوم وإن اقتصر على مجرد صيغة افعل، ورد عليه ما ورد على الأول من التهديد ونحوه.

قوله: (واحترز بالأولى) الأولى أن القيود لتحقيق الماهية وإلا فالاحتراز عن الكل حاصل بالقيد الأخير.

قوله: (وقد يجاب) عن اعتراض تعريف الشئ بنفسه بأن المراد بأمر الثانى هو الطلب غايته أنه استعمل اللفظ المشترك تعويلًا على القرينة العقلية وهذا هو الجواب عن اعتراضه على التعريف الثانى للمعتزلة.

قوله: (إن ظهر أنه) أى العبد (لا يخالف أمره) أى أمر السيد، وبهذا يندفع ما

ص: 500

ذكره العلامة من أن هذا إنما يصح لو كان السلطان أوعد بأن الغلام لو لم يخالفك فيما أمرته عاقبتك أو كان السلطان ممن يعاقب بالكذب.

قوله: (وهو لازم) اعتراف بورود الإشكال على تعريف الأمر بالطلب وقد يجاب بأنا لا نسلم أن العاقل لا يطلب ما يستلزم هلاكه بل قد يطلب لغرض إذا علم أن طلبه لا يفضى إلى وقوعه المستلزم للهلاك فإن قيل فيجئ أصله فى الإرادة وحاصله كما أن إرادة الملزوم إرادة للازمه فكذلك طلبه وكما أن المطلوب يحتمل عدم الوقوع فكذلك المراد قلنا نعم لكن يجوز من العاقل طلب هلاكه إذا علم أنه لا يقع ولا تجوز إرادته أصلًا فعلى هذا يجوز أن يجعل المنع إشارة إلى منع استحالة كون العاقل طالبًا لهلاكه.

قوله: (تخصص الفعل) الأولى تخصص المقدور إلا أنه خصصه لكون الكلام فى الأمر وإنما يكون بفعل ومبنى هذا على أن الإرادة من اللَّه تعالى، ومن العبد معنى واحد وإن إرادة اللَّه تعالى فعل العبد تستلزم وقوعه وهذا لا يطابق أصول المعتزلة وتمام تحقيقه فى الكلام.

المصنف: (وقال قوم الأمر إرادة الفعل) قد اشتهر ذلك القول عن المعتزلة ولكن قد أنكره صاحب نجاح الطالب قائلًا أنهم اتفقوا على أن الأمر مقصور على الكلام اللفظى وليست الإرادة منه.

المصنف: (لأن معنى الإرادة تخصيص. . . إلخ) فيه تسامح لأن الإرادة صفة بها التخصيص لا نفس التخصيص.

الشارح: (لما أنكروا كلام النفس وكان الطلب نوعًا منه لم يمكنهم أن يحدوه به) يرد عليه أن من قال بأن الأمر هو صيغة افعل بإرادات ثلاث وجعل من تلك الإرادات إرادة الدلالة على الأمر بمعنى الطلب على ما سيأتى فى الجواب عن دفع التهافت قد اعترف بالطلب فلا يصح دعوى إنكار الطالب بناء على إنكار الكلام النفسى إلا أن يقال: إن مرادهم بالطلب الإرادة فهم لم يحدوه بالطلب الذى معناه الكلام النفسى وفى منهاج البيضاوى وشرح الإسنوى عليه اعترف أبو على الجبائى وابنه أبو هاشم بالتغاير بين مفهوم الإرادة لكنهما شرطا الإرادة فى دلالة صيغة الأمر على الطلب وفى شرح المقاصد ربما يعترف أبو هاشم بالمعنى الذى نسميه

ص: 501

نحن كلامًا نفسيًا وهو المعنى الذى يجده الإنسان فى نفسه ويدور فى خلده ولا يختلف باختلاف العبارات ويقصد المتكلم حصوله فى نفس السامع ويسميه أبو هاشم بالخواطر فيكون أبو هاشم إنما خالف فى كونه كلامًا نفسيًا ويلزمه أن يقول: إن ذلك فى القديم قديم لمنع المعتزلة قيام الحوادث به تعالى.

الشارح: (وذكر المصنف) إنما قال ذلك لعله للتبرى لأن المعتزلة يجوزون تخلف المراد عن الإرادة.

الشارح: (لوقعت المأمورات كلها) أى مأمورات اللَّه تعالى.

قوله: (التسخير) الفرق بينه وبين التكوين أن الثانى يقصد فيه إحداث الشئ بعد العدم والأول الانتقال من صفة إلى صفة أخرى قال فى التلويح: ذهب أكثر المفسرين إلى أن هذا الكلام أعنى قوله تعالى: {أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40]، مجاز عن سرعة الإيجاد وسرعته وكمال قدرته تعالى تمثيل للغائب أعنى تأثير قدرته فى المراد بالشاهد أعنى أمر المطاع للمطيع فى حصول المأمور به من غير امتناع ولا توقف ولا افتقار إلى مزاولة عمل واستعمال آلة وليس هناك قول ولا كلام وإنما وجود الأشياء بالخلق والتكوين مقرونًا بالعلم والقدرة والإرادة. اهـ. وبهذا انحل قول ابن العربى:

عجبى من قول كن لعدم

والذى قيل له لم يك تم

قوله: (الصواب صيغة افعل) رد بأنه إنما لم يقل صيغة افعل على ما هو المذكور فى المصنف تنبيهًا على أن مراد الحاد بافعل كل لفظ وضع لطلب الفعل لا خصوص هذه الصيغة.

قوله: (لم يكن هذا أولى من قول القائل التهديد. . . إلخ) أى أنه لا وجه لأن يقال: إن صيغة افعل فى الأمر تكون مجردة عن القرائن ولا تكون لغيره إلا بالقرائن إذ يجوز أنها فى التهديد تكون مجردة عن القرائن ولا تكون لغيره كالطلب إلا بالقرائن إلا إذا دل دليل سمعى على أنها فى الأمر تكون مجردة بخلاف غيره وهو غير متحقق.

قوله: (الأولى أن القيود لتحقيق الماهية) يرد أن يقال أنه يجوز أن يخرج شئ بقيدين إذا كان للقيد الأخير فائدة غير إخراج ما خرج بالأول كما إذا أخذ فى التعريف الفصول البعيدة المختلفة بالمراتب مرتبة ثم جئ بالفصل القريب.

ص: 502

قوله: (وبهذا) أى بأن المراد أن التوعد إن ظهر أن العبد لا يخالف أمر السيد يندفع ما ذكره العلامة من أن هذا إنما يصح لو كان السلطان. . . إلخ. أى حتى يصح أن السيد يمهد العذر بأمر العبد بأن يفعل ولا يريد إلا المخالفة ووجه الدفع أن معنى قول المصنف متوعدًا بالإهلاك يعنى عند ظهور عدم المخالفة فصح أن السيد يمهد عذره بالأمر وهو يريد المخالفة.

قوله: (وقد يجاب بأنا لا نسلم أن العاقل لا يطلب ما يستلزم هلاكه بل قد يطلب لغرض) فيه أن هذا ظاهر فى الطلب اللفظى أى التكلم بصيغة الطلب وليس الكلام فيه بل فى الطلب النفسى والعاقل لا يطلب ما يستلزم هلاك نفسه.

قوله: (يجوز من العاقل طلب هلاكه إذا علم أنه لا يقع) هذا كما علمت إنما يظهر فى الطلب اللفظى.

قوله: (فعلى هذا يجوز. . . إلخ) أى كما يجوز أن يراد منع استحالة طلب ما يستلزم هلاكه.

قوله: (ومبنى هذا على أن الإرادة من اللَّه ومن العبد معنًى واحد) لا دخل لذلك بل المدار على ما بعده، واعلم أن بعض المعتزلة عرف الإرادة بأنها اعتقاد النفع أو ظنه وبعضهم أنها ميل يتبع ذلك وبعضهم قال: إن إرادة اللَّه تعالى فعله معناها أنه غير ساه ولا مكره ولا مغلوب وإرادته فعل غيره أمره به واتفق المعتزلة والأشاعرة على أن إرادة اللَّه فعل نفسه توجب المراد وأما إرادته فعل غيره ففيه خلاف المعتزلة القائلين بأن معنى الأمر هو الإرادة فإن الأمر لا يوجب وجود المأمور به كما فى العصاة، وتخلف المراد عن إرادة اللَّه ليس بنقص عندهم لأنه أراد منهم الفعل رغبة واختيارًا لا كرهًا واضطرارًا أما إرادة الحادث فلا توجب المراد اتفاقًا ممن عدا النظام فإنه قال بإيجابها المراد إذا كانت قصدًا للفعل لا عزمًا، ومذهب الأشاعرة أن الإرادة صفة مخصصة لأحد طرفى المقدور بالوقوع ولا ينكرون الميل فى الحادث ولكنه غير الإرادة فالإرادة ليست الميل ولا اعتقاد النفع كما أنها ليست الشهوة.

ص: 503

قال: (والقائلون بالنفسى اختلفوا فى كون الأمر له صيغة تخصه والخلاف عند المحققين فى صيغة افعل والجمهور حقيقة فى الوجوب، أبو هاشم فى الندب، وقيل: للطلب المشترك، وقيل: مشترك، الأشعرى والقاضى بالوقف فيهما، وقيل: مشترك فيهما وفى الإباحة، وقيل: للإذن المشترك فى الثلاثة، الشيعة مشترك فى الثلاثة والتهديد لنا ثبوت الاستدلال بمطلقها على الوجوب شائعًا متكررًا من غير نكير كالعمل بالأخبار واعترض بأنه ظن، وأجيب بالمنع ولو سلم فيكفى الظهور فى مدلول اللفظ وإلا تعذر العمل بأكثر الظواهر وأيضًا: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12]، والمراد قبول: {اسْجُدُوا} [الأعراف: 11]، وأيضًا إذا قيل لهم اركعوا ذم على مخالفة أمره وأيضًا تارك المأمور به عاصٍ بدليل {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: 93]، وأيضًا {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63]، والتهديد دليل الوجوب، واعترض بأن المخالفة حملت على مخالفة من إيجاب وندب، وهو بعيد، قولهم: مطلق. قلنا: بل عام، وأيضًا فنقطع بأن السيد إذا قال لعبده: خط هذا الثوب، ولو بكتابة أو إشارة فلم يفعل عدّ عاصيًا، واستدل بأن الاشتراك خلاف الأصل، فثبت ظهوره فى أحد الأربعة، والتهديد والإباحة بعيد والقطع بالفرق بين: ندبتك إلى أن تسقينى، وبين: اسقنى، ولا فرق إلا اللوم وهو ضعيف، لأنهم إن سلموا الفرق فلأن ندبتك نص، واسقنى محتمل).

أقول: القائلون بالكلام النفسى اختلفوا فى أن الأمر هل له صيغة تخصه؟ قال إمام الحرمين وغيره من المحققين، هذه الترجمة خطأ فإنه لا يختلف فى أن التعبير عنه ممكن مطلقًا ومقيدًا فى وجوب أو ندب، مثل أوجبت وندبت وحتمت وسننت.

قالوا: والخلاف إنما هو فى صيغة افعل وما فى معناها فقال الجمهور أنها حقيقة فى الوجوب فقط، وقال أبو هاشم فى الندب فقط، وقيل للطلب وهو القدر المشترك بين الوجوب والندب، وقيل مشترك بين الوجوب والندب اشتراكًا لفظيًا، وقال الأشعرى والقاضى بالوقف فيهما أى لا يدرى أهو للوجوب أو الندب وقيل مشترك بين ثلاثة معان: الوجوب والندب والإباحة، وقيل للقدر المشترك بين الثلاثة، وهو الإذن، وقالت الشيعة هو مشترك بين أربعة أمور الوجوب، والندب والإباحة والتهديد، لنا على أنه للوجوب ثبت أن الأئمة الماضين كانوا يستدلون

ص: 504

بصيغة الأمر مطلقة مجردة عن القرائن على الوجوب، وقد شاع ذلك وتكرر ولم ينكر عليهم أحد كالعمل بالأخبار سواء، فالكلام عليه ما تقدَّم فى الأخبار تقريرًا واعتراضًا وجوابًا، واعترض عليه بأنه ظن فى الأصول فلا يجزئ، وأجيب بمنع كونه ظنًا، ولو سلم فيكفى الظهور، ونقل الآحاد فى مدلولات الألفاظ وإلا تعذر العمل بأكثر الظواهر إذ المقدور فيها إنما هو تحصيل الظن بها وأما القطع فلا سبيل إليه البتة، ولنا أيضًا قوله تعالى:{مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12]، والمراد به اسجدوا فى قوله:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ} [البقرة: 34]، هذا السؤال فى معرض الإنكار والاعتراض ولولا أن صيغة اسجدوا للوجوب لما كان متوجهًا وكان له أن يقول إنك ما ألزمتنى فعلام اللوم والإنكار، ولنا أيضًا قوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} [المرسلات: 48]، ذمهم على مخالفتهم الأمر، وهو معنى الوجوب، ولنا أيضًا أن تارك المأمور به عاص، وكل عاص متوعد وهو دليل الوجوب، أما الأول فلقوله:{أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: 93]، أى تركت مقتضاه إجماعًا، وأما الثانى فلقوله:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن: 23]. والثالث بين ولنا أيضًا قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، هدد مخالف الأمر، والتهديد دليل الوجوب، واعترض عليه بوجهين:

أحدهما: أن هذا مبنى على أن مخالفة الأمر ترك المأمور به وليس كذلك بل هو حمله على ما يخالفه بأن يكون للوجوب أو الندب فيحمل على غيره.

والجواب: أن هذا بعيد والظاهر المتبادر إلى الفهم إذا قيل خالف أمره أنه ترك المأمور به فلا يصرف عنه إلا لدليل.

وثانيهما: أن قوله: {عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63]، مطلق فلا يعم.

والجواب: لا نسلم أنه مطلق بل عام والمصدر إذا أضيف كان عامًا، مثل: ضرب زيد وأكل عمرو، ولنا أيضًا أنا نقطع أن السيد إذا قال لعبده خط هذا الثوب ولو بكتابة أو إشارة فضلًا عن التصريح من القول فلم يفعل عدّ عاصيًا ولا معنى للوجوب إلا ذلك وقد استدل بأن الاشتراك خلاف الأصل فيكون حقيقة لأحد الأربعة فقط مجازًا فى الباقى، ثم إنه ليس حقيقة فى الإباحة، ولا فى التهديد لأنه بعيد إذ يقتضى الأمر ترجيح الفعل قطعًا، وليس للندب أيضًا لأنا نجد الفرق

ص: 505

الضرورى بين اسقنى وندبتك إلى أن تسقينى، ولا فرق إلا الذم فى اسقنى، وعدم الذم فى ندبتك إلى أن تسقينى، ولو كان للندب لم يكن فرق فتعين كونه للوجوب، ولأنه تحقق الذم على الترك وهو حقيقة الوجوب، وهذا ضعيف لأنهم يمنعون الفرق، وإن سلموه فلا يسلمون أنه ليس إلا الذم وعدمه بل هو أن ندبتك نص فى الندب، واسقنى يحتمل الندب والوجوب.

قوله: (هذه الترجمة) يعنى أن التعبير عن الاختلاف فى مدلول صيغة افعل بهذه العبارة خطأ إذ لا خلاف فى أنه يعبر عن مطلق الطلب القائم بالنفس، مثل: أمرتك، وأنت مأمور وعن الإيجاب أو الندب خاصة مثل أوجبت وندبت ولا يبعد أن يقال هذه التخطئة خطأ لأن المراد أن الطلب هل له صيغة موضوعة للدلالة عليه بهيئته بحيث لا تدل على غيره كما أن للماضى صيغة كذلك ولا خفاء فى أن مثل أمرت وأنت مأمور ليس كذلك بل حقيقته الإخبار.

قوله: (بالوقف فيهما) جعل الشارح الضمير للوجوب والندب على ما هو الظاهر لعدم إشعاره بالتوقف فى نفى الاشتراك لفظًا أو معنًى بل للإشعار بعدمه وذكر فى بعض الشروح أن الضمير للاشتراك والانفراد بمعنى أنا لا ندرى مفهومه أصلًا وهو الموافق لكلام الآمدى.

قوله: (تقريرًا واعتراضًا وجوابًا) أما التقرير فهو أنه لا تكرر ذلك وشاع وذاع ولم ينكر عليه أحد وجب العلم العادى باتفاقهم كالقول الصريح وإن كان احتمال غيره فإنما فى واحد واحد وأما الاعتراض فهو أنا لا نسلم أن الاستدلال كان بهذه الأوامر، ولعله بغيرها وأيضًا قد جعلوا كثيرًا من الأوامر دليلًا على الندب دون الوجوب وأيضًا لعلها أوامر مخصوصة علموا كونها للوجوب، وأما الجواب فهو أنا نعلم قطعًا أن الاستدلال كان بها لظهورها فى الوجوب لا بخصوصياتها وإنما تركوا الوجوب عند ظهور قرائن عدم الوجوب.

قوله: (والمراد به اسجدوا) دفع لما عسى يتوهم من أن الكلام فى صيغة الأمر وما ذكر إنما يقوم فى أم ر وأشار إلى أنه ليس مبنى الاستدلال على كون أمرتك عامًا كما توهمه الآمدى.

قوله: (ذمهم على مخالفتهم الأمر) يعنى ليس الغرض من قوله: {لَا يَرْكَعُونَ} [المرسلات: 48]، الإخبار بذلك بل الذم وقدرته على مجرد مخالفة الأمر المطلق لا

ص: 506

على عدم اعتقادهم حقيقته ولا على مخالفة أمر مقرون بقرائن الوجوب فدل على أن الأمر المطلق وهو لا ينافى توقف الذم على الوجوب نفسه وبهذا يندفع ما يقال أن الوجوب مستفاد من قرينة الذم لا من مطلق الصيغة إذ لو لم يكن المطلق للوجوب لما صح ترتب الذم عليه.

قوله: (والثالث) وهو أن كون تارك المأمور به متوعدًا دليل الوجوب ظاهرًا إذ لا توعد على ترك غير الواجب اتفاقًا، وإنما الخلاف فى أن هذا هل يصلح تعريفًا للوجوب.

قوله: (هدد مخالف الأمر) تمام تقريره أن الذين يخالفون فاعل فليحذر، وأن تصيبهم مفعوله، وهذا الأمر للإيجاب والإلزام قطعًا إذ لا معنى لندب الحذر عن العذاب أو إباحته ومعنى {يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63]، يتركون امتثاله والإتيان بما أمروا به من قولهم خالفنى فلان عن كذا إذا أعرض عنه وأنت قاصد إياه، والمعنى يخالفون المؤمنين عن أمر اللَّه تعالى أو أمر النبى عليه الصلاة والسلام ويجوز أن يكون على تضمين المخالفة معنى الإعراض، وإذا أوجب على مخالفة الأمر الحذر عن العذاب كان ذلك تهديدًا على مخالفة الأمر، وهو دليل على كون الأمر للوجوب إذ لا تهديد على ترك غير الواجب.

قوله: (لا نسلم أنه مطلق) ليس على ما ينبغى لأن الاعتراض ليس إلا منع العموم فجوابه أن إضافة المصدر عند عدم العهد للعموم على أن الإطلاق كاف فى المطلوب وهو كون الأمر المطلق للوجوب خاصة إذ لو كان حقيقة لغيره أيضًا لم يترتب الذم والوعيد والتهديد على مخالفة مطلق الأمر وبهذا يندفع ما يقال أن غاية هذه الاستدلالات كون الأمر حقيقة فى الوجوب ولا يلزم منه أن لا يكون حقيقة فى غيره إلا أن يقال الأصل عدم الاشتراك فيعارض بأن ما سيأتى دليل على أنه حقيقة فى الندب فلا يكون حقيقة فى الوجوب دفعًا للاشتراك نعم قد يعترض على هذين الوجهين بأن الكلام فى صيغة الأمر وما ذكر من ترتب الوعيد والتهديد على مخالفة الأمر إنما يدل على كون لفظ الأمر حقيقة فيما يفيد الوجوب خاصة.

قوله: (فيكون حقيقة لأحد الأربعة) الوجوب والندب والإباحة والتهديد إذ لا نزاع فى غيرها (مجازًا فى الباقى) أى الثلاثة الأخر من الأربعة وذلك الأحد ليس هو الإباحة ولا التهديد ولا الندب فتعين الوجوب، فقوله ولأنه تحقق عطف على

ص: 507

قوله لأنا نجد فيكون دليلًا آخر على نفى الندب غير مذكور فى المتن وما ذكر من وجه الضعف لا يدفع هذا الدليل، واعلم أن هذا الاستدلال احتجاج على غير القائلين بالاشتراك المعنوى وإلا فلا يلزم من نفى الاشتراك كونه حقيقة لأحد الأربعة فقط وإن أريد مطلق الاشتراك فلا نسلم أنه خلاف الأصل بل اللفظى فقط.

المصنف: (والخلاف عند المحققين) يعنى أن الخلاف ليس فى كون الأمر له صيغة تخص أو لا كما هو مقتضى قولهم القائلون بالنفسى اختلفوا فى كون الأمر هل له صيغة تخصه فهذه الترجمة منهم خطأ كما بينه الشارح والتقييد للخلاف بأنه من القائلين بالنفسى غير ظاهر لأن من نفاه يقول: إن صيغة افعل للإيجاب أو للندب والمراد من الإيجاب إرادة الفعل مع المنع من الترك والمراد من الندب إرادة الفعل مع عدم تحريم الترك.

المصنف: (اعترض بأنه ظن) أى لأنه إجماع سكوتى يعنى والظن لا يكفى فى مسائل الأصول.

المصنف: (وأجيب بالمنع) أى لا نسلم أنه ظن إذ ليس كل إجماع سكوتى ظنًا.

المصنف: (ولو سلم فيكفى الظهور) أى وقولهم أن المسائل الأصولية لا يكفى فيها الظن محمول على غير مدلولات الألفاظ فإنه يكفى فيها الظن لتعذر القطع.

المصنف: (ما منعك أن لا تسجد) لا صلة أو المعنى ما دعاك إلى ترك السجود فلا أصلية.

المصنف: (وأيضًا تارك المأمور به عاص) قد منع هذه المقدمة صاحب التحرير أى لا نسلم أن تارك المأمور به عاص مطلقًا بل ذاك عند قرائن الوجوب وقوله أفعصيت أمرى لا يدل على أن تارك المأمور به مطلقًا عاص لأن قوله تعالى: {وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 142]، يدل على أن الأمر فيه للإيجاب فلذا قال:{أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: 93].

المصنف: (قولهم مطلق) يعنى أن قوله تعالى: {عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63]، مطلق يتحقق فى فرد ما فجاز أن يكون فى الأمر المقترن بقرينة الوجوب فلا يفيدان صيغة الأمر للوجوب مطلقًا.

ص: 508

المصنف: (بل عام) أى لجميع صيغ الأمر لا لمادة مخصوصة ولا للاقتران بقرينة الوجوب فتكون صيغة افعل للوجوب.

قوله: (على كون أمرتك عامًا) أى لكل أمر فيشمل صيغة افعل كما توهمه الآمدى، بل مبنى الاستدلال على أن الإنكار واللوم ترتيب على مجرد مخالفة هذه الصيغة من حيث هى من غير نظر إلى أمر خارج عنها كالقرائن الخارجية وخصوصية هذه المادة، أما الأول فلأن الأصل عدمها وأما الثانى فمفهوم من السوق.

قوله: (وهذا الأمر للإيجاب) أى الأمر فى قوله {فَلْيَحْذَرِ} [النور: 63]، للإيجاب إذ لا معنى لندب الحذر من العقاب أو إباحته فلا يقال لا نسلم أن قوله {فَلْيَحْذَرِ} للوجوب بل هو المتنازع فيه ثم جعل التهديد فى الآية لمخالف الأمر مبنى على ما هو الظاهر من أن {الَّذِينَ يُخَالِفُونَ} [النور: 63]، فاعل {فَلْيَحْذَرِ} و {أَنْ تُصِيبَهُمْ} [النور: 63]، مفعول لا فاعل وإلا احتاج إلى إضمار الفاعل مع وجود ما يصلح للفاعلية وهو خلاف الأصل وعلى خلاف الظاهر يكون المعنى فليحذر الفسقة أنفسهم.

قوله: (عن أمر اللَّه أو أمر النبى عليه الصلاة والسلام. . . إلخ) أى فالضمير فى قوله أمره يحتمل أحدهما ثم المراد من الأمر الصيغة الدالة على الطلب لا مادة الأمر لأن الوعيد كما فى بعض شروح المنهاج على مخالفة ما صدق عليه لفظ الأمر من الصيغ الصادرة منه عليه الصلاة والسلام لما ثبت أن الفعل ليس بالأمر فتدبر. اهـ. من ميرزاجان.

قوله: (ليس على ما ينبغى) يعنى أن قوله لا نسلم أنه مطلق منع من المستدل لمنع المعترض لأن محصل اعتراض المعترض منع أنه عام لجواز أن يكون مطلقًا والمنع لا يدفع بالمنع فكان حق الدفع أن يقال: إن إضافة المصدر حيث لا قرينة عهد للعموم، ودفع بعضهم كلام المحشى بأن قول المعترض أن قوله عن أمره مطلق فلا يعم يسمى بالقول بالموجب كما يجئ فى بحث الاعتراضات وله أقسام منها أن يستنتج المعترض من دليل المستدل أمرًا يتوهم أنه مأخذ الخصم ومبنى مذهبه ويبطله والمستدل يمنع ذلك والأمر هنا كذلك فظهر أن منع الإطلاق ههنا على ما ينبغى.

قوله: (وما ذكر من وجه الضعف لا يدفع هذا الدليل) هذا ظاهر لكنه يستفاد منه ضعفه بأن يقال لا نسلم تحقق الذم على الترك كيف وهو المتنازع فيه.

ص: 509

قال: (الندب: "إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم" فرده إلى مشيئتنا ورد بأنه إنما رده إلى استطاعتنا وهو معنى الوجوب، مطلق الطلب يثبت الرجحان ولا دليل مقيد فوجب جعله للمشترك دفعًا للاشتراك قلنا بل يثبت التقييد ثم فيه إثبات اللغة بلوازم الماهيات الاشتراك يثبت الإطلاق والأصل الحقيقة، القاضى: لو ثبت لثبت بدليل إلى آخره، قلنا بالاستقراءات المتقدمة الإذن المشترك كمطلق الطلب).

أقول: هذه شبهة المخالفين، فالقائلون بأنه للندب، قالوا: قال صلى الله عليه وسلم "إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم" فرده إلى مشيئتنا وهو معنى الندب.

الجواب: لا نسلم أنه رد إلى مشيئتنا بل إلى استطاعتنا وهو معنى الوجوب.

والقائلون بمطلق الطلب قالوا: ثبت الرجحان بالضرورة من اللغة وجعله لأحدهما بخصوصه تقييد من غير دليل، فلا يصار إليه فوجب جعله للقدر المشترك بينهما دفعًا للاشتراك والمجاز. الجواب من وجهين:

أحدهما: لا نسلم أن جعله لأحدهما تقييد بلا دليل ثبت بأدلتنا على الوجوب.

وثانيهما: أنه إثبات اللغة بلوازم الماهيات، وذلك أنكم جعلتم الرجحان لازمًا للوجوب والندب فجعلتم باعتباره صيغة الأمر لهما مع احتمال أن تكون للمقيد بأحدهما وللمشترك بينهما.

القائلون بأنه مشترك بينهما قالوا: ثبت الإطلاق عليهما، والأصل فى الإطلاق الحقيقة فيكون حقيقة فيهما وهو الاشتراك.

الجواب: قد عرف مرارًا وهو أن المجاز أولى من الاشتراك فلم يعده القاضى ومذهبه التوقف، قال لو ثبت لثبت بدليل واللازم منتف لأن الدليل إما العقل ولا مدخل له وإما النقل وهو إما الآحاد ولا يفيد العلم أو التواتر وهو يوجب استواء طبقات الباحثين فيه فكان لا يختلف فيه.

الجواب: منع الحصر بل ههنا قسم آخر وهو ثبوته بالأدلة الاستقرائية التى قد تقدمت ومرجعها تتبع مظان استعمال اللفظ والأمارات الدالة على المقصود به عند الإطلاق.

القائلون بأنه للقدر المشترك بين الثلاثة وهو الإذن قالوا: كما قيل فى مطلق الطلب، وهو أنه ثبت الإذن بالضرورة والتقييد لا دليل عليه فوجب جعله للقدر المشترك.

والجواب: أنه ثبت التقييد بأدلتنا.

ص: 510

قوله: (وإنه إثبات اللغة بلوازم الماهيات) وهو باطل لأن طريق معرفة الوضع إنما هو النقل بطريق التنصيص أو تتبع موارد الاستعمال وقد يقال لأنه يستلزم نفى الاشتراك بالكلية إذ ما من مفهومين إلا ويشتركان فى لازم ويجاب بأن الكلام فيما إذا لم يوجد دليل الاشتراك هذا بعد ثبوت اشتراك كل مفهومين فى لازم يخصهما وقوله فجعلهم باعتباره أى باعتبار الرجحان اللازم صيغة الأمر لهما، أى للوجوب والندب ليس معناه أنكم جعلتموه موضعًا لكل منهما بخصوصه حتى يلزم الاشتراك اللفظى بل جعلتموه لهما من حيث أن كلًا منهما من أفراد الرجحان الذى هو الموضوع له مع احتمال أن تكون الصيغة للرجحان المقيد بالوجوب أو الندب أو لمطلق الرجحان المشترك بينهما فجعلتموها لأحد المحتملين من غير دليل ولو قال وأن يكون مشتركًا بينهما لكان أحسن، فإن قيل هذا الاحتمال مما نفاه المستدل، قلنا وكذلك كونه للمقيد بأحدهما حيث قال: دفعًا للاشتراك والمجاز وإن تركه فى المتن اختصارًا أو لأن قوله ولا دليل مقيد مغن عنه وبهذا يظهر أن فى الجواب على التقرير ضعفًا بخلاف تقرير الشارحين حيث اقتصروا فى إبطال إثبات اللغة بلوازم الماهيات على ما ذكرنا.

قوله: (فلم يعده) اعتذار عن عدم تعرض المصنِّف لهذا الجواب.

قوله: (لو ثبت) أى كونه موضوعًا لشئ من المعانى.

قوله: (طبقات الباحثين) إشارة إلى أن العادة تقضى بامتناع أن لا يطلع على المتواتر من يبحث ويجتهد فى الطلب.

قوله: (بالأدلة الاستقرائية) هى ما ثبت فى الكتاب والسنة واستدلالات العلماء من كون الأوامر المطلقة للوجوب على ما سبق تقريرها ولا خفاء فى أن مرجع ذلك إلى النقل إلا أنه لما لم يكن صريح النقل منع الحصر وأشار بقوله والأمارات إلى أن ما يثبت به الوضع لا يلزم أن يكون مما يفيد العلم بل قد يكتفى بالظن يعنى أن تتبع موارد استعمال هذه الصيغة يدل على أن المقصود بها عند الإطلاق هو الوجوب.

المصنف: (إنما رده إلى استطاعتنا) فقولهم رد إلى مشيئتنا مع روايتهم للحديث

ص: 511

بلفظ ما استطعتم ذهول عظيم.

المصنف: (وهو معنى الوجوب) أى لأن الساقط عنا حينئذ ما لا استطاعة لنا عليه.

المصنف: (دفعًا للاشتراك) أى والمجاز بجعله حقيقة فى أحدهما وتركه اختصارًا أو لأن قوله ولا دليل مقيد مغن عنه كما بينه المحشى.

قوله: (وقد يقال لأنه يستلزم. . . إلخ) أى يقال فى وجه بطلان إثبات اللغة بلوازمها وقوله ويجاب أى عن هذا التوجه فيكون غير صحيح.

قوله: (وهذا بعد ثبوت. . . إلخ) أى وإلا فلنا أن نقول لا يلزم نفى الاشتراك لأنه قد لا يكون هناك لازم للمفهومين يخصهما.

قوله: (ليس معناه. . . إلخ) أى لأن هذا خلاف المدعى من أنه للقدر المشترك بين الوجوب والندب.

قوله: (لكان أحسن) أى لأن كونه للقدر المشترك هو المدعى فمع احتمالين آخرين وهو الحقيقة والمجاز والاشتراك اللفظى يكثر الاحتمالات المضعفة إثبات أن الصيغة للقدر المشترك.

قوله: (هذا الاحتمال) أى احتمال الاشتراك اللفظى.

قوله: (وبهذا يظهر) أى بكون المستدل نفى الاشتراك اللفظى والحقيقة فى الوجوب أو الندب والمجاز فى الآخر.

قوله: (رجع إلى النقل) يعنى فلا يصح منع الحصر.

قوله: (إلا أنه لم يكن صريح النقل. . . إلخ) أى لما لم يكن هذا القسم نقلًا صريحًا صح منع الحصر بإثبات هذا القسم.

ص: 512