الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(مسألة: حذف بعض الخبر جائز
عند الأكثر إلا فى الغاية والاستثناء ونحوه مثل حتى تزهى وإلا سواء بسواء فإنه ممتنع).
أقول: هل يجوز حذف بعض الخبر ورواية الباقى؟ الأكثر على أنه جائز إذا كان مستقلًا لأنهما كخبرين، وأما إذا تعلق بالمذكور تعلقًا يغير المعنى كما فى الغاية نحو:"لا تباع النخلة حتى تزهى" أو الاستثناء نحو: "لا يباع مطعوم بمطعوم إلا سواء بسواء" لم يجز حذفه لاختلال المعنى المقصود.
قال: (مسألة: خبر الواحد فيما تعم به البلوى كابن مسعود فى مس الذكر وأبى هريرة فى غسل اليدين ورفع اليدين مقبول عند الأكثر خلافًا لبعض الحنفية لنا قبول الأمة له فى تفاصيل الصلاة وفى نحو الفصد والحجامة وقبول الفاسق وهو أضعف، قالوا: العادة تقضى بنقله متواترًا وردّ بالمنع وتواتر البيع والنكاح والطلاق والعتق اتفاق، أو كان مكلفًا بإشاعته).
أقول: إن من القضايا ما تعم به البلوى لحاجة الكل إليه كالصلاة ومقدماتها فهل يسمع فيه خبر الواحد وذلك كخبر ابن مسعود فى مس الذكر أنه ينقض الوضوء، وكخبر أبى هريرة فى غسل اليدين عند القيام من النوم، وكما روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يرفع يديه عند إرادة الركوع ذهب بعض الحنفية إلى أنه لا يقبل والأكثر على قبوله، لنا قبول الأمة به فى تفاصيل الصلاة ووجوب الغسل من التقاء الختانين وهما مما تعم به البلوى، وأيضًا قبوله فى نحو الفصد والحجامة والقهقهة فى الصلاة فالحنفية أوجبوا بها الوضوء، وهو منها فجوابه وأيضًا قبل القياس فى نحوه مع أنه أضعف من خبر الواحد لما ستعرفه فخبر الواحد أولى بالقبول.
قالوا: العادة تقضى فى مثله بالتواتر لتوفر الدواعى على نقله ولما لم يتواتر علم كذبه.
الجواب: منع قضاء العادة بتواتره لما تقدَّم من الصور فإن قيل لو صح لوجب عليه أن يلقيه إلى عدد التواتر لئلا يؤدى إلى بطلان صلاة أكثر الناس كالبيع والنكاح والطلاق والعتق، قلنا: لا نسلم الوجوب وإبطال الصلاة يكون فيمن بلغه خاصة، وأما البيع وأخواته فاتفق فيه التواتر وإن لم يجب أو كان مكلفًا بإشاعته خاصة دون غيره وليس ذلك من العادة فى شئ.
قوله: (وكما روى عنه عليه الصلاة والسلام تغيير الأسلوب مشعر بأن خبر رفع اليدين عند الركوع ليس رواية أبى هريرة رضى اللَّه عنه على ما يشعر به ظاهر عبارة المتن لأن المذكور فى كتب الحديث روايته عن ابن عمر رضى اللَّه عنه إلا أنه ذكر الإمام محيى السنة أنه يرويه عمر وعلى ووائل بن حجر وأنس وأبو هريرة ومالك ابن الحويرث وأبو حميد الساعدى فى عشرة من أصحاب النبى عليه الصلاة والسلام.
المصنف: (فى تفاصيل الصلاة) أى كالأركان والشروط.
المصنف: (وفى نحو الفصد والحجامة) أى فى نقض الوضوء وهذا إلزام من المصنف للخصم وإلا فمذهبه عدم النقض بالفصد والحجامة والقهقهة فى الصلاة.
الشارح: (قيل القياس فى نحوه) أى نحو ما ذكر مما تعم به البلوى.
الشارح: (لما ستعرفه) أى فى مسألة الأكثر على أن الخبر المخالف للقياس. . . إلخ.
قوله: (إلا أنه ذكر الإمام محيى السنة. . . إلخ) أى فتغيير الأسلوب للإشارة إلى أنه لم يختص بأبى هريرة بل رواه أيضًا غيره.
قال: (مسألة: خبر الواحد فى الحد مقبول خلافًا للكرخى والبصرى لنا ما تقدَّم، قالوا: "ادرؤوا الحدود بالشبهات"، والاحتمال شبهة قلنا لا شبهة كالشهادة وظاهر الكتاب).
أقول: خبر الواحد فيما يوجب الحد الأكثر على أنه مقبول خلافًا للكرخى والبصرى، لنا ما تقدَّم من أنه عدل جازم فى حكم ظنى فوجب قبوله، قالوا: قال عليه الصلاة والسلام: "ادرؤوا الحدود بالشبهات"(*)، واحتمال الكذب شبهة فوجب سقوط الحدِّ به.
والجواب: لا شبهة مع الحديث الصحيح، كما لا شبهة مع الشهادة، وظاهر الكتاب وإن قام الاحتمال فى الشهادة بالكذب، وفى ظاهر الكتاب بأن يراد به غير ظاهره.
قال: (مسألة: إذا حمل الصحابى ما رواه على أحد محمليه فالظاهر حمله عليه بقرينة فإن حمله على غير ظاهره فالأكثر على الظهور وفيه قال الشافعى: كيف أترك الحديث بقول من لو عاصرته لحججته، فلو كان نصًا فيتعين نسخه عنده وفى العمل نظر وإن عمل بخلاف خبره أكثر الأمة فالعمل بالخبر إلا إجماع المدينة).
أقول: إذا روى الصحابى خبرًا مجملًا كالقرء وحمله على أحد محمليه فالظاهر حمله عليه لأن الظاهر أنه لم يحمله عليه إلا لقرينة معاينة وإن كان ظاهرًا فى معنى وحمله على غير ظاهره فالأكثر على أنه يعتبر ظهوره فيحمل على ظاهره وإليه ذهب الشافعى وفيه قال: كيف أترك الحديث بقول من لو عاصرته لحاججته أى الصحابى لأن فعله ليس بحجة وقيل يحمل على تأويله وأما لو كان نصًا فيتعين أنه قد نسخ عنده بناسخ اطلع هو عليه ورآه ناسخًا، وفى العمل نظر، فيمكن أن يقال يعمل بالخبر إذ ربما ظن ناسخًا ولم يكن وأن يقال يعمل بالناسخ لأن خطأه فيه بعيد، هذا إذا عمل هو بخلاف خبره فإن عمل بخلافه أكثر الأمة فالعمل بالخبر متعين إلا أن يكون فيه إجماع أهل المدينة فالعمل بإجماعهم لما مر أنه حجة.
(*) أخرجه الحاكم فى المستدرك (4/ 426)(ح 8163)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والبيهقى فى الكبرى (8/ 31)، وأبو يعلى (11/ 494)(ح 6618)، والطبرانى فى الكبير (9/ 341)(ح 9695).
قوله: (وفى العمل نظر) تقرير أن فيه نظرًا أنه يعمل بالنص الذى رواه أو بالناسخ الذى دل عليه عمله وتقرير غيره أن فى جواز العمل بمثل هذا النص نظرًا لأنه فوق الظاهر وهو لا يترك إذا عمل الراوى بخلافه فهذا أولى، فإن قيل النص قوى لا يترك إلا بالناسخ بخلاف الظاهر فإنه ربما يترك للاجتهاد، قلنا ربما يظن غير الناسخ ناسخًا فيترك النص مع أن الواجب اتباعه ولا يخفى أن ما ذكر من وجه النظر إنما يدل على أن النظر إنما هو فى ترك العمل به لا فى جوازه.
الشارح: (إلا لقرينة معاينة) أى فلا يرد أن المجتهد لا يقلد الصحابى.
قال: (مسألة: الأكثر على أن الخبر المخالف للقياس من كل وجه مقدّم وقيل بالعكس، أبو الحسين إن كانت العلة بقطعى فالقياس وإن كان الأصل مقطوعًا به فالاجتهاد، والمختار إن كانت العلة بنص راجح على الخبر ووجودها فى الفرع قطعى فالقياس وإن كان وجودها ظنيًا فالوقف وإلا فالخبر. لنا أن عمر رضى اللَّه عنه ترك القياس فى الجنين للخبر، وقال لولا هذا لقضينا فيه برأينا وفى دية الأصابع باعتبار منافعها بقوله فى كل إصبع عشر وفى ميراث الزوجة من الدية، وغير ذلك وشاع وذاع ولم ينكره أحد وأما مخالفة ابن عباس خبر أبى هريرة "توضئوا مما مسته النار"، فاستبعاد لظهوره، وكذلك هو وعائشة فى: "إذا استيقظ. ."، ولذلك قال: (فكيف أصنع بالمهراس)، وأيضًا أخر معاذ العمل بالقياس وأقره صلى الله عليه وسلم عليه، وأيضًا لو قدم لقدم الأضعف، والثانية إجماع لأن الخبر مجتهد فيه فى العدالة والدلالة والقياس فى ستة: حكم الأصل وتعليله، ووصف التعليل، ووجوده فى الفرع، ونفى المعارض فيهما، وفى الأمر أيضًا إن كان الأصل خبرًا. قالوا: الخبر محتمل الكذب والكفر والفسق والخطأ والتجوز والنسخ، وأجيب بأنه بعيد وأيضًا فتطرق إذا كان الأصل خبرًا، وأما تقديم ما تقدَّم فلأنه يرجع إلى تعارض خبرين عمل بالراجح منهما والوقف لتعارض الترجيحين، فإن كان أحدهما أعم خص بالآخر، وسيأتى).
أقول: خبر الواحد إذا خالف القياس فإن تعارضا من وجه دون وجه فالجمع ما أمكن كما سيأتى، وإن خالفه من كل وجه بأن يبطل كل واحد منهما ما يثبته الآخر بالكلية فالأكثر على أن الخبر مقدم، وقيل بالعكس أى القياس مقدم، وقال أبو الحسين البصرى: إن كانت العلة ثابتة بدليل قطعى فالقياس مقدم، وإن كان حكم الأصل مقطوعًا به خاصة دون العلة فالاجتهاد فيه واجب حتى يظهر دليل أحدهما فيتبع، وإلا فالخبر مقدم، والمختار أنه إن كانت العلة تثبت بنص راجح على الخبر فى الدلالة فإن كان وجود العلة فى الفرع قطعيًا فالقياس مقدم وإن كان وجودها فيه ظنيًا فالتوقف وإلا أى وإن ثبتت العلة لا بنص راجح فالخبر مقدم لنا فى تقديم الخبر حيث تقدم أن عمر رضى اللَّه عنه ترك القياس بالخبر فى مسألة الجنين أنه صلى الله عليه وسلم أوجب فيه الغرة، وقال:"لولا هذا لقضينا فيه برأينا" أى بالقياس، ولولا لانتفاء الشئ لثبوت غيره فدل على أنه انتفى العمل بالقياس لثبوت الخبر
وكذا فى دية الأصابع حيث رأى أنها تتفاوت باعتبار منافعها فتركه لخبر الواحد أنه قال فى كل إصبع عشرة، وكذا فى ميراث الزوجة من دية زوجها وكان يرى أن الدية للورثة ولم يملكها الزوج فلا ترث الزوجة منها فأخبر أن الرسول أمر بتوريثها منها فرجع إليه إلى غير ذلك من الصور التى يشهد بها كتب السير وشاع ذلك وذاع ولم ينكره أحد فكان إجماعًا فإن قيل هذا معارض بأن ابن عباس خالف خبر أبى هريرة، وهو قوله:"توضئوا مما مسته النار" بالقياس فقال: "ألا نتوضأ بماء الحميم، فكيف نتوضأ بما عنه نتوضأ"، وبأن ابن عباس وعائشة رضى اللَّه عنهما خالفا خبره وهو أنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: "إذا استيقظ أحدكم من النوم فلا يغمسن يده فى الإناء فإنه لا يدرى أين باتت يده" بالقياس فقالا: "كيف نصنع بالمهراس؟ "، أى إذا كان فيه ماء ولم يدخل فيه اليد فكيف نتوضأ منه.
الجواب: أنهما لم يخالفاه للقياس بل لاستبعادهما له لظهور خلافه ولذلك صرحا بما يدل على ظهور خلافه فقالا: "فكيف نصنع بالمهراس؟ " ولنا أيضًا حديث معاذ أَخَّر فيه القياس عن الخبر وأقره صلى الله عليه وسلم فكان الخبر مقدمًا، ولنا أيضًا أنه لو قدَّم القياس لقدَّم الأضعف واللازم ممتنع إجماعًا، بيان الملازمة أن الخبر يجتهد فيه فى أمرين: عدالة الراوى ودلالة الخبر، والقياس يجتهد فيه فى أمور ستة: حكم الأصل وتعليله فى الجملة، وتعيين الوصف الذى به التعليل، ووجود ذلك الوصف فى الفرع، ونفى المعارضة فى الأصل، ونفيه فى الفرع، هذا إذا لم يكن الأصل خبرًا، فإن كان خبرًا وجب الاجتهاد فى الستة مع الأمرين المذكورين، وهما: العدالة والدلالة، وظاهر أنما يجتهد فيه فى مواضع أكثر فاحتمال الخطأ فيه أكثر، فالظن الحاصل به أضعف، قالوا: الاحتمال فى القياس أقل، فكان أولى، وذلك أن الخبر يحتمل باعتبار العدالة، كذب الراوى وفسقه وكفره وخطأه وباعتبار الدلالة التجوز وباعتبار حكمه النسخ، والقياس لا يحتمل شيئًا من ذلك.
الجواب: أنها احتمالات بعيدة فلا تمنع الظهور وأيضًا فيأتى مثلها فى القياس إذا كان أصله خبرًا وأنتم لا تفصلون فتقدمون القياس مطلقًا فهذا دليلنا فيما يقدّم فيه الخبر، وأما تقديم ما تقدَّم من القياس على الخبر وهو إذا كانت العلة ثابتة بنص راجح ووجودها فى الفرع قطعيًا فلأنه يرجع إلى تعارض الخبرين وأحدهما راجح فيقدم الراجح وأما الوقف فيما أوجبنا فيه الوقف وهو إذا كانت العلة بنص راجح
ووجودها فى الفرع ظنيًا فلتعارض الترجحين ترجيح خبر القياس بما ذكرنا من كونه راجحًا وترجيح الخبر الآخر لقلة المقدمات لعدم انضمام القياس إليه هذا كله إذا كانا عامين أو خاصين، فأما إذا كان أحدهما أعم والآخر أخص فالأعم يخصص بالأخص وسيأتى فى باب العموم والخصوص تفصيله.
قوله: (كما سيأتى) فى آخر هذه المسألة من أنه إذا كان أحدهما أعم فالآخر يخصصه.
قوله: (وإلا أى وإن ثبتت العلة لا بنص راجح) أخذ بالحاصل لأن قوله و"إلا" معناه وإن لم تثبت العلة بنص راجح ومعلوم أنه لا بد من ثبوتها فتعين أن يكون المعنى وإن ثبتت لا بنص راجح وذلك بأن تكون العلة مستنبطة أو منصوصة بنص مساوٍ أو مرجوح وأما ما وقع فى بعض الشروح من أن المعنى وإن لم يكن الخبر الدال على العلية راجحًا على الخبر الدال على الحكم أو وإن كانت العلة ظنية أو منصوصة لا بنص راجح وإن لم يكن وجودها فى الفرع ظنيًا أو وإن لم تكن منصوصة أو تكن ولكن بنص مساوٍ أو مرجوح أو يكون راجحًا لكن وجود العلة فى الفرع مشكوك فلا يخفى ما فيه.
قوله: (بماء الحميم) من إضافة الموصوف إلى الصفة وقيل بل الحميم الحمام والمهراس حجر عظيم منقور يصبون فيه الماء للوضوء.
قوله: (وأقره عليه الصلاة والسلام فيه دفع لما ذكره العلامة من أنا لا نسلم دلالة التقديم على الترتيب ولو سلم فغايته تأخر القياس عن السنة عند معاذ وليس قول الصحابى حجة ولا رأى بعض المجتهدين حجة على البعض.
قوله: (وظاهر أن ما يجتهد فيه) إشارة إلى ضعف اعتراض العلامة بأنه يجوز أن يكون الخطأ فى العدالة والدلالة أكثر منه فى الستة المذكورة أو لا مدخل لكثرة العدد فى ذلك نعم احتمال تقديم الخبر على القياس الثابت أصله بالخبر يكفى فى إبطال مذهب الخصم، وإن لم يف بإثبات مذهب المستدل، فإن قيل هذا على تقدير صحته لا يتم فى القياس المنصوص العلة بنص غير راجح، قلنا غايته سقوط الاجتهاد فى موضعين تعليل حكم الأصل، وتعيين الوصف الصالح فتبقى أربعة وهى أكثر من اثنين.
قوله: (وباعتبار الدلالة التجوز) وكذا الإضمار والاشتراك والتخصيص.
قوله: (والقياس لا يحتمل شيئًا من ذلك) مبنى على ما سيجئ من أن يقال القياس لا ينسخ ولا ينسخ به، وستعرف ما فيه من التفصيل.
قوله: (هذا) إشارة إلى جميع ما ذكر من الأدلة والغرض من هذا الكلام بيان حسن كلمة أما فى قوله وأما تقديم إذ قد زعم بعض الشارحين أنه جواب عن سؤال مقدر تقريره أن يقال ما ذكرتم من الأدلة اقتضت تقديم الخبر على القياس مطلقًا فكيف قدم القياس فى هذه الصورة وذكر الشارح العلامة أنه استدلال على تقديم القياس فى هذه الصورة لكن قد أورد فى هذا المقام السؤال الذى ذكر وأجيب عنه بهذا الجواب، وصدر بكلمة "أما" تفصيلًا للأمرين.
قوله: (فلأنه يرجع) يعنى أنه وإن كان بحسب الظاهر معارضًا بين القياس والخبر لكن مرجعه إلى تعارض الخبرين بناء على أن النص على العلة بمنزلة النص على الحكم وبهذا تبين أن فى صورة الوقف أيضًا المرجع إلى تعارض الخبرين لكن لكل منهما ترجيح من وجه، أحدهما بالذات، والآخر بالاستغناء عن المقدمات فيتعارض الترجيحان فيتوقف.
المصنف: (مسألة الأكثر على أن الخبر المخالف للقياس. . . إلخ) قال العلامة المقبلى صاحب نجاح الطالب على مختصر ابن الحاجب: هذه المسألة شهيرة ولا أرى لها حاصلًا فإن الخبر والقياس دليلان شرعيان جمعهما ذلك ووصف الخبرية والقياسية ملغى ففيهما ما فى دليلين من جنس أو جنسين من الجمع ثم الترجيح.
المصنف أيضا: (الأكثر على أن الخبر. . . إلخ) من الأكثر الشافعى وأحمد وأبو حنيفة وقوله وقيل بالعكس نسب إلى الإمام مالك إلا أنه استثنى أربع أحاديث قدمها على القياس حديث المصراة وحديث غسل الإناء من ولوغ الكلب وحديث العرايا وحديث القزعة.
المصنف: (لنا إن عمر. . . إلخ) هذا دليل على المختار وهو دليل للأكثر أيضا والقياس المتروك فى ذلك لم تثبت عليته بقطعى ولم يثبت حكم الأصل فيه قطعيًا والقياس الذى تركه عمر فى الجنين وعمل بالخبر هو قياس إهلاك الحمل على إهلاك سائر الأمور المشكوكة الحياة والوجود فى عدم الوجوب والخبر الذى قدم
عليه خبر حمل ابن مالك أنه عليه الصلاة والسلام أوجب فيه الغرة.
المصنف: (باعتبار منافعها) وكان رأيه فى الخنصر ستًا من الإبل وفى البنصر تسعة وفى الوسطى عشرًا وفى المسبحة اثنى عشر وفى الإبهام خمسة عشر.
المصنف: (وفى ميراث الزوجة من الدية) والقياس الذى ترك هو قياس الدية على ما لا يملكه الزوج قبل موته فى عدم الميراث فيه.
المصنف: (وأما مخالفة ابن عباس خبر أبى هريرة توضئوا مما مسته النار) الظاهر أنهم لم يردوا خبر أبى هريرة وإنما ردوا تأويله وحمله على الوضوء الشرعى وأما الخبر فمحمول على الوضوء اللغوى وهو التنظيف بغسل اليد والمضمضة مثلًا.
المصنف: (وكذلك هو وعائشة فى إذا استيقظ) أى خالف ابن عباس وعائشة خبر أبى هريرة إذا استيقظ أحدكم من نومه الحديث والظاهر أنهما خالفاه فى التأويل والحمل لا فى أصل الخبر، وحملاه على أن النهى للتنزيه إن أمكن.
المصنف: (لأن الخبر مجتهد فيه. . . إلخ) رده بعضهم بأنه كم كثير مقدمات أقوى من قليلها وهو غير ظاهر حيث كانت المقدمات اجتهادية كما هو الفرض.
الشارح: (انتوضأ بما عنه نتوضأ) أى فلو كان الطعام الحار يوجب الوضوء لوجب الوضوء بالماء الحار الوضوء فنكون نتوضأ مما عنه نتوضأ وهو باطل.
قوله: (أى وإن لم يكن الخبر الدال على العلية راجحًا. . . إلخ) لعل وجه التورك على هذا بقوله الآتى ولا يخفى ما فيه هو أنه لا يشمل صورة الاستنباط.
قوله: (أو وإن كانت العلة ظنية. . . إلخ) لعل ما فيه هو أنه غير معنى قوله وإلا وغير حاصل المعنى لأن قوله: وإن لم يكن وجودها فى الفرع ظنيًا لا موقع للمبالغة به هنا.
قوله: (أو وإن لم تكن منصوصة. . . إلخ) فيه ما فى الذى قبله لأنه لا موقع لقوله لكن وجودها فى الفرع مشكوك فيه لأنه لا قياس حينئذ فهو خلاف الفرض فتأمل.
قال: (مسألة: المرسل قول غير الصحابى: قال صلى الله عليه وسلم، وثالثها قال الشافعى رضى اللَّه عنه إن أسنده غيره أو أرسله وشيوخهما مختلفة أو عضده قول صحابى أو أكثر العلماء أو عرف أنه لا يرسل إلا عن عدل قبل، ورابعها إن كان من أئمة النقل قبل وإلا فلا وهو المختار لنا أن إرسال الأئمة من التابعين كان مشهورًا مقبولًا ولم ينكره أحد كابن المسيب والشعبى والنخعى والحسن وغيرهم، فإن قيل يلزم أن يكون المخالف خارقًا، قلنا خرق الإجماع الاستدلالى أو الظنى لا يقدح وأيضًا لو لم يكن عدلًا عنده لكان مدلسًا فى الحديث، قالوا: لو قبل لقبل مع الشك لأنه لو سئل لجاز أن لا يعدل قلنا فى غير الأئمة. قالوا: لو قبل لقبل فى عصرنا؟ قلنا لغلبة الخلاف فيه، أما إن كان من أئمة النقل ولا ريبة تمنع قبل. قالوا: لا يكون للإسناد معنى. قلنا: فائدته فى أئمة النقل نقاوتهم ورفع الخلاف القائل مطلقًا تمسكوا بمراسيل التابعين ولا يفيدهم تعميمًا. قالوا: إرسال العدل يدل على تعديله. قلنا: نقطع بأن الجاهل يرسل ولا يدرى من وراءه، وقد أخذ على الشافعى، فقيل إن أسند فالعمل بالمسند وهو وارد وإن لم يسند فقد انضم غير مقبول إلى مثله، ولا يرد بأن الظن قد يحصل أو يقوى بالانضمام، والمنقطع أن يكون بينهما رجل وفيه نظر والموقوف أن يكون قول صحابى أو من دونه).
أقول: ما ذكرناه كله حكم المسند، وأما المرسل فهو أن يقول عدل ليس بصحابى: قال صلى الله عليه وسلم كذا، وفيه مذاهب: أحدها: يقبل، وثانيها: لا يقبل، وثالثها، وهو قول الشافعى: أنه لا يقبل إلا بأحد أمورٍ خمسة: أن يسنده غيره أو يرسله آخر، وعلم أن شيوخهما مختلفة، أو أن يعضده قول صحابى أو أن يعضده قول أكثر أهل العلم، أو أن يعلم من حاله أنه لا يرسل إلا بروايته عن عدل، ورابعها: أنه إن كان الراوى من أئمة نقل الحديث قبل، وإلا لا يقبل وهذا هو المختار. لنا إرسال الأئمة من التابعين كان مشهورًا مقبولًا فيما بينهم ولم ينكره أحد، فكان إجماعًا، وذلك كإرسال سعيد بن المسيب والشعبى وإبراهيم النخعى والحسن البصرى، وغيرهم، فإن قيل لو كان كما ذكرتم لكان ذلك إجماعًا، فكان المخالف له خارقًا للإجماع فيكفر أو يخطأ قطعًا، واللازم منتف بالاتفاق.
والجواب: كون المخالف خارقًا مكفرًا أو مخطأ قطعًا إنما هو فى الإجماع المعلوم ضرورة، وأما الثابت بالاستدلال أو بالأدلة الظنية فلا، ولنا أيضًا أنه لو لم يكن
المروى عنه عدلًا عنده لكان الجزم بالإسناد بروايته الموهم لأنه سمع من عدل تدليسًا فى الحديث، وهو بعيد من أئمة النقل.
قالوا: أولًا: لو قبل المرسل لقبل مع الشك فيه، واللازم منتف بالاتفاق، بيان الملازمة أنه لو سئل عن الراوى هل هو عدل جاز أن لا يعدّله كما يجوز أن يعدّله ومع احتمال عدم التعديل يبقى الشك ولا يحصل الظن.
الجواب: أن هذا الاحتمال إنما يأتى فى غير أئمة النقل، وأما الأئمة فالظاهر أنهم لا يجزمون إلا عمن لو سئلوا لعدّلوه.
قالوا: ثانيًا: لو قبل المرسل لقبل فى عصرنا إذ لا تأثير للزمان فيه، واللازم منتف اتفاقًا.
الجواب: منع الملازمة لغلبة ذلك، أى الإرسال عمن لو سئل عنه لم يعدّل فإن أهل زماننا يرسلون غالبًا، ولا يدرون ممن يروون هذا فى غير أئمة النقل، وأما أئمة النقل فإن لم يكن ثمة ريبة تمنع القبول فإنه يقبل، وهذا إشارة إلى منع انتفاء اللازم، والحاصل منع الملازمة فى غير محل النزاع، ومنع انتفاء اللازم فيما هو محل النزاع.
قالوا: ثالثًا: لو جاز العمل بالمرسل لما كان لذكر الإسناد فائدة، فكان اتفاقهم على ذكر الإسناد إجماعًا على العبث وذلك محال عادة.
والجواب: منع الملازمة بل فائدته فى غير أئمة النقل ظاهر، وهى فى أئمة النقل تفاوت رتبهم للترجيح عند التعارض وفى القبيلين رفع الخلاف إذ اختلف فى المرسل ولم يختلف فى المسند.
القائلون بقبول المرسل مطلقًا سواء كان راويه من أئمة النقل أم لا:
قالوا: أولًا: تمسكوا بمراسيل التابعين كما ذكرناه إلى آخره وذلك لا يفيدهم تعميمًا فإن من ذكرنا من الشعبى والنخعى والحسن كلهم من أئمة النقل فلم يجب فى غير الأئمة.
قالوا: ثانيًا: العدل إذا أرسل غلب على الظن أن المنقول عنه عدل وإلا لم يجزم بما نقله.
الجواب: منع ذلك فى غير الأئمة، لأنا نقطع أن الجاهل يرسل ولا يدرى ممن رواه فضلًا عن صفته التى هى العدالة ولذلك لم يقبل فى عصرنا، واعلم أن
بعض الناس أخذ على الشافعى حيث قال: يقبل الرسل إذا أسنده غيره. . إلخ، وقال: أما اشتراطه إسناد غيره فباطل إذ العمل حينئذٍ بالمسند، وزعم المصنِّفُ أن هذا وارد عليه وقد يقال: مقصوده إذا لم تثبت عدالة ذلك الإسناد أو أنه لا يحتاج إليه وأما غير ذلك من الشروط وهى الأربعة غير الإسناد فباطل أيضًا لأن شيئًا منها ليس بدليل، وإلا فالعمل به فقد انضم غير مقبول إلى غير مقبول، فلا يكون مقبولًا، وهذا غير وارد فإن الظن قد لا يحصل بأحدهما، أو لا يقوى بحيث يجب العمل به ويحصل أو يقوى بانضمام الآخر إليه وههنا اصطلاحات للمحدثين فافهمها، المنقطع أن يكون بين الراويين رجل ولم يذكر وفى قبوله نظر يعرف مما ذكر فى المرسل، الموقوف هو أن يكون قول الصحابى أو من دونه كالتابعى، وأمره ظاهر فإنه مردود.
قوله: (عدل) يشير إلى أن المصنِّف إنما ترك قيد العدالة لظهوره ولا خفاء فى أن نقل الفعل كنقل القول، وبعضهم على أن المرسل هو أن يقول التابعى قال الرسول عليه الصلاة والسلام، وأما إذا كان القائل من تابع التابعين فمنقطع أو من غيرهم فمعضل.
قوله: (من أئمة نقل الحديث) يعنى من اشتهر بذلك وروى عنه الثقات واعترفوا له بصحة الرواية.
قوله: (لم يكن المروى عنه عدلًا عنده) أى عند الراوى المرسل لكان جزمه نظرًا إلى ظاهر الإطلاق بإسناد الحديث إلى النبى عليه الصلاة والسلام بواسطة رواية ذلك الروى عنه الموهم ذلك الجزم أو لاستناد أن ذلك الراوى المرسل سمع من عدل تدليسًا وذلك بعيد فيمن ثبت أنه من أئمة نقل الحديث وإن لم يكن بعيدًا ممن هو عدل لعدم معرفته بقوانين نقل الحديث، وبهذا يندفع أن مجرد النقل لا يوجب الجزم بل قد يكفى الظن وأن هذا يقتضى قبول قول المرسل العدل سواء كان من أئمة الحديث أو لا.
قوله: (فى القبيلين) أى فى أئمة النقل وفى غيرهم.
قوله: (كما ذكرناه) يعنى أن التمسك قد اشتهر ولم ينكره أحد فكان إجماعًا.
قوله: (وقد يقال) جواب عن المؤاخذة على الشافعى بأنه إذا أسنده غيره كان
العمل بذلك المسند وتقريره أنه يعمل بذلك المرسل وإن لم تثبت عدالة رواة ذلك المسند أو أنه يعمل بذلك المرسل من غير احتياج إلى تعديل رواة ذلك المسند وحاصله أن العمل بالمسند يتوقف على تعديل رواته لكن معاضدته للعمل بالمرسل لا تتوقف على ذلك بل تثبت العمل بالمرسل من غير ثبوت عدالة رواة المسند أو من غير احتياج إلى تعديلهم.
قوله: (وهذا غير وارد) فإن قيل: لا وجه لجعل الأول واردًا دون هذا لاشتراكهما فى أن يحصل الظن أو يقوى بانضمام البعض إلى البعض قلنا: جعل اشتراط عدالة الرواة مفروغًا عنه فجزم بأن المسند واجب العمل سواء انضم إليه أمر آخر أو لم ينضم بخلاف هذه الأمور الأربعة، فإن شيئًا منها بانفراده لا يوجب العمل.
قوله: (يعرف مما ذكر) لأنه نوع إرسال فلا يقبل إلا أن يسنده غيره أو يعضده أمر آخر من الأمور المذكورة، وذكر بعض الشارحين أن فى قبوله نظرًا لأن الراوى المتوسط مجهول الحال فلا تقبل روايته وفى بعض الشروح أنه يحتمل أن يريد به التوقف فى العمل من جهة أن الراوى عدل والظاهر من حاله أن لا يروى إلا عن عدل وأن المروى عنه غير معلوم فلا تعلم عدالته، وقيل إنه من حيث التعرض للإسناد يشبه المسند فيعمل به ومن حيث تذكر الواسطة يوهم التدليس فلا يعمل.
المصنف: (ولم ينكره أحد) أى فكان إجماعًا، رده الكمال بأنه لا إجماع مع قول ابن سيرين لا نأخذ بمراسيل الحسن وأبى العالية لأنهما لا يباليان عمن أخذا الحديث وهو وإن لم يستلزم إرسالهما عن غير ثقة إذ اللازم أن الإمام العدل لا يرسل إلا عن ثقة وذلك لا يستلزم أن لا يأخذ إلا عن ثقة نافٍ للإجماع لأنه لا إجماع مع مخالفة ابن سيرين فهو خطأ على هذا وإن كان منع ابن سيرين من مراسيلهما خطأ أيضًا لأنه علل بما لا يصلح مانعًا. اهـ. بزيادة من الشارح وبعض تغيير.
المصنف: (لغلبة الخلاف فيه) أى فكثرة الخلاف والمذاهب فى عصرنا تمنع قبول المرسل فى عصرنا ووقع للشارح بدل لغلبة الخلاف فيه لغلبة ذلك فلذا قال لغلبة ذلك أى الإرسال عمن لو سئل عنه لم يعدل.
الشارح: (بل فائدته فى غير أئمة النقل ظاهرة) هى ظهور حال المروى عنه من ضعف أو عدالة.