الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(مسألة: المشترك يصح إطلاقه على معنييه مجازًا
لا حقيقة وكذلك مدلولا الحقيقة والمجاز وعن القاضى والمعتزلة يصح حقيقة إن صح الجمع، وعن الشافعى ظاهر فيهما عند تجرد القرائن فالعام، أبو الحسين والغزالى يصح أن يراد لا أنه لغة، وقيل لا يصح أن يراد، وقيل: يجوز فى النفى لا الإثبات والأكثر أن جمعه باعتبار معنييه مبنى عليه، لنا فى المشترك أنه يسبق أحدهما، فإذا أطلق عليهما كان مجازًا النافى للصحة لو كان للمجموع حقيقة لكان مريد أحدهما خاصة غير مريد وهو محال وأجيب بأن المراد المدلولان معًا لا بقاؤه لكل مفرد وأما الحقيقة والمجاز قوله:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65]، فاستعماله لهما استعمال فى غير ما وضع له أولًا وهو معنى المجاز النافى للصحة لو صح لهما لكان مريدًا ما وضعت له أولًا غير مريد وهو محال وأجيب بأنه مريد ما وضع له أولًا، وثانيًا بوضع مجازى الشافعى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} [الحج: 18]، {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56]، وهى من اللَّه رحمة ومن الملائكة استغفار وأجيب بأن السجود الخضوع والصلاة الاعتناء بإظهار الشرف أو بتقدير خبر أو فعل حذف لدلالة ما يقارنه أو بأنه مجاز بما تقدَّم).
أقول: اللفظ المشترك يصح إطلاقه على كل واحد من معنييه معًا كما يصح إطلاقه على واحد منهما بدلًا عن الآخر بأن يراد به فى إطلاق واحد هذا وذلك غير إرادة مجموع المعنيين مثاله أن تطلق القرء وتريد به طهرًا وحيضًا فإذا أطلق عليهما كان مجازًا لا حقيقة وكذلك اللفظ إذا أطلق على معنييه المجازى والحقيقى مثاله أن تطلق الأسد وتريد به السبع والشجاع ونقل عن القاضى والمعتزلة أنه يصح إطلاقه أى المشترك حقيقة إن صح الجمع بينهما بخلاف صيغة افعل للأمر والتهديد، ونقل عن الشافعى رحمه الله أنه ظاهر فيهما دون أحدهما فيحمل عند التجرد عن القرائن عليهما ولا يحمل على أحدهما، خاصة إلا بقرينة وهو عام فيهما والعام عنده قسمان: قسم متفق الحقيقة، وقسم مختلف الحقيقة، وقال أبو الحسين والغزالى يصح أن يراد ولا مانع من القصد كما زعم قوم أن الدليل القاطع قائم على امتناعه لكنه ليس من اللغة فإن اللغة منعت عنه ولولا منعها عنه لى يمنع عنه غيره من عقل وقيل بل لا يصح أن يراد كما ذكرنا، وفصل قوم فقالوا يجوز فى النفى لا الإثبات ثم اختلف فى جمعه باعتبار معنييه نحو عيون وتريد به باصرة
وذهبا وجارية فالأكثر على أنه مبنى على الخلاف فى المفرد فإن جاز جاز وإلا فلا وقيل بل يجوز وإن لم يجز فههنا مقامان المقام الأول أن المشترك لمعنييه مجاز ولنا فيه أنه يسبق منه إلى الفهم عند إطلاقه، أحد المعنيين على البدل دون الجمع وهو علامة الحقيقة فى أحدهما دون الجمع النافى للصحة، قال: لو صح اللفظ لهما معًا لكان حقيقة وإلا كان مستعملًا فى غير ما وضع له وهو خلاف المفروض ولو كان حقيقة لهما لكان مريدًا أحدهما خاصة غير مريد له خاصة وأنه محال بيان الملازمة أن له حينئذٍ ثلاثة معان هذا وحده وهذا وحده وهما معًا والمفروض استعماله فى جميع معانيه فيكون مريدًا لهذا وحده، ولهذا وحده ولهما معًا وكونه مريدًا لهما معًا معناه أن لا يريد هذا وحده أو هذا وحده فيلزم من حيث إرادتهما بدلًا الاكتفاء بكل واحد منهما وإرادتهما منفردين ومن حيث أراد المجموع معًا عدم الاكتفاء بأحدهما وإرادتهما مجتمعين وهو ما ذكرنا من اللازم.
الجواب: أنه مناقشة لفظية إذ المراد نفس المدلولين معًا لا بقاؤه لكل واحد منفردًا وحاصله دعوى أن مفهوميه هما منفردين فإذا استعمل فى المجموع لم يكن مستعملًا فى مفهوميه فيكون النزاع عائدًا إلى تسمية ذلك استعمالًا له فى مفهوميه لا إلى إبطال ذلك وذلك قليل الجدوى، والتحقيق فيه أن الإفراد وعدمه قَيد للاستعمال لا للمستعمل فيه فيتواردان على الاستعمال والمعنى المستعمل فيه بحاله والوضع لكل واحد من المعنيين مع قطع النظر عن الإفراد عن الآخر والاجتماع معه نعم يستعمل تارة فى هذا من غير استعمال فى الآخر وتارة مع استعماله فيه والواضع وضع اللفظ للمعنى المستعمل فيه فى الحالين فظهر صحته وأنه حقيقة يظهر بالتأمل، المقام الثانى فى أن اللفظ المستعمل فى الحقيقة والمجاز مجاز فيهما، ولنا فيه أن استعماله لهما استعمال له فى غير ما وضع له أولًا لأن ذلك لم يكن المعنى المجازى داخلًا فيه وهو داخل الآن فكان مجازًا إذ لا معنى للمجاز إلا ذلك النافى للصحة.
قال: لو صح اللفظ لهما لكان مريدًا لا وضع له لمكان المعنى الحقيقى غير مريد لما وضع له لمكان المعنى المجاز ولدليلكم وذلك فى استعمال واحد محال.
الجواب: لا نسلم الملازمة فإنه لم يرد ما وضع له بالوضع الأول بل هو داخل فى المراد حيث أراد المجموع مما وضع له أولًا وما لم يوضع له أولًا بوضع ثان
مجازى لهذا المعنى الثالث أعنى المجموع وقد هجر الحقيقة والمجاز الأول وخرجا عن الإرادة بخصوصهما ودخلا فى بحث مراد ثالث، احتج الشافعى رحمه الله على كونه حقيقة ظاهرة فى الجميع بقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} [الحج: 18]، والسجود من الناس وضع الجبهة على الأرض ومن غيرهم أمر مخالف لذلك قطعًا، وبقوله:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56]، والصلاة من اللَّه مغفرة ومن الملائكة استغفار وهما مختلفان.
الجواب: أولًا: أن معنى السجود فى الكل واحد وهو غاية الخضوع وكذا فى الصلاة وهو الاعتناء بإظهار الشرف ولو مجازًا فيكون متواطئًا لا مشتركًا وثانيًا بأنه بتقدير خبر أو فعل حذف لدلالة ما يقارنه عليه أى يقدر فى الآية الأولى فعل كأنه قال: ويسجد له كثير من الناس، وفى الثانية خبر كأنه قال إن اللَّه يصلى وإنما جاز ذلك لأن يسجد له من فى السموات ومن فى الأرض وملائكته يصلون مقارن له وهو مثل المحذوف فكان دالًا عليه مثل:
نحن بما عندنا وأنت بما
…
عندك راضٍ والرأى مختلف
أى نحن بما عندنا راضون وعلى هذا فقد يكون كرر اللفظ مرادًا به كل مرة معنى لأن المقدور فى حكم المذكور وذلك جائز اتفاقًا، وثالثًا بأنه وإن ثبت الاستعمال فلا يتعين كونه حقيقة بل نقول إنه مجاوز وإن كان خلاف الأصل بما ذكرنا من الدليل.
قوله: (بأن يراد به) متعلق بقوله يصح إطلاقه على كل واحد من معنييه لا بقوله كما يصح لأن إرادة هذا وهذا فى إطلاق واحد لا تكون على سبيل البدل ولأن محل النزاع أليق بأن يوضح (وذلك) أى إرادة هذا وهذا غير إرادة المجموع لأن فى كل واحد مناط الحكم ومتعلق الإثبات والنفى بخلاف ما إذا أريد به المجموع فإنه لا يلزم ذلك وبالجملة فرق ما بينهما فرق ما بين الكل الإفرادى والكل المجموعى، وهو مشهور يوضحه أنه يصح كل فرد تسعه هذه الدار ولا يصح كل الأفراد ويصح كل الأفراد يرفع هذا الحجر ولا يصح كل فرد فللمشترك أحوال إطلاقه على كل من المعنيين على سبيل البدل بأن يطلق تارة ويراد هذا
ويطلق تارة أخرى، ويراد ذلك ولا نزاع فى صحته وفى كونه حقيقة إطلاقه على أحد المعنيين لا على التعيين بأن يراد به فى إطلاق واحد هذا أو ذاك مثل:"تربصى قرءًا"، أى طهرًا أو حيضًا، وليكن ثوبك جونًا أى أبيض أو أسود وليس فى كلام القوم ما يشعر بإثبات ذلك أو نفيه إلا ما يشير إليه كلام المفتاح من أن ذلك حقيقة المشترك عند التجرد عن القرائن، الثالث: إطلاقه على مجموع المعنيين بأن يراد به فى إطلاق واحد المجموع المركب من المعنيين بحيث لا يفيد أن كلا منهما مناط الحكم ولا نزاع فى امتناع ذلك حقيقة وفى جوازه مجازًا إن وجدت علاقة مصححة فإن قيل علاقة الجزء والكل متحققة قطعًا، قلنا ليس كل ما يعتبر جزءًا من مجموع يصح إطلاق اسمه عليه للقطع بامتناع إطلاق الأرض على مجموع السماء والأرض بناء على أنها جزء ورابعها إطلاقه على كل واحد منهما بأن يراد به فى إطلاق واحد هذا وذاك على أن يكون كل منهما مناط الحكم ومتعلق الإثبات والنفى وهذا هو المتنازع فيه وعلى هذا قياس الجمع بين الحقيقة والمجاز أعنى إرادة المعنى الحقيقى والمجازى بل ربما يستغنى عنه بذكر المشترك نظرًا إلى أن اللفظ موضوع للمعنى الحقيقى بالشخص وللمجازى بالنوع.
قوله: (للأمر والتهديد) يعنى على تقدير كون الصيغة حقيقة فيهما وهذا أولى من التمثيل بالقرء للطهر والحيض والجون للأسود والأبيض، لأنه ربما يصح بحسب الحكم مثل القرء من صفات النساء والجون جسم.
قوله: (ونقل عن الشافعى رحمه الله يعنى يصح للمتكلم استعماله فيهما ويجب على السامع حمله عليهما عند الإطلاق فهذا أخص من مذهب القاضى والمعتزلة والمراد الصحة اللغوية فيتميز عن مذهب أبى الحسين والغزالى إذ الصحة عندهما عقلية بمعنى أنه لا دليل على امتناعه سوى منع أهل اللغة.
وقوله: (بل لا يصح أن يراد كما ذكرنا) إشارة إلى ما قال أنه زعم قوم أن الدليل القاطع قائم على امتناعه وسيجئ تقرير الدليل بجوابه فضبط المذاهب أنه لا يصح مطلقًا أو يصح عقلًا لا لغة أو يصح لغة فى النفى فقط أو فى الإثبات أيضًا لكن فى الجمع خاصة أو فى الكل من غير ظهور فى المعنيين جميعًا، أو مع الظهور فيهما ثم لا يخفى أن ذكر المعنيين لمجرد التمثيل وأنه أقل مراتب التعدد وإلا فالمعانى أيضًا كذلك بلا تفاوت.
قوله: (فههنا مقامان) لا خفاء فى أن الأصل المقدم إثبات صحة الاستعمال ليفرع عليه كونه حقيقة أو مجازًا وكأنه اعتمد فيه على ما هو المتعارف فى كتابه من أنه لو امتنع لامتنع لدليل والأصل عدمه.
قوله: (ولنا فيه) أى فى المقام الأول (أنه يسبق منه) أى من المشترك أحد المعنيين على البدل بأن يراد هذا أو ذاك لا الجمع بأن يراد هذا وذاك والسبق إلى الفهم علامة الحقيقة وعدمه علامة المجاز قيل الصحح علامة الكلية والجزئية وفيه نظر أما أوّلًا فلأن الكلام فى إرادة كل من المعنيين لا فى إرادة المجموع الذى أحد المعنيين جزء منه، وأما ثانيًا فلما سبق من أن ليس كل جزء يصح إطلاقه على الكل بل إذا كان له تركب حقيقى وكان الجزء مما إذا انتفى انتفى الكل بحسب العرف أيضًا كالرقبة للإنسان بخلاف الإصبع والظفر ونحو ذلك هذا وقد يمنع سبق أحد المعنيين من إطلاق المشترك بل إنما يدعى سبقهما على ما هو مذهب الشافعى رحمه الله على أنه لو سبق أحدهما لا على التعيين وكان حقيقة فيه كان الاشتراك معنويًا لا لفظيًا ثم القول بكونه مجازًا عند الاستعمال فى كل من المعنيين مشكل لأن كلًا منهما نفس الموضوع له.
قوله: (وهو خلاف المفروض) لأن المفروض استعماله فى كل من المعنيين وكونه موضوعًا لكل منهما والحق أن المقدمة القائلة بأنه لو استعمل فى المعنيين لكان حقيقة فيهما ليس له كثير دخل فى الدليل إذ يكفى أن يقال لو استعمل فى كل من معنييه والتقدير أن معناه هذا وحده لو استعمل لزم أن يكون كل منهما وحده وهذا وحده وإلا لم يكن معناه وليس وحده وإلا لم يكن الاستعمال فى كل من المعنيين والجواب أن المراد استعماله فى كل من الأمرين اللذين وضع اللفظ لهما سواء كانا مع قيد الانفراد أو بدونه وحاصل الاستدلال أنه إذا استعمل فى المجموع لم يكن ذلك استعمالًا فى معنييه لانتفاء قيد الانفراد المعتبر فى كل منهما حتى يكون معناه وهذا نزاع لا يتعلق به غرض أصولى لوقوع الاتفاق حينئذٍ على أنه يصح أن يذكر المولى مثلًا، ويراد به المعتق والمعتق وتتفرع عليه الأحكام وإن لم يسم ذلك استعمالًا فى كلا معنيى المولى على أن المعنى الموضوع له المستعمل فيه اللفظ هو كل من المعنيين لا بشرط أن يكون وحده ولا بشرط أن يكون لا وحده على ما هو شأن الماهية بلا شرط شئ وهو متحقق فى حال الانفراد عن
الآخر والاجتماع معه والمستدل جعل الانفراد قيدًا فيه وليس كذلك وإنما يقع الانفراد والاجتماع قيدين بوصف الاستعمال لا لنفس المعنى وبهذا يظهر أن استعمال اللفظ فى المعنى حال الاجتماع مع الآخر استعمال له فى نفس الموضوع له كحال الانفراد سيصح ويكون حقيقة لعدم الفرق ويظهر ذلك بالتأمل فى الفرق بين المعنى مطلقًا وبشرط الانفراد أو الاجتماع وفى الفرق بين كون الانفراد قيدًا للمستعمل أو الاستعمال.
قوله: (ولدليلكم) يعنى ما ذكر آنفًا من أن استعماله لهما استعمال فى غير ما وضع له أوّلًا.
قوله: (بوضع ثان) متعلق بقوله أراد المجموع وفيه إشارة إلى أن التعيين المجازى أيضًا وضع على ما سبق من افتقار نوع العلاقة إلى السماع والحاصل أنه مريد لمعنًى مجازى شامل للمعنى الحقيقى والمعنى المجازى الأول هو معنًى ثالث لهما، والنافون للصحة لا ينازعون فى جواز إرادة معنًى مجازى شامل ويسمونه عموم المجاز مثل أن يراد بوضع المقدم فى قوله لا أضع قدمى فى دار فلان الدخول فيتناول الدخول حافيًا وهو الحقيقة وناعلًا وراكبًا، والقائلون بالصحة يدعون ذلك فى جميع صور النزاع فإنه إذا أريد المجموع لا من حيث تعلق الحكم بالمجموع من حيث هو بل من حيث تعلقه بكل واحد كان شاملًا للمعنيين لكن تصحيح هذا المجاز وبيان العلاقة فيه مشكل وحديث استعمال الجزء فى الكل كاذب كما سمعت وما ذكره المحقق من خروج المعنيين عن الإرادة ودخولهما تحت مراد ثالث تحقيق وتوضيح للجواب إلا أنه مناف لما سبق فى تحرير محل النزاع من أن الكلام فيما إذا كان كل من المعنيين مرادًا باللفظ ومناطًا للحكم وأنت خبير بأن الدخول تحت المراد لا يستلزم أن يكون مرادًا بحيث يصير مناط الحكم.
المصنف: (لو كان للمجموع حقيقة) أى لكل من الأمرين أو الأمور على أن يكون كل مناط الحكم لا المركب كما هو ظاهر من لفظ المجموع.
المصنف: (إن صح الجمع) أى فى الإرادة بحيث يجتمعان فى الحكم والظاهر أن هذا لا خلاف فيه بينهم فهو شرط عند الجميع.
المصنف: (وعن الشافعى ظاهر فيهما) يعنى لوضعه لكل من الأمرين مثلًا
بوضعين يفهم منه هذان الأمران عند التجرد عن القرائن وليس المراد أنه موضوع لهما بوضع آخر غير الوضع لكل منهما على البدل وإلا كان مجملًا.
الشارح: (يسبق منه إلى الفهم عند إطلاقه أحد المعنيين على البدل) أى هذا المعنى أو ذاك المعنى وأما أحدهما من غير تعين كقولك تربصى قرءًا أى طهرًا أو حيضًا فليس فى إثباته أو نفيه ما يشير إليه صاحب المفتاح من أن ذلك حقيقة المشترك وبهذا تعلم رد ما قاله المحشى من قوله على أنه لو سبق أحدهما لا على التعين وكان حقيقة فيه كان الاشتراك معنويًا لا لفظيًا انتهى، وكأنه فهم أنه حينئذ يكون معناه مفهوم أحدهما مع أنه قبل ذلك صرح بقوله بأن يراد هذا أو ذاك.
الشارح: (بيان الملازمة أن له حينئذ ثلاثة معان. . . إلخ) الذى يستفاد من المحشى أن بيان الملازمة أنه لو استعمل فى المعنيين مع أن كل واحد اعتبر منفردًا بالإرادة لزم أن يكون كل واحد مرادًا وحده غير مراد، وقول الشارح بدلًا غير مناسب لأول كلامه وقوله لا بقاؤه لكل واحد منفردًا أى أن الإفراد وإن كان من جملة المفهوم لكنه قد جرد عنه وقوله وحاصله أى حاصل الاستدلال على مقتضى هذا الجواب وقوله: فيكون النزاع أى بين نافى الصحة والقائل بالصحة لأن النافى لها لا يمنع استعمال المشترك فى المدلولين غير أنه لا يسميهما مفهومى اللفظ.
الشارح: (دعوى أن مفهوميه هما منفردين. . . إلخ) أى هما حال كونهما منفردين.
الشارح: (فى المجموع) أى كل واحد على أن يكون مناط الحكم.
الشارح: (قيد للاستعمال) فالمعنى انفراد إرادة المعنى بمعنى عدم شرط انضمام آخر معه.
الشارح: (فى أن اللفظ المستعمل فى المعنى الحقيقى والمجازى مجاز) هذا على ما ذهب إليه المصنف، وأما مذهب غيره أنه حقيقة ومجاز باعتبارين وهو الظاهر.
الشارح: (حيث أراد المجموع) أى كل واحد مرة واحدة.
الشارح: (تحت مراد ثالث) هو جميعهما لا معنى كلى يشملهما حتى يكون من عموم المجاز وبهذا تعلم دفع ما قاله المحشى من أنه خروج عن محل النزع نعم يرد أن الدخول بهذا المعنى لا يقتضى المجازية بل على صحة إرادة كل من المعنيين الحقيقى والمجازى من اللفظ فى إطلاق واحد ينبغى أن يكون اللفظ حقيقة باعتبار
الموضوع له ومجازًا باعتبار غير الموضوع له ودخول المعنى المجازى فى المراد من اللفظ لا يقتضى أن اللفظ مجاز بالنسبة للموضوع له.
قوله: (فهذا أخص من مذهب القاضى) رد بأن الحمل على الجميع مذهب القاضى أيضًا إلا أنه قال ذلك للاحتياط لا للظهور كما قال الشافعى بل مجمل يحمل على الجميع احتياطًا إلا أنه أورد على القاضى أن الاحتياط قد يكون فى الحمل على أحد المعانى كما إذا قيل: إذا رأيت العين فلا تأكل السمك فإنه يحتمل أن يكون النهى معلقًا على رؤية جميع معانى العين ويحتمل أن يكون معلقًا على رؤية واحد منها والاحتياط هنا الحمل على أحدها.
قوله: (لكن فى الجمع خاصة) أى إذا أمكن الجمع خاصة أو فى الكل أى أمكن الجمع أولًا وتقدم ما فيه.
قال: (مسألة: نفى المساواة مثل لا يستوى يقتضى العموم كغيرها أبو حنيفة رحمه الله لا يقتضيه لنا نفى على نكرة كغيره، قالوا: المساواة مطلقًا أعم من المساواة بوجه خاص والأعم لا يشعر بالأخص وأجيب بأن ذلك فى الإثبات وإلا لم يعم نفى أبدًا قالوا: لو عم لم يصدق إذ لا بد من مساواة ولو فى نفى ما سواهما عنهما قلنا إنما ينفى مساواة يصح انتفاؤها، قالوا: المساواة فى الإثبات للعموم وإلا لم يستقم إخبار بمساواة لعدم الاختصاص ونقيض الكلى الموجب جزئى سالب قلنا المساواة فى الإثبات للخصوص، وإلا لم يصدق أبدم إذ ما من شيئين إلا وبينهما نفى مساواة ولو فى تعينهما ونقيض الجزئى الموجب كلى سالب والتحقيق أن العموم من النفى).
أقول: نفى المساواة نحو قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر: 20]، هل يقتضى العموم أى يدل على عدم جميع وجوه المساواة فلا يقتل مسلم بكافر ولو ذميًا المختار أنه يقتضى العموم وكذلك غير المساواة من الأفعال فـ "لا آكل" عام فى وجوه الأكل و"لا أضرب" عام فى وجوه الضرب، وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا يقتضيه فمن ثمة جوز قتل المسلم بالذمى لنا أنه نكرة فى سياق النفى لأن الجملة نكرة باتفاق النحاة ولذلك يوصف بها النكرة دون المعرفة فوجب التعميم كغيره من النكرات وليس هذا قياسًا فى اللغة بل استدلالًا فيها بالاستقراء لهم وجوه.
قالوا: أولًا: المساواة مطلقًا أى فى الجملة أعم من المساواة بوجه خاص وهو المساواة من كل وجه فلا يدل عليه لأن الأعم لا إشعار له بالأخص بوجه من الوجوه فلا يلزم من نفيه نفيه.
الجواب: إن ما ذكرتم من عدم إشعار الأعم بالأخص إنما هو فى طرف الإثبات لا فى طرف النفى، فإن نفى الأعم يستلزم نفى الأخص ولولا ذلك لجاء مثله فى كل نفى فلا يعم نفى أبدًا، إذ يقال فى "لا رجل" الرجل أعم من الرجل بصفة العموم فلا يشعر به وهو خلاف ما ثبت بالدليل.
قالوا: ثانيًا: لو كان عامًا لما صدق لأنه لا بد بين كل أمرين من مساواة من وجه وأقله المساواة فى سلب ما عداهما عنهما.
الجواب: إذا قيل لا مساواة فإنما يراد به نفى مساواة يصح انتفاؤها وإن كان
ظاهرًا فى العموم، وهو من قبيل ما يخصصه العقل، نحو {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62]، أى خالق كل شئ يخلق.
قالوا: ثالثًا: المساواة إذا وقعت فى الإثبات فقيل يستوى هذا وذاك أفاد العموم وإلا لم يستقم إخبار بمساواة بين شيئين لأن المساواة بوجه ما لا تختص بهما بل كل شيئين كذلك لما تقدَّم فإذا لم يختص وكان عمومه لكل شيئين معلومًا لم يكن كلامًا مفيدًا فائدة جديدة وكان كقولنا السماء فوقنا والأرض تحتنا، وإذا ثبت ذلك فقولنا يستوى معناه أن كل وجه استواء ثابت وهو كلى موجب وقولنا لا يستوى نقيضه للتكاذب بهما عرفًا، ونقيض الكلى الوجب جزئى سالب فيكون معنى قولنا لا يستوى بعض وجوه الاستواء ليس بثابت وهو المطلوب.
الجواب: المعارضة بالمثل بأن يقال المساواة فى الإثبات ليست للعموم بل للخصوص وهو بعض المساواة وإلا لم يصدق إثبات مساواة لشيئين أبدًا إذ ما من شيئين إلا وبينهما نفى مساواة ولو فى تعينهما فيكون قولنا يستوى موجبًا جزئيًا بمثابة بعض وجوه المساواة ثابت ونقيضه سالب كلى فقولنا لا يستوى بمثابة لا شئ من وجوه المساواة بثابت وهو المطلوب ويمكن المعارضة بوجه آخر أخصر من هذا وهو أنه لو كان نفى المساواة بثابت وهو المطلوب ويمكن المعارضة بوجه آخر أخصر من هذا وهو أنه لو كان نفى المساواة للخصوص لما صح الإخبار به لعدم اختصاصه كما مر تقريره، وبالجملة فيعتبر عدم الصدق وعدم الإفادة فى طرفى الإثبات والنفى فينشأ أربع شبه متعارضة والتحقيق فيه أن المساواة لا دلالة له على العموم وإنما يفيد حملها القرينة ولولاها لم يفد حملها كما ذكرنا والعموم إنما ينشأ من النفى الداخل على النكرة وإنما صدق نفيها لقرينة ولولاها لما صدق كما مر.
قوله: (فمن ثمة جوّز) ليس المراد أن هذا دليل عليه بل إن هذا لم يمنعه فثبت بآيات القصاص.
قوله: (لأن الجملة نكرة) دفع لما قيل إن التمثيل بلا يستوى ليس بحسن لأن المراد من النكرة اسم الجنس ويستوى فعل هدا ولكن تصريحهم بأن التعريف والتنكير من خواص الاسم ينفى كون الجملة نكرة والمحققون من النحاة على أن المراد بتنكير الجملة أن المفرد الذى يسبك منها نكرة وعموم الفعل المنفى ليس من
جهة تنكيره بل من جهة أن ما تضمنه من المصدر نكرة فمعنى لا يستوى زيد وعمرو لا يثبت استواء بينهما، والضمير فى كغيرها للمساواة وفى كغيره لمثل لا يستوى وهو فى معرض الاستدلال وبيان صورة الاستقراء بخلاف كغيرها فإنه فى معرض الدعوى.
قوله: (فلا يلزم من نفيه) أى الأعم الذى هو المساواة فى الجملة (نفيه) أى نفى الأخص الذى هو المساواة من كل وجه لأن ما لا يكون فى الكلام إشعار به لا يكون منفيًا بالكلام.
قوله: (فلا يشعر) أى الرجل مطلقًا (به) أى بالرجل بصفة العموم فلا يلزم من نفيه نفيه وقد ثبت بالدليل أى الاتباع والاستقراء والاستعمال أن مثل لا رجل عام.
قوله: (للتكاذب بينهما عرفًا) يعنى أنهما وإن كانتا مطلقتين والمطلقتان لا تنتقضان عقلًا، لكن مثله يعدّ فى العرف تناقضًا ويجعل أحدهما رفعًا للآخر وتكذيبًا له، وقد يتوهم أن مبنى ذلك على أن العرف يفهم منها التوقيت بالحال والوقتيتان يتناقضان على ما صرح به بعض المنطقيين وليس بشئ لأنه على هذا التقدير أيضًا بل على تقدير دوام أحدهما لا يلزم التناقض لجواز الاستقراء من وجه وعدمه من وجه.
قوله: (ويمكن المعارضة بوجه آخر) الأولى كانت معارضة فى المقدمة القائلة بأن الإثبات أعنى يستوى يفيد العموم وهذه معارضة فى نفس المدعى وهو أن النفى أعنى لا يستوى يفيد العموم وإلا لما كان الإخبار به صحيحًا لعدم اختصاص نفى المساواة بما بين المذكورين إذ ما من شيئين إلا وبينهما عدم مساواة ولو فى تعينهما فلا يكون فى الإخبار به فائدة يعتد بها.
قوله: (وبالجملة) يعنى إذا اعتبر عدم الصدق فى إثبات الاستواء على العموم وعدم الإفادة فى إثبات الاستواء فى الجملة وفى نفيه فى الجملة حصل أربع شبه معارضة يدل اثنتان منها على أن نفى الاستواء ليس للعموم بخلاف إثباته واثنتان على العكس فالأوليان هما الثانى والثالث من أدلة الخصم مبنى الأول على أن نفى المساواة على العموم ليس بصادق ومبنى الثانى على أن إثبات المساواة على الإطلاق ليس بمفيد والأخريان هما المعارضتان المذكورتان، مبنى الأولى على أن إثبات
المساواة على العموم ليس بصادق ومبنى الثانية على أن نفى المساواة على الإطلاق ليس بمفيد ولما تعارضت الشبه احتيج إلى التحقيق وهو أن إثبات المساواة ليس للعموم لكنه مفيد للقرينة الدالة على تقييد المساواة بوجه مخصوص لا يوجد بين كل شيئين ونفى المساواة للعموم لكونه نكرة فى النفى لكنه صادق للقرينة الدالة على التقييد بما يصح انتفاؤها، فقوله:(حملها) أى إثباتها، وقوله:(كما مر) إشارة إلى ما سبق من أن نفى المساواة على العموم الحقيقى ليس بصادق لثبوت المساواة بوجه ما وأقله سلب ما عداها.
المصنف: (المساواة مطلقًا) أى فى الجملة.
الشارح: (للتكاذب بينهما عرفًا) يعنى أن أهل العرف يفهمون من إحداهما ما يناقض الأخرى ومعلوم أنه لا بد فى التناقض من الاختلاف فلا بد أنهم فهموا من إحداهما الإطلاق العام ومن الأخرى الدوام والإيجاب أحق بالأول والسلب بالثانى، وكذا الكيف بأن يفهم من الإيجاب الكلى ومن السلب الجزئى فيحصل المطلوب ولما لم يكن غرضه متعلقًا باختلاف الجهة لم يتعرض له، وليس مراد الشارح أنه لا تناقض بينهما فى الواقع بل التناقض فى العرف فقط غلطًا بل مراده جعل العرف دليلًا على التناقض الواقعى العقلى وبهذا ظهر ضعف ما قاله المحشى واعلم أن صاحب التحرير قال: لا نزاع فى أن نفى المساواة على عمومه غير صحيح وأن إثبات المساواة ولو بوجه غير مفيد وإنما المراد أن المساواة مراد بها أمر خاص مما يصح أن يفاد ويخبر به، والنزاع فى المراد بالخاص هل هو الأخروى فقط وهو رأى الحنفية أو الأخروى والدنيوى وهو رأى غيرهم.
قوله: (وهذه معارضة فى نفس المدعى وهو أن النفى أعنى لا يستوى يفيد العموم) الضمير عائد على المعارضة لا على نفس المدعى لأن المدعى هو أن النفى لا يفيد العموم لا أنه يفيد العموم.
قال: (مسألة: المقتضى وهو ما احتمل أحد تقديرات لاستقامة الكلام لا عموم له فى الجميع أما إذا تعين أحدها بدليل كان كظهوره ويمثل بقوله عليه الصلاة والسلام: "رفع عن أمتى الخطأ والنسيان" لنا لو أضمر الجميع لأضمر مع الاستغناء، قالوا: أقرب مجاز إليهما باعتبار رفع المنسوب إليهما عموم أحكامهما، أجيب بأن باب غير الإضمار فى المجاز أكثر فكان أولى فيتعارضان فيسلم الدليل، قالوا: العرف فى مثل ليس للبلد سلطان نفى الصفات، قلنا قياس فى العرف قالوا: يتعين الجميع لبطلان التحكم إن عين ولزوم الإجمال إن أبهم، قلنا: ويلزم من التعميم زيادة الإضمار، وتكثير مخالفة الدليل فكان الإجمال أقرب).
أقول: المقتضى بصيغة الفاعل ما لا يستقيم كلامًا إلا بتقدير وذلك التقدير هو المقتضى بصيغة اسم المفعول فالمقتضى إذا كان ثمة تقديرات متعددة يستقيم الكلام بكل واحد منها فلا عموم له فى مقتضاه فلا يقدر الجميع بل يقدر واحد بدليل، فإن لم يوجد دليل معين لأحدهما كان مجملًا بينهما وأما المقتضى إذا تعين بدليل فهو كظهوره إذ لا فرق بين الملفوظ والمقدر فى إفادة المعنى فإن كان ظاهره عامًا فهو عام وإلا فلا فقد اختار أن له عمومًا وذلك أيضًا مما اختلف فيه وقد ذكر مثاله قوله عليه الصلاة والسلام:"رفع عن أمتى الخطأ والنسيان" ولا يستقيم بلا تقدير لوقوعهما من الأمة وثمة تقديرات متعددة بحسب كل حكم دنيوى كالعقوبة والضمان وغيرهما وأخروى كالحساب والعقاب وغيرهما، لنا لو أضمر الجميع لأضمر مع الاستغناء واللازم باطل، أما الملازمة فلأن الحاجة تندفع بالبعض دون الآخر فكان الآخر مستغنى عنه، وأما انتفاء اللازم فلأن الإضمار لما كان للضرورة وجب أن يقدر بقدرها.
قالوا: أولًا: أقرب مجاز إلى الخطأ والنسيان باعتبار رفع المنسوب إليهما المقتضى ارتفاع ذاتهما إنما هو عموم أحكامهما فإن نفى جميع الأحكام يجعلهما كالعدم فكأن الذات قد ارتفعت بخلاف نفى البعض فوجب الحمل عليه للاتفاق على أنه إذا تعذرت الحقيقة وتعذر المجاز حمل على الأقرب وذلك معنى إضمار الجميع.
الجواب: أن باب غير الإضمار فى المجاز أكثر من باب الإضمار فوجب المصير إليه، وعدم إضمار شئ من المقدرات فيقع التعارض بين دليلكم المثبت للجميع ودليلنا النافى للجميع ويبقى دليلنا المثبت للبعض سالمًا فيجب العمل به، قوله
باعتبار رفع إشارة إلى أن المجازات ربما تساوت نسبتها إلى المعنى الحقيقى باعتبار ذاته فلا يكون بعضها أقرب ويصير بعضها أقرب فى موضع مخصوص باعتبار أمر مما ينسب إليه أو غيره وههنا صار المجاز أقرب باعتبار ما نسب إليهما وإن لم يكن أقرب باعتبار مفهوم الخطأ والنسيان ويكفينا فى الترجيح هذا القدر ولا يجب القرب بالنظر إلى ذاته.
قالوا: ثانيًا: إذا قيل ليس للبلد سلطان فهم نفى جميع الصفات المعتبرة فيه من العدل والسياسة ونفاذ الحكم وغيرها فكذلك ههنا.
الجواب إنه قياس فى العرف فلا يصح إذ قد يحصل العرف فى عبارة دون عبارة ولا جامع فى مثله.
قالوا: ثالثًا: ليس بعض المقدرات أولى بالإضمار من البعض فيجب تقدير الكل وإلا لقدر البعض إما معينًا ويلزم التحكم أو مبهمًا ويلزم الإجمال وكلاهما محذور.
الجواب: المقدر بعض غير معين والتعيين إلى الشارع والإجمال وإن كان خلاف الأصل وجب المصير إليه لأنه واحد وأما التعميم ففيه زيادة الإضمار على الواحد وفيه إضمارات متعددة كل واحد منهما خلاف الأصل فكان الإجمال أقرب من التعميم لقلة مخالفة الأصل معه.
قوله: (المقتضى) المشهور فى عبارة القوم أن المقتضى بلفظ اسم المفعول لا عموم له وبه يشعر كلام الآمدى حيث قال المقتضى هو ما أضمر ضرورة صدق المتكلم لا عموم له وعدل عنه المصنِّفُ لأن ما أضمر قد يكون عامًا على ما صرح به حيث قال: (أما إذا تعين أحدهما بدليل كان كظهوره) أى فى العموم والخصوص لأنه لا فرق بين أن يتعين المقدر وبين أن يظهر والمقدر لفظ فيصح عمومه، وإن كان العموم من عوارض الألفاظ خاصة، ولذا قال صاحب التنقيحات: قولهم المقتضى لا عموم له فاسد لأن المقتضى العام عام بل ينبغى أن يقال لا عموم لجهات الاقتضاء عند فوات الحمل على الأصل فالشارح المحقق جعل المقتضى على لفظ اسم الفاعل ليصح تفسيره بما احتمل أحد تقديرات لاستقامة الكلام ويصح أنه لا عموم له فى الجميع أى فى جميع التقديرات يعنى أنه لا يقدر لاستقامة جميع
المحتملات وصرح بأن المقتضى على لفظ اسم المفعول بمنزلة الملفوظ إن عامًا فعام، وإن خاصًا فخاص، والشارح العلامة زعم أنه فى عبارة المصنِّف على لفظ اسم المفعول فاعترض بأن المقتضى فى مثل أعتق عبدك عنى بألف، هو البيع وهو لا يحتمل تقديرات، وأجاب بأنه ليس هو البيع بل دخول العبد فى ملكه وهو يحتمل البيع والهبة، وأنت خبير بأنه لا معنى لكون دخول العبد فى ملكه يحتمل أن يقدر البيع والهبة لاستقامة الكلام بل المحتمل لذلك هو قوله: أعتق عبدك عنى بألف درهم، فإنه لا يستقيم الأمر بإعتاق العبد عنه إلا بتقدير بيع أو هبة منه مثلًا.
قوله: (وذلك أيضًا مما اختلف فيه) فقيل لا عموم له لأن العموم من عوارض الألفاظ والمقدر ليس بلفظ، وأجيب بمنع المقدمتين.
قوله: (وغيرهما) كالذم والملامة فى الدنيا والحسرة والندامة فى العقبى وقد يعترض بأن هذا ليس من عموم التقديرات المحتملة بل من عموم المقدر لكونه اسم جنس مضافًا أى حكم الخطأ والنسيان ويجاب بأن إطلاق الحكم على هذا المعنى من مخترعات الفقهاء، فالشارع حين أطلق هذا الكلام لا بد أن يريد أمرًا واحدًا مما يسمونه حكمًا إذ لو أريد الجميع كان من عموم المقتضى بالمعنى الذى منعتم وقد تكلمنا على هذا فى شرح التنقيح.
قوله: (وباعتبار الرفع المنسوب إليهما) أى إلى الخطأ والنسيان قد وقع فى نسخته بطريق الوصف ومعناه على ما ذكره سديد وفى عامة النسخ باعتبار رفع المنسوب إليهما بطريق الإضافة فتحير الشارحون فى تقريره، فقيل: معناه أن أقرب مجاز إليهما أى إلى نفى حقيقتهما باعتبار رفع ما نسب إليهما هو عموم أحكامهما لأن إضمار جميع الأحكام أقرب إلى المقصود من نفى الحقيقة لأنه يجعل وجودهما كالعدم وبهذا يندفع ما قيل إن أريد بالأحكام اللوازم فلا فرق بين نفى واحد ونفى الكل فى الدلالة على عدمهما وإن أريد غيرها فلا نسلم أن رفعهما أقرب وتوجيه الجواب أن مجاز غير الإضمار أكثر فكلما كان الإضمار أقل كان مخالفة الأصل أقل فكان أولى فيتعارضان ويبقى دليلنا وقيل المراد أن ظاهر الكلام يدل على رفع الخطأ والنسيان وهو غير مقصود فحمل على رفع الأحكام وإضمار جميعها ليكون أقرب إلى حقيقة الكلام والجواب أن مجاز الإضمار أقل فيكون مرجوحًا وهذا الجواب يدفع أصل الإضمار مع أن الكلام فى أن الأولى إضمار
الجميع أو البعض وهو فرع أصل الإضمار فالأولى أن يجاب بأن إضمار الجميع وإن كان راجحًا بما ذكرتم فهو مرجوح من جهة كونه على خلاف الأصل وقيل أقرب مجاز إلى رفعهما عموم رفع أحكامهما لأن عدم جميع أحكامهما أقرب إلى عدمهما من عدم بعض أحكامهما فتحمل على المجاز الأقرب والجواب ما مر وقيل لقائل أن يعترض بأن أكثرية غير الإضمار كما تعارض دليل إضمار الجميع تعارض دليل إضمار البعض مع أن ههنا قائلًا بإضمار الجميع وقائلًا بإضمار البعض ولا قائل بعدم الإضمار هذا وفيما ذكره المحقق غنًى عن هذه الكلمات.
قوله: (الصفات المعتبرة) احتراز عن مثل الوجود والحياة ونحو ذلك مما ليس له مزيد اختصاص بالسلطنة.
المصنف: (ويمثل بقوله عليه الصلاة والسلام رفع عن أمتى الخطأ والنسيان) أى يمثل للمقتضى المعرف بما سبق بهذا احديث، وفى التعبير بقوله ويمثل إشعارًا بأنه عند التحقيق ليس منه ولعله أن الظاهر أنه من عموم المقدر لأن الحكم المضاف إلى الخطأ اسم جنس مضاف فيعم وليس من عموم التقدير الذى نحن بصدده وإن نوقش فى جعل ذلك من عموم المقدر بأن إطلاق الحكم على ما يشمل تلك الأمور المذكورة من الإثم والضمان والعقوبة ونحو ذلك من مخترعات الفقهاء.
المصنف: (باعتبار رفع المنسوب إليهما) يقرأ رفع فعلًا ماضيًا لا اسمًا مضافًا إلى المنسوب كما توهمه بعض الشارحين.
الشارح: (فإن كان ظاهره عامًا فهو عام) أى إن كان المقدر لو لفظ به عامًا فهو أى المقدر عام.
الشارح: (فقد اختار أن له عمومًا) أى اختار أن للمقدر عمومًا حينما يكون الظاهر أى الملفوظ عامًا.
قوله: (وبهذا يندفع ما قيل: إن أريد بالأحكام. . . إلخ) أى يكون المراد الأقربية إلى نفى الحقيقة من حيث أن نفى جميع الأحكام المنسوبة إليهما يجعلهما كالعدم يندفع ما قيل. . . إلخ. لأنه ليس المراد الاستدلال بنفى الأحكام على نفيهما.
قال: (مسألة: مثل لا آكل وإن أكلت عام فى مفعولاته فيقبل تخصيصه، وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يقبل تخصيصًا لنا إن لا آكل لنفى حقيقة الأكل بالنسبة إلى كل مأكول وهو معنى العموم فيجب قبوله للتخصيص، قالوا: لو كان عامًا لعم فى الزمان والمكان وأجيب بالتزامه وبالفرق بأن أكلت لا يعقل إلا بمأكول بخلاف ما ذكر قالوا: إن أكلت ولا آكل مطلق فلا يصح تفسيره بمخصص لأنه غيره، قلنا المراد المقيد المطابق للمطلق لاستحالة وجود الكلى فى الخارج وإلا لم يحنث بالمقيد).
أقول: الفعل المتعدى إذا وقع فى سياق النفى مثل لا آكل أو فى معناها مثل إن أكلت فأنت طالق إذ ينتفى الطلاق بأن لا يأكل واقتصر عليه غير متعرِّض للمفعول فهو عام فى مفعولاته فيقبل تخصيصه حتى لو قال أردت به مأكولًا خاصًا قبل منه، وقال أبو حنيفة رحمه الله: إنه لا يقبل تخصيصًا فلو خصصه بمأكول لم يقبل منه، لنا أن لا آكل لنفى حقيقة الأكل وإنما يتحقق نفيه بالنسبة إلى كل مأكول ولذلك يحنث بأيها أكل اتفاقًا، وذلك هو معنى العموم فوجب قبوله للتخصيص كما لو صرح به.
قالوا: أولًا: لو كان عامًا فى مفعولاته كان عامًا فى سائر المتعلقات كالزمان والمكان فكان يقبل التخصيص فيها واللازم منتف اتفاقًا.
الجواب: أما أولًا: فبالالتزام لأن نفى حقيقة الأكل يكون بنفيه فى كل زمان وكل مكان، وأما ثانيًا فبمنع الملازمة لأن أكلت لا يعقل معناه إلا متعلقًا بمأكول ولذلك قيل المتعدى ما لا يعقل إلا بمتعلقه وظرف الزمان والمكان ليس كذلك لجواز أن لا يخطر بالبال أصلًا وإن كان لا ينفك عنهما فى الواقع فإذًا المفعول به كالمذكور، وهو كقولك لا أكلت شيئًا ولا نزاع فى أنه لو ذكر لكان عامًا وقابلًا للتخصيص، وحاصل الجواب أن المفعول به مقدر لوجوب تعقله فكان كالمذكور يلحظ عند الذكر فربما يراد به بعض دون بعض وغيره كالمحذوف لا يلحظ عند الذكر وإنما يلزم من نفى الحقيقة فيثبت ما يلزمه غير مجرى بإرادة ويعلم مما ذكرنا أن مأخذ النزاع أن المفعول به محذوف كسائر المتعلقات أو مقدر لأنه ضرورى للفعل المتعدى دون غيره والاثنان آتيان فى فصيح الكلام، إنما الكلام فى الظهور وبهذا ظهر أن دليل المصنِّف ليس فى محل النزاع وأن التزامه فى الزمان والمكان خلاف الاتفاق.
قالوا: ثانيًا: لا آكل وإن أكلت يدلان على أكل مطلق فلا يصح تفسيره بمخصص لتنافيهما إذ لا شئ من المطلق بمشخص وبالعكس، فإن الإطلاق عدم القيد والتشخيص وجود قَيد وبينهما من المنافاة ما لا يخفى.
الجواب: أنا لا نسلم أن لا آكل مطلق بل مقيد مطابق للمطلق لاستحالة وجود المطلق فى الخارج فإن كل ما فى الخارج مشخص ولا يوجد الكلى المبهم إلا فى الذهن ولو كان لا آكل للمطلق لا للمقيد المطابق لم يحنث بالمقيد وهو خلاف الإجماع وقد تنبهت لتحقيق مثله مرة فلا نعيده واعلم أن أبا حنيفة رحمه الله يجعل "لا أكل" أكلًا مما يقبل تخصيصه واستبعده الأصحاب لاتحاد مفهومه ومفهوم لا أكلت لا يختلفان إلا بالتأكيد وعدمه والتأكيد تقوية مدلول الأول من غير زيادة وربما يفرق بأن أكلًا فيه تنكير صريح وقد يقصد به عدم التعيين لما هو معين مخصوص فى نفسه نحو رأيت رجلًا وهو معين عند المتكلم لكن لا يتعرض له فى تعبيره فإذا فسر بذلك وخص بأكل العنب كان تعيينًا لأحد محتمليه فقبل بخلاف لا أكل فإنه لنفى الحقيقة وتخصيصه تفسير له بما لا يحتمله واستدق الإمام فخر الدين هذا النظر.
قوله: (أو ما فى معناه) يعنى النكرة الواقعة فى الشرط المستعمل فى موضع التمنى التى للمنع مثل إن أكلت فأنت طالق فإنه للمنع من الأكل إذ انتفاء الطلاق مطلوب وذلك بانتنهاء الأكل فهو فى معنى لا آكل البتة وهذا معنى قوله ينتفى الطلاق بأن لا يأكل وقوله واقتصر عليه عطف على قوله وقع، وقوله فيقبل تخصيصه تنبيه على ثمرة الخارف ومرجع النزاع إذ لا نزاع فى أنه يحنث بكل مأكول على ما هو قضية العموم إلا أنه عندنا عام لفظى يقبل التخصيص كسائر العمومات وعند أبى حنيفة رحمه الله عام عقلى لا دخل فيه للإرادة ولا يتجزأ بحسبها.
قوله: (أما أوّلًا فبالالتزام) أى منع انتفاء اللازم وكان الأنسب تأخير هذا عن منع الملازمة فإن قيل المصدر أيضًا جزء مفهوم الفعل فينبغى أن يكون كالمفعول به قلنا المراد بالفعل هو الحدث لا المصطلح فالمصدر نفسه لا جزؤه وبهذا يندفع ما يقال أن الزمان أيضًا جزء مفهوم الفعل على أن الكلام فى الزمان الذى هو فى موقع
المفعول فيه وهو الذى يتصوّر فيه العموم بأن يراد لا آكل فى وقت ما وأما الذى هو جزء الفعل فهو نفس الماضى أو الحال أو الاستقبال ولا يتصوّر عموم إلا إذا اعتبر غير ما هو جزء الفعل بأن يوجد أجزاء من الماضى ولو سلم العموم فى المصدر أيضًا فعدم الجزئية والعموم فى بعض المتعلقات كاف فى منع الملازمة القائلة بأنه لو ثبت فى المفعول به لثبت فى جميع المتعلقات وإنما خص الزمان والمكان بالذكر دون السبب ونحوه لأنهما أقرب إلى المفعول به من حيث اللزوم فى الجملة أعنى فى الوجود فإذا لم يعما فغيرهما أولى.
قوله: (والاثثان آتيان) أى حذف الفعول به وتقديره كلاهما واردان فى فصيح الكلام وأما الحذف فكما فى قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [آل عمران: 66]، وقولهم فلان يعطى ويمنع، وأما التقدير فكما فى قوله:{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} [آل عمران: 30]، وهو أكثر من أن يحصى.
قوله: (إنما الكلام فى الظهور) أى فى أن الظاهر عند الإطلاق هو الحذف أو التقدير فاستدلال المصنِّف بأنه لنفى الحقيقة ويقتضى العموم بمعنى النفى عن كل مفعول لا يكون واردًا على محل النزاع لاتفاق الفريقين على ذلك بل يجب أن يقيم الدليل على أن الظاهر هو التقدير ليكون فى حكم الملفوظ فيقبل التخصيص، ولما وقع الاتفاق على أن الزمان والمكان عند عدم الذكر من قبيل المحذوف دون المقدر، حتى لا يكون بمنزلة عام ملفوظ قابل للتخصيص، كان منع انتفاء اللازم والقول بأنهما أيضًا من قبيل العام القابل للتخصيص خلاف ما وقع عليه الاتفاق.
قوله: (لتنافيهما) شرح لقوله لأنه غيره لأن مجرد التغاير لا ينافى صحة التفسير وأنت خبير بأن لا تنافى بين القيد والمطلق كيف وبينهما عموم وخصوص، وكأنه فهم من المطلق المأخوذ بشرط الإطلاق وهو المبهم الذى لا يتصوّر تحققه فى الأعيان فلهذا أجاب بمنع كون الأكل للإطلاق بل للمقيد المطابق على ما سبق فى باب الأمر من أنه إذا أمر بفعل مطلق فالمطلوب الفعل الجزئى الممكن المطابق للماهية الكلية المشتركة لا الماهية نفسها وإذا جعلناه للمطلق فالمعنى الأعم على ما هو معنى الماهية لا بشرط شئ لم تتأت المنافاة وإلى ما ذكر فى بحث الأمر أشار المحقق بقوله تنبهت لتقرير مثله.
المصنف: (مسألة مثل لا آكل وإن أكلت. . . إلخ) اعلم أن بعضهم جعل مثل ذلك فى عموم المقتضى بالفتح، وبعضهم قال بعدم العموم لأنه من عوارض الألفاظ والمقتضى غير ملفوظ فلو قال واللَّه لا آكل أو لا أشرب وأراد التخصيص بطعام دون طعام وشراب دون شراب لم يصدق لا ديانة ولا قضاء لأن اللفظ لا دلالة له على التعيين وحيث اقتضى الكلام تقدير مأكول ومشروب فيقدران مطلقين والمطلق لا عموم له وأجيب بأن المقدر كالثابت والمقدر إذا وقع فى سياق النفى نشأ منه العموم ثم على القول بعدم العموم فلم يحنث فى الصورة المذكورة بكل مأكول ومشروب أجيب بأنه يحنث بذلك لأن المطلق موجود فى كل مقيد هذا وبعضهم منع أن مثل ذلك من المقتضى لعدم توقف الصدق أو الصحة على تقديره.
الشارح: (ويعلم مما ذكرنا. . . إلخ) أى يعلم من حاصل الجواب الذى ذكره وهو أن المفعول به مقدر فكان قابلًا للتخصيص وغيره من المفاعيل محذوف فلم يقبل التخصيص لأن المقدر ما يكون ملحوظًا ومرادًا وإن أسقط لفظًا فيكون فى حكم الملفوظ ويجرى عليه حكمه من قبول التخصيص وأما المحذوف فهو ما لا يكون ملحوظًا ولا مرادًا فلا يكون فى حكم الملفوظ.
الشارح: (وبينهما من المنافاة ما لا يخفى) أى بين عدم القيد وهو الإطلاق ووجوده وهو الشخص منافاة غير خفية فلا يجوز أن يكون أحدهما تفسيرًا للآخر.
الشارح: (الجواب أنا لا نسلم أن لا آكل مطلق بل مقيد مطابق للمطلق) إذا كان المطلق عنده منافيًا للمقيد لاعتبار قيد الإطلاق فيه لم يصح قوله بل مقيد مطابق للمطلق لعدم تأتى المطابقة للمطلق لأن المطلق يباينه بل إنما يكون مطابقًا للمطلق إذا أخذ المطلق لا بشرط شئ.
الشارح: (وقد تنبهت لتحقيق مثله) أى فى مسألة الأمر بمطلق الماهية أمر بجزئى فقد بين هناك الفرق بين الماهية المأخوذة بشرط لا شئ والماهية بشرط شئ.
قوله: (إلا أنه عندنا عام لفظى. . . إلخ) هذا مبنى على ما حققه الشارح آخرًا فى موضع النزاع.
قوله: (فإن قيل المصدر أيضًا. . . إلخ) وأراد على الفرق بين المفعول وبين سائر
المتعلقات وحاصل الاعتراض أننا حيث اعتبرنا عموم المفعول به أن الفعل المتعدى لا يعقل بدونه فكان كالمذكور فالمصدر جزء معنى الفعل لا يعقل الفعل إلا به فكان يكون عامًا مع أنه ليس بعام لأن المصدر الذى هو جزء معنى الفعل معناه الطبيعة والحقيقة باتفاق بخلاف المصدر الصريح فى قولك أكلت أكلًا.
قوله: (بأن يؤخذ أجزاء من الماضى) أى فقولك لا أكلت حيث العموم فى الزمان معناه نفى الأكل فى جميع أزمنة الماضى الزمان الذى هو جزء معنى الفعل هو زمن ما من الماضى.
قوله: (فعدم الجزئية والعموم فى بعض المتعلقات كاف) أى أن بعض المتعلقات ليس جزءًا حتى يكون تعقل الفعل موقوفًا عليه فيكون كالمفعول به عامًا وهذا كاف فى منع الملازمة فقوله والعموم عطف على الجزئية المضاف إليها العدم.
قوله: (لاتفاق الفريقين على ذلك) عبارة بعض مشايخ الحنفية توافق ظاهر المصنف من أنه لا عموم فى نحو لا آكل فيكون النزاع فى العموم وعدمه لكن أول بعضهم عبارة بعض مشايخ الحنفية على أن المراد نفى العموم الذى يقبل التخصيص فلا ينافى أنه عام عقلًا لا لفظًا فلعل المصنف اطلع على رأى للحنفية يوافق ما قاله كما يوافقه عبارة بعض مشايخ الحنفية على ظاهرها.
قال: (الفعل المثبت لا يكون عامًا فى أقسامه مثل صلى داخل الكعبة فلا يعم الفرض والنفل ومثل صلى بعد غيبوبة الشفق فلا يعم الشفقين إلا على رأى وكان يجمع بين الصلاتين فى السفر لا يعم وقتيهما، وأما تكرر الفعل فمستفاد من قول الراوى كان يجمع كقولهم كان حاتم يكرم الضيف وأما دخول أمته فبدليل خارجى من قول مثل: "صلوا كما رأيتمونى أصلى"، و"خذوا عنى مناسككم" أو قرينة كوقوعه بعد إجمال أو إطلاق أو عموم أو بقوله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ} [الأحزاب: 21]، أو بالقياس، قالوا: قد عمم نحو سها فسجد، وأما أنا فأفيض الماء وغيره قلنا بما ذكرناه لابالصيغة).
أقول: الفعل المثبت لا عموم له وله صور:
إحداها: أنه لا يعم أقسامه وجهاته، فإذا قال الراوى إنه صلى داخل الكعبة لم يعم صلاة الفرض، والنفل فلا تعيين إلا بدليل وإذا قال صلى بعد غيبوبة الشفق فلا يعم الصلاة بعد الشفقين أعنى الأحمر والأبيض إلا أن يجعل المشترك عامًا فى مفهوميه، وإذا قال كان يجمع بين الصلاتين بين الظهر والعصر أو المغرب والعشاء فلا يعم جمعهما بالتقديم فى وقت الأولى والتأخير فى وقت الثانية.
ثانيتها: عمومه فى الزمان ولا يدل عليه، وربما توهم ذلك من قوله كان يفعل فإنه يفهم منه التكرار كما إذا قيل كان حاتم يكرم الضيف وهو ليس مما ذكرناه فى شئ لأنه لم يفهم من الفعل وهو يجمع بل من قول الراوى وهو كان حتى لو قال جمع زال التوهم.
وثالثتها: عمومه للأمة، ولا يدل عليه أيضًا إلا بدليل خارجى، إما دليل فى ذلك الفعل خاصة كقوله:"صلوا كما رأيتمونى أصلى"، و"خذوا عنى مناسككم"، وإما دليل هو قرينة كوقوعه بعد إجمال أو إطلاق أو عموم فيفهم أنه بيان له فيتبعه فى العموم وعدمه كما تقدَّم وإما دليل فى الأفعال عمومًا نحو:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، وإما دليل هو قياس للأمة عليه بجامع يعم عليته وكل ذلك خارج عن مفهوم اللفظ، فقد ثبتا أن الفعل المثبت لا عموم له بوجه من الوجوه.
قالوا: قد عمم نحو سها فسجد وفعلت أنا ورسول اللَّه فاغتسلنا، وأما أنا فأفيض الماء وغيره مما حكى من فعله فى جميع الخلق وشاع ولم ينكره أحد.
الجواب: أن التعميم إنما كان بأحد ما ذكرنا إلا بصيغة الفعل وفيه وقع النزاع.
قوله: (لا يعم أقسامه وجهاته) جعل المختلفات بالذات كالنفل والفرض أقسامًا وبالحيثيات كالعشاء بعد الحمرة وبعد البياض جهات ولما أن التقسيم كما يكون بالذات يكون بالاعتبار اقتصر فى المتن على ذكر الأقسام ثم المذكور فى الشروح وهو ظاهر عبارة المتن أن هذا المبحث هو أن الفعل المثبت لا يحمل وقوعه على جميع أقسامه وجهاته كالأمثلة الثلاثة المذكورة وأن قوله وأما تكرر الفعل وأما دخول أمته جواب سؤال مقدر وهو أن تكرر الفعل فى الأزمان وثبوت حكمه له عليه السلام ولأمته من قبيل عموم الفعل المثبت والمحقق جعل الجميع صور عدم عموم الفعل.
قوله: (إلا أن يجعل المشترك عامًا) شرح لقوله إلا على رأى.
قوله: (ليس مما ذكرناه) أى من كون الفعل المثبت وهو يجمع للعموم فى الأزمان وإنما يفهم العموم من قول الراوى وهو لفظ كان الداخل على الفعل المضارع إذ لو قيل كان قد جمع أو يجمع بدون كان لم يفهم التكرر، هذا والتحقيق أن المفيد للاستمرار هو لفظ المضارع وكان للدلالة على معنى ذلك المعنى.
قوله: (وثالثها: عمومه للأمة) ظاهره أن هذا أيضًا من قبيل الكلام فى الفعل المثبت أعنى الفعل المصطلح مثل صلى ويؤكده ما قال فى آخر البحث فقد ثبت أن الفعل المثبت لا عموم له بوجه من الوجوه وليس كذلك بل المراد ههنا الفعل المقابل للقول وكان ينبغى من الشارح أن ينبه على هذا المعنى فإنه الذى تنبه لكون المراد بالفعل المثبت فى صدر المسألة هو الفعل الاصطلاحى والجمهور زعموا أن المراد فعل النبى صلى الله عليه وسلم المقابل لقوله وفسروا المثبت بالواقع ولم يجعلوه مقابل المنفى فى المسألة السابقة وكلام الآمدى فى صدر المسألة مبهم إلا أنه قال فى هذا المقام وعلى هذا أيضًا يجب أن يعلم أن ما فعل النبى عليه السلام واجبًا كان عليه أو جائزًا له لا عموم له بالإضافة إلى غيره بل هو خاص فى حقه إلا أن يدل دليل من خارج على المساواة بينه وبين غيره فى ذلك الفعل كما لو صلى وقال: "صلوا كما رأيتمونى أصلى"، ولاقتصار الآمدى على الدليل الخارجى وشموله القياس ومثل قوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، جعل المحقق قوله من قول أو قرينة أو بقوله أو بالقياس أربعتها تفسيرًا للدليل الخارجى ونبه
على بيان ذلك بقوله وكل ذلك خارج عن مفهوم اللفظ نفيًا لما زعم الشارحون من أن قوله أو بقوله أو بالقياس عطف على قوله بدليل خارجى لأنه لما فسر بقوله من قول أو قرينة حصل التغاير بين المعطوف والمعطوف عليه.
قوله: (كما تقدم) أى فى مباحث السنة من أن الفعل الواقع بيانًا حكمه حكم المبين وهذا أيضًا دليل على أن الكلام فى فعل النبى صلى الله عليه وسلم لا فى الفعل المصطلح. .
وكذا قوله: (دليل للأفعال عمومًا) أى من غير اختصاص بذلك الفعل وقد يتكلف فيرجع جميع ذلك إلى الفعل الاصطلاحى بأن تقدر حكاية فعل النبى عليه السلام بلفظ ويعتبر انضمام الدليل الخارجى إليه كما يقال قطع يمين السارق بعد إجمال آية السرقة ورجم ماعز بعد عموم نصوص رجم الزانى.
قوله: (فى جميع الخلق) متعلق بقوله عمم.
المصنف: (الفعل المثبت لا يكون عامًا فى أقسامه) أى لأنه حكاية عن دخول جزئى فى الوجود فالفعل المحكى مشخص.
المصنف: (فلا يعم الفرض والنفل) وإنما جاز صلاة الفرض فى الكعبة على قول غير الشافعية بالقياس لأنه إذا جاز جزئى من الصلاة فيها علم أن التوجه لبعض من داخل الكعبة كاف.
المصنف: (فلا يعم الشفقين) أى بحيث لا تصح الصلاة إلا بعد الشفق الأحمر والأبيض كما هو رأى بعض الحنفية.
الشارح: (ثانيتها عموم فى الزمان ولا يدل عليه) المناسب أن يقول ثانيتها عدم العموم فى الزمان لأن الكلام فيه وكذا يقال فى قوله ثالثتها العموم فى الأمة.
الشارح: (فيتبعه فى العموم وعدمه) يعنى فلو عم كان بطريق التبعية ورده فى التحرير بأن العموم للمجمل لا لنقل الفعل الخاص لأن النقل والحكاية لما كانا بصيغة ليست عامة لا يصير عامًا غاية الأمر أن عدم العمل بذلك المجمل زال بالفعل المبين.
الشارح: (مما حكى من فعله) أى سواء كان الحاكى غير النبى صلى الله عليه وسلم أو كان هو النبى صلى الله عليه وسلم لفعل نفسه كما فى قوله: "وأما أنا فأفيض الماء" فأفيض حكاية حال له صلى الله عليه وسلم.
قوله: (وكان ينبغى من الشارح أن ينبه على هذا المعنى) الظاهر أن للمصنف إنما يتكلم على الفعل الاصطلاحى المثبت ليقابل به الفعل المنفى فإن الأول نكرة فى سياق النفى فيعم والثانى نكرة فى سياق الإثبات فلا يعم وقوله فإنه الذى تنبه لعله زيادة لا معنى لها.
قوله: (لأنه لما فسر بقوله من قول أو قرينة. . . إلخ) علة للعطف على قوله بدليل خارجى من طرف الشارحين.
قال: (مسألة: نحو قول الصحابى نهى عليه الصلاة والسلام عن بيع الغرر، وقضى بالشفعة للجار، يعم الغرر والجار لنا عدل عارف فالظاهر الصدق فوجب الاتباع، قالوا: يحتمل أنه كان خاصًا أو سمع صيغة خاصة فتوهم والاحتجاج للمحكى قلنا خلاف الظاهر).
أقول: إذا حكى الصحابى حالًا بلفظ ظاهره العموم، كأن يقول:"نهى عن بيع الغرر"(*)، و"قضى بالشفعة للجار"(**)، فإنه يعم الغرر والجار بصيغته، وهو حكاية حال فيحمل على العموم خلافًا للأكثرين لنا أنه عدل عارف باللغة وبالمعنى والظاهر أنه لا ينقل العموم إلا بعد ظهوره وقطعه وأنه صادق فيما رواه من العموم وصدق الراوى يوجب اتباعه اتفاقًا، قالوا: يحتمل أنه نهى عن غرر خاص وقضى بشفعة خاصة فظن العموم باجتهاده أو سمع صيغة خاصة فتوهم أنها للعموم فروى العموم لذلك، والاحتجاج بالمحكى لا الحكاية والعموم فى الحكاية لا المحكى.
الجواب: هذا الاحتمال وإن كان منقدحًا فليس بقادح لأنه خلاف الظاهر من علمه وعدالته، والظاهر لا يترك للاحتمال لأنه من ضرورته فيؤدى إلى ترك كل ظاهر.
قوله: (فإنه يعم الغرر) بيان كون ظاهر اللفظ للعموم، وقوله فيحمل جواب الشرط أعنى إذا حكى فإن قيل لا خفاء فى أن حكمه إنما وقع فى صورة مخصوصة فكيف يصح الحمل على العموم قلنا أما فى الغرر فاحتمال العموم ظاهر لجواز أن يصدر عنه النهى عن كل بيع غرر، وأما فى القضاء بالشفعة للجار فيحمل على أنه قضى بطريق يفهم منه العموم.
قوله: (باللغة) أى بما يتعلق بمعرفة المعانى الوضعية (وبالمعنى) أى بما يتعلق باستنباط الأحكام الشرعية.
(*) أخرجه أبو عوانة فى مسنده (4880)، والبيهقى فى الكبرى (10197)، والدارقطنى فى سننه (3/ 15)(ح 47)، وأبو داود فى سننه (3/ 254)(ح 3376)، والإمام مالك فى الموطأ (1345).
(**) قال الحافظ ابن كثير: لم أر هذا اللفظ فى شئ من الكتب الستة. انظر: تحفة الطالب (1/ 278).
قوله: (وإن كان منقدحًا) أى ظاهرًا مختلجًا فى الذهن.
قوله: (من علمه وعدالته) لا خفاء فى أن احتمال القول بعموم الحكم بناء على الخطأ فى الاجتهاد أو بعموم الصيغة بناء على الخطأ فى معرفة نص مدلولات الألفاظ، إنما يخالف ظاهر العلم لا العدالة نعم لو قيل يحتمل أنه توهم العموم فيما ليس بعام أو علم عدم العموم وتعمد نقل العموم كذبًا توجه أن هذا ينافى ظاهر علمه وعدالته.
قوله: (لأنه من ضرورته) أى الاحتمال من ضرورات الظهور وإلا لكان نصًا لا ظاهرًا فلو كان الاحتمال قادحًا فى الظواهر وموجبًا لتركها للزم ترك كل ظاهر.
قال: (مسألة: إذا علق حكمًا على علة عم بالقياس شرعًا لا بالصيغة، وقال القاضى لا يعم وقيل بالصيغة كما لو قال حرمت المسكر لكونه مسكرًا لنا ظاهر فى استقلال العلة فوجب الاتباع ولو كان بالصيغة لكان قول القائل أعتقت غانمًا لسواده يقتضى عتق سودان عبيد ولا قائل به القاضى يحتمل الجزئية قلنا لا يترك الظاهر للاحتمال الآخر حرمت الخمر لإسكارها مثل حرمت المسكر لإسكاره وأجيب بالمنع).
أقول: إذا علق الشارع حكمًا على علة هل يعم حتى يوجد الحكم فى جميع صور وجود العلة وإن عم فعمومه له بالشرع قياسًا أو باللغة صيغة الظاهر وعمومه وأنه بالشرع قياسًا، وقال القاضى: أبو بكر لا يعم وقيل يعم بالصيغة، مثاله قوله عليه الصلاة والسلام فى قتلى أحد:"زملوهم بكلومهم ودمائهم فإنهم يحشرون وأوداجهم تشخب دمًا"، فإنه يعم كل شهيد وكما لو قال: حرمت الخمر لكونه مسكرًا فإنه يعم كل مسكر لنا أما عمومه شرعًا بالقياس فلأنه ثبت التعبد بالقياس وما ذكرناه ظاهر فى استقلال العلة بالعلية فوجب اتباعها وإثبات الحكم حيث تثبت وهو المراد، وأما عدم عمومه صيغة فلأن العموم لو كان بالصيغة لكان قول القائل: أعتقت غانمًا لسواده يقتضى عتق جميع السودان من عبيده لأنه بمثابة أعتقت كل أسود واللازم باطل إذ لا قائل به احتج القاضى بأنه يحتمل أن يكون جزء العلة والجزء الآخر خصوصية المحل حتى تكون العلة شهادة قتلى أحد أو إسكار الخمر فلا يعم.
الجواب: أن هذا مجرد احتمال فلا يترك به الظاهر والتعليل ظاهر فى الاستقلال كسائر العلل المنصوصة.
احتج الآخر وهو القائل أنه يعم صيغة بأنه لا فرق بين قولنا حرمت الخمر لإسكاره وقولنا حرمت السكر لإسكاره عرفًا، والمفهوم منهما واحد، والثانى يعم كل مسكر فيجب أن يعم الأول أيضًا.
الجواب: منع عدم الفرق لأن الأول خاص بالخمر صيغة والثانى عام لكل مسكر وإن أراد أنه لا فرق فى الحكم لم ينفعه لأن ذلك بالشرع ولا يلزم كونه بالصيغة.
قوله: (فعمومه) أى عموم الحكم لجميع صور وجود العلة.
قوله: (إذ لا قائل به) يشير إلى أن انتفاء اللازم ثابت بإجماع أهل اللغة إجماعًا سكوتيًا فمنعه على ما فى شرح العلامة مكابرة.
قوله: (فلا فرق بين قولنا) اختار النسخة المشهورة وهى حرمت المسكر لإسكاره مثل حرمت الخمر لإسكاره إلا أنه أشار إلى أن المقصود من كون هذا مثل ذاك عدم التفرقة بينهما وإلا فالأنسب أن يقال: حرمت الخمر لإسكاره مثل حرمت المسكر لإسكاره لكن لا يخفى أن أجود النسخ: حرمت الخمر لإسكاره مثل حرمت المسكر ثم النسخة التى توافق النتهى: وهى حرمت المسكر مثل حرمت الخمر لإسكاره.
الشارح: (مثاله قوله عليه الصلاة والسلام: "زملوهم بكلومهم ودمائهم فإنهم يحشرون ودماؤهم تشخب دمًا") أى لكونهم قتلوا فى الجهاد فالعلة هى كونهم قتلوا فى جهاد الكفار وهى الشهادة.
الشارح: (كسائر العلل المنصوصة) أى كقوله لعلة كذا مثلًا.
قوله: (هى حرمت المسكر لإسكاره مثل حرمت الخمر لإسكاره) هذه النسخة ليست التى بأيدينا فإن التى بأيدينا هى: لا فرق بين قولنا: حرمت الخمر لإسكاره وقولنا: حرمت المسكر لإسكاره وهى التى فى المصنف.
قال: (مسألة: الخلاف فى أن المفهوم له عموم لا يتحقق لأن مفهومى الموافقة والمخالفة عام فيما سوى المنطوق به ولا يختلفون فيه، ومن نفى العموم كالغزالى أراد أن العموم لم يثبت فى المنطوق به ولا يختلفون فيه أيضًا).
الأول: الذين قالوا بالمفهوم اختلفوا فى أن له عمومًا أم لا؟ فقال الأكثر: له عموم ونفاه الغزالى، وإذا حرر محل النزاع لم يتحقق خلاف لأنه إن فرض النزاع فى أن مفهومى الموافقة والمخالفة يثبت بهما الحكم فى جميع ما سوى المنطوق به من الصور أو لا فالحق الإثبات وهو مراد الأكثر والغزالى لا يخالفهم فيه وأن فرض إن ثبوت الحكم فيهما بالمنطوق أولًا فالحق النفى وهو مراد الغزالى، وهم لا يخالفونه فيه ولا ثالث ههنا يمكن فرضه محلًا للنزاع، والحاصل أنه نزاع لفظى يعود إلى تفسير العام أنه ما يستغرق فى محل النطق أو ما يستغرق فى الجملة، واعلم أن النزاع فى أن المفهوم ملحوظ فيقبل القصد إلى البعض منه أو لا بل حصل بالالتزام تبعًا لثبوت ملزومه فلا يقبل وهو مراد الغزالى بقوله: لأنه لا يتناوله لفظًا، وقد سبق الإشارة إلى مثله فى مسألة لا آكل.
قوله: (والحاصل أنه نزاع لفظى) أى عائد إلى تفسير لفظ العام فمن فسره بما يستغرق فى محل النطق لم يجعل المفهوم عامًا ضرورة أنه ليس فى محل النطق على ما سيجئ من أن المفهوم ما دل لا فى محل النطق ومن فسره بما يستغرق فى الجملة أى سواء كان فى محل النطق أو لا فى محل النطق جعل المفهوم عامًا ضرورة أن الحكم يثبت فى جميع ما سوى المنطوق من الصور.
قوله: (واعلم) يريد أن ليس محل النزاع عائدًا إلى تفسير لفظ العام بل إلى أن العموم ملحوظ للمتكلم بمنزلة المعبر عنه بصيغة العموم حتى يحتمل أن يراد بها البعض أو ليس بملحوظ بل لازم عقلى يثبت تبعًا لملزومه لا يتجزأ فى الإرادة فلا يحتمل إرادة البحض كما سبق فى لا آكل أنه مما قدر له مفعول عام يحتمل أن يقصد به البعض أو هو لنفى حقيقة الأكل والمفعول محذوف لا يلحظ عند الذاكر فلا يتجزأ فى الإرادة فظاهر كلام المستصفى أن النزاع عائد إلى أن العموم من عوارض الألفاظ خاصة أم لا، قال من يقول بالمفهوم قد يظن للمفهوم عمومًا ويتمسك به وفيه نظر لأن العموم تتشابه دلالته بالإضافة إلى مسميات والتمسك بالمفهوم والفحوى ليس بتمسك بلفظ بل بسكوت فإذا قال: "فى سائمة الغنم
زكاة"، فنفى الزكاة عن المعلوفة ليس بلفظ حتى يعم اللفظ أو يخص، وقوله:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 22]، دل على تحريم الضرب لا بلفظ المنطوق حتى يتمسك بعمومه وقد ذكرنا أن العموم للألفاظ لا للمعانى، ولا للأفعال.
الشارح: (ما يستغرق فى محل النطق. . . إلخ) على هذا لا نظر لكون العموم من عوارض الألفاظ خاصة أوّلًا بل على أن العموم ليس من عوارض الألفاظ خاصة النزاع اللفظى راجع إلى تفسير العام بخلاف النزاع على رأى الغزالى فإنه وإن كان لفظيًا على احتمال فمآله إلى أن العموم من عوارض الألفاظ خاصة فلا يوصف المفهوم بالعموم وإن كان متناولَا لجميع أفراده أو ليس من عوارض الألفاظ خاصة فيوصف المفهوم به لكن عبارة الغزالى حيث قال: قد يظن للمفهوم عموم ويتمسك به يفيد أن القائل بأنه ليس بعام لأن العموم من عوارض الألفاظ خاصة يقول: إن التناول لجميع الأفراد ليس من دلالة اللفظ بطريق المفهوم بل من دليل آخر كالبراءة الأصلية كما هو رأى بعض الحنفية.
قوله: (وظاهر كلام المستصفى. . . إلخ) يريد به الرد على الشارح فى قوله واعلم. . . إلخ. وحاصل الرد أن النزاع ليس عائدًا إلى أن المفهوم ملحوظ أولًا على رأى الغزالى بل أن العموم من عوارض الألفاظ خاصة أولًا على الاحتمالين اللذين ذكرناهما لك فيما كتب على الشارح قبل من كون النزاع لفظيًا عائدًا إلى مجرد التسمية أو حقيقيًا راجعًا إلى اعتبار الشمول والعموم إن قلنا: إن العموم ليس من عوارض الألفاظ خاصة فيكون مستفادًا من اللفظ بطريق المفهوم وإلى عدم اعتباره من حيث اللفظ وإن دل عليه دليل آخر إن قلنا: إن العموم من عوارض الألفاظ خاصة وعبارة مسلم الثبوت مسألة لمفهوم المخالفة عند قائليه عموم خلافًا للغزالى فقيل لفظى يعود إلى أن العام هل هو ما استفرق فى محل النطق أو ما استفرق فى الجملة إذ لا خلاف فى ثبوت نقيض الحكم لا فى محل النطق عمومًا قال شارحه ورد هذا بأن كلامه لا يساعده والظاهر من كلامه أن يبنى على عدم كونه لفظيًا. اهـ. ثم قال فى مسلم الثبوت: وقيل بل النزاع فى أن العموم ملحوظ للمتلكم فيقبل التجزى فى الإرادة أولًا بل لازم عقلى فلا يقبله وهو مراد الغزالى، وأورد أن كلامه لا يحتمل هذا التوجيه حيث قال فى ردهم لأن العام لفظ تتشابه دلالته والتمسك بالمفهوم ليس تمسكًا بلفظ بل سكوت. اهـ.
قال: (مسألة: قالت الحنفية: مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد فى عهده" معناه بكافر فيقتضى العموم إلا بدليل هو الصحيح لنا لو لم يقدر شئ لامتنع قتله مطلقًا وهو باطل فيجب الأول للقرينة، قالوا: لو كان كذلك لكان بكافر الأول للحربى فقط فيفسد المعنى ولكان {وَبُعُولَتُهُنَّ} [البقرة: 228]، للرجعية والبائن لأنه ضمير المطلقات قلنا خص الثانى بالدليل، قالوا: لو كان لكان نحو ضربت زيدًا يوم الجمعة وعمرًا أى يوم الجمعة، وأجيب بالتزامه وبالفرق بأن ضرب عمرو فى غير يوم الجمعة لا يمتنع).
أقول: كلام المصنف أن الحنيفة قالوا -فى مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد فى عهده" معناه بكافر- فيقتضى العموم ولا يختص بالحربى اختصاص كافر الأول به لأنه هو الذى لا يقتل به المسلم عنده فيكون مقتضاه أن لا يقتل الذمى بالذمى والحربى إلا بدليل منفصل يخصه بالحربى، وهو الصحيح عند المصنف، لنا أنه إما أن لا يقدر شئ أو يقدر فإن لم يقدر شئ امتنع قتل ذى العهد مطلقًا حتى بالمسلم، وأنه باطل اتفاقًا، وإن قدر وجب تقدير الذى سبق ذكره وهو الكافر نفسه أو ضميره لقيام القرينة وهو سبقه دون غيره إذ لا قرينة أصلًا وإذا قدر كان عامًا صيغة بالاتفاق.
قالوا: أولًا: لو كان كذلك أى بكافر عامًا لكان بكافر الأول للحربى لأنه هو الذى لا يقتل به المسلم عندكم فيلزم فساد المعنى إذ يصير معناه: لا يقتل مسلم بكافر حربى ويقتل بالذمى ولا ذو عهد فى عهده بكافر لا بحربى ولا بذمى وفساده ظاهر لأن ذلك لا يصلح مقصود للشارع لما فيه من حط مرتبة المسلم عن الذمى فوجب تخصيص الثانى وحمل الكلام عليه دفعًا لهذا الفساد، وأيضًا فيلزم أن يكون بعولتهن فى قوله تعالى:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228]، الضمير فيه للرجعية والبائن جميعًا لأنه ضمير الطلقات فى قوله:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، وهو عام للبائن والرجعية ولذلك أوجب به العدة عليهن واللازم باطل لأن البائن ليس بعلها أحق بردها إجماعًا.
الجواب: أن الثانى فيهما عام وقد خص بدليل منفصل فلا يلزم فى كافر، الثانى أن يراد به الأعم من الذمى والحربى ليفيد المعنى، وإنما يكون كذلك لو بقى على عمومه ولا فى {وَبعُولَتُهُنَّ} [البقرة: 228]، أن يرجع إلى البائن والرجعية فيثبت
حكمه فيهما وإنما يكون كذلك لو بقى على عمومه.
قالوا: ثانيًا: لو كان ذلك حقًا لكان قولك: ضربت زيدًا يوم الجمعة وعمرًا معناه وضربت عمرًا يوم الجمعة إذ الغرض أن تخصيص الأول بقيد موجب لتخصيص الثانى به وأنه غير لازم اتفاقًا.
الجواب: أنه ملتزم ظهوره فيه وإن كان يحتمل غيره وأيضًا الفرق بأنه إنما قدرتم بكافر للضرورة فإنه لو لم يقدر لامتنع قتل ذى العهد مطلقًا ولا ضرورة ههنا، فإن ضرب عمرو مطلقًا سواء كان فى يوم الجمعة أو فى غيره لا مانع عنه.
قوله: (كلام المصنِّف) لما لم تكن المسألة على التقدير الذى أورده مذكورة فى أصول الحنفية ولا مشهورة بين الأئمة ذكر المحقق أن كلام المصنف هو أن الحنفية يقولون ذلك وظاهر تقرير المتن والشرح أن عندهم الأول عام خص عنه الذمى بالنصوص الواردة فى قتل النفس بالنفس، واختص الحكم بالحربى فيلزم أن يكون الثانى أيضًا عامًا فلا يخص عنه شئ إلا بدليل وقد دل النص والإجماع على قتل المعاهد بالذمى فاختص الحكم بالحربى أى لا يقتل ذو عهد بكافر حربى، وفى تقرير الآمدى أن الأول -أعنى المعطوف عليه- ليس على عمومه، وإلا لزم عموم الثانى، أعنى المعطوف فيفسد المعنى، وذكر فى المحصول وغيره أن عطف ما فيه العام على ما فيه المخصص كما لو قيل لا يقتل الذمى بكافر ولا المسلم بكافر هل يقتضى تخصيص العام فعندنا لا وعندهم نعم، فزعم كثير من الشارحين أن هذه تلك إلا أن العبارة قاصرة وخلافية أخرى وهى أن عطف المخصص على العام هل يقتضى تخصيص العام كقوله:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] لما اختص بالرجعيات هل اقتضى تخصيص المعطوف عليه أعنى قوله: {وَالْمُطَلُّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228]، بها فزعم بعضهم أن هذه تلك وليس كذلك بل هذه المسألة برأسها ذكرها الآمدى حيث قال: العطف على العام هل يوجب العموم فى المعطوف فعندنا لا وعند الحنفية نعم، ثم قال: ومثاله استدلال أصحابنا على أن المسلم لا يقتل بالذمى لقوله عليه السلام: "لا يقتل مسلم بكافر"، وهو عام للحربى والذمى فقالوا: لو كان عامًا للذمى لكان المعطوف وهو قوله: "ولا ذو عهد فى عهده" أيضًا كذلك ضرورة اشتراك المعطوف والمعطوف عليه فى الحكم وصفته وليس
كذلك لأن الكافر الذى لا يقتل المعاهد به إنما هو الحربى دون الذمى وحاصل الكلام أنهم يدعون أن فى مثل هذا العطف عموم المعطوف عليه مستلزم لعموم المعطوف إلا أن تقرير الآمدى ناظر إلى الاستدلال بنفى اللازم على نفى الملزوم وتقرير الشارح بثبوت الملزوم على ثبوت اللازم.
قوله: (دون غيره) أى لا يقدر غير الكافر أو ضميره لعدم القرينة على الغير أصلًا وإذا قدر الكافر أو ضميره حتى صار التقدير ولا ذو عهد بكافر أو به أى بكافر كان عامًا بحسب الصيغة لوقوع النكرة أو ما فى معناها فى سياق النفى وإن لحقه خصوص بحسب الحكم نظرًا إلى الدليل الدال على اختصاص الحكم بالحربى للاتفاق على قتله بالذمى واعترض بأنه يجوز أن لا يقدر شئ ويثبت قتل المعاهد بعمومات القصاص أو يقدر ما دام فى عهده بقرينة ترتيب الحكم على الوصف وأجيب عن الأول بأن المراد أنه لو لم يقدر شئ وحمل على نفى الحقيقة امتنع القتل نظرًا إلى ظاهر الحديث وإثبات القتل بالعمومات رجوع إلى التقدير وعن الثانى بأن ما دام فى عهده هو معنى فى عهده فلا تقدير.
قوله: (لو كان كذلك) أى لو كان لا يقتل ذو عهد فى تقدير لا يقتل ذو عهد بكافر على العموم لكان بكافر الأول للحربى دون الذمى لأن المسلم يقتل به عندكم فيفسد المعنى فوجب لدفع هذا الفساد أن لا يقدر فى الثانى بكافر على العموم بل يقدر بالحربى خاصة فإن قيل بكافر الأول للحربى فقط البتة سواء قدر بكافر الثانى على العموم أو لم يقدر فلا معنى للملازمة قلنا: يحتمل أن يكون فقط قيدًا للأول دون الحربى أى لكان بكافر الأول فقط للحربى دون بكافر الثانى: والجواب أن اللفظ الثانى فى الحديث والآية عام يعنى أن لفظ بكافر المقدر عام خص بالحربى بالدلائل الدالة على وجوب قتل المعاهد بالمسلم والذمى وضمير، {وَبُعولَتُهُنَّ} [البقرة: 228]، فى الآية عام للرجعية والبائن خص بالرجعية بالإجماع، والحاصل أن النافى المعطوف أيضًا عام إلا أنه لم يبق على عمومه حتى يلزم الفساد فضمير فيه للفظ {وَبُعولَتُهُنُّ} [البقرة: 228] وضمير هو للفظ المطلقات وضمير به لقوله: {وَالْمطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ. .} [البقرة: 228] الآية، وضمير عليهم للمطلقات البوائن والرجعيات وضمير فيهما للحديث والآية وهذا التقرير من خواص الشرح وتقرير الشروح أنه لو كان اشتراك المعطوف والمعطوف عليه فى
العموم والخصوص واجبًا وكان حكم ذلك اللفظ فى الجملتين من حيث العموم والخصوص واحدًا للزم أن يكون بكافر الأول للحربى فقط لكون الثانى كذلك اتفاقًا فيصير المعنى أن المسلم لا يقتل بالحربى فقط وهو فاسد لأنه لا يقتل بالكافر حربيًا كان أو ذميًا وللزم أن يكون ضمير بعولتهن للرجعية والبائن لكونه عائدًا إلى المطلقات وهى تعم الرجعية والبائن وفساده ظاهر إذ لا رد للبائن وقد يقال فى بيان فساد الأول: إنه لو قيد بكافر الأول بالحربى لزم أن بكون الحديث دليلًا على وجوب قتل المسلم بالذمى لأنه يدل على تقييد عدم وجوب القصاص بكون الكافر حربيًا فعند انتفاء القيد ينتفى الحكم فيلزم وجوب القصاص، ولا قائل بكون الحديث دليلًا على وجوب قتل المسلم بالذمى وتقرير الجواب أن خصوص المعطوف إنما يوجب خصوص المعطوف عليه لو كان خصوصه من نفس الصيغة لا من دليل خارجى وهو ممنوع فإن المعطوف الذى هو الثانى خص بالدليل وعموم المعطوف عليه إنما يوجب عموم المعطوف لو لم يعارضه دليل مخصص وهو ممنوع فإن الثانى وهو المعطوف قد خص بالإجماع وقد تقرر بأن الموجب للعموم فى المذكور والمقدر متحقق والمخصوص موجود فى الثانى دون الأول ولا يخفى ضعف هذه الكلمات.
قوله: (لو كان ذلك) أى لو كان تقيد المعطوف عليه موجبًا لتقيد المعطوف حقًا.
قوله: (ظهوره فيه) أى ظهور قولك ضربت زيدًا يوم الجمعة وعمرا فيه أى فى أن معناه وضربت عمرًا يوم الجمعة.
قوله: (وأيضًا الفرق) بأن فى الحديث مانعًا من عدم التقدير ولا مانع فى المثال.
المصنف: (مسألة قالت الحنفية. . . إلخ) حاصل المسألة على رأى المصنف والشارح أنه إذا كان فى المعطوف عليه قيد عام ولم يذكر فى المعطوف مثله قدر عامًا ولو كان العام الذى فى المعطوف عليه خصص من خارج فخصوصه لا يؤثر تخصيصًا فى المقدر الذى فى المعطوف وخصوص المعطوف عليه إذا جاء من خارج كذلك لا يؤثر فى المعطوف والذى ذكره الآمدى أن خصوص المعطوف يقتضى خصوص المعطوف عليه عند الحنفية خلافًا للشافعية فمثل: لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد فى عهده لما خص المقدر بالكافر الحربى بالإجماع كان كافر الذى فى المعطوف عليه مخصوصًا بالحربى أيضًا لأنه لو كان عامًا لكان المعطوف عامًا
وعمومه باطل فانتفى العموم فى المعطوف عليه خلافًا للشافعية فإن خصوص المعطوف لا يقتضى خصوص المعطوف عليه فالأمدى يوافق المصنف والشارح فى أن العموم فى المعطوف عليه يقتضى العموم فى المعطوف عند الحنفية ويخالف فى أن الخصوص من خارج فى المعطوف يقتضى خصوص المعطوف عليه عند الحنفية، وأما خصوص المعطوف عليه فلا يقتضى خصوص المعطوف بل يقدر عامًا حيث كان اللفظ فى المعطوف عليه عامًا صيغة وإن خصص من خارج.
المصنف: (قالوا) أى الشافعية ومن وافقهم القائلون بأن العموم فى المعطوف عليه لا يقتضى العموم فى المعطوف.
قوله: (وفى تقرير الآمدى) أى تقريره لمذهب الحنفية فى الحديث المذكور فهو يقول: إن العموم فى كافر الأول اقتضى تقدير كافر فى المعطوف ثم هو مخصوص فى المعطوف وإلا فسد المعنى فانتفى اللازم وهو عموم المعطوف فينتفى الملزوم وهو عموم المعطوف عليه.
قوله: (فعندنا) أى الشافعية: لا، وعندهم: أى الحنفية: نعم.
قوله: (فزعم كثير من الشراح أن هذه تلك إلا أن العبارة قاصرة) أى وهو زعم باطل لأن هذه المعطوف عليه فيها مخصوص قطعًا لا من تخصيص المعطوف والعام فى المعطوف مخصص أيضًا لتخصيص المعطوف عليه عند الحنفية، وليس مخصصًا بل باق على عمومه عند الشافعية ففى هذه المسألة الحنفية يقولون بالتخصيص والشافعية يقولون بالتعميم بخلاف المسألة التى الكلام فيها فالأمر بالعكس فكيف يتوهم أن مسألة المحصول هى مسألة المصنف فالحاصل أن الحنفية على رأى الآمدى يقولون: إن عموم المعطوف عليه يستلزم عموم المعطوف وخصوص المعطوف عليه يقتضى خصوص المعطوف والشافعية يقولون: إن عموم المعطوف عليه أو خصوصه لا يؤثر العموم ولا الخصوص فى المعطوف.
قوله: (وخلافية أخرى وهى أن عطف المخصص على العام. . . إلخ) هذه المسألة هى عين مسالة المصنف لا غيرها على تقرير الآمدى فقوله: وليس كذلك بل هى مسألة برأسها ليس كذلك.
قوله: (وحاصل الكلام. . . إلخ) هذا مما يقتضى أن هذه المسألة هى مسألتنا لا غير وقوله إنهم يدعون أى الحنفية.
قوله: (إلا أن تقرير الآمدى ناظر. . . إلخ) يعنى أنه مع كون عموم المعطوف عليه يستلزم عموم المعطوف إلا أن المعطوف إذا خص بدليل خارجى اقتضى تخصيص المعطوف عليه وانتفى عمومه فيستدل بانتفاء العموم فى المعطوف على انتفائه فى المعطوف عليه هذا على تقرير الآمدى وأما على تقرير الشارح فعموم المعطوف عليه يستلزم عموم المعطوف فمتى ثبت العموم صيغة فى المعطوف عليه ثبت العموم فى المعطوف صيغة وإن حصل تخصيص للثانى أو الأول فمن الخارج فالاستدلال فى الحديث إنما هو بعموم الأول على عموم الثانى لا بخصوص الثانى على خصوص الأول.
قوله: (أو يقدر ما دام فى عهده) يعنى ويكون الغرض النهى عن قتله من حيث كونه كافرًا فليس كغيره يقتل لكفره لكونه معاهدًا وهذا لا ينافى أنه يقتل قصاصًا إذا قتل مسلمًا أو ذميًا.
قوله: (وتقرير الشروح أنه لو كان اشتراك المعطوف والمعطوف عليه. . . إلخ) الملازمة على هذا التقرير ظاهرة لأنه يترتب على الاشتراك المذكور وكون اللفظ فى الجملتين لا بد أن بكون واحدًا فى العموم والخصوص أن كافرًا الأول للحربى فقط لكون الثانى كذلك اتفاقًا.
قوله: (وهو فاسد. . . إلخ) فالفساد على هذا غير الفساد على الأول لأن الفساد على هذا هو لزوم أن يقتل السلم بالذمى مع أنه لا يقتل بالكافر مطلقًا ولكن هذا إنما يكون فاسدًا على مذهب الخصم المذكور أعنى الشافعية ومن وافقهم لا على مذهب الحنفية فلا يصح الرد عليهم بذلك لأنه رد مذهب بمذهب وهو غير معتبر.
قوله: (فعند انتفاء القيد ينتفى الحكم فيلزم وجوب القصاص) مردود بأن الحنفية لا يقولون بمفهوم المخالفة وتقرير الجواب أن خصوص المعطوف إنما يوجب خصوص المعطوف عليه لو كان خصوصه. . . إلخ. هذا بالنظر لدفع الإشكال باعتبار الخصوص الذى فى المعطوف فى الحديث وقوله: وعموم المعطوف عليه. . . إلخ. لدفع الإشكال بآية {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228].
قال: (مسألة: مثل: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1]، {لَئِنْ أَشْرَكْتَ} [الزمر: 65]، ليس بعام للأمة، إلا بدليل من قياس أو غيره، وقال أبو حنيفة وأحمد رحمهما اللَّه: عام إلا بدليل، لنا القطع بأن خطاب المفرد لا يتناول غيره لغة وأيضًا يجب أن يكون خروج غيره تخصيصًا، قالوا: إذا قيل لمن له منصب الاقتداء اركب لمناجزة العدو ونحوه فهم لغة أنه أمر لأتباعه معه، ولذلك يقال فتح وكسر والمراد مع أتباعه، قلنا ممنوع أو فهم لأن المقصود متوقف على المشاركة بخلاف هذا، قالوا: {إِذَا طَلَّقْتُمُ} [الطلاق: 1]، يدل عليه، قلنا ذكر النبى صلى الله عليه وسلم أولًا للتشريف ثم خوطب الجميع، قالوا {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ} [الأحزاب: 37]، ولو كان خاصًا لم يتعد، قلنا نقطع بأن الإلحاق للقياس، قالوا: فمثل: {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50]، و {نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79]، لا يفيد، قلنا يفيد قطع الإلحاق).
أقول: الخطاب الخاص بالرسول صلى الله عليه وسلم مثل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1]، {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]، {لَئِنْ أَشْرَكْتَ} [الزمر: 65]، ليس بعام للأمة فإن عم فبدليل خارجى من قياس لهم عليه أو نص أو إجماع يوجب التشريك إما مطلقًا أو فى ذلك الحكم خاصة وقال أبو حنيفة وأحمد رحمهما اللَّه: هو عام للأمة ظاهرًا فيحمل عليه إلا بدليل خارجى يصرف عنه ويوجب تخصيصه به لنا أن مثله وضع لخطاب المفرد وخطاب المفرد لا يتناول غيره لغة ولنا أيضًا لو كان يتناول الأمة لكان إخراج غير المذكور والنص على أن المراد هو المذكور دون غيره تخصيصًا للعموم ولا قائل به وقد يقال على الأول أنه يتناوله فى مثله عرفًا، وعلى الثانى لا نسلم بطلان اللازم فإن التخصيص يقع فى العام عرفًا:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23].
قالوا: أولًا: من له منصب الاقتداء به بمعنى أنه يقتدى به طائفة كالأمير لجنده وأتباعه إذا قيل له اركب لمناجزة العدو أو اذهب لفتح البلدة الفلانية أو نحوهما فهم منه أن الأمر له ولأتباعه معه، ولذلك يقال إنه كسر العدوّ وفتح المدينة، والمراد هو مع أتباعه لأنهم الذين كسروا وفتحوا لا هو وحده.
والجواب: أن فهم ذلك من الخطاب له ممنوع وإن سلم فإنما يفهم بدليل وهو أن المقصود وهو المناجزة أو الفتح موقوف على مشاركة أتباعه له بخلاف هذه الصورة فإن قيام الرسول صلى الله عليه وسلم ونحوه مما لا يتوقف على مشاركة الأمة له.
قالوا: ثانيًا: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، فأفرده بالخطاب وأمر بصيغة الجمع والعموم فدل أن مثله عام خطابًا له وللأمة.
الجواب: أن ذكر النبى عليه الصلاة والسلام بالنداء أولًا فيما ذكرتم من المثال للتشريف والخطاب بالأمر للجميع لا أن النداء للجميع ولا يمتنع أن يقال: يا فلان افعل أنت وأتباعك كذا إنما النزاع فيما يقال افعل أنت كذا ولا يتعرض للأتباع.
قالوا: ثالثًا: قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} [الأحزاب: 37]، أخبر أنه إنما أباحه له ليكون شاملًا للأمة، ولو كان خطابه خاصًا به ولا يتعدى حكمه إلى الأمة لما حصل الغرض.
الجواب: منع الملازمة لجواز أن يتعدّى حكمه إليهم بالقياس والأمر كذلك فإنا نقطع بأن الإلحاق للقياس وإباحة زينب له خاصة ولا يدل على الإباحة للغير.
قالوا: رابعًا: لو كان خطابه لا يعم الأمة لكان مثل قوله: {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50]، و {نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79]، غير مقيد لدلالته على اختصاص الخطاب به، وهو مستفاد من نفس الخطاب واللازم باطل لامتناع اللغو فى كلامه تعالى.
الجواب: منع عدم الفائدة فإن الخطاب وإن لم يدل على العموم فلا يدل على عدم العموم بل هو محتمل لهما وهذا يقطع احتمال العموم وفائدته أنه لا يلحق الأمة به للقياس كما كان يلحق به لو لم يرد {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50]، و {نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] عليه.
قوله: (لنا أن مثله) الدليل على المقدمتين الاستقراء وإجماع أئمة اللغة.
قوله: (إخراج غير المذكور) توضيح للمقصود بما وقع فى المتن من لفظ الخروج ثم فسر الإخراج بالنص على أن المراد هو المذكور لا غير إذ لا دخول ههنا حتى تتحقق حقيقة الإخراج.
قوله: (ولا قائل به) تنبيه على أن القول بكونه تخصيصًا خلاف ما عليه الاتفاق لا مجرد كونه خلاف الأصل حتى يتوجه النقض بسائر الصور بأن يقال: لو كان الجمع المعرف عامًا لكان إخراج البعض عنه تخصيصًا وهو خلاف الأصل إذ الأصل عدم التخصيص فيجاب بأن ذلك فيما يشك فى عمومه.
قوله: (وقد يقال) اعتراض على الدليل الأول بأن عدم التناول لغة لا ينافى العموم لجواز أن يتناوله عرفًا يعنى أن خطاب المفرد يتناول الغير عرفًا فيما إذا كان المخاطب قدوة والغير أتباعًا وأشياعًا له وعلى الثانى بمنع أن إخراج غير المذكور ليس بتخصيص، فإنا قائلون بأنه عام عرفًا، وأن الإخراج عنه تخصيص، والتخصيص كما يقع فى العام لغة يقع فى العام عرفًا، كما فى قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]، فإنه يعم عرفًا حرمة جميع الاستتباعات وقد خص عنه النظر وأمثاله.
قوله: (من له منصب الاقتداء) فسره باقتداء طائفة به لئلا يتوهم أن المراد اقتداء عامة الناس به وفى أمر الدين على ما هو المتبادر إلى الفهم.
قوله: (والجواب) يعنى لا نسلم أن كون الأمر له ولأتباعهم يفهم من خطاب له لا بالاستقلال ولا بمعونة الدليل لتوقف المأمور به على معاونة الإتباع فيما ذكرتم من المثال بخلاف ما أمر به النبى عليه الصلاة والسلام من الأحكام الشرعية، فإن قيل قد ذكر فى صدر البحث أن الخطاب الخاص بالرسول يعنى بحسب ظاهر اللفظ ليس بعام للأمة يعنى بحسب تناول الحكم إلا بدليل وههنا قد جعل مثل ما ذكرنا من المثال مما عمومه بدليل ونفى ذلك من خطاب الرسول، قلنا ذلك دليل شرعى على ثبوت الحكم فى حقهم لا من لفظ ذلك الخطاب وهذا دليل على تناول الخطاب لغير المذكور وفهمه منه وبهذا يظهر فساد ما ذكر فى بعض الشروح من أن فى المنع الثانى تسليم المدعى إلا أن يقول الخصم بعموم خطاب الفرد مع من له رتبة الاقتداء مطلقًا وأما اعتراضه على الأول بأنه منع ما هو معلوم بالضرورة العرفية فليس ببعيد، وأما تقرير الجواب على ما ذكره الآمدى وتبعه الجمهور وهو أنا لا نسلم الفهم لغة وبهذا يصح أنه أمر المقتدى ولم يأمر أتباعه، نعم غايته أنه يفهم عند أمر المقتدى بمثل الركوب وشن الغارة لزوم توقف مقصود الأمر على اتباع الأصحاب إلزامًا لا مطابقة أو تضمنًا ولا يلزم ذلك فى خطاب النبى عليه الصلاة والسلام، فلا يخفى أنه لا يطابق المتن.
قوله: (ولا يمتنع أن يقال يا فلان افعل أنت وأتباعك كذا) فإن قيل هذا ليس نظير ما نحن فيه وإنما نظيره أن يقال: يا فلان افعلوا كذا فيكون النداء للمقتدى خاصة والأمر له ولأتباعه عامة، فى صحته ألف نزاع قلنا: هو تطهير له مع التنبيه
على أن فيه تغليبًا وكفى بمثل: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ} [الطلاق: 1] الآية، شاهدًا على الصحة.
قوله: (وهو) أى اختصاص الخطاب به مستفاد من نفس الخطاب حيث زعمتم أنه لا يعم الأمة وحقيقة الجواب أن الاختصاص الذى يدل عليه لفظ لك معناه أن الحكم يكون له ولا يكون لغيره والذى يستفاد من نفس الخطاب معناه أنه يدل على ثبوت الحكم له ولا يدل على ثبوته لغيره وهذا أعم من الدلالة على عدم ثبوته للغير فمنشأ الغلط عدم التفرقة بين الدلالة على عدم الحكم وعدم الدلالة على الحكم فقوله: (بل هو) أى الخطاب (محتمل لهما) أى للعموم وعدمه وهذا إشارة إلى مثل: {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50]، و {نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79]، وضمير فائدته يعود إليه، وضمير به إلى الرسول، وضمير عليه إلى الخطاب.
المصنف: (ليس بعام للأمة) أى من حيث الحكم لأن الصيغة حيث كانت خاصة فلا ينبنى عليها إلا الحكم الخاص ولا يكون الحكم عامًا للأمة إلا بدليل خارجى عن اللفظ بالمرة.
المصنف: (وقال أبو حنيفة وأحمد رحمهما اللَّه عام) أى من حيث الحكم لا من الصيغة لأن الصيغة وإن كانت خاصة إلا أن العرف قاض بتبعية الأتباع للمقتدى به فى الحكم فالخطاب مختص به صلى الله عليه وسلم فى مثل: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50]، والأمة تبع له فى هذا الحكم ولذا تعلق الحنفية فى عقد النكاح بلفظ الهبة بهذه الآية.
المصنف: (لا يتناول غيره لغة) يعنى وحينئذ يكون المبنى عليها مختصًا به أيضًا فقد اتفق الفريقان على أن الصيغة خاصة به صلى الله عليه وسلم، ولكن اختلفوا فى أن الحكم هل يعم الأمة نظرًا إلى أن الأمر للرئيس يكون ثابتًا مثله للمرءوس أو لا نظرًا لمجرد الصيغة.
المصنف: (يجب أن يكون خروج غيره تخصيصًا) أى ولا قائل به باتفاق لأن الحنفية لم يقولوا بعموم اللفظ أصلًا ولم يستعمل فى غير معناه.
المصنف: (فهم لغة أنه أمر لأتباعه) ليس المراد أن اللفظ مستعمل فيه وفى الأتباع لا باعتباره مفردًا ولا باعتباره مركبًا بل المراد أن أهل اللغة يفهمون ذلك من
أن حكم الأتباع حكم المتبوع.
المصنف: ({إِذَا طَلَّقْتُمُ} [الطلاق: 1] يدل عليه) أى فيدل على أن حكم التابع حكم المتبوع لأنه جمع الكل فى الخطاب فى قوله: {طَلَّقْتُمُ} مع أنه عبر أولًا بلفظ خاص.
المصنف: (ذكر النبى صلى الله عليه وسلم أولًا للتشريف) أى لم يكن ذكره لقصد الحكم عليه حتى إنه انبنى عليه تعميم الخطاب فى {طَلَّقْتُمُ} فيكون دليلًا على أن الحكم الذى للنبى صلى الله عليه وسلم بخصوصه يكون للأمة أيضًا بطريق التبع.
المصنف: (ولو كان خاصًا) أى لا تتبعه الأمة فيه.
المصنف: (لا يفيد) أى حيث لم تكن أمته تابعة له.
الشارح: (لا يتناول غيره لغة) يعنى وحينئذ يكون المبنى عليها مختصًا به.
الشارح: (وقد يقال على الأول أنه يتناوله عرفًا) ظاهره أن المصنف يقول: إن الخصم يقول بالتناول لغة فيمنع أنه يقول: بالتناول عرفًا وليس كذلك كما عرفت من تقريرنا للمصنف وأن الفريقين متفقان على أن الصيغة ليست عامة لغة فهذا الاعتراض لا وجه له.
الشارح: (فإن التخصيص يقع فى العام عرفًا) عرفت أن اللفظ ليس مستعملًا فى العام أصلًا عند الجميع وحينئذ لا يصح أن يكون النص على أن المذكور هو المراد تخصيصًا أصلًا.
الشارح: (فهم أن الأمر له ولأتباعه معه) ليس الفهم من الصيغة بالاستعمال فى الجميع بل الصيغة لا تزال خاصة بالمتبوع وإنما عموم الأمر للأتباع من أن الأتباع حكمهم حكم المتبوع.
الشارح: (أن فهم ذلك من الخطاب له) أى بأن يكون العموم مبنيًا على الخطاب للمتبوع لا أن الخطاب له ولهم بالصيغة لما عرفت.
الشارح: (وإن سلم) أى فهم ذلك من بنائه على الخطاب للمتبوع.
الشارح: (خطابًا له وللأمة) خطاب الأمة بطريق التبع لا أن الصيغة مستعملة فى الأمة أيضًا.
الشارح: (لا أن النداء للجميع) أى للرسول بمقتضى الصيغة وللأمة بمقتضى التبعية كما هو العرف من غير استعمال للصيغة فى الجميع.
الشارح: (ولا يتعدى حكمه للأمة) أى لكونهم أتباعًا له.
الشارح: (وإباحة زينب له خاصة) أى زوجة الابن المدعى.
قوله: (الدليل على المقدمتين الاستقراء وإجماع أئمة اللغة) قد فهم المحشى أن الخلاف فى الصيغة هل تعم بأن يراد منها الجميع أو لا؟ فقال ذلك الكلام وعلمت أن النزاع ليس فى دلالة الصيغة بهذا المعنى.
قوله: (اعتراض على الدليل. . . إلخ) عرفت أن هذا كله خلاف التحقيق فى مراد المصنف وفى محل النزاع وبه يندفع ما قيل فى بعض كتب الحنفية إن ابن الحاجب يقول: إن اللفظ لا يعم لغة وهو لا يصلح للرد علينا لأنا لا ندعى أنه يعم لغة بل نقول: إنه يعم عرفًا لأن ابن الحاجب على ما سمعت ينازع فى العموم العرفى.
قوله: (بخلاف ما أمر به النبى صلى الله عليه وسلم من الأحكام) ظاهره أن كل ما أمر به من الأحكام ليس فيها التوقف وستعلم ما فيه.
قوله: (فإن قيل قد ذكر فى صدر البحث. . . إلخ) حاصله أنه قال أولًا: إن الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ليس بعام إلا بدليل فأفاد أنه قد يعم بالدليل وهذا الجواب يفيد أنه لا عموم له أصلًا ولا يتأتى أن يعم بالدليل لأنه لا توقف فى الأحكام الشرعية التى أمر بها الرسول عليه الصلاة والسلام على الأتباع كما فى المثال وقولنا: قلنا. . . إلخ. حاصله أن الدليل المثبت فى قوله: ليس بعام إلا بدليل الدليل الخارج عن اللفظ بالمرة من قياس أو إجماع مثلًا والمنفى فى خطاب الرسول عليه الصلاة والسلام هو الدليل الحاصل من الخطاب بمعونة توقف المأمور به على الأتباع وقد فهم المحشى أن قول الشارح: بخلاف هذه الصورة معناه بخلافها وخلاف غيرها من الصور التى الأمر فيها للرسول صلى الله عليه وسلم وفيه أن من الأوامر التى للرسول صلى الله عليه وسلم ما يتوقف حصول المأمور به فيها على الأتباع كقوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} [التحريم: 9].
قوله: (وبهذا يظهر فساد ما ذكر فى بعض الشروح من أن فى المنع الثانى تسليم المدعى) وهو العموم إلا بدليل لأنه سلم أن الخطاب عام وإن كان بقرينة ووجه ظهور الفساد أنه ليس فى خطاب الرسول بالأحكام عموم أصلًا ولا بالقرينة وهو المدعى وإنما العموم فى المثال وهو ليس المدعى وهذا على ما فهم من أن جميع الأحكام التى أمر بها الرسول عليه الصلاة والسلام لا يتوقف الإتيان بالمأمور به على معاونة الأتباع وقد علمت ما فيه.
قوله: (إلا أن يقول الخصم بعموم خطاب المفرد مع من له رتبة الاقتداء مطلقًا) أى سواء كان من له رتبة الاقتداء رسولًا أو أميرًا يعنى فحينئذ يكون الجواب الثانى تسليمًا للمدعى باعتبار أن العموم تحقق فى مثل: اركب لمناجزة العدو وإن لم يتحقق فى الأوامر للرسول عليه الصلاة والسلام وهذا أعنى قوله: إلا أن يقول الخصم استثناء من قوله: وبهذا ظهر فساد ما ذكر فى بعض الشروح. . . إلخ. فهو من كلام المحشى استدراك على ما ذكره من الفساد لا من قول بعض الشروح ويرد عليه أن الكلام ليس فى خطاب الواحد مطلقًا بل فى خطاب الواحد الذى هو خصوص الرسول عليه الصلاة والسلام هذا ما ظهر فى تقرير قوله: وبهذا ظهر فساد ما ذكر فى بعض الشروح من أن فى المنع الثانى تسليم المدعى إلا أن يقول الخصم بعموم خطاب المفرد مع من له رتبة الاقتداء مطلقًا، ويحتمل أن فى عبارة المحشى تحريفًا وأصله وبهذا ظهر صحة ما ذكر فى بعض الشروح. . . إلخ. ويكون المعنى على هذا وبهذا أى بكون الدليل المثبت فى أصل دعوى أن العموم إنما يكون من الدليل هو الدليل الخارجى الدال على تعميم الحكم للأمة والدليل المنفى فى خطاب الرسول هو الدليل على عموم ذلك الخطاب بقرينة فيه ظهر صحة ما ذكر فى بعض الشروح من أن فى المنع الثانى تسليم المدعى لأن الدليل المثبت فى هذا المنع فى نحو: اركب لمناجزة العدو لا ينافى أن العموم من الخطاب لأن الدليل ليس بخارج عن الخطاب حتى يتوهم أنه إنما يوافق مذهب غير الحنفية من المالكية والشافعية لا مذهب الخصم ويكون قوله: إلا أن بقول الخصم. . . إلخ. من كلام بعض الشروح ومعناه إذا قال الخصم بذلك لا يكون فى المنع الثانى تسليم المدعى لأن المدعى أنه يعم مطلقًا والمنع الثانى أفاد أنه يعم عند القرينة لا فى مثل خطاب الرسول بقوله: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 1، 2]، ونحوه لكن يمنع هذا الاحتمال قوله: وأما اعتراضه على الأول بأنه منع ما هو معلوم بالضرورة العرفية فليس ببعيد فإنه ظاهر فى أن الثانى اعتراض من هذا البعض على الشارح فى قوله وإن سلم. . . إلخ. فتدبر.
قوله: (فلا يخفى أنه لا يطابق المتن) أى لأن كلام المتن فى أمر يتوقف الإتيان بالمأمور به فيه على معاونة الأتباع.
قوله: (وهذا) أى لفظ "هذا" الذى فى الشارح.