الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(مسألة: جمع المذكر السالم
كالمسلمين ونحو فعلوا مما يغلب فيه المذكر لا يدخل فيه النساء ظاهرًا خلافًا للحنابلة لنا {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35]، ولو كان داخلًا لما حسن فإن قدر مجيئه للنصوصية ففائدة التأسيس أولى وأيضًا قالت أم سلمة رضى اللَّه عنها: يا رسول اللَّه إن النساء قلن ما نرى اللَّه ذكر إلا الرجال، فأنزل اللَّه:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ. . .} ، ولو كن داخلات لم يصح تقريره النفى وأيضًا فإجماع العربية على أنه جمع المذكر، قالوا: المعروف تغليب الذكور، قلنا صحيح إذا قصد الجميع ويكون مجازًا فإن قيل الأصل الحقيقة قلنا يلزم الاشتراك وقد تقدَّم مثله، قالوا: لو لم يدخلن لما شاركن المذكرين فى الأحكام قلنا بدليل خارج ولذلك لم يدخلن فى الجهاد والجمعة، وغيرهما، قالوا لو أوصى لرجال ونساء بشئ ثم قال أوصيت لهم بكذا دخل النساء بغير قرينة وهو معنى الحقيقة قلنا بل بقرينة الإيصاء الأول).
أقول: صيغة المذكر هل تتناول النساء وليس النزاع فى دخول النساء فى نحو: الرجال لانتفائه اتفاقًا ولا فى نحو: الناس ولا فى نحو: من وما لثبوته اتفاقًا، إنما النزاع فيما ميز بين صيغة المذكر والمؤنث بعلامة فإن العرب تغلب فيه المذكر، فإذا أرادوا الجمع بين المذكر والمؤنث يطلقونه ويريدون الطائفتين ولا يفرد المؤنث بالذكر كما هو عادتهم فى تغليب المتكلم على الحاضر والحاضر على الغائب والعقلاء على غيرهم وذلك مثل المسلمين وفعلوا، وافعلوا، فهذه الصيغ إذا أطلقت هل هى ظاهرة فى دخول النساء فيها كما تدخل عند التغليب أو لا؟ الأكثر على أنها لا تدخل ظاهرًا خلافًا للحنابلة، لنا قوله تعالى:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35]، ونحوه، ولو كان مدلول المسلمات داخلًا فى المسلمين لما حسن هذا لكونه عطفًا للخاص على العام، فإن قيل فائدته كونه نصًا فى النساء، ولا يقبل التخصيص فهو مذكور للتأكيد كما عطف جبريل وميكائيل على الملائكة والصلاة الوسطى على الصلوات، قلنا فائدة التأسيس أولى من فائدة التأكيد ولنا أيضًا قد روى عن أم سلمة رضى اللَّه عنها أنها قالت: يا رسول اللَّه إن النساء قلن ما نرى اللَّه ذكر إلا الرجال، فأنزل اللَّه تعالى:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35]، فنفت ذكرهن مطلقًا ولو كن داخلات لما صدق نفيهن ولم يجز تقريره صلى الله عليه وسلم للنفى، ولنا أيضًا إجماع العربية على أن هذه الصيغ جمع المذكر وأنه
لتضعيف المفرد والمفرد مذكر.
قالوا: أولًا: المعروف من أهل اللسان تغليبهم المذكر على المؤنث عند اجتماعهما باتفاق ولو كان ألف امرأة مع رجل واحد، قال تعالى:{وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} [البقرة: 58]، والمراد بنو إسرائيل رجالهم ونساؤهم، وقال:{اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: 36]، والمراد آدم وحواء وإبليس، وهذا إنما يتصوّر بدخول النساء فيه.
الجواب: أنه إنما يدل على أن الإطلاق صحيح إذا قصد الجميع ونحن نقول به لكنه يكون مجازًا ولا يلزم أن يكون ظاهرًا وفيه النزاع فإن قيل: الأصل فى الإطلاق الحقيقة فلا يصار إلى المجاز إلا لدليل، قلنا: لا نزاع فى أنه للرجال وحدهم حقيقة ولو كان لهم وللنساء معًا حقيقة أيضًا لزم الاشتراك، وإلا فالمجاز وقد علمت أن المجاز أولى من الاشتراك وقد تقدَّم ذلك.
قالوا: ثانيًا: لو لم يدخل النساء فى هذه الصيغ لما شاركن فى الأحكام لثبوت أكثرها بهذه الصيغ واللازم منتف بالاتفاق كما فى أحكام الصلاة والصوم والزكاة وقد ثبت بنحو: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، و {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183].
والجواب: منع الملازمة، نعم يلزم أن لا يشاركن فى الأحكام بهذه الصيغ وما المانع أن يشاركن بدليل خارج والأمر كذلك ولذلك لم يدخلن فى الجهاد والجمعة وغيرها لعدم الدليل الخارجى فيها.
قالوا: ثالثًا: لو أوصى لرجال ونساء بمائة درهم ثم قال: أوصيت لهم بكذا دخلت النساء بغير قرينة وهو معنى الحقيقة فيكون حقيقة فى الرجال والنساء ظاهرًا فيهما، وهو المطلوب.
والجواب: منع المبادرة ثمة بلا قرينة فإن الوصية المتقدمة قرينة دالة على إرادتهما.
قوله: (صيغة المذكر) يعنى أن الصيغة التى يصح إطلاقها على الذكور خاصة قد تكون موضوعة بحسب المادة للذكور خاصة مثل الرجال ولا نزاع فى أنها لا تتناول النساء، وقد تكون موضوعة لما هو أعم مثل الناس ومن وما ولا نزاع فى أنها
تتناول النساء وقد تكون بحسب المادة موضوعة لهما وبحسب الصيغة للمذكر خاصة وهذا هو المتنازع فيه وحاصله أن تغليب الذكور على الإناث والقصد إليهما جميعًا ظاهر ومبنى على قيام القرينة.
قوله: (التأسيس أولى) فإن قيل: الإفادة بطريق النصوصية دون الظهور تأسيس لا تأكيد قلنا: ليس هذا إلا تقوية لمدلول الأول يدفع توهم التجوّز وعدم الشمول وهو معنى التأكيد.
قوله: (مذكور للتأكيد) والحق أن مثله لا يعدّ تأكيدًا لأنه ليس لتقوية الأول بل لفائدة أخرى من تنصيص أو تنبيه على زيادة فضله أو نحو ذلك.
قوله: (مطلقًا) دفع لما يقال يجوز أن تريد أم سلمة عدم ذكرهن بصيغة ظاهرة فيهن خاصة لا ذكرهن مطلقًا، يعنى أن مدلول قولها:(ما نري اللَّه ذكر إلا الرجال)، نفى ذكرهن لا خصوصًا ولا فى ضمن العموم وإلا لما صح الحصر.
قوله: (لما صدق نفيهن) يحتمل أن يكون إضافة إلى الفاعل لكن الأنسب بصدر الكلام أن يكون إلى المفعول أى لما صح نفى أم لسلمة ذكرهن ثم الظاهر أن هذا مع عدم جواز التقرير لازم واحد إذ لا فساد فى مجرد عدم صدق كلام النساء فعلى هذا لو قال: فلم يجز بالفاء لكان أحسن.
قوله: (وأنه) أى إجماعهم على أن الجمع (لتضعيف المفرد) أى جعل مدلوله فوق الواحد والمفرد مذكر اتفاقًا إذ لا نزاع فى أن مثل مسلم وفعل وافعل للمذكر خاصة.
قوله: (لا نزاع) يعنى أن المصير إلى المجاز لدليل وهو لزوم الاشتراك المرجوح بالنسبة إلى المجاز فقوله: وإلا فالمجاز معناه لو لم يكن لهم وللنساء معًا حقيقة وقد ثبت الإطلاق عليهما كان مجازًا بالضرورة، والمحقق جعل قوله: وقد تقدَّم مثله إشارة إلى ما تقدَّم من رجحان المجاز على الاشتراك وجمهور الشارحين إلى ما سبق فى مسألة أن العام إذا خص كان مجازًا من أنه حقيقة فى الاستغراق فلو كان حقيقة فى الباقى أيضًا يلزم الاشتراك والقول بجواز كونه حقيقة فى القدر المشترك بين محض الذكور وجمع الذكور والإناث جميعًا ينافى الغرض المذكور أعنى كونه حقيقة فى الذكور بالخصوص إلا أن للخصم أن ينازع فى ذلك.
قوله: (ولذلك) أى ولكون الأمر كذلك يعنى أنهن شاركن بدليل من خارج
كالإجماع مثلًا لم يشاركن فى مثل الجهاد والجمعة لقوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ} [الحج: 78]، {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]، لعدم الدليل، ولولا أن هذا فى معرض التأكيد والتحقيق للمنع لكان للخصم أن يقول: بل عدم المشاركة يتوقف على الدليل كالإجماع على عدم الجهاد والجمعة عليهن، وإن ضم هذا إلى الدليل، أى لو لم يدخلن لما شاركن فى الأحكام بهذه الصيغ، فالجواب منع انتفاء اللازم.
المصنف: (مما يغلب فيه المذكر) أى مما يستعمل فى الإناث والذكور تغليبًا عند الاجتماع كما تقول: زيد وعمرو وهند فعلوا.
المصنف: (لا يدخل فيه النساء ظاهرًا) أى فيكون التغليب مجازًا.
المصنف: (ففائدة التأسيس أولى) أى فلا تدخل النساء فى جمع المذكر ليكون ذكرها بعده تأسيسًا لا تأكيدًا بخلاف ذكر جبريل وميكائيل بعد ذكر الملائكة فإنهما داخلان فى الملائكة قطعًا فحمل ذكرهما على التأكيد.
المصنف: (قالوا العروف تغليب الذكور) قال الكمال: هذا بعيد أن يقوله الحنابلة لأن فيه اعترافًا بالمجازية فالأولى فى تقرير دليلهم أن يقال صح إطلاقه للمذكر والمؤنث كما للمذكر فقط والأصل فى الإطلاق الحقيقة.
الشارح: (ولا فى نحو من وما لثبوته اتفاقًا) أى من المتنازعين هنا فلا ينافى أن فى نحو: من وما خلافًا كما سيأتى فى قول المصنف من الشرطية تأمل المؤنث عند الأكثر.
الشارح: (كما تدخل عند التغليب) أى عند اجتماع المذكر والمؤنث وتغليب المذكر على المؤنث.
قوله: (يعنى أن الصيغة التى يصح إطلاقها على الذكور خاصة) قصد بذلك دفع التنافى بين قوله صيغة المذكر وقوله وهل تتناول النساء.
قوله: (يجوز أن تريد أم سلمة عدم ذكرهن بصيغة ظاهرة فيهن خاصة لا ذكرهن مطلقًا) يعنى وحينئذ فصدق نفيها وجواز تقريره صلى الله عليه وسلم لا يقتضى عموم صيغة الجمع المذكر للنساء.
قوله: (إضافة إلى الفاعل) أى فضميرهن عائد للنساء اللاتى قلن: ما نرى اللَّه ذكر إلا الرجال.
قوله: (نفى أم سلمة) أى الداخلة فى النساء القائلات ما نرى إلخ.
قوله: (ثم الظاهر أن هذا. . . إلخ) قيل بصح أن عدم صحة نفيهن وحده كاف لأن النساء اللاتى سئلن متصفات بالعدالة سيما وفيهن أمهات المؤمنين فيلزم الفساد فى عدم صدقهن لأنه يخل بعدالتهن.
قوله: (وإن ضم هذا إلى الدليل. . . إلخ) أى جعل من جملة الصيغ التى تشارك النساء فيها الرجال صيغة الجهاد نحو: جاهدوا وصيغة الجمع نحو: فاسعوا بأن يكون المعنى لو لم يدخلن لما شاركن فى هذه الصيغ التى منها جاهدوا واسعوا واللازم وهو عدم المشاركة باطل فالجواب بمنع انتفاء اللازم لعدم دخولهن فى الجهاد والجمعة فالحاصل أننا نمنع الملازمة إن لم يلاحظ دخول صيغة الجهاد والجمعة فى دليل الخصم ونمنع انتفاء اللازم إن لوحظ ذلك.
قال: (مسألة: من الشرطية تشمل المؤنث عند الأكثر، لنا أنه لو قال: من دخل دارى فهو حر عتقن بالدخول).
أقول: ما لا يفرق فيه بين المذكر والؤنث مثل: من وما وإن كان العائد إليه مذكرًا فإنه يعم المذكر والمؤنث عند الأكثرين، وقال قوم: إنه يختص بالمذكر لنا لو قال: من دخل دارى فهو حر فدخلها النساء عتقن بالإجماع، ولولا الظهور لما أجمع عليه عادة.
قوله: (ما لا يفرق) يشير إلى أن ذكر "من" الشرطية لمجرد التمثيل والضابط الألفاظ التى لا يفرق فيها بين المذكر والمؤنث وكان لها عموم مثل: من وما الموصولتين أو الشرطيتين وغير ذلك.
المصنف: (لنا لو قال من دخل دارى. . . إلخ) ولنا أيضًا قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [النساء: 124]، فقد بين من بالذكر والأنثى ولولا شمول من لهما لما صح التبيين بهما.
قوله: (مثل من وما) أى الموصولتين أو الشرطيتين وغير ذلك كالاستفهاميتين.
قال: (مسألة: الخطاب بالناس والمؤمنين ونحوهما يشمل العبيد عند الأكثر، وقال الرازى إن كان لحق اللَّه، لنا أن العبد من الناس والمؤمنين قطعًا فوجب دخوله، قالوا: ثبت صرف منافعه إلى سيده فلو خوطب بصرفها إلى غيره، لتناقض رد بأنه فى غير تضايق العبادات فلا تناقض قالوا: ثبت خروجه من خطاب الجهاد والحج والجمعة وغيرها، قلنا بدليل كخروج المريض والمسافر).
أقول: خطاب الشارع بالأحكام بصيغة تتناول العبيد لغة مثل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} [الحجرات: 13]، و {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الحجرات: 6]، هل يتناول العبيد شرعًا حتى يعمهم الحكم أو لا بل يختص بالأحرار، الأكثر على أنه يتناول العبيد، وقال أبو بكر الرازى يعمهم إن كان الخطاب لحق من حقوق اللَّه تعالى دون حقوق الناس، لنا أن العبد من الناس والمؤمنين فيدخل فى الخطاب العام بهما قطعًا وكونه عبدًا لا يصلح مانعًا لذلك.
قالوا: أولًا: قد ثبت بالإجماع صرف منافع العبد إلى سيده فلو كلف بالخطاب لكان صرفًا لمنافعه إلى غير سيده وذلك تناقض فيتبع الإجماع ويترك الظاهر.
الجواب: لا نسلم صرف منافعه إلى سيده عمومًا بل قد استثنى من ذلك وقت تضايق العبادات حتى لو أمره السيد فى آخر وقت الظهر حين تضايق عليه الصلاة فلو أطاعه لفاتته وجبت عليه الصلاة وعدم صرف منفعته فى ذلك الوقت إلى السيد، وإذا ثبت هذا فالتعبد بالعبادة ليس مناقضًا لقولهم يصرف منافعه إلى السيد، إلا فى وقت تضايق العبادة فاندفع ما ذكرتم.
قالوا: ثانيًا: خرج العبد عن خطاب الجهاد والجمعة والعمرة والحج والتبرعات والأقارير ونحوها، ولو كان الخطاب متناولًا له بعمومه لزم التخصيص، والأصل عدمه.
الجواب: أن خروجه بدليل اقتضى خروجه وذلك كخروج المريض والمسافر والحائض عن العمومات الدالة على وجوب الصلاة والصوم والجهاد وذلك لا يدل على عدم تناولها لهم اتفاقًا، غايته خلاف الأصل ارتكب لدليل وهو جائز.
قوله: (ويترك الظاهر) وهو دخوله فى عموم الخطاب.
قوله: (فلو أطاعه) أى العبد السيد (لفاتته) أى صلاة الظهر العبد وهذا الشرطية
عطف على تضايق بيانًا له وتفسيرًا وقوله وجبت عليه الصلاة، وجواب لو أمره السيد وعدم صدق عطف على الصلاة وقوله إلا فى وقت استثناء من قوله يصرف منافعه.
قوله: (كخروج المريض) أى من عموم الصوم والجهاد والمسافر عن الصوم والحائض عن الكل.
المصنف: (يشمل العبيد) أى شرعًا بمعنى أنهم مرادون شرعًا من الصيغة لعمومها لغة.
المصنف: (وقال الرازي. . . إلخ) لم يأت بدليل يدل على التفصيل لأن الدليلين اللذين ذكرهما إنما هما للقائل بعدم العموم مطلقًا.
قال: (مسألة: مثل {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} [الحجرات: 13]، {يَاعِبَادِيَ} [الزمر: 53]، يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم عند الأكثرين، وقال الحليمى إلا أن يكون معه قل لنا ما تقدَّم وأيضًا فهموه لأنه إذا كان لم يفعل صلى الله عليه وسلم سألوه فيذكر موجب التخصيص، قالوا: لا يكون آمرًا مأمورًا ومُبَلِّغًا مُبَلَّغًا بخطاب واحد، ولأن أمر للأعلى ممن دونه، قلنا الآمر هو اللَّه سبحانه، والمبلغ جبريل عليه السلام. قالوا: خص بأحكام كوجوب ركعتى الفجر والضحى والأضحى وتحريم الزكاة وإباحة النكاح بغير ولى ولا شهود ولا مهر وغيرها. قلنا: كالمريض والمسافر وغيرهما ولم يخرجوا بذلك من العمومات).
أقول: ما ورد على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم من العمومات المتناولة له لغة هل يعم الرسول أو كونه واردًا بلسانه يمنع دخوله فيها مثاله قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الحجرات: 6]، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} [الحجرات: 13]، {يَاعِبَادِيَ} [الزمر: 53]، وغيره
فالأكثر على أنه يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم مطلقًا، وقيل لا يشمله مطلقًا، وقال الحليمى مفصلًا إن كان مأمورًا فى أوله بالقول للأمة نحو:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ} [الحجرات: 13]، لا يشمله وإلا شمله لنا ما تقدَّم أنه ممن يتناوله اللفظ لغة فوجب الدخول فيه عند التركيب ولنا أيضًا أن الصحابة فهموا دخوله عليه الصلاة والسلام فيها ولذلك إذا لم يفعل بمقتضاه سألوه عن الموجب وذكر موجب التخصيص وذلك تقرير منه لدخوله فيها.
قالوا: أولًا: أنه عليه الصلاة والسلام آمر أو مبلغ فإن كان آمرًا فلا يكون مأمورًا لأن الواحد بالخطاب الواحد لا يكون آمرًا ومأمورًا معًا وإن كان مبلغًا فلا يكون مبلغًا إليه لمثل ذلك فإن قيل قد يكون آمرًا مأمورًا من جهتين قلنا الآمر أعلى مرتبة من المأمور فلا بد من المغايرة.
الجواب: لا نسلم أنه آمر أو مبلغ بل الآمر هو اللَّه والمبلغ هو جبريل وهو حاك لتبليغ جبريل ما هو داخل فيه.
قالوا: ثانيًا: أنه عليه الصلاة والسلام مخصوص بأحكام من وجوب أشياء نحو ركعتى الفجر وصلاة الضحى والأضحى وتحريم أشياء كالزكاة وخائنة الأعين وإباحة أشياء كالنكاح من غير شهود وولى وبلا مهر والزيادة على أربع نسوة والتزويج بلفظ الهبة إلى غير ذلك مما نطق به موضعه فدل على عدم مشاركته لأمته فى عموم الخطاب.
الجواب: أن انفراده فى ذلك بدليل لا يوجب عدم المشاركة مطلقًا فإن عدم الحكم قد يكون لمانع كما يكون لعدم المقتضى وذلك كما خرج المريض والمسافر وغيرهما من عمومات مخصوصة ولا يوجب ذلك خروجهم من العمومات مطلقًا.
قوله: (ما ورد عطى لسان الرسول) نفى لما ذهب إليه الشارح العلامة من أن المراد بمثل {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} [النساء: 1]، و {يَاعِبَادِيَ} [الزمر: 53]، خطاب التكاليف الوارد بالألفاظ العامة مع كونه منادى يعنى أن المراد ما هو أعم من ذلك.
قوله: (هل يعم الرسول) أى بحسب الحكم المستفاد من التركيب أو لا يعم بناء على أن وروده بلسان الرسول يمنع دخول الرسول فى العمومات.
قوله: (مطلقًا) أى سواء كان مأمورًا فى أوله بالقول أو لم يكن وليس المراد صريح لفظ القول بل يدخل فيه مثل بلغهم كذا واكتب إليهم كذا أو ما أشبه ذلك.
قوله: (فهموا دخوله) ضمير دخوله وسألوه ومنه للرسول وضمير فيها للعمومات وضميره مقتضاه لما ورد بلسانه مثال ذلك ما روى أنه عليه السلام أمر أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة ولم يفسخ فقالوا: أمرتنا بالفسخ ولم تفسخ، ولم ينكر عليهم ما فهموه من دخوله فى ذلك الأمر، بل تحوّل إلى بيان الموجب بقوله إنى قلدت هديًا، وإذا كانوا يفهمون من أمر الرسول لهم دخوله فيه فمن أمر اللَّه الوارد بلسانه أولى وإذا وجد مثل ذلك فى الخطابات المصدرة بلفظ قل انتهض على الحليمى أيضًا واحتج الحليمى بأن الأمر بالآمر بالشئ لا يكون آمرًا به لو قال الملك لوزيره قل يا أيها الناس افعلوا كذا لم يدخل الوزير وأجيب بأن جميع الخطابات المنزلة عليه فهى فى تقدير قل فيلزم أن لا يدخل فى شئ منها ورد بالمنع ولو سلم فليس المقدر كالملفوظ من كل وجه.
قوله: (فإن قيل قد يكون آمرًا مأمورًا) ظاهر عبارة المتن أن قوله ولأن الأمر طلب الأعلى شبهة أخرى للخصم والشارح جعله جواب سؤال يورد على الشبهة الأولى نظرًا إلى ما فى بعض النسخ من تجرد قوله ولأن عن الواو والأول هو الموافق لكلام الآمدى، فإن قيل فمثله يرد على التبليغ ولا يتأتى الجواب بمثل ما
ذكر إذ لا يشترط كون المبلغ أعلى، قلنا لا بد من أن يكون وصول الخطاب إلى المبلغ قبل وصوله إلى المبلغ إليه، وهذا فى الواحد محال وإن تعددت جهاته وهو ظاهر.
قوله: (وهو) أى الرسول يحكى تبليغ جبريل الخطاب الذى هو أى الرسول داخل فيه.
قوله: (نحو ركعتى الفجر) ذكره الآمدى ولا يوجد فى كتب الفروع.
قوله: (كالزكاة) فإن قيل كما تحرم عليه صلى الله عليه وسلم تحرم على أقربائه بنى هاشم وبنى المطلب قلنا لما كان بسبب قرابته عدّ من خصائصه أو تقول التحريم عليه وعلى الأقارب من خصائصه.
قوله: (وخائنة الأعين) فسرت بالإيماء إلى مباح من قتل أو ضرب على خلاف ما يظهر سمى بذلك لأنه يشبه الخيانة من حيث إنه لخفى.
قوله: (والزيادة على الأربع) يعنى إلى التسع فما فوقها على ما هو الصحيح.
قوله: (إلى غير ذلك) أما من الواجبات فكالوتر والتهجد والسواك وتخيير نسائه فيه والمشاورة وتغيير المنكر ومصابرة العدو الكثير وقضاء دين الميت المعسر وأما من المحرمات فكصدقة التطوّع، ونزع لأْمَته حين يقاتل، والمَنّ ليستكثر، ونكاح الكتابية والأمة، وأما من المباحات فكصوم الوصال وصفى المغنم وخمس الخمس وجعل إرثه صدقة وأن يشهد ويقبل ويحكم لنفسه ولولده.
المصنف: (يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم) أى لتناوله له لغة ولأنه مرسل لنفسه أيضًا فلا يقال كيف يتناول قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} [الأعراف: 158]، نفسه صلى الله عليه وسلم إذ لا بعد فى إخباره بأنه رسول لنفسه.
المصنف: (أو لأن الأمر للأعلى ممن دونه) أى أن الأمر يشترط فيه أن يكون من الأعلى للأدنى فلا يصح أن يكون آمرًا ومأمورًا وهذه الشبهة محكية على لسان الخصم فلا يرد أن يقال: إنه لا يشترط العلو عند المصنف وإنما يشترط الاستعلاء.
الشارح: (يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم مطلقًا) أى سواء عبر فيه بقل أو لم يعبر به قال إمام الحرمين فى البرهان: وكان التقدير فيه بلغنى من أمر ربى كذا فاسمعوه وعوه واتبعوه. اهـ. يعنى والذى بلغه عام فى نفسه فلا يغيره كون النبى قد اختص
بشئ وهو التبليغ.
الشارح: (وقيل لا يشمله مطلقًا) قال فى البرهان لا يؤبه بمن ذهب إلى ذلك لأن اللفظ صالح ووضع اللسان حاكم باقتضاء التعميم والرسول صلى الله عليه وسلم من المتعبدين بقضايا التكاليف كالأمة.
قوله: (وأجيب بأن الخطابات المنزلة. . . إلخ) قد علمت ما قاله فى البرهان من أن المعنى على أنه بلغنى عن اللَّه كذا فاسمعوه وعوه فليس قول اللَّه تعالى قل كذا من باب الأمر بالأمر فى الحقيقة.
قال: (مسألة: مثل {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} [الحجرات: 13]، ليس خطابًا لمن بعدهم، وإنما ثبت الحكم بدليل آخر، من: إجماع أو نص أو قياس خلافًا للحنابلة، لنا القطع بأنه لا يقال للمعدومين يا أيها الناس، وأيضًا إذا امتنع فى الصبى والمجنون فالمعدوم أجدر. قالوا: لو لم يكن مخاطبًا لم يكن مرسلًا إليه، والثانية اتفاق، وأجيب بأنه لا يتعين الخطاب الشفاهى بل لبعض شفاهًا ولبعض بنصب الأدلة بأن حكمهم كحكم من شافههم، قالوا: الاحتجاج به دليل التعميم. قلنا: لأنهم علموا أن حكمه ثابت عليهم بدليل آخر جمعًا بين الأدلة).
أقول: ما وضع لخطاب المشافهة نحو: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} [الحجرات: 13]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الحجرات: 6]، ليس خطابًا لمن بعدهم وإنما يثبت حكمه لهم بدليل آخر من إجماع أو قياس أو نص أما بمجرد الصيغة فلا، وقالت الحنابلة: هو عام لمن بعدهم، لنا أنا نعلم قطعًا أنه لا يقال للمعدومين {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} [الحجرات: 13]، ونحوه وإنكاره مكابرة، ولنا أيضًا أنه امتنع خطاب الصبى والمجنون بنحوه، وإذا لم نوجهه نحوهم مع وجودهم لقصورهم عن الخطاب، فالمعدوم أجدر أن يمتنع لأن تناوله أبعد.
قالوا: أولًا: لو لم يكن الرسول مخاطبًا لمن بعدهم لم يكن مرسلًا إليه واللازم منتف، أما الملازمة فإذ لا معنى لإرساله إلا أن يقال له بلغه أحكامى ولا تبليغ إلا بهذه العمومات وهى لا تتناوله، وأما انتفاء اللازم فبالإجماع.
الجواب: لا نسلم أنه لا تبليغ إلا بهذه العمومات التى هى خطاب المشافهة إذ التبليغ لا تتعين فيه المشافهة نعم يجب التبليغ فى الجملة وأنه يحصل بأن يحصل للبعض شفاهًا وللبعض بنصب الدلائل والأمارات على أن حكمهم حكم الذين شافههم.
قالوا: ثانيًا: لم يزل العلماء يحتجون على أهل الأعصار ممن بعد الصحابة بمثل ذلك وهو إجماع على العموم لهم.
الجواب: لا يتعين أن يكون ذلك لتناوله لهم بل قد يكون لأنهم علموا أن حكمه ثابت عليهم بدليل آخر جمعًا بين الأدلة، أى هذا الدليل الدال على المشاركة فى الحكم، ودليلنا الدال على عدم الدخول فى الخطاب.
قوله: (لمن بعدهم) أى لمن بعد الموجودين فى زمن الوحى وقيل لمن بعد الحاضرين، مهابط الوحى والأول هو الوجه ويدل عليه ما ذكر فى الاستدلال أنه لا يقال للمعدومين يا أيها الناس واعلم أن القول بعموم النصوص لمن بعد الموجودين وإن نسب إلى الحنابلة فليس ببعيد حتى قال الشارح العلامة ذكر فى الكتب المشهورة أن الحق أن العموم معلوم بالضرورة من دين محمد عليه الصلاة والسلام، وهو قريب وما ذكره المحقق من أن إنكاره مكابرة حق فيما إذا كان الخطاب للمعدومين خاصة وأما إذا كان للموجودين والمعدومين ويكون إطلاق لفظ المؤمنين أو الناس عليهم بطريق التغليب فلا ومثله فصيح شائع فى الكلام يعرفه علماء البيان وكذا الاستدلال الثانى ضعيفًا لأن عدم توجه التكليف بناء على دليل لا ينافى عموم الخطاب، وتناوله لفظًا.
قوله: (لو لم يكن الرسول مخاطبًا) فإن قيل هذه الخطابات إنما هى من اللَّه تعالى وإنما الرسول مبلغ قلنا هذا التقرير ناظر إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو الذى يوجه الكلام نحو المخاطبين فهو المخاطب لهم وإن جعلنا المخاطب هو اللَّه تعالى فالتقرير أنه لو لم يكن مخاطبًا لمن بعد الرسول لم يكن الرسول مرسلًا إليهم لأن معنى إرساله إليهم أن يقال له بلغه ما خاطبتهم به وقد وقع فى بعض النسخ وكذا فى المنتهى لو لم يكن مخاطبًا به والمعنى لو لم يكن من بعده مخاطبًا بمثل يا أيها الناس لم يكن الرسول مرسلًا إليهم لما مر.
قوله: (وأما انتفاء اللازم فبالإجماع) لم يتمسك بمثل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 128]. "بعثت إلى الأسود والأحمر"؛ لأن الخصم لا يسلم شموله المعدومين.
قوله: (جمعًا بين الأدلة) دفع لما يقال سياق القصص على ما نقلت، يدل على أن احتجاجهم كان بنفس هذه العمومات وأنها تتناولهم، فإن قيل على جواب الشبهتين الأدلة الأخرى أيضًا من قبيل الخطابات والمفروض أنها لا تتناول المعدومين، سلمنا أنها ليست من الخطابات كإجماع أو قياس يحصل فى ذلك الزمان فدليل حجيتها من الخطابات، والتقدير أنها لا تتناول العدومين فكيف يحتج بها، قلنا يجوز أن يثبت ذلك بإجماع أو تنصيص على ثبوت الحكم أو حجية
الأدلة فى حق الموجودين والمعدومين بطريق آخر غير تناول الخطاب لهم كما فى قوله: "الجهاد ماض إلى يوم القيامة"، "لا تجتمع أمتى على الضلالة".
المصنف: (مثل يا أيها الناس ليس خطابًا. . . إلخ) اعلم أنه لا خلاف فى أن الموجودين وقت الخطاب ومن بعدهم سواء فى الحكم وإنما الخلاف فى أن غير الموجودين هل يشملهم اللفظ لغة أو شمول الحكم لهم من دليل منفصل والجمهور على الثانى لا يقال قد صححوا قول الأصحاب أن الأمر يتعلق بالمعدوم ومقتضاه صحة توجه الخطاب بنحو اعبدوا للمعدومين فيكون الحق التناول لأنا نقول فرق بين الخطاب النفسى والخطاب اللفظى فتعلق الخطاب النفسى فى الأزل يدخله معنى التعليق على معنى أن المعدوم الذى علم اللَّه أنه يوجد بشرائط التكليف توجه عليه حكم فى الأزل بما يفهمه ويعقله فيما لا يزال بخلاف الخطاب اللفظى فتوجيهه إلى المعدوم ممتنع لكونه غير فاهم.
قوله: (فليس ببعيد) رد بأن المراد عدم التناول على سبيل الحقيقة ولا شك فى بعد عموم المنصوص على هذا الوجه وأن العموم على طريق التغليب مجاز وهو رد فى غير محله لأن من قال بعدم العموم نفاه عن اللفظ مطلقًا حقيقة أو مجازًا وإنما يفهم شمول الحكم للمعدومين من دليل آخر من إجماع أو قياس أو غير ذلك لا على معنى أن يكون ذلك قرينة على إرادة العموم من الخطاب مجازًا.
قوله: (وكذا الاستدلال الثانى ضعيف لأن عدم. . . إلخ) رد بأن الاستدلال الثانى مبناه على أن الخطاب ليس متوجهًا لنحو الصبى والمجنون لعدم فهمهما وأن خروجهما لعدم الفهم لا لعدم التكليف حتى يقال: إن عدم توجه التكليف إلخ.
قوله: (سياق القصص على ما نقلت) أى قصص الاحتجاج فى كل عصر من العلماء على أهل الأعصار ممن بعد الصحابة بمثل ما فيه الخطاب الشفاهى.
قوله: (على جواب الشبهتين) أى الذى هو أن التبليغ بنصب الأدلة وأنهم علموا من دليل آخر.
قوله: (فدليل حجتها من الخطابات) أى التى استند إليها الإجماع أو القياس.
قال: (مسألة: المخاطب داخل فى عموم متعلق خطابه عند الأكثر أمرًا ونهيًا أو خبرًا: مثل {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3]، من أحسن إليك فأكرمه أو فلا تهنه. قالوا: يلزم {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62]، قلنا: خص بالعقل).
أقول: من خاطب المكلفين بخطاب هو داخل فى عموم متعلقه، فالمخاطب نفسه هل يدخل فى ذلك الخطاب لتناوله له صيغة أو لا يدخل لقرينة كونه مخاطبًا. مثاله فى الخبر:{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3]، وفى الأمر قولك:"من أكرمك فأكرمه"، فإنه أمر عام لا يختص بمخاطب دون مخاطب وفى النهى قولك من أكرمك فلا تهنه فإنه نهى عام فالأكثر على أنه يدخل وقيل لا يدخل، لنا ما تقدَّم أنه يتناوله لغة فوجب تناوله له فى التركيب.
قالوا: قال اللَّه تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62]، فيلزم أن يكون خالقًا لنفسه؟
الجواب: أنه ظاهر فيه وقد خص بدليل العقل.
قوله: (من خاطب) يشير إلى أن قول المصنِّف المخاطب داخل إنما هو بكسر الطاء على صيغة اسم الفعول.
وقوله: (فالمخاطب نفسه) على صيغة اسم الفاعل.
وقوله: (لتناوله) أى الخطاب (له) أى للمخاطب (صيغة) يشير إلى أن الكلام فيما إذا وجد فى الكلام صيغة تتناول المخاطب بحسب اللغة كلفظ كل شئ فى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3]، ولفظ من فى: من أكرمك فأكرمه، أو فلا تهنه، وبهذا يظهر أن المقصود دخول المخاطب أعنى المتكلم بالأمر والنهى فى مفعول أكرمه ولا تهنه لا فى فاعلها فقول الشارح لا يختص بمخاطب دون مخاطب مما لا معنى له، والصواب بواحد دون واحد.
قوله: (أو حجية الأدلة) عطت على ثبوت الحكم وقوله فى حق الموجودين والمعدومين بطريق آخر تنازعه كل من ثبوت الحكم وحجية الأدلة والمعنى أنه يجوز أن يثبت ذلك أى شمول الحكم للمعدومين بإجماع على ثبوت الحكم فى حق الموجودين والمعدومين بطريق آخر أو يثبت ذلك بالتنصيص على ثبوت الحكم
لذلك أو يثبت ذلك بإجماع أو نص على حجية الأدلة كذلك.
قوله: (كما فى قوله الجهاد ماض إلى يوم القيامة) مثال للنص على ثبوت الحكم فى حق المعدومين بطريق آخر غير تناول الخطاب لأنه لا خطاب وقوله لا تجتمع. . . إلخ. مثال للنص على حجية الإجماع الذى هو من الأدلة.
قوله: (لا فى فاعلها) يؤيد ذلك أنه قال عموم متعلق الخطاب والمفعول هو الذى يصدق عليه عرفًا أنه متعلق بخلاف الفاعل.
قال: (مسألة: مثل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]، لا يقتضى أخذ الصدقة من كل نوع من المال خلافًا للأكثر، لنا أنه بصدقة واحدة يصدق أنه أخذ منها صدقة فيلزم الامتثال، وأيضًا فإن كل دينار مال ولا يجب ذلك بالإجماع، قالوا: المعنى من كل مال فيجب العموم، قلنا: كل للتفصيل ولذلك فرق بين: للرجال عندى درهم، وبين لكل رجل عندى درهم، باتفاق).
أقول: مثل قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]، لا يقتضى أخذ الصدقة من كل نوع من أنواع أموالهم بل يكفى أخذ صدقة واحدة من جملة الأموال، والأكثر على خلافه، لنا أنه إذا أخذ من جملة أموالهم صدقة واحدة صدق أنه أخذ من أموالهم، صدقة وإذا صدق ذلك فقد امتثل، ولنا أيضًا الإجماع، على أن كل دينار وكل درهم مال ولا يجب أخذ الصدقة منه إجماعًا فلا يجب من كل مال وإذا لم يجب لم يجب من كل نوع إذ لا مقتضى له إلا فهم العموم من الخطاب، وقد يجاب عن الأول بمنع صدق {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]، على ظاهره إذ معناه بقضية العموم خذ من كل مال صدقة، وعن الثانى أنه ظاهر فى العموم وعارضه الإجماع فى بعض متناولاته فخصه منها فبقى فيما عداه حجة، قالوا: أموالهم للعموم لأنه جمع حجة مضاف كما مر فيكون المعنى خذ من كل واحد من أموالهم صدقة إذ معنى العموم ذلك وهو المطلوب.
الجواب: منع أن معنى العموم ذلك، فإن كل وضع لاستغراف كل واحد واحد مفصلًا وهو أمر زائد على العموم، ولذلك فرق بين للرجال عندى درهم، وبين لكل رجل عندى درهم حتى يلزم فى الأول درهم واحد، وفى الثانى دراهم بعدة الرجال.
قوله: (صدق أنه أخذ من أموالهم صدقة) هذا عين النزاع، فإن من زعم أن:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]، يقتضى أخذ الصدقة من كل نوع لا يسلم ذلك ويدعى أنه لا يصدق إلا بأخذ الصدقة من كل نوع وذلك أيضًا بواسطة العرف والإجماع على أنه لا يجب الأخذ من كل فرد يصدق عليه أنه مال حتى الدينار والدرهم والدانق وما دون ذلك وإلا فقضية العموم بحكم اللغة يقتضى ذلك فقوله فى الدليل الثانى: وإذا لم يجب من كل دينار وكل درهم لم يجب من
كل نوع فى حيز المنع لأن الإجماع إنما عارض العام فى بعض متناولاته الذى هو الأفراد فبقى حجة فيما عدا ذلك البعض أعنى الأنواع، وتحقيق المقام أن الجمع لتضعيف المفرد والمفرد خصوصًا مثل المال والعلم، والمال قد يراد به الفرد فيكون معنى الجمع المعرف باللام أو الإضافة جميع الأفراد وقد يراد به الجنس فيكون معناه جميع الأنواع كالأموال والعلوم والتعويل على القرائن وقد دل العرف، وانعقد الإجماع على أن المراد فى مثل:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. . .} [التوبة: 103] الأنواع لا الأفراد، وأما ما يتوهم من أن معنى الجمع العام هو المجموع من حيث هو مجموع أو كل واحد من الجموع لا من الآحاد حتى بنوا عليه أن استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع فقد تكلمنا عليه فى شرح التلخيص، نعم قد تقوم قرينة على أن المراد بالجمع المعرف هو المجموع لا كل فرد مثل: هذه الدار لا تسع الرجال، أو نفس الحقيقة مثل: فلان يركب الخيل، ويا هند لا تحدثى الرجال، فلهذا يفرق بين: للرجال عندى درهم، ولكل رجل عندى درهم، عملًا بالبراءة الأصلية، بخلاف مثل:{وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]، ويحب كل محسن، {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} [غافر: 31]، أو لأحدٍ من العباد.
المصنف: (مثل {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة: 103]) أى من كل جمع مضاف لجمع أو ضمير جمع وقد عبر الحنفية عن هذه المسألة بقولهم: الجمع المضاف إلى جمع لا يوجب الجمع فى كل فرد خلافًا لزفر ودليلهم أن مقابلة الجمع بالجمع تقضى القسمة آحادًا فالمعنى خذ من مال غنى صدقة ومن مال غنى آخر صدقة وهكذا، وهذا لا يقتضى الأخذ من جميع أموال كل واحد واحد ولا يقتضى استغراق آحاد مال كل ولا أنواعه والغلبة فى الاستعمال ذلك ولا يضر تخلفه فى نحو قوله تعالى:{وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ} [الأنعام: 31]، وقد استدل ابن الحاجب على هذا المذهب بأن أخذ صدقة واحدة من أموال كل يصدق عليه أنه أخذ صدقة من أموالهم فيتحقق به الامتثال ورد بأنه عين النزاع والخصم لا يسلم ذلك.
المصنف: (لا يقتضى أخذ الصدقة من كل نوع من المال) أى من كل نوع من المال لكل واحد واحد يعنى كما لا يقتضى الأخذ من كل الآحاد.
المصنف: (خلافًا للأكثر) أى حيث قال إنه يوجب الأخذ من كل نوع من أموال
كل واحد واحد لأنه جمع مضاف للعموم فيعم.
الشارح: (وهو أمر زائد على العموم) أى فالعموم متحقق بشمول جميع الأجزاء وعلى هذا فالجمع مراد منه مجموع الأفراد عند عدم التفصيل بكله ومع ذلك هو عام وهذا مقتضى أن استغراق المفرد أشمل ومقتضى ما قاله السعد فى شرح التلخيص من أن مدلول الجمع المستغرق كل فرد فرد وإنما يراد المجموع بالقرينة أن استغراق الفرد ليس أشمل فقول المحشى: وأما ما يتوهم. . . إلخ. قصد به الرد على قول الشارح الجواب منع أن معنى العموم ذلك. . . إلخ.
قال: (مسألة: العلى بمعنى المدح والذم مثل: {إِنَّ الأَبْرَارَ} [الانفطار: 13]، و {وَإِنَّ الْفُجَّارَ} [الانفطار: 14]، {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] عام، وعن الشافعى خلافه، لنا عام ولا منافى، نعم كغيره، قالوا: سيق لقصد المبالغة فى الحث أو الزجر فلا يلزم التعميم، قلنا: التعميم أبلغ، وأيضًا لا منافاة بينهما).
أقول: العام قد يتضمن معنى المدح والذم، مثاله:{إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ (13) وَإِن الْفُجَّارَ لَفِى جَحِيْمٍ} [الانفطار: 13، 14]، فمثل هذا العام هل هو للعموم فيثبت به الحكم فى جميع متناولاته أو لا، الأكثر أنه للعموم، ونقل عن الشافعى خلافه، حتى أحال بعض الشافعية التعلق بقوله:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيْلِ اللُّهِ} ، فى وجوب الزكاة فى الحلى لأن القصد بذلك إلحاق الذم بمن يكنز الذهب والفضة، لنا أنه عام بصيغته وضعًا ولا منافاة بين المدح والذم وبين التعميم فوجب التعميم عملًا بمقتضى السالم عن المعارض، قالوا: سيق الكلام لقصد المدح والذم وقد عهد فيهما التجوز والتوسع وأن يذكر العام بيان لم يرد العموم مبالغة وإغراقًا.
الجواب: أن التعميم أبلغ فى المدح والذم فيدل السوق لهما على إرادته لا على عدم إرادته، سلمنا ذلك لكن لا منافاة بين السوق للمبالغة وبين التعميم حتى يدل ثبوت أحدهما على نفى الآخر.
قوله: (التعلق بقوله) أى التمسك يعنى يزعمون أن ليس الذهب والفضة عامًا للحلى حتى تجب فيه الزكاة بناء على أن سوق الكلام للذم لا لإيجاب الزكاة فى كل ذهب وفضة.
قوله: (ولا منافاة) عين النزاع فإن الخصم يزعم أن قصد المدح أو الذم ينافى قصد عموم الحكم وإن كان اللفظ عامًا بصيغته لما أن المقصود من إيراد مثله المنع عما الذم لأجله على وجه المبالغة فلو ثبت العموم فات معنى الذم.
قوله: (مبالغة) متعلق بأن يذكر وهى أعم من الإغراق على ما عرف فى فن البديع.
قوله: (سلمنا ذلك) حاصل الشبهة أن ذكر العام مع عدم التعميم وإرادة العموم أدخل فى المبالغة فى المدح والذم، والجواب أنّا لا نسلم ذلك بل التعميم أدخل
فيها ولو سلم فالتعميم وإن لم يكن أدخل فيها فليس منافيًا لها حتى يكون القصد إليها مستلزمًا لنفى العموم بل غاية الأمر أن المبالغة تحصل بكل منهما وإن كان عدم التعميم أدخل وعلى هذا لا يتوجه ما يقال لا نسلم عدم المنافاة فإن المبالغة إنما تحصل بتقدير ذكر العام وعدم إرادة العموم، ويجاب بأن قصد المبالغة فى الحث لا ينافى العموم لا قصد المبالغة مطلقًا فإنه قد ينافيه كما فى ضربت الناس كلهم.
قوله: (حاصل الشبهة. . . إلخ) يعنى أن كون السياق للمدح أو الذم لقصد الحس أو الزجر يتحقق مع عدم إرادة التعميم ومع إرادة التعميم وعند عدم إرادة التعميم يكون أبلغ فحينئذ لا لزوم لإرادة التعميم هذا حاصل الشبهة وحاصل الرد أنا نمنع أن الأبلغية عند عدم إرادة التعميم بل الأبلغية عند إرادة التعميم سلمنا أن الأبلغية إنما تكون عند عدم إرادة التعميم لكن التعميم لا ينافى أصل المبالغة التى سيق الكلام لها لأنها تحصل معه كما تحصل عند عدمه.
قوله: (لا نسلم عدم المنافاة) أى التى ادعاها بقوله لكنه لا منافاة بين السوق للمبالغة وبين التعميم وقوله ويجاب بأن قصد المبالغة. . . إلخ. عطف على المنفى.