الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(مسألة: لا يختص الإجماع بالصحابة
وعن أحمد رحمه الله قولان لنا الأدلة السمعية، قالوا: إجماع الصحابة قبل مجئ التابعين وغيرهم على أن ما لا قطع فيه سائر فيه الاجتهاد فلو اعتبر غيرهم خولف إجماعهم وتعارض الإجماعان، وأجيب بأنه لازم فى الصحابة قبل تحقق إجماعهم فوجب أن يكون ذلك مشروطًا بعدم الإجماع، قالوا: لو اعتبر لاعتبر مع مخالفة بعض الصحابة رضى اللَّه عنهم، وأجيب بعقد الإجماع مع تقدم المخالفة عند معتبريها).
أقول: لا يختص الإجماع المحتج به بالصحابة بل إجماع غيرهم حجة خلافًا للظاهرية، وعن أحمد فيه قولان لنا أنه إجماع الأمة فوجب اعتباره بالأدلة السمعية نحو:{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115]، "لا تجتمع أمتى على الخطأ".
قالوا: أولًا: لو اعتبر إجماع غير الصحابة لزم عدم اعتبار إجماع الصحابة ولزم تعارض الإجماعين وكلاهما باطل، بيانه أنه انعقد إجماع الصحابة قبل مجئ التابعين وغيرهم فيما لا قاطع فيه من الأحكام أنه يجوز فيه الاجتهاد والأخذ بأى واحد من الطرفين أدى إليه الاجتهاد فلو أجمع غيرهم بعدهم فى شئ منها لم يجز فيه الاجتهاد إجماعًا ولا الأخذ بغير ما عليه الإجماع فأدى إلى بطلان الإجماع الأول وإلى تعارض الإجماعين.
والجواب: أن ذلك جار فى إجماع الصحابة قبل تحقق إجماعهم لإجماعهم على جواز الاجتهاد فى المسائل المختلف فيها، فلو صح ما ذكرتم وجب أن لا يجوز إجماعهم فى شئ منها واللازم باطل بالاتفاق فانتقض دليلكم، فالتحقيق أنه يجب أن يكون المجمع عليه منهم مشروطًا بعدم القاطع وهو أن ما لا قاطع فيه يسوغ فيه الاجتهاد ما دام كذلك وأكثر القضايا العرفية سيما السوالب تفيد ذلك وإن لم يصرح به فإذا قلت: لا شئ من النائم بيقظان فهم منه ما دام نائمًا، وفيما ذكرنا من الصورة قد زال الشرط فزال الحكم فلا يلزم شئ من الأمرين.
قالوا: ثانيًا: لو اعتبر إجماع غيرهم لاعتبر مع مخالفة بعض الصحابة لأنها لا تصلح معارضًا للإجماع واللازم منتف.
الجواب: أن من لا يعتبر مخالفة بعض الصحابة ولا يراها قادحة فى الإجماع فهذا عنه ساقط وإنما يتوجه على من يعتبرها وهو يمنع كون ذلك إجماعًا فإنه يشترط فى الإجماع أن لا يسبقه خلاف مستقر والحاصل أن معتبرها يمنع الملازمة
وغيره يمنع بطلان اللازم.
قوله: (بالأدلة السمعية) لأن العقلية لا تنتهض لأن الظاهرية لا يسلمون الإجماع على القطع بتخطئة المخالف، فإن قيل: وكذا السمعية لأن المؤمن والأمة لا يتناول حقيقة إلا الموجودين حال نزول الآية وورود الأحاديث قلنا: فيلزم أن لا يعتد بمن وجد من الصحابة بعد ذلك وهو باطل اتفاقًا.
قوله: (جار فى إجماع الصحابة) يعنى لو صح ما ذكرتم لزم أن لا يصح إجماع الصحابة على شئ من المسائل المختلف فيها لأنهم قد أجمعوا على جواز الاجتهاد فيها فلو أجمعوا على شئ منها لزم بطلان الإجماع الأول وتعارض الإجماعين لأن الإجماع الأول يقتضى جواز الأخذ بالاجتهاد فى تلك المسألة، والإجماع الثانى ينفيه ويقتضى وجوب الأخذ بما أجمعوا عليه وبهذا يظهر أن قوله: قبل تحقق إجماعهم مما لا حاجة إليه وأن هذا الإلزام مقيد بما بعد الإجماع على جواز الاجتهاد فالأولى أن يقال: هذا لازم بعد تحقق إجماعهم على جواز الاجتهاد فيها.
قوله: (قد زال الشرط) أو وجد القاطع الذى هو الإجماع.
قوله: (لأنها) أى مخالفة بعض الصحابة لا تصلح معارضًا لإجماع غير الصحابة لأن الظنى لا يعارض القطعى.
المصنف: (لنا الأدلة السمعية) فإن قلت: كيف استدل المصنف هنا بالسمع وهو إنما يستند فى الإجماع إلى المعنى والعقل قلت: استناده إلى المعنى والعقل من أجل كون الإجماع حجة لأن ذلك أصل قاطع فيطلب له دليل قاطع، وهنا استناده إلى السمع فى أنه هل يختص بالصحابة وهى مسألة ظنية يكفى فيها دليل ظنى. اهـ. من شرح ابن السبكى.
قوله: (وبهذا يظهر. . . إلخ) فيه أن معنى قوله: قبل إجماعهم؛ قبل إجماعهم على الحكم بعد أنهم أجمعوا على أن ما لا قاطع فيه يجوز فيه الاجتهاد فلو صح ما ذكره الخصم لم يجز للصحابة أن يجمعوا على الحكم والتزام أن الصحابة أجمعوا على الحكم قبل إجماعهم على أن ما لا قاطع فيه يجوز فيه الاجتهاد لا دليل عليه فلا غبار على المصنف والشارح.
قال: (مسألة: لو ندر المخالف مع كثرة المجمعين كإجماع غير ابن عباس رضى اللَّه عنهما، على العول وغير أبى موسى على أن النوم ينقض الوضوء لم يكن إجماعًا قطعيًا لأن الأدلة لا تتناوله والظاهر أنه حجة لبعد أن يكون الراجح متمسك المخالف).
أقول: لا ينعقد الإجماع مع وجود المخالف وإن قل لأن الدليل لا ينتهض إلا فى كل الأمة نعم لو ندر المخالف مع كثرة المجمعين كإجماع من عدا ابن عباس رضى اللَّه عنهما على العول ومن عدا أبا موسى الأشعرى على أن النوم ينقض الوضوء ومن عدا أبا طلحة على أن البرد لا يفطر، لم يكن إجماعًا قطعيًا، لما ذكرنا أن الأدلة لا تتناوله لكن الظاهر أنه يكون حجة لأنه يدل ظاهرًا على وجود راجح أو قاطع، لأنه لو قدر كون متمسك المخالف النادر راجحًا والكثيرون لم يطلعوا عليه أو اطلعوا عليه وخالفوه غلطًا أو عمدًا كان فى غاية البعد.
قوله: (لو ندر المخالف) أى قل غاية القلة لم يكن اتفاق من عداه إجماعًا قطعيًا بمعنى أنه لا يكفر جاحده لكن يكون إجماعًا ظنيًا يجب على المجتهد العمل به وكان التعريف المذكور إنما هو للإجماع القطعى، فإن قيل: حكم العادة جار ههنا إذ يستحيل عادة إجماع الأكثرين من المحققين على القطع فى شرعى من غير قاطع قلنا: ممنوع بل ذلك فى الكل نعم هو بعيد غاية البعد وإن كان ممكنًا فى نفسه بأن يطلع الواحد على ما لم يطلع عليه الجماعة إذ من البعيد أن يكون متمسك المخالف النادر راجحًا أو مساويًا.
الشارح: (على أن البرد لا يفطر) البرد يطلق لغة على النوم فيحتمل أنه المراد هنا.