الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(مسألة: الأمر بواحد من أشياء
كخصال الكفارة مستقيم وقال بعض المعتزلة الجميع واجب وبعضهم الواجب ما يفعل وبعضهم الواجب واحد معين ويسقط به وبالآخر لنا القطع بالجواز والنص دل عليه وأيضًا وجوب تزويج أحد الخاطبين وأعتاق واحد من الجنس فلو كان التخيير يوجب الجميع لوجب تزويج الجميع ولو كان معينًا لخصوص أحدهما امتنع التخيير المعتزلة غير المعين مجهول ويستحيل وقوعه فلا يكلف به، والجواب أنه معين من حيث إنه واجب وهو واحد من الثلاثة فينتفى الخصوص وصح إطلاق غير المعين، قالوا: لو كان الواجب واحدًا من حيث هو أحدها لا بعينه مبهمًا لوجب أن يكون المخير فيه واحدًا لا بعينه من حيث هو أحدها فإن تعددا لزم التخيير بين واجب وغير واجب وإن اتحدا لزم اجتماع التخيير والوجوب وأجيب بلزومه فى الجنس وفى الخاطبين والحق أن الذى وجب لم يخير فيه والمخير فيه لم يجب لعدم التعيين والتعدد يأبى كون المتعلقين واحدًا كما لو حرم واحدًا وأوجب واحدًا، قالوا: يعم ويسقط وإن كان بلفظ التخيير كالكفاية، قلنا: الإجماع ثمة على تأثيم الجميع وههنا بترك واحد لا بعينه، وأيضًا فتأثيم واحد لا بعينه غير معقول بخلاف التأثيم على ترك واحد من ثلاثة، قالوا: يجب أن يعلم الآمر الواجب، قلنا: يعلمه حسبما أوجبه وإذا أوجب غير معين وجب أن يعلمه غير معين، قالوا: علم ما يفعل وكان الواجب قلنا فكان الواجب لكونه واحدًا مبهمًا لا لخصوصه للقطع بأن الخلق فيه سواء).
أقول: هذه ثانية مسائل الوجوب الأمر بواحد مبهم من أمور معينة كخصال الكفارة مستقيم ويعرف بالواجب المخير، وقال بعض المعتزلة: الواجب هو الجميع ويسقط بواحد، وقال بعضهم: الواجب واحد معين عند اللَّه وهو ما يفعل فيختلف بالنسبة إلى المكلفين، وقال بعضهم: الواجب واحد معين لا يختلف لكنه يسقط به وبالآخر لنا القطع بالجواز لأنه لو قال أوجبت عليك واحدًا مبهمًا من هذه الأمور وأيًا فعلت فقد أتيت بالواجب وإن تركت الجميع تذم لتركك أحدها من حيث هو أحدها لم يلزم منه محال، ثم النص دل عليه كما فى الكفارة فوجب حمله عليه، ولنا أيضًا إجماع الأمة على وجوب تزويج أحد الكفأين الخاطبين بالتخيير وعلى وجوب إعتاق واحد من جنس الرقبة فى الكفارة بالتخيير فلو كان التخيير يقتضى وجوب الجميع لوجب تزويج الجميع وإعتاق جميع الرقبات وهو
خلاف الإجماع. ولو كان التخيير معينًا لخصوص أحدهما لامتنع التخيير لأن التعيين يوجب أن لا يجزئ لو أتى بالآخر والتخيير يوجب أن يجزئ وهما لا يجتمعان وإذا بطل القسمان لم يبق إلا أن يوجب أحدهما لا بعينه وهو المطلوب للمعتزلة فى نفى التخيير وجوه:
قالوا: أولًا: غير المعين مجهول وكل مجهول لا يكلف به إذ علم المكلف والمكلف بما به التكليف ضرورى وأيضًا فإن غير المعين يستحيل وقوعه لأن كل ما يقع فهو معين وما يستحيل وقوعه لا تكليف به مع أنه لا قائل بأن التخيير تكليف بالمحال.
الجواب: لا نسلم أن غير المعين مجهول ويستحيل وقوعه إنما ذلك فى غير المعين من كل وجه وأما فى المعين من وجه دون وجه فلا فإن قلت: تدعى أن غير المعين من وجه مجهول من ذلك الوجه ويمتنع وقوعه من ذلك الوجه وهذا من حيث هو واجب غير معين قلنا: إنه معين من حيث هو واجب وهو مفهوم واحد من الثلاثة الحاصل فى ضمن كل واحد منها مع عدم خصوصية شئ من الثلاثة وتعينه فإطلاق غير المعين عليه صح لذلك لا لأنه لا تعين ولا يتميز له فى الذهن أو كلف بإيقاعه غير معين فى الخارج.
قالوا: ثانيًا: لو كان الواجب واحدًا لا بعينه من حيث هو أحدها مبهمًا لكان المخير فيه الجائز تركه واحدًا لا بعينه من حيث هو أحدها مبهمًا فالواجب والمخير فيه إن تعددا لزم التخيير بين واجب وغير واجب وهو يرفع حقيقة الوجوب كما تقول صل أو كل الخبز وإن اتحدا لزم اجتماع التخيير وهو جواز الترك والوجوب وهو عدم جواز الترك فى شئ واحد وأنهما متناقضان.
الجواب: أما أولًا: فبالنقض بوجوب إعتاق واحد من الجنس وتزويج أحد الخاطبين فإن دليلكم بعينه يجرى فيهما.
وأما ثانيًا: فبالحل ببيان ما هو الحق فيه وذلك أن الذى وجب وهو المبهم لم يخير فيه والمخير فيه وهو كل من المتعينات لم يجب منه شئ لأنه لم يوجب معينًا وإن كان يتأدى به الواجب لتضمنه مفهوم أحدها وتعدد ما صدق عليه أحدها إذا تعلق به الوجوب والتخيير يأبى كون متعلقى الوجوب والتخيير واحدًا كما لو حرّم واحدًا من أمرين وأوجب واحدًا فإن معناه أيهما فعلت حرم الآخر وأيهما تركت
وجب الآخر والتخيير بين واجب وغير واجب بهذا المعنى جائز إنما المتنع التخيير بين واجب بعينه وغير واجب بعينه.
قالوا: ثالثًا: كما عم الكفاية وإن كان بلفظ التخيير وسقط بفعل البعض فكذا ههنا إذ انقضى فيهما واحد وهو حصول المصلحة بمبهم.
الجواب: أما أوّلًا: فبالفرق بالإجماع ثمة على تأثيم الجميع بتركه وههنا على التأثيم بترك البعض والخصم قد لا يساعده فى الثانية لأنه المتنازع فيه ولولا أنه صرح فى المنتهى بذلك لأمكن تقدير كلامه هكذا والتأثيم ههنا بترك البعض على أن يكون استئنافًا لا متعلقًا بالإجماع، فيكون سندًا لا يمنع، ولو قال: وعدم الإجماع بالتأثيم بترك كل واحد لكفاه.
وأما ثانيًا: فهو أنا عدلنا ثمة عن الظاهر لضرورة لا توجد ههنا وهو أن تأثيم واحد لا بعينه غير معقول بخلاف التأثيم بترك واحد من الثلاثة فإنه معقول.
قالوا: رابعًا: وهو لمن زعم: أن الواجب معين عند اللَّه يجب أن يعلم الآمر الواجب فيكون معلومًا للَّه فيكون معينًا عنده.
الجواب: أنه يعلمه حسبما أوجبه فإذا أوجب واحدًا من الثلاثة غير معين وجب أن يعلمه كذلك وإلا لم يكن عالمًا بما أوجبه.
قالوا: خامسًا: وهو لمن قال: الواجب ما يفعل علم اللَّه تعالى ما يفعله المكلف لشمول علمه فيكون هو الواجب عليه فى علمه لأن ما يفعله فهو الواجب عليه اتفاقًا وأيًا ما فعل فقد أتى بالواجب اتفاقًا.
الجواب: ما يفعله هو الواجب لكونه أحد الثلاثة لا لخصوصية كونه إطعامًا ولا كسوة ولا إعتاقًا لأنّنا نقطع بأن الخلق فيه سواء والواجب على زيد هو الواجب على عمرو ولا تفاوت فى ذلك بين المكلفين إلا باعتبار الاختيار دون التكليف.
قوله: (الأمر بواحد) أى إيجاب واحد مبهم إذ لا نزاع فى أن الأمر بواحد مبهم وارد وإنما النزاع فى أنه ماذا يجب حينئذ وفى المنتهى الأمر بواحد من أشياء يقتضى واحدًا من حيث هو أحدها واختار فى المختصر هذه العبارة ليشعر بأن المعتزلة ذهبوا إلى عدم استقامة ذلك لما فى الوجوب مع التخيير مع التناقض وأطلق جمهور المعتزلة القول بأنه نقيض وجوب الجميع على التخيير، وفسره أبو الحسين
بأنه لا يجوز الإخلال بجميعها ولا يجب الإتيان به وللمكلف أن يختار أيًا كان وهو بعينه مذهب الفقهاء لكنه ينافى ما ذهب إليه بعض المعتزلة من أنه يثاب ويعاقب على كل واحد، ولو أتى بواحد سقط عنه الباقى بناء على أن الواجب قد يسقط بدون الأداء وإن كان جمهورهم على خلاف ذلك قال الإمام فى البرهان إن أبا هاشم اعترف بأن تارك خصال الكفارة لا يأثم إثم من ترك واجبات ومن أتى بها جميعًا لم يثب ثواب واجبات لوقوع الامتثال بواحدة.
قوله: (ثم النص دل عليه) أى على وجوب واحد من الأمور ونحن قاطعون بأنه جائز فيجب العمل عليه لأن الصرف عن المدلول إنما يكون عند امتناعه وليس المراد أن النص يدل على الجواز فيجب العمل عليه لأنه لا معنى لمثل هذا الكلام قال الشارح العلامة: فإن قيل الواحد الجنسى بما هو واحد إنما يتصور وجوده فى الأذهان لا فى الأعيان فيستحيل طلبه قلنا يستحيل طلبه دون الأفراد لأن فى ضمنها لجواز طلب المشترك فى ضمن الأفراد وأجاب فى المنتهى بأن المطلوب هو الواحد الوجودى الجزئى باعتبار مطابقته للحقيقة الذهنية لا باعتبار ما كان جزئيًا ورده العلامة بأنه ينافى كون الواجب هو المشترك.
قوله: (وهو يرفع حقيقة الوجوب) لاستلزامه جواز ترك كل مطلقًا من غير إثم إذ للمكلف أن يختار غير الواجب لمكان التخيير ويتركه لعدم الوجوب.
قوله: (وأما ثانيًا فبالحل) حاصله أن كلًا من الواجب والمخير فيه أحد الأمور، لكن ما صدق عليه أحد الأمور فى الواجب مبهم وفى المخير معين إذ الوجوب لم يتعلق بمعين والتخيير لم يقع فى مبهم وإلا لجاز تركه وهو بترك الكل بل فى كل معين من المعينات وتعدد ما صدق عليه مفهوم أحد المعينات عند تعلق الوجوب، والتخيير ينفى اتحاد متعلقى الوجوب والتخيير بحسب الذات كما إذا أوجب أحد الأمرين المعينين وحرم أحد ذينك الأمرين فإن كلًا من الواجب والحرام أحد الأمرين ولا يلزم منه ارتفاع حقيقة الوجوب والحرمة؛ لأن تعدد ما صدق عليه أحد الأمرين عند تعلق الوجوب والحرمة ينفى اتحاد متعلقيهما وإذا لم يتحد متعلق الوجوب والتخيير بالذات وكان التخيير بين واجب هو أحد المعينات من حيث إنه أحدها مبهمًا وبين غير واجب هو أحدها على التعيين من حيث التعيين لم يلزم منه ارتفاع حقيقة الوجوب؛ لأن هذا لا يوجب جواز ترك كل المعينات على
الإطلاق بل جواز ترك كل معين من حيث التعيين بطريق الإتيان بمعين آخر فقوله لعدم التعين تعليل لقوله والخير فيه لم يجب وقوله: وإن كان يتأدى دفع لما يتوهم من أن المعين لو لم يكن واجبًا لما تأدى به الواجب؛ لأن الواجب لا يتأدى بفعل غير الواجب يعنى أن تأدى الواجب به ليس من حيث إنه ذلك المعين بل من حيث إنه يتضمن مفهوم أحد المعينات وقوله تعدد ما صدق عليه أحدها يعنى أحد المعينات ومن غيره إلى أحدهما، وجعل الضمير للواجب والمخير فيه فلم يحم حول المقصود أصلًا ولم يبق لقوله إذا تعلق به الوجوب والتخيير معنى، ثم إذا نظرت فى كلام الشارحين وترددهم فى أن قوله لعدم التعيين متعلق بالمخير فيه أو بالواجب أو بهما جميعًا وأن قوله والتعدد يأبى معارضة أو سند لمنع الملازمة أو دليل آخر على عدم اتحاد الواجب والمخير فيه زدت استحسانًا لهذا التحقيق والتقرير واطمئنانًا به.
قوله: (كما عم الكفاية وإن كان بلفظ التخيير) مخالف لظاهر عبارة المتن لكنه اتبع فيه لفظ المنتهى حيث قال: قالوا: كما عم الواجب فى الكفاية وإن كان بلفظ التخيير وسقط بفعل الغير فكذلك هذا إلا أن المصنف عدل عنه فى المختصر لإشعاره بأن إيجاب الكفاية يكون بلفظ التخيير وليس كذلك؛ فإن قيل: المراد وإن كان بلفظ التخيير على سبيل الفرض والتقدير قلنا يأباه قوله وسقط بفعل الغير لأنه على سبيل التحقيق والأوجه أن يجعل قوله وسقط عطفًا على عم لا على كان والمعنى يعم وسقط بفعل بعض الخصال كما عم فرض الكفاية، وسقط بفعل المكلفين وإن كان البخاري المخير بلفظ التخيير فإن هذا لا يقدح فى القياس لوجود الجامع وهو حصول المقصود بمبهم.
قوله: (والخصم قد لا يساعده) أى لا يسلم الإجماع على أن التأثيم فى المخير بترك البعض وإنما قال: قد لا يساعده بلفظ قد لما سبق من أن أبا هاشم بل جمهور المعتزلة معترفون بأن تارك الكل لا يأثم إثم من ترك واجبات ثم لو كان المستدل من يقول من المعتزلة بأنه معاقب على كل واحد لكان المنع موجهًا.
قوله: (فيكون سندًا) أى إذا كان استئنافًا كان سند المنع صحة القياس بناء على وجود الفرق المؤثر وهو أن فى الكفاية يؤثم الجميع؛ فيكون الوجوب على الجميع وههنا إنما يؤثم بترك البعض فيكون الواجب هو البعض وحينئذ لا يكون منع كون
الإثم بترك البعض موجهًا لكونه كلامًا على السند وأما ما يقال من أنه حينئذ يكون سند المنع الإجماع على التأثيم بترك الكل فلا يخفى أنه غير موجه إذ المنع إنما يتوجه على مقدمة دليل الخصم.
قوله: (ولو قال) يعنى لا حاجة فى بيان الفرق إلى دعوى الإجماع على أن التأثيم ههنا بترك البعض بل يكفى أن يقال إن فى الكفاية إجماعًا على تأثيم الجميع وههنا لا إجماع.
قوله: (وهو لمن زعم أن الواجب معين) يعنى قدم دليل المذهب الثالث للمعتزلة على دليل المذهب الثانى لهم، وفى هذا رد لما ذكره العلامة من أن هذا الدليل عام لا اختصاص له ببعض مذاهبهم كالدليل الأول والثانى بخلاف الثالث فإنه مختص بمذهبهم الأول ثم ذكر فى الدليل الخامس أن الأظهر اختصاصه بالمذهب الثانى ويحتمل جعله للمذهب الأول بأن يزاد فيه، ويقال: إذا كان ما علمه اللَّه تعالى واجبًا يلزم أن يكون غيره أيضًا واجبًا لئلا يلزم التخيير بين الواجب وغيره ثم قال وإنما ترك دليل المذهب الثالث لتركبه من الدليلين الأخيرين وهو أن اللَّه تعالى علم الواجب وعلم ما يفعله المكلف وخير بينه وبين ما هو الواجب.
قوله: (من أمور معينة) إنما قيد بالتعيين لأن الأمر بواحد مبهم لا فائدة فيه أصلًا.
قوله: (مستقيم) أى صحيح جائز فيكون الواجب بذلك الأمر واحدًا مبهمًا من تلك الأمور المعينة: وما قيل من أن قوله: مستقيم مشعر بأن الخصم يدعى عدم استقامة الأمر بواحد مبهم من أمور معينة وليس كذلك إذ ليس لأحد نزاع فى استقامة هذا الأمر وإنما الخلاف فى مقتضاه فليس بشئ؛ لأن الوجوب لازم للأمر ومستفاد منه فإذا تعلق بالواحد المبهم تعلق الوجوب به أيضًا وإن تعلق بكل واحد كان الوجوب أيضًا كذلك فمن قال بوجوب الجميع يلزمه القول بتعلق الأمر به حقيقة وإن كان ظاهره التعلق بواحد مبهم فلا نزاع فى جواز تعلق الأمر بواحد مبهم ظاهرًا بل فى تعلقه به حقيقة فقوله: وقال بعض المعتزلة: الجميع واجب فى قوة قولنا وقال بعضهم لا يستقيم تعلق الأمر حقيقة بواحد مبهم بل هو فيما يظن فيه ذلك يتعلق بالجميع فيجب الجميع ويسقط بفعل واحد من تلك الأمور كما أن
الكفاية تسقط بفعل بعض.
قوله: (فيختلف بالنسبة) أى فيختلف الواجب بالنسبة إلى المكلفين ضرورة أن الواجب على كل واحد ما اختاره ولا شك فى اختلاف اختياراتهم.
قوله: (لنا القطع بالجواز) أى نجزم قطعًا بأنه يجوز عاقلًا الأمر بواحد مبهم من أمور معينة والنص قد دل دلالة ظاهرة على الأمر بواحد مبهم وعلى وجوبه كما فى الكفارة نحو قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] الآية، فوجب حمل النص على الأمر بالواحد المبهم وعلى وجوبه فثبت المطلوب.
قوله: (فلو كان التخيير يقتضى وجوب الجميع لوجب تزويج الجميع) قيل: إن أراد الجميع معًا فالملازمة ممنوعة إذ لا يقول: الوجوب على الجميع كذلك إلا بعض من المعتزلة لا يعبأ به، وأما المشاهير منهم فيدعون الوجوب على الجميع بمعنى أنه لا يجوز الإخلال بالكل وبأيها فعل يخرج عن عهدة التكليف ولا يثاب ولا يعاقب إلا على فعل واجب واحد وتركه وإن أراد الجميع بهذا التفسير التزمنا وجوب تزويج الجميع ووجوب إعتاقه وليس مخالفًا للإجماع إنما المخالف له هو المعنى الأول، والجواب: أن هؤلاء إذا لم يقولوا بالثواب والعقاب على الكل ولا بسقوط الباقى مع الإتيان بالبعض بل قالوا: إنه يبرأ به من غير سقوط فلا نزاع معهم فى المعنى إنما الكلام مع من قال: لو فعل الجميع استحق ثواب واجبات وإن تركه استحق العقاب على ترك واجبات وإن فعل البعض سقط الباقى كما يدل عليه وجوب الجميع ظاهرًا سواء كان مما يعبأ به أولًا.
قوله: (ولو كان التخيير معينًا لخصوص أحدهما) إبطال للمذهبين الأخيرين تقريره أن التخيير والتعيين متنافيان لتنافى لازميهما؛ لأن التعيين يوجب عدم جواز ترك ذلك المعين وأن لا يجزئ الإتيان بالآخر والتخيير يوجب جواز تركه، وأن يجزئ الإتيان بالآخر واللازمان لا يجتمعان فكذا الملزومان فلو كان التخيير معينًا ومع التعيين لا يخير لزم امتناع التخيير لأن وضعه يستلزم رفعه وكل ما شأنه ذلك فهو ممتنع وإلا اجتمع المتناقضان فالتخيير إذن ممتنع وهو باطل ضرورة واتفاقًا، وقد يقرر الكلام هكذا التخيير والتعيين متنافيان وقد ثبت الأول فانتفى الثانى والأول أوفق بعبارة الكتاب.
قوله: (وإذا بطل القسمان) أى وجوب الجميع ووجوب المعين على الوجهين لم
يبق إلا القول بوجوب أحدهما لا بعينه؛ إذ ليس هناك إلا المجموع والبعض المعين والبعض المبهم؛ فإذا بطل الأولان تعين الثالث.
قوله: (للمعتزلة فى نفى التخيير) أى: على الوجه المذكور المختار عندنا لا نفيه مطلقًا ولعله أورد هذه العبارة تنبيهًا على أن مآل مذهبهم نفى التخيير؛ أما على القول بالتعيين فظاهر وأما على القول بوجوب الكل فكذلك أيضًا لأن الوجوب إذا تعلق بكل واحد معًا فليس فى الإيجاب تخيير، وأما سقوط الباقى بفعل بعض فليس معنى التخيير ولا يذهب عليك أن الدليلين الأولين لو تما لدلا على بطلان إيجاب واحد مبهم، ولا يلزم منه خصوصية أحد مذاهب المعتزلة فإن كان المراد بهما إبطال مذهب الخصم أوّلًا حتى يثبت بعده ما يختار بدليل آخر مبالغة فى إثباته؛ فهما متركان بين المعتزلة بأسرهم يستدل بهما كل صاحب مذهب منهم على إبطال مذهب الخصم، ثم يلتجئ إلى دليل خاص بمذهبه فالقائل بوجوب الجميع إلى الدليل الثالث، والقائل بوجوب معين لا يختلف إلى الرابع، والقائل بوجوب المعين المختلف إلى الخامس، كما ستقف عليهما، وإن أريد بهما إثبات مذهب من مذاهبهم فلا بد أن يضم إلى كل واحد منهما ما يدل معه على ثبوته، مثلًا القائل بوجوب الكل يضم إليه ما أبطلنا به التعيين وبالعكس؛ ثم فى إثبات أحد مذهبى التعيين يحتاج إلى ما يبطل به الآخر وفيه تكلف؛ فالحق هو الأول كما أشير إليه فى الشرح بقوله: للمعتزلة فى نفى التخيير بل وفى المتن أيضًا حيث نسبهما إلى المعتزلة بأسرهم ولا يجتمعان إلا فى نفى مذهب من قال بوجوب الواحد المبهم، وليس فى شئ منهما ما يشعر بخصوص أحد مذاهبهم، وأما الضمير فى قوله ثالثًا قالوا وما بعده فهو راجع إلى بعض مبهم بحسب إشعار الدليل.
قوله: (إذ علم المكلف والمكلف بما به التكليف ضرورى) إن أريد بالضرورى ما يقابل النظرى فهو فى علم الكلف ظاهر؛ لأنا نعلم بالضرورة أن المكلف بشئ لا بد أن يكون عالمًا به وإلا امتنع تكليفه به، وأما فى علم المكلف فلا بل هو ثابت بدليل امتناع تكليف الغافل اللهم إلا أن يقال المعتزلة يدعون أن العلم يكون المكلف عالمًا بما كلف به ضرورى لقبح تكليف غير العالم به ضرورة فإن أريد به القطعى فلا غبار عليه.
قوله: (وما يستحيل وقوعه لا تكليف به) لاستحالة التكليف بالمحال أو بعدم وقوعه ثم لما استشعر أن يقال نحن نقول بوقوع تكليف المحال أشار إلى دفعه بقوله: مع أنه لا قائل بأن التخيير تكليف بالمحال يعنى لو جوزناه وقلنا بوقوعه فهذا ليس ذاك إذ لا قائل به؛ بل الكل قائلون بأنه تكليف بالمكن.
قوله: (فإن قلت ندعى أن غير العين) إشارة إلى دفع ما قيل من أن قوله، الجواب أنه معين من حيث هو واجب وهو واحد من الثلاثة يشتمل على استدراك وهو ذكر الواجب إذ يكفيه أن يقول: إنه معين من حيث هو واحد من الثلاثة فإن هذا التعيين الجنسى كاف لجواز التكليف وعدم استحالة الوقوع وتعينه من حيث إنه واجب لا ينفع فى صحة التكليف ضرورة تأخره عنه وتقريره بأن هذا القيد جواب عما عسى يورده الخصم بعد الجواب عن دليله ويقول الواجب هو الواحد المبهم فهو من حيث إنه واجب غير معين وما هو غير معين من وجه مجهول من ذلك الوجه ويمتنع وقوعه من ذلك الوجه ويلزم التكليف بالشئ من حيث إنه مجهول ومن حيث إنه محال، والجواب: أن الواجب هو مفهوم واحد من الثلاثة وهذا المفهوم أمر متعين فى نفسه ممتاز عن سائر المفهومات وهو حاصل فى ضمن كل واحد من الثلاثة وغير مقيد بخصوصية شئ منها وتعينه ويمكن إيقاعه فى ضمن أيها كان فإطلاق غير المعين عليه صح لعدم تقييده بخصوصية شئ منها لا لأنه لا تعين ولا يتميز له فى الذهن ليكون مجهولًا من حيث إنه واجب أو كلف بإيقاعه غير معين فى الخارج حتى يلزم التكليف بالمحال، وملخصه: أن ما لا تعين له أصلًا لا شخصيًا ولا غيره يستحيل أن يكون معلومًا ومفهوم أحد الثلاثة ليس كذلك قطعًا فلا يستحيل العلم به فيصح التكليف به وأن المقيد بعدم التعيين يستحيل وقوعه خارجًا لا ما لم يقيد بتعيين وعدمه وأحد الثلاثة مبهمًا من هذا القبيل دون الأول.
قوله: (لكان المخير فيه الجائز تركه واحدًا لا بعينه من حيث هو أحدها مبهمًا) لأن الكلام فى الواجب الذى خير فيه فإذا كان الواجب الواحد المبهم كان المخير فيه أيضًا الواحد المبهم، ووصفه المخير فيه بجواز الترك تنبيه على استلزام التخيير إياه فينا فى الوجوب كما سيصرح به.
قوله: (فالواجب والمخير فيه إن تعددا) فإن قلت هذا الشق من الترديد واجب
الانتفاء ضرورة أن الواحد المبهم من ثلاثة معينة كخصال الكفار مثلًا مفهوم واحد لا تعدد فيه قطعًا فيكون مستحيلًا قلت: يمكن أن يجاب عنه بأن هذا المفهوم وإن كان واحدًا لكنه يتناول جزئيات متعددة فربما يقال: هو واجب من حيث وجوده فى ضمن بعضها ومخير من حيث وجوده فى ضمن البعض الآخر وحينئذ يتعدد الواجب والمخير فيه، وتفصيل الكلام أن الوجوب إذا تعلق بالواحد المبهم فلا بد أن يتعلق التخيير به أيضًا لما عرفت فإن كان تعلقهما به من حيث هو هو أو من حيث إنه فى ضمن فرد معين يلزم اجتماع جواز الترك والوجوب فى شئ واحد وإن تعلق به أحدهما من حيث هو فى ضمن فرد والآخر من حيث هو فى ضمن آخر ولا شك أن التخيير فى المخير فيه إنما هو بالقياس إلى الواجب فيلزم التخيير بين واجب وغير واجب وهو يرفع حقيقة الوجوب إذ لا إلزام بالفعل حينئذ أصلًا أما بالقياس إلى ما ليس بواجب فظاهر وأما بالقياس إلى ما فرض واجبًا فلجواز تركه.
قوله: (الجواب أما أولًا فبالنقض) قيل: إنما يتوجه عليهم لو كان مذهبهم أن الواجب فى هذين المثالين هو الواحد المبهم، أما لو كان مذهبهم وجوب الجميع أو المعين على التفسيرين المذكورين فلا وأنت تعلم أن القول بوجوب الجميع فى مثال التزويج لا يقول به أحد، نعم يمكن القول بالتعيين على تفسيريه وأما المثال الآخر فيمن فيه القول بكل واحد منهما لكنه نظر إلى أن القول بوجوب تزويج الجميع وإعتاق جميع الرقبات مخالف للإجماع كما صرح به المصنف فى الشرح وإلى أن القول بالتعيين باطل قطعًا بما ذكره فمن ذلك يلزم المعتزلة القول بوجوب المبهم فى هذين المثالين فيتوجه النقض عليهم، واللَّه أعلم.
قوله: (وأما ثانيًا فبالحل ببيان ما هو الحق فيه) أى فى الواجب المخير وذلك الحق الذى بينه هو أن الذى وجب وهو الواحد المبهم أعنى هذا المفهوم الكلى لم يخير فيه إذ لا يجوز تركه البتة ولا تعبد فيه أيضًا والتخيير إنما هو فى كل واحد من المعينات وليس شئ منها بواجب لأن الشارع لم يوجب أحدًا معينًا من هذه المعينات، وإن كان كل واحد منها يتأدى به الواجب لتضمن كل واحد منها الواجب الذى هو مفهوم أحدها مبهمًا فليس معنى الواجب المخير أنه خير فى نفس ذلك الواجب كما يتبادر إلى الفهم من هذه العبارة، بل معناه الواجب الذى خير
فى أفراده فبطل الملازمة الدعاة فى قولهم: لو كان الواجب واحدًا لا بعينه من حيث هو أحدها مبهمًا لكان الخير فيه واحدًا لا بعينه من حيث هو أحدها مبهمًا فإن قلت: هذا التحقيق يدل على أن الواجب الأمر الكلى وذلك خلاف ما ذهب إليه المصنف من أن الأمر بالكلى أمر بجزئى مطابق له لامتناع وجوده فى الخارج كما سيأتى قلت: ما ذكره هناك فهو سهو منه كما سيعلم، والجواب بالفرق بين الماهية والفرد المنتشر لا يتم لأن مفهوم الفرد المنتشر أمر على فإن كان هو الواجب ظهر المنافاة بين الكلامين، وإن كان الواجب ما صدق عليه من الجزئيات فإما جميعها أو بعضها وكلاهما قادح فيما ذكره من التحقيق وعليك بالتثبت فى هذا المقام فإنه من مزال الأوهام.
قوله: (وتعدد ما صدق عليه. . . إلخ) مفهوم أحدها مبهمًا أمر على يصدق على جزئيات متعددة وهو فى نفسه أمر لا يتحصل إلا فى ضمنها فإذا تعلق به الوجوب والتخيير فقد تعلق به جواز الترك وعدمه، وكأنه قد قيل: أوجبت عليك أحدها وأوجزت لك ترك أحدها وليس هذا الإيجاب والتخيير بالقياس إلى هذا الكلى فى نفسه بل معناه: أن أيها فعلت جاز لك ترك الباقى وأى اثنين تركت وجب عليك الثالث فليس شئ معين من الثلاثة موصوفًا بجواز الترك على التعيين أو بالوجوب على التعيين بل كل واحد يصلح على البدل لهذا تارة ولذلك أخرى وليس التخيير بين واجب وغير واجب بهذا المعنى ممتنعًا؛ إنما الممتنع التخيير بين واجب قد اتصف بالوجوب على التعيين كالصلاة وأكل الخبز واستوضح ذلك بما إذا حرم الشارع واحدًا من الأمرين وأوجب واحدًا مبهمًا فإن ذلك لا يتصور بالقياس إلى المفهوم الكلى بل معناه: أن أيهما فعلت حرم الآخر وأيهما تركت وجب الآخر فقد خير ههنا بين واجب ومحرم ولم يقدح ذلك فى الواجب ولم يرفع حقيقة الوجوب فقوله: وتعدد ما صدق عليه أحدها إذا تعلق به الوجوب والتخيير معناه إذا تعلق بمفهوم أحدها الوجوب والتخيير فلا بد أن يكون ذلك باعتبار تعدد ما صدق عليه هذا المفهوم لاستحالة تعلقهما به من حيث هو هو واستحالته من حيث صدقه على شئ واحد، وهذا التعدد يأبى كون متعلق الوجوب والتخيير واحدًا معينًا ليلزم اجتماع المتنافيين بل هما أعنى الوجوب والتخيير يتبادلان على متعدد يصلح كل منه أن يتصف بأحدهما بدلًا عن الآخر، ومن هذا التقرير ظهر أن هذا
جواب آخر، ومن جعله تتمة للجواب الثانى فقد نظر إلى ظاهر العبارة الموهمة أن الكل جواب واحد وغفل أن الحل بحسب المعنى قد تم بحيث لو انضم إليه شئ كان مستدركًا وأن مبناه على منع اللازمة المذكورة وفى هذا قد سلمت الملازمة وحقق أن تعلقهما بهذا المفهوم الكلى كيف يكون ومآله إلى منع أن التخيير بين الواجب وغيره يرفع حقيقة الوجوب فإن ذلك فيما ذكرتم من المثال لا فيما نحن بصدده كيف وقد علم من الحل أن التخيير لم يتعلق بالواجب ولم يخير بين الواجب وغيره، ومن هذا الجواب يفهم ثبوت التخيير بين الواجب وغيره وبالجملة مرجع الأول إلى منع الملازمة، ومرجع الثانى إلى منع بطلان التالى، وما قيل فى بيانه نعم تحقيق المقام ما ذكر فى الحل أولًا والاعتصام بحبل التوفيق.
قوله: (وهو حصول المصلحة بمبهم) بيان للجامع فإن مصلحة الفعل الواجب على الكفاية تحصل بفعل أحد الأمور مبهمًا فحصول المصلحة بمبهم قدر مشترك بينهما وهو مناط الحكم فى الكفاية فثبت فى المخير مثله، وفى قوله: وإن كان بلفظ التخيير إشارة إلى دفع المانع من عموم الوجوب، يعنى: أن كون الوجوب بلفظ التخيير لا يمنع عمومه كما فى الواجب على الكفاية قيل: وفى كون الكفاية بلفظ التخيير نظر.
قوله: (والخصم قد لا يساعده فى الثانية) أى: فى المقدمة القائلة: إن الإجماع فى المخير على التأثيم بترك البعض، لأن القائل بوجوب الكل لا يسلم التأثيم بترك البعض كيف والتأثيم بترك البعض، فقط فى قوة المتنازع فيه، ولولا أن المصنف صرح فى المنتهى بذلك أى بالإجماع على التأثيم بترك البعض حيث قال: الإجماع ثمة على تأثيم الجميع وههنا على تأثيمه بترك واحد لأمكن تقرير كلامه فى هذا الكتاب على وجه الاستئناف غير متعلق بالإجماع فيكون قوله: والتأثيم بترك البعض سندًا فلا يمنع وإن شئت حقيقة الحال فاستمع لما يتلى عليك من تحقيق المقال فنقول وباللَّه العصمة: إذا حمل الكلام على ما فى المنتهى كان المصنف مبطلًا لقياسهم بإثبات الفرق بين المقيس والمقيس عليه بهذا الوجه وهو أن الإجماع قد انعقد على تأتيم الكل فى الأصل وهذا المعنى ليس موجودًا فى الفرع بدليل الإجماع على التأثيم بترك البعض؛ فيتوجه المنع على دعوى الإجماع لأنها من مقدمات الدليل على انتفاء الصفة المعتبرة فى الأصل عن الفرع وإذا حمل على
الاستئناف كان راجعًا إلى منع ثبوت تلك الصفة فى الفرع فكأنه قيل: لا نسلم أن تلك الصفة أعنى شمول التأثيم ثابت ههنا لم لا يجوز أن يكون التأثيم بترك البعض فقط وسندًا لمنع سواء كان مساويًا له أو أخص لا يتوجه إليه المنع أصلًا إذ لا يلزم المانع إثبات سنده، نعم إبطال القسم الأول بدليل مقبول وينفع المعلل لاندفاع المنع حينئذ، ومحصول الكلام: أن المجيب أبدى فى الأصل وصفًا يصلح أن يعتبر فى ثبوت حكم الأصل مع ما ذكره المعلل فعلى ما فى المنتهى يعترض لإثبات انتفائها عن الفرع بالدليل فيتوجه عليه المنع فى مقدماته وعلى الاستئناف اكتفى بمنع ثبوتها فيه وأسنده فلا منع على سنده فإن قلت: فليحمل ما فى المنتهى على المنع وليجعل الإجماع على التأثيم بترك البعض سندًا فلا يمنع قلت: على هذا كان التعرض للإجماع مستدركًا.
قوله: (ولو قال) يعنى لو قال المصنف فى الفرق وهناك قد أجمع على تأثيم كل واحد وههنا لم يجمع على التأثيم بترك كل واحد لكفاه به فى مطلوبه ولم يتوجه المنع إذ لا خلاف فى عدم الإجماع إنما النزاع فى الإجماع على العدم.
قوله: (وأما ثانيًا) يريد أن علة الحكم شمول الوجوب فى الكفاية ليس ما ذكرتم فقط بل ذلك مع استحالة تأثيم واحد من المكلفين وههنا قد فقد الجزء الثانى فلا يتم القياس.
قوله: (فيكون معينًا عنده) أى حال الإيجاب قبل فعل المكلف ضرورة أن كل معلوم متعين فى نفسه ممتاز عن غيره، والجواب: أن المعلومية تستدعى الامتياز بوجه ما والواحد المبهم من الثلاثة له امتياز فى نفسه فيصح أن يكون معلومًا ولا يلزم التعيين الذى بحسب أفراده فإذا أوجب الشارع مبهمًا من هذا الوجه كان عالمًا به كذلك ضرورة أن العلم مطابق للمعلوم.
الشارح: (من أمور معينة كخصال الكفارة) يشير إلى أن المصنف حذف قيد المعينة اكتفاء بأخذه من قوله كخصال الكفارة كما أخذ منه أن التعين بالنوع وقيل: إنه قد يكون أيضًا بالشخص فالقدر المشترك بين الأمور من قبيل المشكك فقط على الأول أو من قبيل المشكك أو المتواطئ على الثانى كأن يقول: أعتق هذا العبد أو هذا العبد واعلم أن مسألة الواجب المخير موضوعها إذا شرع التخيير بالنص فإن
شرع بغيره كتخيير المستنجى بين الماء والحجر وتخيير الحاج بين الإفراد والقران والتمتع فلا يكون موضوع المسألة كذا قاله الزركشى، وقال شيخ الإِسلام: الوجه عدم التقييد واستصوبه ابن قاسم وقيدها بعضهم بأن لا يكون التخيير بين الأصل وفرعه ولا بين المبدل منه وبدله وأن لا يمتنع الجمع وفى كلام العضد ما يقتضى رد الأخير ثم إن الأمر فى خصال الكفارة تقديرى إذ معنى قوله: فكفارته. . . إلخ. فليكفر فهو خبر لفظًا إنشاء معنى.
الشارح: (وتعرف بالواجب المخير) أى على جميع الأقوال لتخيير المكلف فى الخروج عن عهدة الواجب بأى منها يفعل سواء كان من حيث خصوصه واجبًا كما عند القائلين بأن الواجب بعض معين عند اللَّه ويسقط به وبالآخر أو أن الواجب بعض معين هو ما يفعله المكلف أو أن الواجب الكل ويسقط بفعل البعض أو كان لا من حيث خصوصه واجبًا كما هو عندنا من أن الواجب واحد لا بعينه واعلم أنه لا ثمرة لهذا الخلاف فإن كل فرقة موافقة للأخرى فى نفس العمل وإن اختلفوا فى المبنى والواجب ما هو وقد قال الشاطبى فى الموافقات: إن ذكر الخلاف فى الواجب المخير وذكر مسألة الوضع فى كتب الأصول عارية.
الشارح: (وهو ما يفعل) رد بأن العلم بوجوب الفعل يجب أن يكون قبل الفعل حتى يمتثل لأن الامتثال من غير العلم بالوجوب غير معقول فإنه الإتيان بالواجب من حيث إنه واجب ورد أيضًا بأنه إذا كان الواجب ما يفعل فإذا لم يفعل لم يكن شئ واجبًا عليه وأجيب بأن اللَّه علم أنه لو فعل لفعل ذلك الشئ وفيه تكلف.
الشارح: (فيختلف بالنسبة إلى المكلفين) فمن أتى بالإطعام فهو الواجب عليه ومن أتى بالإعتاق فهو الواجب عليه وكذا من أتى بالكسوة.
الشارح: (لأن التعيين يوجب أن لا يجزئ. . . إلخ) قد يقال: إن الفرض العينى قد يجزئ بدله النفل، والجواب أن المراد أن التعيين يوجب أن لا يجزئ بدله على أنه الواجب والإجماع على أن الذى يفعل هو الواجب وفيه أن القائل بوجوب المعين لا يقول بذلك.
الشارح: (وأيضًا فإن غير المعين يستحيل وقوعه) أى لأن المعين هو المشخص خارجًا وهو الذى يقع بخلاف غيره.
الشارح: (لا نسلم أن غير المعين مجهول) أى لا نسلم أن غير المعين وهو
الشخص الخارجى مجهول لأنه وإن لم يكن معينًا خارجًا فهو متميز ذهنًا.
الشارح: (إنما ذلك فى غير المعين من كل وجه) وهو ما لم يتميز ذهنًا ولا خارجًا.
الشارح: (وأما فى المعين من وجه دون وجه) بأن كان متميزًا ذهنًا ويتحقق فى ضمن فرد خارجى.
الشارح: (على التأثيم بترك البعض) أى أن الإثم يكون على ترك بعض منها لا على ترك كل بعض منها وإن كان ترك بعض منها لا يتحقق إلا بترك الكل وبهذا يندفع ما قاله بعض الشراح من أن لا نسلم أن تأثيم المكلف ههنا بترك واحد فإن من ترك واحدًا لا يأثم بل التأثيم بترك الجميع.
الشارح: (والخصم قد لا يساعده فى الثانية) أى قد يمنع الإجماع على التأثيم بترك البعض ويقول بالتأثيم بترك الكل يعنى أنه يأثم على ترك الكل إثم من ترك واجبات.
الشارح: (يجب أن يعلم الآمر الواجب. . . إلخ) المراد يعلمه واجبًا فالمراد العلم التصديق أى العلم بالمأمور به من حيث إنه مأمور به لا التصورى لأن ذات الأشياء المخير فيها معلومة متميزة عنده وهذا غير مقيد.
الشارح: (لأن ما يفعله فهو الواجب اتفاقًا) قد ينازع الخصم فى ذلك كيف والقائل بأن الواجب معين عند اللَّه تعالى يقول: إن فعل المكلف الواجب عند اللَّه فذاك وإن فعل غيره سقط الواجب فما يفعله إما واجب وإما مسقط للواجب إلا أن يؤول بالاتفاق على تأدية الواجب به.
التفتازانى: (إذ لا نزاع فى أن الأمر بواحد مبهم وارد) أى فيكون مستقيمًا فلا يصح عدم استقامته وهذا رده السيد بأن الوجوب لازم للأمر ومستفاد منه فإن تعلق الأمر بالواحد تعلق الوجوب به أيضًا وإن تعلق بكل واحد كان الوجوب كذلك. . . إلخ. ما سيأتى ومحصله أن الأمر يتصف بالاستقامة وعدمها باعتبار ما دل عليه وما استفيد منه لأنه لازم له فيقال الأمر بواحد مبهم غير مستقيم لأنه يدل على إيجاب واحد لا بعينه فالأمر الذى ظاهره كذلك هو أمر بكل واحد دال على وجوب كل واحد أو أمر ببعض معين.
التفتازانى: (وهو بعينه مذهب الفقهاء) أى فالخلف بينهما على هذا لفظى وإنما
فر القائل بوجوب الكل من القول بوجوب واحد مبهم لأن العقل لا يدرك فيه مصلحة بناء على عقيدتهم من التحسين والتقبيح العقليين، وقوله: لكنه ينافى ما ذهب إليه بعض المعتزلة. . . إلخ. وعليه فالخلف بينهم وبين الفقهاء معنوى، وقوله: قال الإمام فى البرهان. . . إلخ. يعنى فالقول بوجوب الكل راجع لقول الفقهاء من وجوب واحد مبهم.
التفتازانى: (وليس المراد. . . إلخ) رد على الأصفهانى.
التفتازانى: (لا باعتبار ما كان جزئيًا) أى لا باعتبار جزئيته.
التفتازانى: (ورده العلامة بأنه ينافى كون الواجب هو المشترك) ظاهره أن ابن الحاجب يقول: إن الواجب المخير هو القدر المشترك فمراده بالواحد المبهم مفهوم الواحد لا ما صدقاته وهو يعكر على قوله فيما سيأتى إن الأمر بالكلى أمر بجزئى إلا أن يكون ما سيأتى سهوًا كما ذكره السيد ولو حمل الواحد المبهم عند ابن الحاجب على ذات الواحد الوجودى لزم أن يكون المكلف به غير معين.
التفتازانى: (لاستلزامه جواز ترك كل مطلقًا) أى لا يقيد أن يأتى ببدل ما تركه منها وقوله: إذ للمكلف أن يختار. . . إلخ. تعليل لاستلزام التخيير جواز الترك مطلقًا وقوله ويتركه أى ويترك غير الواجب لعدم الوجوب فقد ترك الواجب وغيره وهذا رفع لحقيقة الواجب.
التفتازانى: (حاصله أن كلًا من الواجب. . . إلخ) يفيد أن الجواب بتسليم أن الواجب والمخير فيه مفهوم أحد الأمور إلا أن ما صدق مفهوم الأحد فى الواجب الفرد المنتشر وفى المخير الفرد المعين وإن قوله: وتعدد ما صدق عليه. . . إلخ. من تتمة هذا الحل ومعناه اختيار الشق الثانى من ترديده وهو ما دل عليه قوله: وإن تعدد. . . إلخ. ومنع بطلان التخيير بين واجب وغير واجب لكن ظاهر قول الشارح أن الذى وجب وهو المبهم لم يخير فيه والمخير فيه كل المعينات أن الواجب هو الأحد والمخير فيه هو الإفراد وعليه درج السيد وجعله جوابًا بمنع الملازمة فى قولهم لو كان الواجب واحدًا إلا بعينه لكان المخير فيه الجائز تركه واحدًا لا بعينه وجعل قوله: وتعدد ما صدق عليه. . . إلخ. جوابًا ثانيًا بتسليم الملازمة ومنع أن التخيير بين الواجب وغيره يرفع حقيقة الوجوب إلا أن يحمل قوله: إن الذى وجب وهو المبهم على معنى وهو المبهم فى ضمن فرد ما وقوله والمخير فيه كل
المعينات على معنى مفهوم الأحد فى ضمن المعينات.
التفتازانى: (متعلق بالمخير غير) أى فى قوله أى المصنف والمخير فيه لم يجب لعدم تعينه ومعنى كون المخير فيه ليس متعينًا أنه متعدد بخلاف الواجب فإنه واحد وهو الأحد المبهم ولا يخفى ضعفه، وقوله: أو بالواجب أى فى قوله: الذى وجب لم يخير فيه، وقوله: أو بهما أى بالواجب والخير إما عدم تعين الواجب فلكونه الأحد المبهم لا المعين من الأفراد وأما عدم تعين الخير فلتعدده ولا يخفى أن الحق ما ذكره من كونه تعليلًا لكون الخير فيه لم يجب.
التفتازانى: (وأن قوله والتعدد يأبى معارضة) أى قول المصنف والتعدد يأبى كون المتعلق واحدًا معارضة للملازمة التى هى لو كان الواجب واحدًا لا بعينه لكان الخير فيه كذلك وحاصل المعارضة أن يقال: تعدد ما صدق عليه أحد الأشياء عند تعلق الوجوب والتخيير بذلك الأحد يقتضى اختلاف متعلق الوجوب والتخيير فلا يصح أنه إذا كان الواجب الواحد لا يعينه كان المخير فيه كذلك ووجه عدم صحة أن يكون معارضة أنه لا ينافى أن الواجب والمخير فيه واحد لا بعينه تعدد المتعلق ولذا قال الشارح: فإن تعددا، وقوله: أو سند لمنع الملازمة أى بأن يقال: لا نسلم الملازمة لأن الوجوب والتخيير إذا تعلقا بأحد الأمور وجب تعدد ما صدق عليه الأحد لاختلاف متعلقهما ذاتًا وهو غير صحيح لأن اختلاف المتعلق لا ينافى أن الواجب والمخير فيه هو واحد مبهم وقوله أو دليل آخر هو ما ارتضاه السيد.
التفتازانى: (والأوجه أن يجعل. . . إلخ) يقال عليه كان الأولى تأخير قوله: وإن كان بلفظ التخيير عن قوله فكذا هنا كما هو باد.
التفتازانى: (لما سبق من أن أبا هاشم. . . إلخ) على رأى أبي هاشم ومن معه لا منع لأنهم متفقون على التأثيم بالبعض وأنه لا يأثم إثم من ترك واجبات.
التفتازانى: (وههنا إنما يؤثم بترك البعض) أى وههنا التأثيم بالكل منتف إنما يؤثم بترك البعض فانتفاء التأثيم بالكل ههنا منع لصحة القياس وكون التأثيم بترك البعض سند لذلك المنع.
التفتازانى: (من أنه يكون حينئذ) أى إذا كان مستأنفًا.
التفتازانى: (إذ المنع إنما يتوجه على مقدمة دليل الخصم) أى والخصم لم يدع الإجماع على التأثيم بترك الكل فى الواجب المخير وإنما قاسه على الواجب
الكفائى بجامع حصول المصلحة بمبهم فى كل مع السقوط بالبعض.
التفتازانى: (يعنى قدم دليل المذهب الثالث. . . إلخ) أى: أن الشارح قصد بقوله، وهو لمن زعم. . . إلخ. أن المصنف قدم دليل المذهب الثالث للمعتزلة.
التفتازانى: (وفى هذا رد. . . إلخ) أى قوله: وهو لمن زعم. . . إلخ. رد وقوله مختص بمذهبهم الأول وهو وجوب الكل وقوله: الأظهر اختصاصه بالمذهب الثانى هو أن الواجب ما يفعله المكلف وقوله جعله للمذهب الأول وهو أن الواجب الكل وقوله إذا كان ما علمه اللَّه تعالى أى الذى فعله المكلف وقوله يلزم أن يكون غيره أى الذى لم يفعله المكلف فإنه لم يعلمه اللَّه مفعولًا له وإلا انقلب العلم جهلًا والحاصل أنه إذا كان ما يفعله المكلف واجبًا كان غيره واجبًا أيضًا لئلا يلزم التخيير بين واجب وغيره فالواجب ما علم اللَّه أنه يفعله وما علم أنه لا يفعله من الأمور التى وقع التخيير فيها وقوله وإنما ترك دليل المذهب الثالث أى الذى هو أن الواجب معين لا يختلف وقوله وهو أن اللَّه تعالى عالم بالواجب هو الدليل المذكور رابعًا وقوله وعلم ما يفعله المكلف وخير بينه وبين ما هو واجب هو ما ذكره خامسًا، ومعناه أن القائل بأن الواجب معين عند اللَّه لا يختلف يستدل على مذهبه بأنه لما كان اللَّه عالمًا بالواجب وعالمًا بما يفعله المكلف ولا يصح التخيير بين واجب وغيره كان الواجب هو ما علمه وهو المعين الذى يختلف وهو غير ظاهر لأن هذا الدليل على هذا الوجه على مقتضى صنيعه يقضى إيجاب الكل.
قوله: (لا فائدة فيه أصلًا) أى لأنه لا يتأتى خلو الشخص عن الإتيان بشئ ما فالتكليف به ضائع وإذا نظر إلى أنه لم يتعين بوجه ما كان التكليف به تكليفًا بما لا يطاق لعدم تأتيه على هذا الوجه.
قوله: (إن أراد الجميع) أى فى قوله وجب تزويج الجميع.
قوله: (فلا نزاع معهم فى المعنى) لأنه يؤول إلى أن الواجب واحد لا بعينه وإنما قالوا بوجوب الكل بهذا المعنى فرارًا من القول بوجوب واحد مبهم لأن العقل لا يدرك فيه مصلحة بناء على مذهبهم من التحسين والتقبيح العقليين.
قوله: (إبطال للمذهبين الآخرين) هما أن الواجب معين عند اللَّه تعالى ويسقط به وبالآخر وأن الواجب معين وهو ما يفعله المكلف.
قوله: (والأول أوفق بعبارة الكتاب) أى عبارة المصنف وإنما كان الأول أوفق
لأن عبارة الكتاب تفيد أن امتناع التخيير مرتب على كون التخيير معينًا وهو ظاهر فى أن إثبات التخيير يؤدى إلى رفعه لتنافى مقتضاهما.
قوله: (على الوجهين) أى المعين الذى يفعله المكلف والمعين عند اللَّه.
قوله: (أى على الوجه المذكور المختار عندنا) وهو التخيير فى الإتيان بالواجب فى ضمن أى معين شاء وهذا إنما يتحقق على القول المختار من أن الواجب واحد مبهم لا على المذاهب الأخر فإن الواجب لا تخيير فيه إذ الواجب الكل وإن سقط بفعل البعض أو الواجب البعض المعين وهو يختلف بحسب كل مكلف أو لا يختلف وإن فعل غيره كان ذلك الغير خلفًا عنه، وقوله: لا ننفيه مطلاقًا أى حتى يفصل نفى التخيير فى سقوط الواجب لأنه لا يصح نسبة نفيه إلى المعتزلة لأنهم لا ينفون التخيير مطلاقًا؛ لأن القائل منهم بوجوب الكل يقول بالتخيير فى السكوت، إما بفعل الكل أو بفعل البعض والقائل بمعين لا يختلف يخير فى الواقع بينه وبين خلفه والقائل بمعين هو ما يفعله يخير فيما يفعله.
قوله: (تنبيهًا على أن مآل مذهبهم نفى التخيير) أى والتخيير ورد به النص فإنكاره إنكار لظاهر النص.
قوله: (لو تما لدلا على بطلان البخاري واحد مبهم. . . إلخ) رده ميرزاجان باختصاص الدليلين بالأول أما الأول فلأنه يدل على أن كل مجهول للآمر والمأمور يستحيل أن يكلف به ولا يكون واجبًا وينعكس إلى أن كل ما يكلف به ويكون واجبًا يجب أن يكون معلومًا للآمر والمأمور كليهما فلا يتناول المذهبين الآخرين لأن الواجب فيهما ليس معلومًا للمأمور وأما الثانى فلأنه يدل على أنه يجب أن يكون متعلق الواجب هو بعينه متعلق التخيير ومتعلق التخيير على المذهبين الأخيرين ليس كذلك وإن الواجب فيهما واحد والتخيير فيهما بين الواجب وغيره بالضرورة.
قوله: (يضم إليه ما أبطلنا به التخيير) وهو أنه لو كان التخيير معينًا لخصوص أحدهما لامتنع التخيير.
قوله: (وبالعكس) أى والقائل بوجوب البعض المعين بوجهيه يضم إليه ما أبطلنا به وجوب الكل وهو أنه لو كان الكل واجبًا لوجب تزويج جميع الخاطبين وإعتاق جميع الرقاب فى الكفارة وهو خلاف الإجماع، وقوله: إلى ما يبطل به
الآخر فالقائل بالبعض الذى لا يختلف يبطل القول بالبعض الذى يختلف بأنه يقتضى اختلاف المكلفين فيه مع أن المكلفين لا يختلفون فى المكلف به والقائل بالبعض الذى يختلف يبطل قول المعين بالسقوط بما يفعله المكلف ولا يسقط بغير ما وجب.
قوله: (إلى بعض مبهم) أى من المعتزلة.
قوله: (بحسب إشعار الدليل) أى بالبعض القائل بمعين لا يختلف أو بالبعض القائل بمعين يختلف.
قوله: (وتقريره) أى تقرير الدفع.
قوله: (ويقول. . . إلخ) بيان لما يورده الخصم.
قوله: (والجواب أن الواجب. . . إلخ) هذا هو الدفع.
قوله: (هو مفهوم واحد. . . إلخ) صريح فى أن الواجب هو القدر المشترك لا الجزئى المطابق للماهية لا باعتبار جزئيته.
قوله: (لأن الكلام فى الواجب الذى خير فيه) دليل على الملازمة.
قوله: (لما عرفت) أى من أن الكلام فى الواجب الذى خير فيه.
قوله: (فلجواز تركه) أى لمكان الاختيار.
قوله: (فيتوجه النقض عليهم) غير ظاهر لأن النقض مبنى على ما لم يلتزموه.
قوله: (وذلك خلاف ما ذهب إليه المصنف) أى وهذا التحقيق تحقيق وتبين لما قاله هنا.
قوله: (والجواب بالفرق بين الماهية والفرد المنتشر) أى أن الماهية الأمر بها أسر بجزئى من جزئياتها بخلاف الأمر بالفرد المنتشر فأمر به نفسه.
قوله: (فإن وإن هو الواجب) أى فقوله الذى وجب لم يخير فيه مراده به مفهوم الفرد المنتشر وهو المراد بالواحد من أشياء.
قوله: (وكلاهما قادح فيما ذكر من التحقيق) وهو أن الواجب واحد لا بعينه من حيث هو واحد لا بعينه ولم يخير فيه.
قوله: (وليس هذا الإيجاب والتخيير بالقياس إلى هذا الكلى. . . إلخ) يعنى أنه وإن تعلق الوجوب والتخيير بمفهوم الأحد فليس باعتبار ذاته بل باعتبار ما صدقه فالواجب والمخير فيه هو المفهوم باعتبار الماصدق المتعدد وكل واحد من الماصدق يصح أن يتصف بأنه واجب ومخير فيه على التناوب فالتخيير هنا بين ما يتحقق به
الواجب وبين ما لا يتحقق به الواجب لكنه يصلح لأن يتحقق به الواجب وذلك لا يرفع حقيقة الوجوب فهذا الجواب الثانى مبنى على أن كل واحد من الأفراد يصلح لأن يكون واجبًا بخصوصه ومخيرًا فيه جائز الترك لكن على سبيل البدل بمعنى أن أيهما فعل كان واجبًا بخصوصه وأيهما ترك كان جائز الترك بخلاف الجواب الأول فإن الواجب عليه مفهوم أحد الأشياء فلذا كان هو الحق.
قوله: (وأكل الخبز) الأولى أن يقول وغير واجب كأكل الخبز.
قوله: (كيف ومآله إلى منع أن التخيير. . . إلخ) أى فيختار أن الواجب والمخير فيه متعدد ويمنع أن ذلك يؤدى إلى رفع حقيقة الوجوب.
قوله: (كيف وقد علم. . . إلخ) أى كيف يكون قوله: وتعدد ما صدق عليه. . . إلخ. من تتمة الجواب الثانى أعنى الجواب ببيان الحل.
قوله: (نعم تحقيق المقام ما ذكر فى الحل أولًا) لأن ما ذكر أولًا جعل الواجب غير المخير فيه لأنه القدر المشترك والمخير فيه الأفراد فليس فيه تخيير بين واجب وغير واجب أصلًا وما ذكره ثانيًا التزم فيه التخيير بين واجب وغير واجب لكنه منع بطلانه لأن الواجب غير معين.
قوله: (بفعل أحد الأمور مبهمًا) فيه سقط والأصل بفعل أحد المكلفين مبهمًا كما تحصل مصلحة الواجب المخير بفعل أحد الأمور مبهمًا.
قوله: (قيل وفى كون الكفاية بلفظ التخيير نظر) أجيب بأنه أراد بلفظ التخيير أن الواجب هو حصول الفعل من أحدهم أيًا ما كان.
قوله: (فى قوة المتنازع فيه) وهو وجوب واحد ما.
قوله: (سواء كان مساويًا) أى كما هنا.
قوله: (إبطال القسم الأول) وهو السند المساوى.
قوله: (مع ما ذكره المعلل) أى من حصول المصلحة بمبهم.
قوله: (يعترض لإثبات انتفائها) تحريف وصوابه تعرض لإثبات انتفائها وتأنيث الضمير فى انتفائها مع عوده على الوصف لأنه بمعنى الصفة.
قوله: (فليحمل ما فى المنتهى على المنع) فكأنه قال: إن فى المقيس عليه الإجماع على تأثيم الكل، والإجماع على التأثيم بالكل فى الواجب المخير منتف بسند الإجماع على التأثيم بترك البعض وقوله: مستدركًا أى لأنه يكفيه أن يقول للتأثيم بترك البعض إلا أن يقول التعرض للإجماع لتقوية السند.
قال: (مسألة: الموسع الجمهور أن جميع وقت الظهر ونحوه وقت لإدائه، القاضى الواجب الفعل أو العزم ويتعين آخرًا وقيل وقته أوله فإن آخره فقضاء بعض الحنفية آخره فإن قدمه فنفل يسقط الفرض الكرخى إلا أن يبقى بصفة التكليف فما قدمه واجب لنا أن الأمر قيد بجميع الوقت فالتخيير والتعيين تحكم وأيضًا لو كان معينًا لكان المصلى فى غيره مقدمًا فلا يصح أو قاضيًا فيعصى وهو خلاف الإجماع، القاضى ثبت فى الفعل والعزم حكم خصال الكفارة وأجيب بأن الفاعل ممتثل لكونها صلاة قطعًا لا لأحد الأمرين ووجوب العزم فى كل واجب من أحكام الإيمان، الحنفية: لو كان واجبًا أو لا عصى بتأخير لأنه ترك قلنا التأخير والتعجيل فيه كخصال الكفارة).
أقول: هذه ثالثة مسائل الوجوب وهى أنه إذا كان وقت الواجب موسعًا أى زائدًا على الفعل كالظهر ونحوه فالجمهور على أن جميعه وقت لأدائه ففى أى جزء أوقعه فقد أوقعه فى وقته، وقال القاضى ومتابعوه: الواجب فى كل جزء من الوقت هو إيقاع الفعل فيه أو إيقاع العزم فيه على الفعل فى ثانى الحال إلا أن آخر الوقت إذا بقى منه قدر ما يسع الفعل فحينئذ يتعين الفعل، وقال قوم: وقته أوله فإن آخره عنه فقضاء، وقال الحنفية: وقته آخره فإن قدمه عليه فنفل يسقط به الفرض كتعجيل الزكاة قبل وجوبها، وقال الكرخى: هذا إذا لم يبق على صفة التكليف إلى آخر الوقت بأن يجن أو يموت وأما إذا بقى فيعلم أن ما فعله كان واجبًا لنا الأمر قيد بجميع الوقت ولا تعرض فيه للتخيير بين الفعل والعزم ولا لتخصيصه بأول الوقت أو آخره بل الظاهر ينفيهما فيكون القول بهما تحكمًا باطلًا، ولنا أيضًا إن كان وقته جزءًا معينًا فإن كان آخر الوقت كان المصلى فى غيره مقدمًا لصلاته على الوقت فلا يصح كما قبل الزوال وإن كان أوله كان المصلى فى غيره قاضيًا فيكون بتأخيره له عن وقته عاصيًا كما لو أخر إلى وقت العصر وكلاهما خلاف الإجماع.
وقال القاضى: إنه ثبت فى الفعل والعزم حكم خصال الكفارة وهو أنه لو أتى بأحدهما أجزأ ولو أخل بهما عصى وذلك معنى وجود أحدهما فيثبت.
الجواب: أنا نقطع أن الفاعل للصلاة ممتثل لكونها صلاة بخصوصها لا لكونها أحد الأمرين مبهمًا وأيضًا فلا نسلم أن الإثم بترك العزم إنما هو لكونه مخيرًا بينه
وبين الصلاة حتى يكونا كخصال الكفارة بل لأن العزم على فعل كل واجب إجمالًا وتفصيلًا عند تذكره هو من أحكام الإيمان يثبت مع ثبوته سواء دخل وقت الواجب أو لم يدخل فلو جوّز ترك واجب بعد عشرين سنة لأثم وإن لم يدخل الوقت ولم يجب.
وقال الحنفية: لو كان واجبًا فى أول الوقت لعصى بتأخيره لأنه ترك للواجب وهو الفعل فى الأول.
الجواب: أن الملازمة ممنوعة وإنما يلزم لو كان الفعل أولًا واجبًا على التعيين وليس كذلك بل التأخير والتعجيل فيه جائز كخصال الكفارة ومذهب الشافعية لما علم دليله بالجواب عن دليل الحنفية لأنه عكسه تركه اختصارًا.
قوله: (إنا نقطع) إشارة إلى أن هذا الحكم قطع ضرورى لا يحتاج إلى الاستدلال بأنه لو كان ممتثلًا لأحد الأمرين لجاز الاقتصار على العزم دون الإتيان حتى يرد عليه منع الملازمة إن أريد الفاعل للصلاة فى آخر الوقت، وبطلان اللازم إن أريد فى أوّله على أن التحقيق أن هذا الجواب منع أى لا نسلم ثبوت حكم خصال الكفارة فى الفعل والغرم وإنما يثبت لو لم يكن الامتثال لخصوصية الصلاة وحينئذ لا يتوجه ما ذكر.
قوله: (بل لأن العزم) يعنى أن من أحكام الإيمان ولوازمه أن يعزم المؤمن على الإتيان بكل واجب إجمالًا ليتحقق التصديق الذى هو الإذعان والقبول وأن يعزم على الإتيان بالواجب المعين إذا تذكره تفصيلًا كالصلاة مثلًا سواء دخل الوقت أو لم يدخل على ما قال فى المنتهى، وأجيب بأن العزم على فعل كل واجب قبل فعله من أحكام الإيمان فكان العصيان لذلك وأما تفريع قوله فلو جوّز على ما سبق فليس كما ينبغى بأن عدم العزم لا يستلزم تجويز الترك.
قوله: (ومذهب الشافعية) أى البعض منهم هو الذهب الثالث المشار إليه بقوله وقيل وقته أوله فإن آخره عنه فقضاء لما علم دليله بالجواب أى مع جوابه عن دليل مذهب بعض الحنفية مع جوابه، وتقريره أنه لو كان واجبًا فى آخر الوقت لعصى من تركه فى آخر الوقت وقد أتى به فى أوّله والجواب أن ذلك إنما يلزم لو تعين وجوبه آخر الوقت.
قوله: (أى زائدًا على الفعل) الواجب إذا نسب إلى زمانه فإن كان مساويًا له سمى واجبًا مضيفًا كالصوم وإن كان الوقت زائدًا عليه سمى واجبًا موسعًا كالظهر ولا يجوز أن يكون الوقت ناقصًا عنه إلا لغرض القضاء كما إذا طهرت وقد بقى من الوقت مقدار ركعة.
قوله: (الواجب فى كل جزء من الوقت هو إيقاع الفعل أو إيقاع العزم فيه على الفعل فى ثانى الحال) يدل على أن العزم ليس بدلًا عن نفس الفعل حتى يتوجه أن يقال: ينبغى أن يتأدى الفعل بالعزم ضرورة تأدى المبدل منه بالبدل وأن يقال: يلزم تعدد البدل وهو العزم فى كل جزء من الوقت مع وحدة المبدل منه وهو الفعل؛ لأن المبدل منه هو إيقاعات الفعل فى أجزاء الوقت والبدل هو إيقاعات العزم فيها لا فى الجزء الأخير فكل واحد منهما متعدد وكل بدل يتأدى به مبدله، وما يقال من أن البدل إنما يصار إليه عند العجز عن المبدل منه كالتيمم والوضوء مدفوع بأن ذلك فيما لا يكون على سبيل التخيير.
قوله: (وقال الحنفية) فى بعض نسخ الشرح والمتن بعض الحنفية وهذا هو الصحيح؛ لأن المحققين من الحنفية لم يذهبوا إلى هذا بل قالوا: دل النص ظاهرًا على سببية جميع الوقت وحينئذ يلزم أحد الأمرين إما وجوب تأخير الفعل عن جميع الوقت أو تقديم المسبب على السبب لأنه إما أن يجب تأخيره عنه فيلزم الأول أو لا بل يجوز فعله فيه فيلزم الثانى وكلاهما باطل إجماعًا فوجب تأويل النص وصرف السببية إلى أجزاء الوقت، والجزء الأول من الوقت أولى بهذا الوصف لعدم المزاحم فإن اقترن به الفعل استقر عليه السببية وإلا انتقلت إلى الجزء الثانى فإن اتصل به الفعل فذاك وإلا انتقلت عنه إلى الثالث وهكذا إلى أن يبقى من الوقت قدر يسع الفعل فحينئذ يتضيق الفعل بحيث لو آخره كان عاصيًا لكن عند زفر تستقر السببية على هذا الجزء ولا تنتقل عنه إلى ما بعده، وعند الأئمة الثلاثة تنتقل هكذا إلى الجزء الأخير ولهم فى ذلك تحقيقات وتفريعات لا تناسب المقام.
قوله: (وقال الكرخى هذا) أى كونه نفلًا سقط به الفرض ويسمى مذهبه بالمراعاة فإن بقى إلى آخر الوقت وأدرك منه قدر ما يسع الفعل على صفة التكليف كان ما أداه أوّلًا فرضًا وإلا كان ما فعله نفلًا.
قوله: (لنا الأمر قيد بجميع الوقت) لأن الكلام فيما هو كذلك وليس المراد بتطبيق أجزاء الفعل على أجزاء الوقت أن يكون الجزء الأول من الظهر مثلًا منطبقًا على الجزء الأول من الوقت والجزء الأخير على الجزء الأخير فإن ذلك باطل إجماعًا وليس المراد تكراره فى أجزائه بأن يأتى بالظهر فى كل جزء يسعه من أجزاء الوقت وليس فى الأمر تعرض للتخيير بين الفعل والعزم ولا لتخصيصه بأوّل الوقت أو آخره ولا بجزء من أجزائه المعينة بل ظاهر الأمر ينفى التخيير والتخصيص ضرورة دلالته على وجوب الفعل بعينه وعلى تساوى نسبته إلى أجزاء الوقت؛ فيكون القول بهما أعنى: التخيير والتخصيص المذكورين تحكمًا باطلًا ويجب القول بوجوبه على التخيير فى أجزاء الوقت ففى أى جزء أداه فقد أداه فى وقته.
قوله: (فإن كان آخر الوقت) يفرض للآخر والأول إذ لم يقل أحد بتعيين جزء من أجزائه لوجوب الفعل فيه.
قوله: (فيكون بتأخير له عن وقته عاصيًا) يعنى: إذا أخرجه عمدًا ولم يصرح لأن التأخير مشعر به.
قوله: (لا لكونها أحد الأمرين) فلو كان هناك تخيير بين الصلاة والعزم لكان الامتثال بها من حيث إنها أحد الأمرين ومشتملة على هذا المفهوم المطلق كما علم من تحقيق القول بالتخيير وقوله: إنا نقطع يدل على أن هذه المقدمة مما علمت ضرورة من الدين أو أنها مجمع عليها إجماعًا قطعيًا.
قوله: (وأيضًا. . . إلخ) يريد أن الإثم بترك العزم ليس لأن المكلف مخير بينه وبين الصلاة حتى يكونا واجبين على التخيير كخصال الكفارة بل لأن العزم على فعل كل واجب إجمالًا عند الالتفات إليه على سبيل الإجمال وتفصيلًا عند تذكره بخصوصه حكم من أحكام الإيمان يثبت مع ثبوت الإيمان سواء دخل وققط الواجب أو لم يدخل فهو واجب مستمر عند الالتفات إلى الواجبات إجمالًا أو تفصيلًا، فليس وجوبه على سبيل التخيير بينه وبين الصلاة بل هو واجب قبل وجوبه ومعه.
قوله: (بل التخيير والتعجيل فيه جائز كخصال الكفارة) قيل: الفرق أن التخيير هناك بين جزئيات الفعل وههنا فى آخر الوقت وقيل: بل التخيير هناك فى الجزئيات المتخالفة الحقائق، وههنا فى الجزئيات المتفقة الحقيقة، فإن الظهر المؤداة
مثلًا فى جزء من أجزاء الوقت مثل المؤداة فى كل جزء من الأجزاء الباقية والمكلف مخير بين هذه الأشخاص المتخالفة بتشخصاتها المتماثلة بالحقيقة.
قوله: (ومذهب الشافعية لما علم دليله بالجواب عن دليل الحنفية) وكذا علم جوابه عن دليلهم؛ لأنه عكسه تركه اختصارًا إذ علم من الجواب جواز التعجيل وإيقاع الفعل فى أوّل الوقت على صفة الوجوب فيقال: لو لم يكن واجبًا فى أوّل الوقت لما خرج عن عهدة التكليف بأدائه فيه والتالى باطل إجماعًا، وجوابه: أنه لا يلزم من وجوبه فى أوّل الوقت تعينه للوجوب لجواز أن يكون على سبيل التخيير فى أجزائه وأيضًا لو تعين أوّله لما جاز تأخيره.
المصنف: (وقت لأدائه) أى فإذا وقع الفعل فى أى جزء منه كان واقعًا فى وقت أدائه وليس وقت الأداء ما اتصل به كما قال جمهور الحنفية فهم وإن قالوا بالواجب الموسع إلا أنهم يقولون معناه أن أى جزء وقع فيه الفعل فهو وقت أدائه فوقت الأداء جزء من الوقت لا بعينه يتعين بالوقوع فيه إن فعل فى الوقت وإلا تعين الوقت كله للسببية وأما على رأى من قال بأن وقت الأداء أول الوقت أو آخره فلا وجوب موسعًا عنده.
التفتازانى: (لا يحتاج إلى الاستدلال. . . إلخ) أى الاستدلال على أن الفاعل للصلاة ممتثل لكونها صلاة بخصوصها لا لكونها أحد الأمرين بأنه لو كان الفاعل ممتثلًا لكونها أحد الأمرين لجاز الاقتصار.
التفتازانى: (لو كان ممتثلًا لأحد الأمرين) أى لكون الصلاة التى فعلها أحد الأمرين اللذين هما الصلاة والعزم.
التفتازانى: (على أن التحقيق. . . إلخ) أى أن الجواب ليس دعوى يستدل عليها بأنه لو كان. . . إلخ. حتى يرد ما ذكر من منع اللازمة أو بطلان اللازم بل مجرد منع.
التفتازانى: (وأجيب بأن العزم. . . إلخ) مقول قوله: قال فى المنتهى.
التفتازانى: (وأجيب بأن العزم. . . إلخ) فى حاشية ميرزاجان اعتراضه بأن العزم على الفعل هو إرادته الإتيان به وليست من لوازم الإيمان ومحققاته وإلا لزم أن من ترك العزم على الفعل وقتًا ما غير مؤمن وأيضًا إن أريد بالعزم نية الفعل حاله فصحيح لكنه لا نزاع فيه وإن أريد القصد إلى الفعل ثانى حال فلا نسلم وجوبه
فالشارح نبه على أن مرادهم بوجوب العزم دائمًا عدم جواز الترك وهو الحق والظاهر أن المراد بتجويز الترك ما يقابل العزم والإرادة فالتفريع صحيح. اهـ باختصار.
التفتازانى: (أى مع جوابه. . . إلخ) أى: فالباء فى قوله بالجواب بمعنى مع والدليل معلوم من الدليل، والجواب من الجواب ففى قوله عن دليل الحنفية حذف أى وجوابهم.
قوله: (ليس بدلًا عن نفس الفعل) أى بل بدل عن إيقاعه فى ذلك الجزء من الوقت.
قوله: (تستقر السببية على هذا الجزء) أى الذى يبقى بعده ما يسع الفعل.
قوله: (وعند الأئمة الثلاث) أى أئمة الحنفية وهم الإمام أبو حنيفة وصاحباه رضي الله عنهم إذ المالكية والشافعية على أن السبب أول جزء من الوقت قال فى مسلم الثبوت وشرحه السبب فى الواجب الوسع الجزء الأول عند الشافعية للسبق وعند عامة الحنفية ليس الجزء الأول سببًا عينًا بل السبب موسع إلى الجزء الآخر كالمسبب وعند زفر إلى ما يسع الأداء وبعده لا سببية فمن صار أهلًا فى الجزء الذى لا يسعه لا تجب الصلاة معه عنده وعند عامة الحنفية تجب وبعد الخروج كل الوقت سبب.
قوله: (أى كونه نفلًا سقط به الفرض) الأولى حذف قوله سقط به الفرض لأن الكرخى يقول: إنه لا يكون فرضًا إلا إذا بقي المكلف بصفة التكليف إلى آخر الوقت فببقائه تبين أن ما فعله أول الوقت كان فرضًا فإذا لم يبق بصفة التكليف إلى آخر الوقت كان نفلًا لا غير.
قوله: (بالمراعاة) أى مراعاة البقاء إلى آخر الوقت بصفة التكليف.
قوله: (تعرض للآخر والأول) أى دون غيرهما من بقية أجزاء الوقت.
قوله: (إذا لم يقل أحد بتعيين جزء من أجزائه لوجوب الفعل فيه) كان عليه أن يزيد بعده سوى الأول والآخر.
قوله: (فهو واجب مستمر) أى فليس وجوبه للوقت كالصلاة.
قوله: (وكذا علم جوابه عن دليلهم) أى علم الجواب عن دليل مذهب الشافعية كالجواب عن دليل مذهب الحنفية فالدليل والجواب علمًا من الجواب وهذا خلاف ما درج عليه السعد من أن الدليل علم من الدليل والجواب من الجواب.