الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مباحث خبر الواحد)
قال: (خبر الواحد ما لم ينته إلى التواتر وقيل ما أفاد الظن ويبطل عكسه بخبر لا يفيد الظن والمستفيض هو ما زاد نقلته على ثلاثة).
أقول: فرغ من الخبر المتواتر فشرع فى قسيمه وهو خبر الواحد، وذلك ما لم ينته إلى حد التواتر كثرت رواته أو قلوا، وقيل: هو خبر أفاد الظن ويبطل عكسه بخبر لا يفيد الظن، وربما لا يراد إذ لا عبرة به فلا يرد، ومن الخبر قسم يسمى المستفيض وهو ما زاد نقلته على الثلاثة.
قوله: (مما لم ينته إلى التواتر) أى خبر الواحد لا يفيد العلم بنفسه سواء لم يفد العلم بنفسه أصلًا أو أفاد بالقرائن الزائدة فلا يكون تعريفًا للشئ بما يساويه فى الجلاء والخفاء فعلى هذا لا واسطة بين الخبر المتواتر وخبر الواحد فالمستفيض نوع منه.
قوله: (وربما لا يراد) جواب عن الاعتراض بأن الخبر الذى لا يفيد الظن غير داخل فى المحدود لأن المقصود تعريف الخبر الذى يعتد به فى الأحكام ولا يكون متواترًا فعلى هذا ثبتت الواسطة.
قوله: (أى خبر الواحد لا يفيد العلم بنفسه. . . إلخ) أى لما ذكر فيما تقدم أن المتواتر ما أفاد العلم بنفسه فحينئذ يفهم من قوله فى خبر الآحاد: ما لم ينته إلى التواتر أنه ما لا يفيد العلم بنفسه فلا يكون تعريفًا للشئ بما يساويه فى الجلاء والخفاء.
قوله: (فالمستفيض نوع منه) هو نوع منه حتى على الوجه الثانى فى تعريف خبر الآحاد لأن المعتبر فى المستفيض أن لا يبلغ مرتبة المتواتر نعم إذا اعتبر فيه إفادة العلم نظرًا بخلاف المتواتر فإفادته العلم ضرورة كان غير داخل فى خبر الآحاد على التعريف الثانى ويكون واسطة.
قوله: (فعلى هذا ثبتت الواسطة) أى بالخبر الذى لم يفد الظن.
قال: (مسألة: قد يحصل العلم بخبر الواحد العدل بالقرائن لغير التعريف وقيل وبغير قرينة وقال أحمد ويطرد والأكثر لا بقرينة ولا بغيرها لنا لو حصل بغير قرينة لكان عاديًا فيطرد ولأدى إلى تناقض المعلومين ولوجب تخطئة المخالف وأما حصوله بقرينة فلو أخبر ملك بموت ولد مشرف مع صراخ وجنازة وانهتاك حريم ونحوه لقطعنا بصحته، واعترض بأنه حصل بالقرائن، ورد بأنه لولا الخبر لجوزنا موت آخر، قالوا أدلتكم تأباه قلنا انتفى الأول؛ لأنه مطرد فى مثله وانتفى الثانى لأنه يستحيل حصول مثله فى النقيض واننفى الثالث لأنا نخطئ المخالف لو وقع قالوا: قال اللَّه تعالى: {وَلَا تَقْفُ} [الإسراء: 36]، {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} [النجم: 28]، فنهى وذم فدل على أنه ممنوع وأجيب بأن المتتبع الإجماع وبأنه مؤوّل فيما المطلوب فيه العلم من الدين).
أقول: قد اختلف فى خبر الواحد العدل هل بفيد العلم أو لا، والمختار أنه يفيد العلم بانضمام القرائن وعنى بها الزائدة على ما لا ينفك التعريف عنه عادة وقال قوم: ويحصل العلم به بغير قرينة أيضًا ثم اختلفوا فقال أحمد فى قول: يحصل العلم به بلا قرينة ويطرد أى كما حصل خبر الواحد حصل العلم وقال قوم: لا يطرد أى قد يحصل العلم به لكن ليس كلما حصل حصل العلم به، وقال الأكثرون: لا يحصل العلم به لا بقرينة ولا بغير قرينة، فههنا مقامان:
أحدهما: أنه لا يحصل العلم به بغير قرينة لنا فيه لو حصل بلا قرينة لكان عاديًا إذ لا علية عندنا ولا ترتب إلا بإجراء اللَّه عادته بخلق شئ عقيب آخر، ولو كان عاديًا لاطرد كخبر المتواتر وانتفاء اللازم بين، ولنا أيضًا لو حصل العلم به لأدى إلى تناقض المعلومين إذا أخبر عدلان بأمرين متناقضين فإن ذلك جائز بالضرورة بل واقع واللازم باطل لإن المعلومين واقعان فى الواقع وإلا كان العلم جهلًا فيلزم اجتماع النقيضين، ولنا أيضًا لو حصل العلم به لوجب القطع بتخطئة من يخالفه بالاجتهاد وهو خلاف الإجماع.
الثانى: حصول العلم فيه بالقرائن، ولنا فيه أنه لو أخبر ملك بموت ولد له مشرف على الموت وانضم إليه القرائن من صراخ وجنازة وخروج المخدرات على حالة منكرة غير معتادة، دون موت مثله ولذلك الملك وأكابر مملكته فإنا نقطع بصحة ذلك الخبر ونعلم به موت الولد نجد ذلك من أنفسنا وجدانًا ضروريًا لا
يتطرق إليه الشك، واعترض عليه بأن العلم ثمة لا يحصل بالخبر بل بالقرائن كالعلم بخجل الخَجِل ووجل الوَجِل، وارتضاع الطفل اللبن من الثدى ونحوها.
والجواب: أنه حصل بالخبر بضميمة القرائن إذ لولا الخبر لجوزنا موت شخص آخر، واعلم أن العدالة ليست شرطًا فى إفادة مثله للعلم على ما لا يخفى فقوله بخبر الواحد العدل إنما ذكره لأن سائر المذاهب المذكورة مقيدة به فإن أحدًا لم يقل إن خبر غير العدل يفيد العلم مطردًا، المخالفون أيضًا فرقتان: فرقة تنكر إفادته للعلم مع القرينة وفرقة تقول بإفادته له بلا قرينة.
أما المنكرون مطلقًا فقالوا: أدلتكم على امتناع إفادته للعلم بلا قرينة تأبى كونه مفيدًا له بقرينة للزوم الاطراد وتناقض المعلومين والقطع بتخطئة مخالفة.
والجواب: أنها لا تتأتى فى الخبر مع القرائن، أما لزوم الاطراد فلأنه ملتزم فى مثله فإنه لا يخلو عن العلم وأما تناقض المعلومين فلأن ذلك إذا حصل فى قضية امتنع أن يحصل مثله فى نقيضها عادة، وأما تخطئة المخالف قطعًا فلأنه ملتزم ولو وقع لم يجز مخالفته بالاجتهاد، إلا أنه لم يقع فى الشرعيات.
وأما القائلون بإفادته مطلقًا، فقالوا: يجب العمل به إجماعًا ولولا أنه مفيد للعلم غير مقتصر على الظن لما وجب العمل به بل لم يجز؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، والنهى للتحريم، وقال:{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} [النجم: 28]، فى معرض الذم، فدل على حرمته.
والجواب من وجهين:
أحدهما: أنه إنما المتبع هو الإجماع على وجوب العمل بالظواهر، وأنه قاطع.
وثانيهما: أن ظاهرها فى العموم مؤوّل بتخصيصه بما المطلوب فيه العلم من أصول الدين لا ما يطلب فيه العمل من أحكام الشرع.
قوله: (وعنى بها الزائدة) يعنى أن المراد بالقرائن لغير التعريف القرائن المنفصلة غير اللازمة من أحوال فى الخبر والمخبر والمخبر عنه كالصراخ والجنازة وخروج المخدرات ونحو ذلك فيما إذا أخبر ملك بموت ولده وحاصل المذاهب فى ذلك أربعة: الأول: أنه يفيد العلم عند انضمام القرائن فقط وهو المختار، الثانى: أنه يفيد العلم مطلقًا على اطراد، الثالث: أنه يفيده لا على اطراد، الرابع: أنه لا
يفيده أصلًا بل إنما يفيد الظن فقط ففى المختار دعوتان: إحداهما: أنه يفيد العلم عند القرائن، وثانيتهما: أنه لا يفيده بدون القرائن.
قوله: (ولو كان عاديًا لاطرد) لأن معناه الحصول دائمًا من غير اقتضاء عقلى وهو معنى الاطراد والتمثيل بالتواتر تنبيه على هذا المعنى وانتفاء اللازم ضرورى بالوجدان إذ كثيرًا ما نسمع خبر العدل ولا يحصل لنا العلم القطعى وبهذا يسقط ما فى بعض الشروح من منع الملازمة إذ كثيرًا ما يتخلف الحكم عن العاديات بعارض ومن أن التشبيه بالمتواتر تمثيل لا دليل ومن منع انتفاء اللازم عند الخلو عن القرائن وإنما لا يحصل العلم عند قرينة الكذب.
قوله: (فإن ذلك جائز بالضرورة) دفع لما فى بعض الشروح من منع إمكان خبر عدل آخر بنقيض خبر العدل الأول قوله: بل واقع دفع لما فى شرح العلامة من أن المقدم مركب من حصول العلم ومن إخبار عدلين بالنقيضين وانتفاء التالى لا يوجب انتفاء كل من جزأى المقدم بل يجوز أن يكون انتفاؤه بانتفاء الجزء التالى.
قوله: (نجد ذلك من أنفسنا) تنبيه على أن المثال المذكور تنبيه على إمكان الضرورة لا تصحيح الدعوى الكلية بالمثال الجزئى على أن فى كليته الدعوى أيضًا نظرًا إلا أنه سيجئ فى جواب المنكرين ما يشعر بالكلية والاطراد.
قوله: (اعلم) قد سمعت أن المذاهب أربعة ولا خفاء فى أن عدم إفادته العلم أصلًا لا يتقيد بالعدالة وأن إفادته العلم بلا قرينة يتقيد بها مطردًا، كان كما هو مذهب أحمد أو غير مطرد كما هو مذهب البعض على ما يشعر به دليلهم وأما إفادته العلم عند القرائن فلا يتقيد بها لأن التعويل فيه على القرائن فالتقييد بالعدالة لبيان المذهب بناء على تقيد البعض بها لا الكل فالمراد بسائر المذاهب المذهبان القائلان بإفادة العلم بلا قرينة مطردًا أو غير مطرد وإنما قَيَّد المحقق بقوله مطردًا لأنه أوضح فى البجان.
قوله: (المخالفون أيضًا فرقتان) لفظة أيضًا ليست فى موقعها وإنما يحسن لو كان القائلون بالمختار فرقتين وكأنه نظر إلى أن المخالفين لما افترقوا فرقتين كان لهم على الإطلاق مقامان كما للقائلين بالمختار ثم لا يخفى أن المخالفين ثلاث فرق لأن القائلين بإفادته العلم بلا قرينة فرقتان: فرقة تقول بالاطراد، وفرقة تقول بعدم الاطراد، وليس فى الأدلة ما يشير إلى هذا التفصيل فلهذا جعلهما فرقة واحدة.
قوله: (امتنع أن يحصل مثله فى نقيضها) قد يمنع ذلك كما إذا أخبر الملك بموت ولده مع القرائن ثم أخبر أنه لم يمت، وإنما اشتبه على المخبر والحاضرين وقامت القرائن على ذلك والجواب أن المطابقة معتبرة فى العلم فامتناع حصول العلم بنقيض ما علم ضرورى نعم قد يحصل الاعتقاد وهو لا يوجب التناقض لعدم استلزامه الثبوت فى الواقع.
قوله: (ولولا أنه مفيد للعلم) تقريرًا لدليل أنه لو لم يفد العلم لم بجب العمل به واللازم منتف بالإجماع، أما الملازمة فلأنه لو عمل به لكان اتباعًا لغير المعلوم وهو باطل بالنص، فأجاب أوّلًا بأنا لا نسلم أنه لو عمل به كان اتباعًا لغير المعلوم بل للإجماع القاطع على وجوب العمل بالظواهر، وثانيًا بأنا لا نسلم بطلان اتباع غير المعلوم فيما نحن فيه وإنما ذلك فى الاعتقاديات التى يطلب فيها اليقين والنصوص مخصصة بها وإن كان ظاهرها العموم.
المصنف: (قد يحصل العلم بخبر الواحد العدل بالقرائن) التعبير بقد بالنظر إلى خبر العدل فى ذاته بقطع النظر عن القرائن فلا ينافى أنه مع القرائن مطرد حصول العلم به كما يدل عليه ما قاله الشارح فى جواب المنكرين حيث قال: أما لزوم الاطراد فلأنه ملتزم فى مثله.
الشارح: (أنه إنما المتبع هو الإجماع) تحريف وأصله: أن المتبع إنما هو الإجماع.
قوله: (لأن معناه الحصول دائمًا من غير اقتضاء عقلى) أى معنى الحصول بالعادة ذلك لا أنه لا يتخلف أصلًا كما نبه على ذلك بالتمثيل بالمتواتر فإنه لا يتخلف عنه حصول العلم عادة لا عقلًا.
قوله: (إذ كثيرًا ما يتخلف) علة للمنع الساقط.
قوله: (ومن أن التشبيه بالمتواتر تمثيل لا دليل) زيادة من الناسخ لا معنى لها.
قوله: (ومن منع انتفاء اللازم) علم ذلك من كونه وجدانيًا كما قال وقوله: وإنما لا يحصل العلم. . . إلخ. من كلام المانع.
قوله: (مركب من حصول العلم ومن إخبار عدلين) وذلك لأن المعنى لو حصل العلم به وأخبر عدلان لأدى إلى التناقض المعلومين.
قوله: (بانتفاء الخبر الثانى) وهو وقوع خبر العدلين بالأمرين المتناقضين.
قال: (مسألة: إذا أخبر واحد بحضرته صلى الله عليه وسلم ولم ينكره لم يدل على صدقه قطعًا، لنا أنه يحتمل أنه ما سمعه أو ما فهمه أو كان قد بينه أو رأى تأخيره أو ما علمه أو صغيرة).
أقول: إذا أخبر واحد عن شئ بحضرة النبى صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه لم يدل على صدق المخبر دلالة قاطعة وإن كان الظاهر صدقه لنا أنه لا يتعين المسكوت للرضا به لصدقه بل يحتمل أنه ما سمعه أو ما فهمه أو كان قد بينه وعلم أنه لا يفيد إنكاره، أو ما علمه نفيًا أو إثباتًا لكونه دنيويًا، أو رأى تأخيره إلى وقت الحاجة إلى بيانه وبتقدير عدم الجميع فتركه للإنكار صغيرة وهى جائزة على الأنبياء وإن بعدت.
قال: (مسألة: إذا أخبر واحد بحضرة خلق كثير ولم يكذبوه وعلم أنه لو كان كذبًا لعلموه ولا حامل على المسكوت فهو صادق قطعًا للعادة).
أقول: إذا أخبر واحد بشئ بحضور خلق كثير ولم يكذبوه فإن كان مما يحتمل أن لا يعلموه مثل خبر غريب لا يقف عليه إلا الأفراد لم يدل على صدقه أصلًا، وإن كان مما لو كان لعلموه فإن كان مما يجوز أن يكون لهم حامل على المسكوت من خوف أو غيره لم يدل أيضًا وإن علم أنه لا حامل لهم عليه فهو يدل على صدقه قطعًا لنا أن سكوتهم وعدم تكذيبهم مع علمهم بالكذب فى مثله ممتنع عادة ولا يقال: لعلهم ما علموا أو علمه بعضهم أو جميعهم وسكتوا لأنا نقول ذلك معلوم الانتفاء بالعادة.
قوله: (فتركه للإنكار صغيرة) يشير إلى أن فى نسخته: أو صغيرة بلفظ الاسم وعلى تقدير أن يكون صغره بلفظ الفعل فمعناه: عدّ ترك الإنكار صغيرة فارتكبها وقيل معناه: عد الكذب صغيرة فترك إنكاره.
قال: (مسألة: إذا انفرد واحد فيما يتوفر الدواعى على نقله وقد شاركه خلق كثير كما لو انفرد واحد بقتل خطيب على المنبر فى مدينة فهو كاذب قطعًا خلافًا للشيعة لنا العلم عادة ولذلك نقطع بكذب من ادعى أن القرآن عورض، قالوا الحوامل المقدرة كثيرة ولذلك لم ينقل النصارى كلام المسيح فى المهد ونقل انشقاق القمر وتسبيح الحصى وحنين الجذع وتسليم الغزالة وإفراد الإقامة وإفراد الحج، وترك البسملة آحادًا، وأجيب بأن كلام عيسى عليه السلام، إن كان فى حضرة خلق فقد نقل قطعًا، وكذلك غيره مما ذكر واستغنى عن الاستمرار بالقرآن الذى هو أشهرها، وأما الفروع فليس من ذلك، وإن سلم فإنما ينقل مثله ليعلم من لا يعلم وذلك فيما لا يكون مستمرًا مستغنًى عن نقله، وإن سلم فاستغنى لكونه مستمرًا، أو كان الأمران شائعين).
أقول: إذا انفرد الواحد بالخبر عن شئ تتوفر الدعوى على نقل مثله وشاركه فيما يدعيه سببًا للعلم خلق كثير كما إذا انفرد واحد بالإخبار عن قتل خطيب على المنبر يوم الجمعة بمشهد من أهل المدينة فهو كاذب قطعًا خلافًا للشيعة لنا أنا نجد من أنفسنا العلم بكذبه قطعًا ولولا أن هذا الأصل مركوز فى العقول لما قطعنا بكذب من ادعى أن القرآن قد عورض لكنه لم ينقل وأن بين مكة والمدينة مدينة أكبر منهما، قالوا: الحوامل المقدرة على كتمان الأخبار كثيرة لا يمكن ضبطها فكيف الجزم بعدمها، ومع جوازها لا يحصل الجزم ويدل عليه أمور، منها: أن النصارى لم ينقلوا كلام المسيح فى المهد، مع أنه مما تتوفر الدواعى على نقله، ومنها: أن معجزات الرسول كانشقاق القمر وتسبيح الحصى فى يده وحنين الجذع الذى كان يستند إليه حين استند إلى غيره وتسليم الغزالة عليه لم يتواتر بل نقل آحادًا، ومنها: أن كثيرًا من الأمور الكثيرة الوقوع مما تعم به البلوى وتمس الحاجة إليه لم يتواتر بل نقل آحادًا، ولذلك اختلف فيه كإفراد الإقامة وتثنيتها وإفراد الحج عن العمرة، وقرانه بها، وقراءة البسملة فى الصلاة، وتركها.
الجواب: أن انتفاء الحامل يعلم بالعادة كالحامل على أكل طعام واحد، وأما كلام عيسى فى المهد فإن كان بحضرة خلق كثير نقل قطعًا، فلو ثبت أنه لم ينقل فلقلة المشاهدين فليس مما نحن فيه، وأما المعجزات فكذلك أى لو كثر مشاهدوها لتواترت وإلا فغير محل النزاع مع أنا لا نسلم أنها مما تتوفر الدواعى على نقله فإنه إنما تنقل لتستمر بين الناس وقد استغنى عنها وعن استمرارها بالقرآن الباقى على وجه كل
زمان، الدائر على كل لسان، فى كل مكان، وأما الفروع فليست مما ذكرنا لعدم توفر الدواعى على نقلها، إن سلم فإنما ينقل مثله ليعلم من لا يعلم وذلك فيما لا يكون مستمرًا مستغنى عن نقله، وإن سلم فقد نقل إلا أنه نقل الآخر أيضًا لكونهما شائعين، والخلاف لعدم الفوز بالترجيح حتى يتعين الأولى منهما.
قوله: (لنا أنا نجد) حاصله دعوى الضرورة وحاصل شبهة الخصم أنه لو لم يعلم انتفاء الحاصل لم يحصل الجزم بالكذب والمقدم حق فكذا التالى وحاصل الجواب منع حقيقة المقدم وإبطال ما جعله دليلًا عليها.
قوله: (وقراءة البسملة) وإنما اقتصر المصنِّفُ على الترك ميلًا منه إلى أنها ليست من الفاتحة وأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتركها لكنه لم ينقل تواترًا بل آحادًا.
قوله: (وأما كلام عيسى) اعترض العلامة بأنه لا معنى لكون النقل قطعيًا بتقدير وآحادًا بتقدير لأنه إن كان واقعًا اتصف بأحدهما فقط ولا يجاب بجواز كونه آحادًا عند قوم متواترًا عند آخرين والأمر كذلك لتواتره عندنا لأن قطعنا به إنما هو من القرآن لا التواتر ولأنه لو كان كذلك لكان الأولى ترك بعض التعرض للترديد والاقتصار على منع عدم التواتر، وفى بعض الشروح أن معنى الترديد أنه إن لم يكن بحضور خلق كثير فليس من المسألة وإن كان واجب أن ينقلوه قطعيًا للدليل المذكور.
قوله: (إلا أنه نقل الآخر) يعنى لا نسلم أنه لم بنقل بل نقل كل من الفروع إلا أنه نقل الطرف الآخر المقابل أيضًا بناء على جواز الأمرين مثلًا كما نقل إفراد الإقامة نقل تثنيتها وكما نقل إفراد الحج نقل قرانه، وكما نقل ترك البسملة نقل قراءتها فالخلاف ليس لعدم النقل تواترًا بل لعدم الظفر بترجيح أحد الطرفين.
المصنف: (وإن سلم فإنما ينقل مثله ليعلم. . . إلخ) فيه زيادة والأصل: وإن سلم فاستغنى لكونه مستمرًا وما بينهما ليس من المصنف بل هو من كلام الشارح تبينًا: للمصنف كما يأتى من الشارح وقول المصنف: أو كان الأمران شائعين أى جائزى الاجتماع فلا يلزم تعارض القاطعين وهما الخبران المتواتران فإن قيل فمقتضى ذلك أن يقول بالإتيان بالبسملة وتركها كل من الفريقين أجيب بأنه لم يتواتر كل منهما إلا عند فريق واحد.