الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(مسألة: إذا علم بفعل ولم ينكره
قادرًا فإن كان كمضى كافر إلى كنيسة فلا أثر للسكوت اتفاقًا وإلا دل على الجواز، وإن سبق تحريمه فنسخ وإلا لزم ارتكاب محرّم، وهو باطل، فإن استبشر به فأوضح وتمسك الشافعى رضى اللَّه عنه فى القيافة بالاستبشار وترك الإنكار لقول المدلجى وقد بدت له أقدام زيد وأسامة رضى اللَّه عنهم: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، وأورد أن ترك الإنكار لموافقة الحق والاستبشار بما يلزم الخصم على أصله، لأن المنافقين تعرضوا لذلك، وأجيب بأن موافقة الحق لا تمنع إذا كان الطريق منكرًا وإلزام الخصم حصل بالقيافة فلا يصلح مانعًا).
أقول: إذا فعل فعل بحضرة النبى صلى الله عليه وسلم أو فى عصره وعلم به وكان قادرًا على الإنكار ولم ينكر فإن كان كمضى كافر إلى كنيسة يعنى مما علم أنه منكر له وترك إنكاره فى الحال لعلمه بأنه عليه الصلاة والسلام علم منه ذلك وبأنه لا ينفع فى الحال فلا أثر للسكوت ولا دلالته له على الجواز اتفاقًا وإن لم يكن كذلك دل على الجواز من فاعله ومن غيره إذا ثبت أن حكمه على الواحد حكمه على الجماعة فإن كان مما سبق تحريمه فهذا نسخ لتحريمه وإنما دل على الجواز لأنه لو لم يكن جائزًا لزم ارتكابه عليه الصلاة والسلام لمحرّم وهو تقريره على المحرم وهو محرم عليه واللازم باطل لأنه خلاف الغالب من حاله، هذا إذا لم ينكر ولم يستبشر، وأما إذا استبشر فدلالته على الجواز أوضح وتمسك الشافعى رضى اللَّه عنه فى القيافة واعتبارها فى إثبات النسب بكلا الأمرين الاستبشار وعدم الإنكار فى قصة المدلجى وهو أنه قال وقد بدت له أقدام زيد وأسامة: هذه الأقدام بعضها من بعض واعترض على الشافعى بأن لا دلالة فى ذلك، أما الإنكار فلأن قول المدلجى وافق الحق اتفاقًا فالقول حق وإن كان الاحتجاج باطلًا وهو إنما أقر فى القول، وأما الاستبشار فلأنه حصل بما يلزم الخصم بناء على أصله لأنهم أى المنافقين كانوا تعرضوا لذلك أى لقضية زيد وأسامة وطعنوا فى نسب زيد لسواد أحدهما وبياض الآخر، ويكفى فى الإلزام أن القيافة عندهم حق فإن الإلزام لا يجب أن يكون بمقدمة حقة فى نفسها بل بما يسلمها الخصم.
والجواب عن الأول: أن القول بالشئ بسند منكر منكر، وإذا كان أصل الشئ حقًا فيحرم تقرير السند، وعن الثانى: أن الإلزام حصل بالقيافة حقة كانت أو
باطلة حصل الإنكار أو لم يحصل فإذًا الإلزام لا يصلح مانعًا من الإنكار.
قوله: (من فاعله) دل ذلك على جواز ذلك الفعل من فاعله مطلقًا، ومن غير فاعله أيضًا إذا ثبت أن حكمه على الواحد حكمه على الجماعة يعنى أن تقريره فى حكم الخطاب للمقرر له وحكمه للواحد فى حكم الخطاب للأمة وقيل لا يدل على شئ من الجواز والنسخ وقيل يختص بالفاعل وحده.
قوله: (وهو تقريره) أى ذلك المحرم تقرير الفاعل على محرم والتقرير على المحرم محرم على النبى صلى الله عليه وسلم، وارتكاب المحرم إن كان من الصغائر الجائزة عليه عند قوم لكنه خلاف الغالب من حاله بل فى غاية البعد سيما فيما يتعلق بالأحكام.
قوله: (وتمسك الشافعى رحمه الله قال الإِمام فى البرهان: موضع استدلال الشافعى تقرير الرسول عليه السلام ذلك الرجل على قوله واعترض القاضى بأن قول المدلجى كان موافقًا لظاهر الحق إذ الشرع كان حاكمًا بالتحاق أسامة بزيد فصار كما لو قال فاسق: هذه الدار لفلان يعزوها إلى مالكها وصاحب اليد فيها فتقرير الشرع إياه على قوله لم يكن حكمًا بقول الفاسق فى محل النزاع والاحتياج إلى إقامة البينات ولم يجب الإمام عن ذلك ثم قال: فإن قيل: إنما استدل الشافعى باهتزاز الرسول عليه السلام، ومعلوم أنه لا يسره إلا الحق، أجيب بأنه كان يعلم رجوع العرب إلى القيافة وكان الطعن منهم فلما أتى ما يكذبهم سره ما أساءهم وحاصله منع دلالة الاهتزاز والاستبشار على حقية ثبوت المستبشر به بناء على جواز كونه لما فى المستبشر به من إلزام الخصم على أصله لا يكون ذلك الأصل حقًا ثم قال: ويمكن أن يقال إنه عليه السلام لما ترك القائف ولم يرده عن الكلام على الأنساب بطريق القيافة دل على كونه طريقًا مقبولًا وإلا لعده من الزجر والفأل والحدس والتخمين، ولما أبعد أن يخطى فى مواضع إن أصاب فى موضع، قال الشارح العلامة: وكأن المصنِّف فهم من المنع أن إلزام اخصم لما كان مطلوب الشارع ولم يمكن حصوله مع الإنكار لكونه رافعًا له لم ينكره وإن كان منكرًا بل استبشر به استظهارًا إذ بهذا يشعر جوابه حيث قال فى المنتهى: وإلزام الخصم حصل بالقيافة والإنكار غير رافع له فلو كان منكرًا ما أخل به إلزام إذ معناه أن أحد المتخاصمين بأصله لا يرتفع بإنكار الآخر أصله فلو كان منكرًا ما أخل
بالإنكار لوجود السبب مع عدم ما توهمتم مانعًا وهذا معنى قوله: فلا يصلح -أى الإلزام- مانعًا عن الإنكار فلو كان منكرًا لأنكره، ولو أنكر لما استبشر به، فإذا استبشر دل على أنه ليس بمنكر، وأما على الوجه الذى يفهم من كلام الإمام فالجواب أن الاستبشار كما يدل على حقية المستبشر به يدل على طريق ثبوته لما فيه من أن ترك الإنكار كما يدل على حقية المقرر له يدل على طريق ثبوته إذ ترك الإنكار على ما طريقه منكر يوهم جواز طريقه لاستحالة جواز الشئ دون طريقه.
قوله: (وإذا كان أصل الشئ) يعنى الحكم الثابت كثبوت النسب فى صورة القيافة المذكورة (حقًا) كان تقرير سنده المنكر حرامًا فلا ينبغى أن يقرره النبى صلى الله عليه وسلم بل يجب أن ينكر السند بل القول به بناء على السند المنكر ولا يخفى ما فى هذه الشرطية من التعسف فالأولى وإن كان ليكون تأكيدًا وقوله فيحرم تفريعًا.
الشارح: (لعلمه بأنه عليه الصلاة والسلام علم منه ذلك) تحريف وأصله: لعلمه عليه الصلاة والسلام بأنه علم منه ذلك أى علم النبى عليه الصلاة والسلام أن الكافر علم من النبى صلى الله عليه وسلم إنكاره.
قوله: (ولما بعد أن يخطئ. . . إلخ) عطف علة على معلول يعنى أنه لو لم يكن طريقًا مقبولًا لعده من الأمور التى لا يبعد الخطأ معها فى مواضع إن أصاب فى موضع.
قوله: (من المنع) أى منع تمسك الشافعى بإثبات النسب بالقيافة وقوله: فلو كان منكرًا ما أخل به إلزام لفظ إلزام زائد وضمير أخل للنبى صلى الله عليه وسلم وقوله: إذ معناه أن أحد المتخاصمين بأصله لعل فيه سقطًا وأصله: إذ معناه أن إلزام أحد المتخاصمين بأصل وقوله: لوجود السبب هو كون النبى منكرًا وقوله: على عدم ما توهمتم مانعًا هو أن الإنكار يرفع الإلزام وقوله: لما فيه من أن ترك. . . إلخ. أى لما فى كلام الإمام.
قوله: (بل القول به) أى بل يجب إنكار أصل الشئ بناء على السند.
قال: (مسألة: الفعلان لا يتعارضان كصوم وأكل لجواز تحريم الأكل فى وقت والإباحة فى آخر إلا أن يدل دليل على وجوب تكرير الأول له أو لأمته فيكون الثانى ناسخًا، فإن كان معه قول ولا دليل على تكرر ولا تأس به والقول خاص به وتأخر فلا تعارض، فإن تقدَّم فالفعل ناسخ قبل التمكن عندنا، فإن كان خاصًا بنا فلا تعارض تقدَّم أو تأخر، وإن كان عامًا لنا وله فتقدم الفعل أو القول له وللأمة كما تقدَّم إلا أن يكون العام ظاهرًا فيه، فالفعل تخصيص كما سيأتى فإن دل الدليل على تكرر وتأس والقول خاص به فلا معارضة فى الأمة وفى حقه المتأخر ناسخ فإن جهل فثالثها المختار الوقف للتحكم، فإن كان خاصًا بنا فلا معارضة وفى الأمة المتأخر ناسخ فإن جهل فثالثها المختار، يعمل بالقول لأنه أقوى لوضعه لذلك ولخصوص الفعل بالمحسوس وللخلاف فيه ولإبطال القول به جملة، والجمع ولو بوجه أولى، قالوا الفعل أقوى لأنه يتبين به القول مثل: "صلوا"، "وخذوا عنى" وكخطوط الهندسة وغيرها. قلنا: القول أكثر، وإن سلم التساوى فيرجح بما ذكرناه، والوقف ضعيف للتعبد بخلاف الأول، فإن كان عامًا فالمتأخر ناسخ، فإن جهل فالثلاثة فإن دل دليل على تكرر فى حقه لا تأس والقول خاص به أو عام فلا معارضة فى الأمة، والمتأخر ناسخ فى حقه، فإن جهل فالثلاثة وإن كان خاصًا بالأمة فلا معارضة فإن دل الدليل على تأسى الأمة به دون تكرره فى حقه والقول خاص به وتأخر فلا معارضة فإن تقدَّم فالفعل ناسخ فى حقه، فإن جهل فالثلاثة، فإن كان القول عامًا فكما تقدم).
أقول: الفعلان لا يتعارضان وإن تناقض أحكامهما كصوم فى يوم معين وإفطار فى يوم آخر لاحتمال الوجوب فى وقت والجواز فى آخر، اللهم إلا أن يدل دليل على وجوب تكرير الأول له أو مطلقًا أو لأمته، ويدل الدليل على وجوب التأسى، فيكون الثانى نسخًا لحكم الدليل الدال على التكرار لا لحكم الفعل لعدم اقتضائه التكرار ورفع حكم قد وجد محال وقد يطلق النسخ والتخصيص على الفعل تجوزًا، وأما إذا كان مع فعله قول يعارضه فباعتبار دليل على تكرير الفعل وعلى وجوب تأسى الأمة به ينقسم إلى أربعة أقسام، وفى كل قسم فالقول إما أن يختص به أو بالأمة أو يشملهما، وعلى التقديرات فإما أن يتقدم الفعل أو يتأخر أو يُجهل الحال.
القسم الأول: أن لا يدل دليل على تكرار ولا على تأس، وقد علمت أن أصنافه الأول ثلاثة:
احدها: أن يكون القول مختصًا به فإن تأخر القول مثل أن يفعل فعلًا ثم يقول بعده: لا يجوز لى مثل هذا الفعل فلا تعارض لأن القول فى هذا الوقت لا تعلق له بالفعل فى الماضى إذ الحكم يختص بما بعده، ولا فى المستقبل إذ لا حكم للفعل فى المستقبل، لأن الفرض عدم التكرار، وإن تقدَّم القول مثل: أن يقول لا يجوز لى الفعل فى وقت كذا ثم يفعله فيه كان ناسخًا لحكم القول، وهو مبنى على القول بالنسخ قبل التمكن من الفعل وأنه جائز عندنا فتجوّزه ممتنع عند المعتزلة فلا يجوّزونه وإن جُهل الحال فالمصنف لم يتعرض له لأنه يذكر فى نظيره من القسم الرابع ما يعلم به حكمه وسنتكلم عليه.
ثانيها: أن يكون القول مختصًا بالأمة فلا يعارض الفعل تقدم القول أو تأخر إذ المفروض عدم وجوب التأسى فلا تعلق للفعل بالأمة، والقول مختص بهم، فلم يتواردا على محل.
ثالثها: أن يكون القول عامًا له وللأمة فحكمه على تقدير تقدَّم الفعل وتأخره فى حقه وفى حق الأمة كما تقدم ففى حقه إن تأخر فلا تعارض وإن تقدم فالفعل ناسخ له، وفى حقنا لا تعارض على التقديرين، هذا فيما كان القول لنا وله بوجه يتناوله على سبيل النصوصية بأن يقول: لا يجب على ولا عليكم، وأما إذا تناوله بالعموم، وكان ظاهرًا فيه لا نصًا بأن يقول: لا يجب على أحد، فالفعل لا يكون ناسخًا فى حقه بل مخصصًا له لما سيأتى أن الأخص يخصص الأعم إذا تخالفا تقدَّم العام أو تأخر لأن التخصيص أهون من النسخ.
القسم الثانى: أن يدل دليل على تكرار وعلى وجوب تأسى الأمة به وفيه الاحتمالات الثلاث:
أحدها: أن يكون القول خاصًا به فلا معارضة فى حق الأمة بحال، وأما فى حقه فالمتأخر من القول أو الفعل ناسخ للآخر كما تقدَّم فإن جهل التاريخ فمذاهب أحدها: يؤخذ بالقول، وثانيها: يؤخذ بالفعل، وثالثها وهو المختار: التوقف لاحتمال الأمرين، والمصير إلى أحدهما بلا دليل تحكم باطل.
وثانيها: أن يكون خاصًا بالأمة فلا تعارض فى حقه بحال، وأما فى حق الأمة
فالمتأخر من القول والفعل ناسخ للآخر، وإن جهل التاريخ فمذاهب: أحدها: يعمل بالفعل، وثانيها: يتوقف. وثالثها: يعمل بالقول وهو المختار لأن دلالة القول على مدلوله أقوى من دلالة الفعل لأن القول وضع لذلك فلا يختلف بخلاف الفعل، فإن له محامل وإنما يفهم منه فى بعض الأحوال ذلك بقرينة خارجية فيقع الخطأ فيه كثيرًا، وأيضًا فالقول أعم دلالة لأنه يعم المعدوم والموجود المعقول والمحسوس بخلاف الفعل فإنه يختص بالموجود المحسوس لأن المعدوم والمعقول لا يمكن مشاهدتهما، وأيضًا القول دلالته متفق عليها والفعل دلالته مختلف فيها والمتفق عليه أولى بالاعتبار، وأيضًا فالعمل بالقول يبطل مقتضى الفعل فى حقهم فقط ويبقى فى حقه والعمل بالفعل يبطل مقتضى القول جملة لأنه مختص بالأمة وقد بطل حكمه فى حقهم والجمع بينهما ولو بوجه أولى من إبطال أحدهما بالكلية.
القائلون بتقدم الفعل قالوا: الفعل أقوى بدليل أنه يتبين به القول مثل: "صلوا كما رأيتمونى أصلى"، و"خذوا عنى مناسككم" بيانًا لآية الحج، والصلاة، وكخطوط الهندسة وغيرها مما جرت به العادة من الأفعال للتعليم إذا لم يف القول به فيستعان بالتخطيط والتشكيل والإشارة والحركات ولذلك قيل:"ليس الخبر كالمعاينة".
الجواب: غايته أنه وجد البيان بالفعل لكن البيان بالقول أكثر فيكون راجحًا سلمنا التساوى لكن البيان بالقول أرجح بما ذكرناه من الوجوه فإن الدليلين من جنس واحد إذا تعارضا فقيام دليل آخر على وفق أحدهما مرجح له، فإن قيل: فلِمَ لا يصار إلى الوقف ههنا كما فى حقه عليه الصلاة والسلام للاحتمالين. قلنا: لأن القول بالتوقف ضعيف ههنا لأنا متعبدون بالعمل والتوقف فيه إبطال للعمل ونفى للتعبد به، بخلاف الأول، وهو التوقف فى حق الرسول عليه الصلاة والسلام لعدم تعبدنا به.
ثالثها: أن يكون القول عامًا له وللأمة، فالمتأخر من القول والفعل ناسخ للآخر فى حقه، وفى حقنا، فإن جُهل التاريخ، فالثلاثة، أى: تقديم القول، وتقديم الفعل، والتوقف، والمختار تقديم القول، لكن تقرير الدليل الرابع من وجوه ترجيح القول ههنا أدق، وذلك لأنه يبطل حكمه فى حقهم وفى حقه لكن إنما
يبطل فى حقه الدوام دون أصل الفعل فأنه فعل مرة.
القسم الثالث: أن يدل الدليل على التكرار فى حقه دون وجوب التأسى به، والقول فيه الاحتمالات الثلاث: فإن كان خاصًا بالأمة فلا تعارض أصلًا وإن كان خاصًا به أو عامًا له وللأمة فلا تعارض فى الأمة لعدم ثبوت حكم الفعل فى حقهم، وأما فى حقه فالمتأخر من القول والفعل ناسخ كما مر فى القسم الثانى، وعند الجهل فالثلاثة والمختار الوقف.
القسم الرابع: أن يدل الدليل على التأسى دون التكرار فى حقه وفى القول الاحتمالات: فإن كان خاصًا به فلا تعارض فى حق الأمة، وأما فى حقه فإن تأخر القول فلا تعارض وإن تقدَّم فالفعل ناسخ فى حقه فإن جُهل فالمذاهب الثلاثة، والمختار الوقف، وفيه نظر فإنه لا تعارض مع تقدُّم الفعل فنأخذ بمقتضى القول حكمًا بتقديم الفعل لئلا يقع التعارض المستلزم لنسخ أحدهما، وإن كان خاصًا بالأمة فلا تعارض فى حقه وفى حق الأمة المتأخر ناسخ فإن جُهل التاريخ فالمذاهب الثلاثة والمختار العمل بالقول، وإن عامًا له وللأمة فكما تقدم، فأما فى حقه فإن تقدَّم الفعل فلا تعارض، وإن تقدَّم القول فالفعل ناسخ له، وأما فى حق الأمة فالمتأخر ناسخ وإن جهل فالثلاثة والمختار القول ولا يخفى أن هذا إذ لا تكرر فى حق الأمة إنما يكون إذا تقدَّم المتأخر التأسى وإلا فلا تعارض فى حقهم.
قوله: (أو مطلقًا) زيادة من الشارح لا حاجة إلى ذكرها لأن وجوب التكرير له عليه السلام أعم من أن يكون له خاصة أو مع أمته، وكذا وجوب التكرير للأمة وأما زيادة اشتراط دلالة الدليل على وجوب التأسى فيما إذا كان وجوب التكرير للأمة فمما لا بدّ منه وإلا لم يتحقق التعارض فى حق الأمة وإنما خص وجوب تكرير الأول لظهور أن لا تعارض بمجرد وجوب تكرير الثانى.
قوله: (لا لحكم الفعل) أى لا يكون الفعل الثانى نسخًا لحكم الفعل الأول أما بالنظر إلى الاستقبال فلأن الفعل لا يقتضى التكرار فلا حكم حتى يرفع وأما بالنظر إلى ما مضى فلأن رفع ما وجد محال فتعين أن يكون نسخًا لحكم الدليل الدال على وجوب التكرار ولا يخفى أنه قد لا يكون نسخًا بل تخصيصًا كما إذا دل الدليل على عموم تكرير الصوم مثلًا ثم أفطر فإنه يكون تخصيصًا له لا نسخًا.
قوله: (وقد يطلق النسخ والتخصيص) فإن قيل إن أراد كونه ناسخًا ومخصصًا فلا مجاز لأنه دليل شرعى يرفع حكمًا شرعيًا وقد يفيد قصر العام على البعض كما سيجئ وإن أراد كونه منسوخًا ومخصوصًا فلا إطلاق على نفس الفعل بل على حكم الدليل الدال على تكرره، قلنا: سيجئ فى مواضع أن المتأخر من القول والفعل ناسخ للآخر وإن كان المراد ما ذكرتم فلا يبعد إطلاق التخصيص أيضًا بهذا الاعتبار.
قوله: (ينقسم إلى أربعة أقسام) لأنه إما أن لا يوجد دليل على التكرار فى حقه ولا على وجوب التأسى فى حق الأمة أو يوجد عليهما أو يوجد على التكرر فقط أو على التأسى فقط، وعلى كل تقدير فالقول إما خاص به أو بالأمة أو شامل لهما يصير اثنى عشر وعلى كل تقدير فإما أن يعلم تقدم الفعل أو تأخره أو لا يعلم شئ منهما تصير ستة وثلاثين فالأقسام الأول أربعة والأصناف الأول من كل قسم ثلاثة كل صنف ثلاثة فتكون الأصناف الثوانى من كل قسم تسعة.
قوله: (لا يجوز لى الفعل فى وقت كذا) بمنزلة يجب على الكف عن ذلك الفعل فى ذلك الوقت، فإذا فعله فى ذلك الوقت كان نسخًا لوجوب الفعل الذى هو الكف قبل التمكن منه.
قوله: (لأنه يذكر فى نظيره) وهو ما يكون القول خاصًا به وجهل التاريخ من القسم الرابع وهو ما يدل الدليل على التأسى فقط وما يعلم حكمه وهو أن فيه ثلاثة مذاهب: تقديم القول وتقديم الفعل والتوقف وهو المختار، وللشارح فيه نظر سيذكر وإنما خص القسم الرابع مع أن هذا حكم نظيره من الثانى والثالث أيضًا لأن كلًا من صورتى تقدُّم القول وتأخره أيضًا يوافق الرابع دون الثانى والثالث.
قوله: (ففى حقه إن تأخر) أى القول بقرينة قوله وإن تقدَّم فالفعل ناسخ له وإنما لم يتعرنهما للجهل بالتاريخ اتباعًا للمتن واكتفاء بما سبق من التنبيه.
قوله: (وكان ظاهرًا) أى كان القول ظاهرًا فى النبى عليه السلام بأن يقول: لا يجب على أحد لا نصًا بأن يقول لا يجب على ولا على أمتى، وفى المنتهى: إلا أن يكون القول ظاهرًا فى العموم.
قوله: (لما سيأتى فى بحث تخصيص الكتاب بالكتاب) فيندفع ما ذكره العلامة من هذا عدة من غير الوفاء بها.
قوله: (كما تقدَّم) أى فى الصنف الأول من القسم الأول من أنه إذا تقدَّم القول كان الفعل ناسخًا له بناء على جواز النسخ قبل التمكن وأما إذا تقدَّم الفعل فلا تعارض فيما تقدَّم وههنا يكون الفعل ناسخًا لحكم تكرر الفعل.
قوله: (ولإبطال القول) مصدر المبنى للمفعول أو الفاعل وهو من عمل بالفعل والمعنى أن يسبب العمل بالفعل يبطل القول أى مفتضاه جملة أى بالكلية لأنه مختص بالأمة فإذا بطل حقه فى حكمهم لم يبق به عمل أصلًا بخلاف ما إذا عمل بالقول فإن مقتضى الفعل يبقى فى حقه عليه السلام وإنما يبطل فى حق الأمة فقط.
قوله: (من جنس واحد) احترازًا عما إذا اختلفا بالجنس فإنه لا ترجيح بالكثرة كنص وقياسين بخلاف ما إذا تعارض القياسان، ووجد على وفق أحدهما دليل وههنا الدليلان من جنس وهو وقوع كل من القول والفعل بيانًا وقد قامت الوجوه الأربعة السابقة على تقديم القول.
قوله: (فإن قيل) يعنى أن ههنا أيضًا احتمال الأمرين: تقدم القول ليكون منسوخًا وتأخره ليكون ناسخًا لينبغى أن يتوقف دفعًا للتحكم كما فى صورة اختصاص القول به عليه السلام، وحاصل الجواب: أنه إذا تعلق القول والفعل بنا فنحن متعبدون بالعمل بمتقتضى أحدهما وقد ترجح القول فيعمل به بخلاف ما إذا تعلق به عليه السلام فإنه لا تعبد لنا بأعماله ولا نحكم فيها أن الواجب عليه هذا أو ذاك فتوقفنا نظرًا إلى الاحتمالين وذكر العلامة أن المعنى أنا متعبدون فى هذا القسم بأحد الحكمين حكم الفعل أو القول فالعمل بالأرجح أولى بخلاف الأول إذ لا تعبد فيه إلا بالقول وههنا بحث وهو أنه بعدما بين ترجيح القول بالوجوه المذكورة فسؤال التوقف ليس بسديد وإنما يتوجه السؤال بأنه لم لا يصار فى الأول أيضًا إلى ترجيح القول كما هو رأى الآمدى من غير توقف.
قوله: (والمختار تقديم القول) للأدلة الأربعة المذكورة وزعم العلامة أن الرابع لا يتمشى ههنا فأشار المحقق إلى أنه يتمشى لكن بوجه أدق وتقريره أن العمل بالفعل يبطل حكم القول بالكلية والعمل بالقول إنما كان يبطل الفعل فى حقه وفى حقنا لكن لا بالكلية إذ لا يبطل فى حقه إلا دوام الفعل واستمرار حكمه دون أصل الفعل فإنه قد فعل مرة ولا يتصور إبطاله ثم مقتضى كلام المتن والشرح تقديم
القول فى حقه وفى حقنا جميعًا لكن مقتضى ما سبق أن يكون ذلك فى حقنا وأما فى حقه فالتوقف وبهذا صرح العلامة وغيره.
قوله: (فالمتأخر من القول والفعل ناسخ) قد عرفت أن نسخ الفعل للقول العام له ولأمته إنما هو على تقدير أن يكون العموم له بطريق النصوصية وأما إذا كان بطريق الظهور فالفعل مخصوص وأنه مبنى على جواز النسخ قبل التمكن ولا يخفى أن هذا التعميم وهو أنه سواء كان القول خاصًا به أو عامًا له وللأمة ففى حقه المتأخر ناسخ فعلًا كان أو قولًا وعند الجهل المختار التوقف، إنما هو فى القسم الثانى دون الأول إذ لا تعارض فى حقه عند تأخر القول لعدم دليل تكرير الفعل فلهذا قال كما مر فى القسم الثانى، ولم يقل: كما مر فى القسم الأول، وكان الأولى أن يؤخره عن قوله: وعند الجهل فالثلاثة والمختار الوقف.
قوله: (وفيه نظر) اختيار الوقف وإن لم يكن صريحًا فى المتن لكنه يعلم من قوله: فالثلاثة إشارة إلى ما سبق واعتراض الشارح عليه وعلى نظيره من القسم الأول ظاهر الورود لاشتراكهما فى عدم تكرير الفعل وعدم التعارض عند تقدمه بخلاف الثانى والثالث.
قوله: (والمختار العمل بالقول) لما مر من وجوه الترجيح مع أنا متعبدون بالعمل فلا وجه للتوقف بخلاف ما إذا اعتبر فى حق النبى صلى الله عليه وسلم.
قوله: (وإن جهل فالثلاثة) يحتمل أن يكون على إطلاقه أى فى حقه وفى حقنا بناء على نظر الشارح أنه ينبغى فى مثل هذه الصور أن يكون المختار فى حقه أيضًا الأخذ بمقتضى القول لا التوقف ولذا قال: والمختار القول ولم يقل العمل بقوله.
قوله: (ولا يخفى أن هذا) أى كون المتأخر ناسخًا للمتقدم عند العلم بالتاريخ والمذاهب الثلاثة عند الجهل فى حق الأمة إنما يكون إذا كان المتأخر متقدمًا على التأسى والإتيان بمثل فعل النبى صلى الله عليه وسلم وإن لم يتقدم بل كان ورود القول بعد التأسى، ولا يتصور هذا فى الفعل فلا يعارض فى حقهم الدليل لأنه لا دليل على التكرر ولا يثبت الفعل إلا مرة واحدة فقوله: إذ لا تكرر تعليل قدم على الحكم وقوله: فى حق الأمة متعلق بقوله: هذا أو بقوله لا تكرر.
الشارح: (ولا فى المستقبل) أى ولا تعلق للقول بالفعل بالنظر إلى المستقبل من
حيث المعارضة له.
الشارح: (إذ لا حكم للفعل فى المستقبل) أى لعدم شموله فلا معارضة بينه وبين قوله: لا يجوز لى مثل هذا الفعل فى هذا الوقت.
الشارح: (وإن جهل الحال. . . إلخ) إلى هنا تمت الأقسام الثلاثة إذا كان القول مختصًا به.
الشارح: (تقدم الفعل أو تأخر) أى فلا فرق هنا بين علم تقدم الفعل وعلم تأخره وعدم العلم بشئ أصلًا فقد تمت الأقسام الثلاثة لما إذا كان الفعل مختصًا بالأمة.
الشارح: (فحكمه على تقدير تقدم الفعل وتأخره. . . إلخ) ترك حالة الجهل اكتفاء بالتنبيه عليها فيما سبق وقد تمت الأقسام الثلاثة لما إذا كان القول عامًا له ولنا وتمت الأقسام التسعة لما إذا لم يدل دليل على تكرار ولا تأس.
الشارح: (أحدها أن يكون القول خاصًا به) أقسامه الثلاثة ظاهرة وقوله: وثانيها: أن يكون خاصًا بالأمة كذلك وسيأتى الأقسام الثلاثة لما إذا كان القول عامًا لنا وله فى قوله: ثالثها أن يكون القول عامًا لنا وله فالمجموع تسعة أقسام للقسم الثانى أيضًا.
الشارح: (فلا تعارض أصلًا) أى سواء علم تقدم القول أو تأخره أو جهل الحال فهذه صور ثلاثة.
الشارح: (وإن كان خاصًا به أو عامًا. . . إلخ) وصوره ستة فالمجموع تسعة فى القسم الثالث أيضًا.
الشارح: (وأما فى حقه. . . إلخ) صوره ثلاثة كما هو ظاهر.
الشارح: (فلا تعارض فى حق الأمة) أى بصوره الثلاثة.
الشارح: (وإن كان خاصًا بالأمة) صوره ثلاثة أيضًا فمجموع صور القسم الرابع تسعة أيضًا وبها تمت الصور الستة والثلاثون.
قوله: (زيادة من الشارح) رد بأن المفاد من التكرار بالنسبة له أو بالنسبة إلى الأمة اختصاصه به.
قوله: (وأما زيادة اشتراط دلالة الدليل على وجوب التأسى) أى بالنسبة للفعل الثانى.
قوله: (قلنا سيجئ فى مواضع. . . إلخ) أى فقد جعل الفعل منسوخًا والمراد حكمه فيكون إطلاق النسخ على الفعل بهذا الاعتبار مجازًا.
قوله: (فلا يبعد إطلاق التخصيص أيضًا بهذا الاعتبار) الأولى ولا يبعد لأنه ليس جوابًا لقوله: وإن كان المراد ما ذكرتم.
قوله: (بمنزلة يجب على الكف. . . إلخ) تأويل يصحح به أن يقال وهو مبنى على النسخ قبل التمكن من الفعل إذ هو صريح فى أن هناك فعلًا نسخ قبل التمكن منه والكف فعل.
قوله: (وللشارح فيه نظر سيذكر) وهو أن لا تعارض مع تقدم الفعل فنأخذ بمقتضى القول حكمًا بتقديم الفعل لئلا يقع التعارض المستلزم لنسخ أحدهما ثم أعلم أنه لا ينحصر هذا الصنف فيما ذكر بل يجوز أن يكون القول المتقدم دالًا على الدوام كأن يقول صوم الخميس واجب دائمًا.
قوله: (يوافق الرابع) أى فى أنه إن تقدم القول يكون الفعل ناسخًا بناء على جواز النسخ قبل التمكن وإن تقدم الفعل فلا تعارض.
قوله: (دون الثانى والثالث) أى لأن المتأخر من القول والفعل ناسخ للمتقدم فيما فيه التعارض منهما.
قوله: (مصدر المبنى للمفعول) هذه القولة مؤخرة من تقديم؛ لأنها على قول المصنف: ولإبطال القول به جيلة وقوله: أو الفاعل وهو من عمل تحريف وصوابه: والفاعل هو العمل بالفعل وقوله: والمعنى أن بسبب العمل تحريف وصوابه: حذف بسبب ويحتمل أن قوله أو الفاعل عطف على المفعول أى أن إبطال مصدر المبنى للفاعل وعلى كل فقوله: وهو من عمل بالفعل تحريف.
قوله: (ولذا قال: والمختار القول، ولم يقل: العمل بقوله) أى لأن العمل بقوله معناه عمل الأمة بقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيكون ظاهرًا فيما إذا كان القول للأمة دون ما إذا كان للرسول أيضًا بخلاف ما إذا قيل المختار القول، فإنه يعم القول بالنسبة له وبالنسبة للأمة.