الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(مسألة: النهى عن الشئ لعينه يدل على الفساد شرعًا
لا لغة وقيل لغة وثالثها فى الإجزاء لا السببية لنا أن فساده سلب أحكامه وليس فى اللفظ ما يدل عليه لغةً قطعًا، وأما كونه يدل شرعًا فلأن العلماء لم يزل يستدلون على الفساد بالنهى فى الربويات والأنكحة وغيرها وأيضًا لو لم يفسد لزم من نفيه حكمة للنهى ومن ثبوته حكمة للصحة واللازم باطل لأنهما فى التساوى ومرجوحية النهى يمتنع النهى لخلوه عن الحكمة وفى رجحان النهى تمتنع الصحة لذلك).
أقول: النهى عن الشئ قد يكون لعينه وقد يكون لصفته وكلامنا الآن فى المنهى عنه لعينه وأنه يدل على فساد المنهى عنه شرعًا لا لغةً، وقيل يدل عليه لغة وقيل يدل على الفساد إذا استعمل فى مقابلة الإجزاء وهو موافقة العبادة للأمر أو إسقاطها للقضاء لا إذا استعمل فى مقابلة السببية وهو استتباع المعاملة أثرها وذلك أن الصحة وهى مقابلة تستعمل فى الأمرين لنا إما أنه لا يدل على الفساد لغة فلأن فساد الشئ عبارة عن سلب أحكامه وليس فى لفظ النهى ما يدل عليه لغة قطعًا ولو قال: لا تبع هذا فإنك لو فعلت لعاقبتك ولكن يترتب عليه أحكامه لم يكن ظاهرًا فى التناقض وإما أنه تدل على الفساد شرعًا فلأن علماء الأمصار فى الأعصار لم يزالوا يستدلون على الفساد بالنهى فى أبواب الربا والأنكحة والبيوع وغيرها وأيضًا لو لم يفسد لزم من نفيه حكمة يدل عليها النهى ومن ثبوته حكمة يدل عليها الصحة واللازم باطل لأن الحكمتين إن كانتا متساويتين تعارضتا وتساقطتا وكان فعله كـ "لا فعل" فامتنع النهى عنه لخلوه عن الحكمة وإن كانت حكمة النهى مرجوحة فأولى لفوات الزائد من مصلحة الصحة وهى مصلحة خالصة وإن كانت راجحة امتنع الصحة لخلوه عن المصلحة أيضًا بل لفوات قدر الرجحان من مصلحة النهى وأنها مصلحة خالصة.
قوله: (وأنه يدل على فساد المنهى عنه شرعًا) ظاهر الكلام أن هذا أوّل المذاهب وثانيها أنه يدل عليه لغة وثالثها أنه يدل عليه فى العبادات دون المعاملات، وليس كذلك بل أول الذاهب أنه يدل على الفاسد فى الجملة وثانيها أنه لا يدل عليه أصلًا، وثالثها: التفصيل، ثم اختلف أصحاب المذهب الأول فى أن دلالته على الفساد من جهة الشرع أو من جهة اللغة، واختلف أصحاب المذهب الثانى فى أنه
هل يدل على الصحة أم لا على ما ستجئ الإشارة إليه فصارت تفاصيل المذاهب خمسة، وفى بعض الشروح أنها ستة، لأنه إما أن يدل فى العبادات والمعاملات أو لا يدل فيهما أو يدل فى العبادات دون المعاملات وعلى كل تقدير فإما شرعًا أو لغة وليس بشئ لأن عدم الدلالة فيهما لا يكون إلا مذهبًا واحدًا حتى لو فصل إلى أنه لا يدل لغة بل شرعًا فقط كان أحد المذاهب الباقية وعكسه لا يعقل مذهبًا لأحد، نعم لو فصل عدم الدلالة على الفساد إلى أنه هل يدل على الصحة أم لا؟ وصح تفصيل الدلالة فى العبادات خاصة إلى أنها بحسب اللغة أو الشرع كانت المذاهب ستة.
قوله: (إذا استعمل) أى الفساد (فى مقابلة الإجزاء) بأن يراد به عدم الإجزاء، والإجزاء عند الجمهور: موافقة العبادة للأمر وعند البعض إسقاط العبادة قضاءها بمعنى الإتيان بها بحيث لا يجب قضاؤها ولا يدل على الفساد إن أريد به ما يقابل السببية أى عدم استتباع المعاملة أثرها أى حكمها وثمرتها المطلوبة منها كالملك للبيع (وذلك) أى كون الفساد مستعملًا فى المعنيين لأنه مقابل الصحة المستعملة فى الأمرين أعنى الإجزاء المفسر بالتفسيرين والسببية المفسرة باستتباع الأثر ولم يزد الشارحون فى شرح قوله: وثالثها فى الإجزاء لا السببية على أنه يدل على الفساد فى العبادات لا المعاملات.
قوله: (سلب أحكامه) أى عدم ترتب ثمراته وآثاره عليه وهذا يتناول فساد العبادات والمعاملات لأن حكم العبادة حصول الامتثال أو سقوط القضاء.
قوله: (قطعًا) مشعر بأن الحكم ضرورى فيكون قوله: ولو قال: لا تبع. . . إلخ، تنبيهًا عليه وإن أريد أن هذا الحكم ثابت قطعًا فهذا استدلال عليه بمعنى أنه لو دل عليه لغة لكان هذا الكلام تناقضًا وليس بتناقض اتفاقًا.
قوله: (على الفساد بالنهى) يعنى قد تواتر أنهم كانوا يستدلون على الفساد لا على مجرد التحريم وبالنهى لا بخصوص القرائن فى الربا مثل: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران: 130]، {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: 278]، والأنكحة، مثل:{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221]، والبيوع، مثل:"لا تبيعوا الذهب بالذهب. . . " الحديث.
قوله: (وهى) أى القدر الزائد من مصلحة الصحة مصلحة خالصة لا معارض
لها من جانب الفساد لأن التقدير أن حكمة النهى مرجوحة وكذا قوله (وأنها) أى قدر الرجحان من مصلحة النهى مصلحة خالصة لا يعارضها شئ من مصلحة الصحة ففواتها يوجب امتناع الصحة بطريق الأولى فإن قيل هذا إنما يتم على قاعدة الحسن والقبح العقليين قلنا: لا بل مبناه على كون أحكام الشرع على وفق الحكم والمصالح وتصرفات العقلاء كحكم الاستقراء وإن لم يكن واجبًا.
المصنف: (لزم من نفيه) أى نفى المنهى عنه الذى يقتضيه النهى وقوله: ثبوته أى ثبوت المنهى الذى يقتضيه الصحة.
المصنف: (وأيضًا لو لم يفسد لزم من نفيه) أى نفى المنهى عنه الذى هو مقتضى النهى، وقوله: ومن ثبوته أى ثبوت المنهى عنه كما هو مقتضى الصحة.
قوله: (ظاهر الكلام أن هذا أول المذاهب. . . إلخ) قال ميرزاجان راد على المحشى: إن الأول: أنه يدل على الفساد شرعًا وهو المختار عند المصنف، الثانى: أنه يدل عليه لغة، الثالث: التفصيل، الرابع: عدم دلالته على الفساد مطلقًا لا شرعًا ولا لغة، الخامس: دلالته على الصحة دون الفساد.
قوله: (وعكسه لا يعقل) أى عكس أنه يدل على الفساد فى العبادات دون المعاملات وهو أنه يدل عليه فى المعاملات دون العبادات لا يعقل، وكان الأولى تقديمه عقب قوله: أو يدل فى العبادات دون المعاملات ولعل تأخيره من الناسخ.
(قال: اللغة لم يزل العلماء وأجيب بفهمهم شرعًا بما تقدَّم، قالوا الأمر يقتضى الصحة والنهى نقيضه فيقتضى نقيضها، وأجيب بأنه لا يقتضيها لغة، ولو سلم فلا يلزم اختلاف أحكام المقابلات ولو سلم فإنما يلزم أن لا يكون الصحة لا أن يقتضى الفساد النافي لو دل لناقض تصريح الصحة ونهيتك عن الربا لعينه وتملك به يصح وأجيب بالمنع بما سبق).
أقول: هذه حجج المخالفين فالقائلون بأنه يدل على الفساد لغة.
قالوا: أولًا: ما ذكرنا فى دلالته شرعًا وهو قولنا: لم يزل العلماء يستدلون بالنهى على الفساد.
الجواب: أنه يدل على دلالته على الفساد وأما لغة فلا بل ذلك لفهمهم دلالته شرعًا لما تقدَّم من دليلنا على عدم دلالته لغة.
قالوا: ثانيًا: الأمر يقتضى الصحة لما مر والنهى نقيضه والنقيضان مقتضاهما نقيضان فيكون النهى مقتضيًا لنقيض الصحة وهو الفساد.
والجواب: أن الأمر يقتضى الصحة شرعًا لا لغة، ونقول بمثله فى النهى ومرادكم دلالته لغة ومثله ممنوع فى الأمر سلمنا ذلك لكن المتقابلات لا يجب اختلاف أحكامها لجواز الاشتراك فى لازم واحد فضلًا عن تناقض أحكامها سلمنا، لكن نقيض قولنا: يقتضى الصحة أنه لا يقتضى الصحة ولا يلزم منه أن يقتضى الفساد فمن أين يلزم فى النهى أن يقتضى الفساد، نعم يلزم أن لا يقتضى الصحة ونحن نقول به والنافى لدلالته على الفساد مطلقًا لغة وشرعًا قال: لو دل النهى على الفساد لكان مناقضًا للتصريح، بصحة المنهى عنه واللازم منتف لأنه يصح أن تقول: نهيتك عن الربا لعينه ولو فعلت لعاقبتك لكنه يحصل به الملك.
الجواب: منع الملازمة بما سبق أن الظهور لا يمنع التصريح بنقيضه الصارف هو عنه.
قوله: (لما تقدَّم) جعله دليلًا على أنهم إنما فهموا الدلالة بحسب الشرع دون اللغة فجعله إشارة إلى ما سبق من الدليل على عدم الدلالة لغة، والشارحون جعلوه دليلًا على الدلالة شرعًا، ففسروه بما سبق من دليله المعقول، أعنى حديث تساوى الحكمتين أو تفاوتهما.
قوله: (لما مر) فى بحث الحكم من أن الصحة موافقة أمر الشرع، وفى مسألة الإجزاء من أن الإتيان بالمأمور به على وجهه يحقق الإجزاء أو يستلزمه.
قوله: (سلمنا) أى وجوب تناقض أحكام المتقابلات لكن لا نسلم أنه يستلزمه المطلوب أعنى كون النهى مقتضيًا للفساد فإن حكم الأمر هو أنه يقتضى الصحة فنقيضه أنه لا يقتضى الصحة وهو أعم من اقتضاء عدم الصحة أعنى الفساد والأعم لا يستلزم الأخص هذا إذا أريد بأحكامها النسب الإيجابية أو السلبية وإن أريد مقتضياتها والآثار المترتبة عليها لم يتأت هذا الأخير ولزم الاقتصار على ما تقدَّم.
قوله: (لأنه يصح) أى لغة وشرعًا أن يقول نهيتك عن الربا لعينه صرح بذلك ليكون من محل النزاع وإلا فالنهى عن الربا إنما هو لوصفه وهو استعماله على الزيادة.
قوله: (بما سبق) يعنى فى مسألة الأمر بعد الحظر حيث قيل: لو كان ورود الأمر بعد النهى مانعًا من الوجوب لامتنع معه التصريح بالوجوب، وأجيب بمنع الملازمة فإن قيام الدليل الظاهر لا يمنع التصريح بخلافه بل التصريح يكون قرينة صارفة عن الحمل على الظاهر الذى يجب العمل عليه عند التجرد عن القرينة وهذا معنى قوله:(الصارف هو) أى ذلك التصريح (عنه) أى عن ذلك الظاهر، وفى بعض الشروح أن الظاهر أنه منع لنفى التالى أى لا نسلم صحة أن يقول نهيتك وتملك من غير تناقض لما نبين عن قريب أنهما لا يجتمعان.
المصنف: (فإنما يلزم أن لا يكون الصحة) أى أن لا توجد الصحة عند النهى.
قوله: (هذا إن أريد بأحكام النسب الإيجابية أو السلبية. . . إلخ) فيه أن تقرير الدليل بأن النهى والأمر نقيضان فمقتضاهما نقيضان صريح فى أنه لم يقصد بالأحكام النسب الإيجابية أو السلبية بل الآثار.
(قال: القائل يدل على الصحة لو لم يدل لكان المنهى عنه غير الشرعى والشرعى الصحيح كصوم يوم النحر والصلاة فى الأوقات المكروهة، وأجيب بأن الشرعى ليس معناه المعتبر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "دعى الصلاة. . " وللزوم دخول الوضوء وغيره فى مسمى الصلاة. قالوا: لو كان ممتنعًا لم يمنع. وأجيب: بأن المنع للنهى وبالنقض بمثل: {وَلَا تَنْكِحُوا. .} [النساء: 22]، و"دعى الصلاة. . ". قولهم نحمله على اللغوى يوقعهم فى مخالفة أن المتنع لا يمنع ثم هو متعذر فى الحائض).
أقول: إن قومًا ممن قال بأن النهى لا يدل على الفساد لم يقتصر على ذلك حتى قال إنه يدلس على الصحة ونسب ذلك إلى محمد بن الحسن.
قالوا: أولًا: لو لم يدل على الصحة لكان المنهى عنه غير الشرعى واللازم منتف، أما الملازمة فلأن المنهى عنه إذا لم يكن صحيحًا لم يكن شرعًا معتبرًا؛ لأن الشرعى المعتبر هو الصحيح، وأما انتفاء اللازم فلأنا نعلم أن المنهى عنه فى صوم يوم النحر والصلاة فى الأوقات المكروهة إنما هو الصوم والصلاة الشرعيان لا الإمساك والدعاء.
الجواب: أن الشرعى ليس معناه المعتبر شرعًا بل ما يسميه الشارع بذلك الاسم، وهو الصورة المعينة صحت أم لا كما تقول صلاة صحيحة، وصلاة فاسدة، ويدل عليه قوله:"دعى الصلاة أيام أقرائك"، وصلاة الحائض لا تصح اتفاقًا، ثم يلزم أن يكون الوضوء وغيره من شرائط الصلاة داخلًا فى مفهوم الصلاة لأن الصلاة المعتبرة هى المقرونة بالشروط، وذلك باطل بالاتفاق على أنها شرائط الصلاة لا أركانها.
قالوا: ثانيًا: لو لم يكن صحيحًا لكان ممتنعًا عنه، فلا يمنع عنه لأن المنع عن الممتنع لا يفيد.
والجواب: أولًا أنه ممتنع بهذا المنع وإنما المحال منع الممتنع بغير هذا المنع، كما ذكرناه فى تحصيل الحاصل أنه إذا كان للحاصل بهذا التحصيل لم يمتنع. وثانيًا بأنه منقوض بمثل:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22]، ولا يدل على الصحة بالإجماع، وكذا قوله:"دعى الصلاة أيام أقرائك" فإن قيل فنحمله ههنا على اللغوى فلا يلزم الصحة، قلنا دليلكم قائم فى اللغوى وهو أنه حينئذ يمتنع منهم اللغوى وقد منعوا عنه فيوقعهم ذلك فى مخالفة ما قالوا من أن الممتنع لا يمنع عنه
ثم حمله على اللغوى وإن أمكن فى نكاح منكوحات الآباء فإنه متعذر فى صلاة الحائض فإن اللغوى وهو الدعاء غير ممنوع عنه اتفاقًا.
قوله: (ونسب ذلك إلى محمد بن الحسن) سوق الكلام مشعر باستبعاد هذا الكلام حتى أن بطلانه يكاد يلحق بالضرورات للقطع بأن ليس مدلول "لا" تبع هذا بذاك سوى طلب الكف عنه وتحريمه إما مع لزوم الفساد أو بدونه، وأما كون الصحة مدلوله الضمنى أو الالتزامى فكلا والحنفية يقبلون القضية ويدعون ظهور لزومها ودلالة النهى عليها وإلا لم يتحقق الابتلاء ولم يكن للنهى معنى وهذا عندهم من المباحث المشهورة وتقريره أن الأفعال إما حسية كالشرب والزنا ونحو ذلك وهو ظاهر وإما شرعية وهى التى يكون لها مع وجودها الحسى وجود شرعى بأن اعتبر الشارع لها أركانًا وشرائط مخصوصة كالبيع والنكاح ونحوهما والنهى عن الشرعيات يقتضى صحتها ومشروعيتها لئلا يلزم العبث ولا يبطل الابتلاء ونحن نقول إنما يلزم ذلك لو كان بطلانها وعدم مشروعيتها قبل هذا النهى وأما إذا كان به فلا لأنه يتصوّر من المكلف الإتيان بحركات وأفعال مخصوصة لولا هذا النهى لكانت شرعية فنهاه الشارع عن ذلك وأخرجها بهذا النهى عن المشروعية والإجزاء.
قوله: (الجواب أن الشرعى ليس معناه المعتبر شرعًا) فى شرح العلامة أن هذا معارضة فى المقدمة الاستثنائية أو فى نفس الحكم أو نقض إجمالى والحق أن هذا بيان لاختلال نظم الدليل بأنه أخذ فى بيان الملازمة الشرعى المعتبر، وفى نفى اللازم الشرعى من غير قيد الاعتبار فأوهم أن الشرعى هو المعتبر شرعًا فبين المجيب أن ليس كذلك بل الشرعى أعم من المعتبر شرعًا وحينئذٍ إن أريد أنه لو لم يكن صحيحًا لم يكن شرعيًا أصلًا فالملازمة ممنوعة لأن الشرعى أعم من الصحيح وإن أريد أنه لم يكن شرعيًا معتبرًا فانتفاء اللازم ممنوع وهو ظاهر.
قوله: (ثم يلزم) أى لو كان الشرعى هو المعتبر شرعًا لزم كون شرائط الأفعال الشرعية أركانًا لها لأن المعتبر شرعًا هى المقرونة بجميع الشرائط أى المستجمعة لها وقد يمنع اللزوم بأن المعتبر شرعًا هو القيد لا المجموع.
قوله: (لو لم يكن صحيحًا لكان ممتنعًا عنه) أى عن المكلف بمعنى أنه لا يتصوّر له وجود شرعى وهو معنى الصحة فلا يمنع المكلف عنه.
قوله: (كما ذكرناه) أى فى الكتب الكلامية حيث قيل تأثير المؤثر وإيجاده الأثر إن كان حال وجوده لزم تحصيل الحاصل وهو محال وإن كان حال عدمه لزم جمع النقيضين مع أنه حيث لا أثر ولا تأثير فأجيب بأنه حال وجوده الذى بهذا الإيجاد والمحال إيجاد ما وجد سابقًا بغير هذا الإيجاد وهذا ما قاله فى المنتهى وأجيب بأنه إنما امتنع للنهى فلم يمنع الممتنع.
قوله: (فنحمله) أى كلًا من النكاح والصلاة فى الآية والحديث على اللغوى فلا يكون فعلًا شرعيًا بل حسيًا، ونحن إنما نقول بلزوم الصحة فى الأفعال الشرعية إذ لا معنى للصحة والفساد فى الحسيات ولا امتناع فيها بواسطة نهى الشارع فلا يكون الدليل قائمًا وتمام تحقيقه فى أصول الحنفية.
المصنف: (والشرعى الصحيح) دليل الملازمة، وقوله كصوم يوم النحر دليل انتفاء اللازم هذا هو مقتضى حل الشارح وهو ظاهر فى الأول لا الثانى فإن الظاهر من المصنف أنه مثال للشرعى الصحيح، وكون صوم يوم العيد صيامًا صحيحًا قد قال به بعض الحنفية وكذا صحة الصلاة فى الأوقات المكروهة.
قوله: (وإلا لم يتحقق الابتلاء) يعنى أن النهى عنه يجب أن يكون متصور الوجود شرعًا بحيث لو أقدم عليه لوجد حتى يكون العبد مبتلى بين أن يقدم على الفعل فيعاقب بإقدامه وبين أن يكف عنه فيثاب بامتناعه.
قوله: (وهو ظاهر) أى ما له تحقق بمجرد الحس والنهى عن الحسيات ليس منعًا للممتنع حتى ينافى الابتلاء كما فى المنهى عنه الشرعى والنهى فى الحسيات الأصل فيه على مذهب الحنفية أن يكون لعينه إلا لدليل يدل على أنه لوصفه أو لمجاور، وحكم النهى للوصف حكم النهى للعين فلا يترتب على النهى عنه حكم شرعى فلا تثبت حرمة المصاهرة بالزنا وإنما تثبت بالولد وهو الأصل فى إيجاب الحرمة ثم تتعدى منها إلى الأطراف والأسباب كالوطء وتقريره أن الزنا بذاته لا يوجب حرمة المصاهرة حتى يرد الإشكال بأن النهى عن الحسيات لا يفيد حكمًا شرعيًا بل لأن الوالد يوجب الحرمة لأن الاستمتاع بالجزء لا يجوز، ثم تتعدى منه إلى أطرافه أى فروعه وأصوله كأمهات النساء وتتعدى أيضًا إلى الأسباب أى الولد هو موجب لحرمة أمهات النساء فأقيم ما هو سبب الولد مقام الولد فى إيجاب حرمتهن كما
أقيم السفر مقام المشقة فى الترخيص وسبب الولد هو الوطء ودواعيه فجعلت موجبة لحرمة المصاهرة لا ذاتًا بل لتبعية الولد، وما يعمل بالخلفية يعتبر فى عمله صفة الأصل والأصل وهو الولد لا يوصف بالحرمة فالقائم مقامه وهو الوطء يعتبر بصفاته أى الولد لا بصفاته هو نفسه فالزنا من حيث هو زنا لا يترتب عليه الآثار وإن ترتب عليه من حيث كونه وطئًا مجردًا قائمًا مقام الولد وهو باعتبار قيامه مقام الولد الذى لا يوصف بالحرمة ليس حرامًا والمنهى عنه الشرعى الأصل فيه عندهم أن يرجع لغيره إلا لدليل يدل على أنه لوصفه أو الخارج والمنهى عنه لعينه باطل ولوصفه فاسد بوصفه صحيح بأصله، والمنهى عنه لخارج صحيح لا فساد فيه وعند الشافعى النهى الشرعى عند الإطلاق ينصرف إلى عين المنهى عنه فيكون باطلًا وإن دل الدليل على أن النهى لوصف المنهى عنه باطل أيضًا، وإن كان لمجاور فالنهى للكراهة هذا ما يؤخذ من التوضيح وشرحه وهو يقتضى أن المنهى عنه الشرعى لعينه لا خلاف فى فساده وعدم اعتباره شرعًا وذلك خلاف ما يفيده المصنف من وقوع الخلاف فيه.
قوله: (لولا هذا النهى لكانت شرعية) أى شرعية معتبرة وهو الصحيح.
قوله: (معارضة فى المقدمة الاستثنائية أو فى الحكم أو نقض إجمالى) لا وجه لذلك أصلًا، ولذا قال: والحق. . . إلخ.
قال: (مسألة: النهى عن الشئ لوصفه كذلك خلافًا للأكثر، وقال الشافعى يضاد وجوب أصله يعنى ظاهرًا وإلا ورد نهى الكراهة، وقال أبو حنيفة رحمه الله يدل على فساد الوصف لأنه المنهى عنه لنا استدلال العلماء على تحريم صوم يوم العيد بنحوه وبما تقدَّم من المعنى، قالوا دل لناقض تصريح الصحة وطلاق الحائض وذبح ملك الغير معتبر وأجيب بأنه ظاهر فيه وما خولف فبدليل صرف النهى عنه).
أقول: ما ذكرناه هو المنهى عنه لعينه وأما المنهى عنه لوصفه مثل عقد الربا حرام لاشتماله على الزيادة فهو كذلك أى يدل على الفساد خلافًا للأكثر، وقال الشافعى النهى عن الصوف بضاد وجوب أصله ومعنى قول الشافعى رضى اللَّه عنه أنه ظاهر فى عدم وجوب أصله فيضاد وجوب الأصل ظاهرًا لا أنه يضاده عقلًا، وإلا ورد عليه نهى الكراهة ولزم أن لا يجامع مع وجوب أصله لأن نسبة الكراهة والتحريم إلى الوجوب فى التضاد سواء فلو لم يجامع أحدهما لم يجامع الآخر وذلك يوجب أن لا يتأدى الواجب بالصلاة والصوم المكروهين وأنه باطل إجماعًا، وقال أبو حنيفة رضى اللَّه عنه يدل على فساد الوصف ولا يدل على فساد أصله وهو المنهى عنه لوصفه حتى لو طرح الزيادة عاد عقد الربا صحيحًا، لنا استدلال العلماء على فساد صوم يوم العيد بنهى الرسول عنه وليس ذلك نهيًا عنه لأنه صوم بل لأنه فى يوم العيد وأنه وصف وأيضًا ما تقدَّم من المعنى وهو التقسيم فى مصلحة النهى والصحة وأنهما متساويان أو لا. . . إلخ، قالوا: لو دل النهى عن الشئ لوصفه على الفساد لناقض النهى التصريح بالصحة ولا تناقض كما مر وأيضًا وجب أن لا يعتبر طلاق الحائض ولا ذبح ملك الغير لحرمته إجماعًا، وهما معتبران.
والجواب: أنه ظاهر فى الفساد وقد علمت أنه يجوز التصريح بخلاف الظاهر وأنه يجوز مخالفة الظاهر للدليل فلعل ما ذكرتم من الصور خولف فيه الظاهر لدليل صرف النهى عنه إلى وصفه.
قوله: (وأما المنهى عنه لوصفه) قال الشارح العلامة هو أن ينهى عن الشئ مقيدًا بصفة نحو لا تصل كذا، ولا تبع كذا، وحاصله ما ينهى عن وصفه لا ما يكون الوصف علة للنهى على ما تشعر به عبارتهم، وهذا يخالف المنهى عنه لغيره لأنه الذى نهى فيه عن أمر يقارنه نحو الصلاة فى الأرض المغصوبة فإن النهى عنها لشغل حيز الغير الذى هو المنهى عنه لعينه والخلاف المشهور ههنا هو أن الشارع إذا
أوجب الصوم وحرم إيقاعه فى يوم النحر فمتعلق التحريم عند أبى حنيفة رحمه الله هو إيقاع الصوم فيه الذى هو وصف المنهى عنه لا نفسه فلا يضاد وجوب أصله لتغاير المتعلقين وعند الشافعى رحمه الله يضاد وجوب أصله لأن تحريم إيقاع الصوم فى اليوم تحريم للصوم وكلام المصنِّف سيما فى المنهى صريح فى أن الخلاف ههنا كالخلاف فى المنهى عنه لعينه واللَّه أعلم.
قوله: (لا أنه) أى النهى عن الوصف (يضاده) أى وجوب الأصل عقلًا كان الأنسب أن يقول قطعًا لأنه المقابل للظاهر (وإلا ورد عليه) أى على ما ذكره الشافعى (نهى الكراهة) كالصلاة فى الأماكن المكروهة مع أنها تقع عن الواجب وأما إذا أراد أنه يضاده ظاهرًا لم يرد ذلك لأن الظاهر قد يندفع بمعارض أقوى وهو الإجماع على أن ما نهى نهى الكراهة فأصله واجب وقد يعتذر بأن كلام الشافعى فيما إذا كان النهى لوصف ونهى الكراهة ليس كذلك بل هو لأمر مجاور وبينهما فرق، وأما الحنفية فيفرقون بين المنهى عنه لذاته ولجزئه ولوصف لازم ولوصف مجاور ويحكمون فى البعض بالصحة وفى البعض بالفساد فى الأصل أو فى الوصف ولهم فى ذلك فروق وتدقيقات تطلب من أصولهم.
قوله: (ينهى الرسول) شرح لقوله فى المتن: بنحوه.
وقوله: (وأيضًا ما تقدَّم) شرح لقوله: وبما تقدَّم إشعارًا بأنه ليس عطفًا على نحوه كما هو الظاهر بل على ما قبله أى ويحتج أيضًا بما تقدَّم وهو أنه لم يفسد لزم من نفيه حكمة يدل عليها النهى ومن ثبوته حكمة تدل عليها الصحة واللازم باطل لأن الحكمتين إن كانتا متساويتين تعارضتا وتساقطتا فامتنع النهى لخلوه عن الحكمة، وإن كانت حكمة النهى مرجوحة فأولى بالامتناع وإن كانت راجحة امتنع الصحة لخلوها المصلحة.
قوله: (كما مر) أى فى المنهى عنه لعينه فكما جاز أن يقول نهيتك عن الربا لعينه لكن لو فعلت تملك فكذا نهيتك عن الربا لاشتماله على الزيادة ولو فعلت تملك ونهيتك عن الصلاة فى وقت كذا أو مكان كذا ولو صليت صحت.
قوله: (صرف النهى عنه) أى عما خولف فيه يعنى ذات المنهى عنه وأصله إلى وصفه فصار الفاسد هو الوصف لا الأصل وإن كان الظاهر عند التجرد عن القرائن فصار الأصل وما ذكره العلامة من أن الدليل صرف النهى عن الوصف إلى أمر خارج فبعيد جدًا.
قال: (مسألة: النهى يقتضى الدوام ظاهرًا، لنا استدلال العلماء مع اختلاف الأوقات قالوا: نهيت الحائض عن الصلاة والصوم قلنا لأنه تعبد).
أقول: النهى يقتضى دوام ترك المنهى عنه عند المحققين اقتضاء ظاهرًا فيحمل عليه إلا إذا صرف عنه دليل وقد خالف فى ذلك شذوذ. لنا لم يزل العلماء يستدلون بالنهى على الترك مع اختلاف الأوقات ولا يخصصونه بوقت دون وقت ولولا أنه للدوام لما صح ذلك، قالوا: لو كان للدوام لما انفك عنه وقد انفك فإن الحائض نهيت عن الصلاة والصوم ولا دوام.
الجواب: أن كلامنا فى النهى المطلق وهذا مختص بوقت الحيض لأنه مقيد به فلا يتناول غيره ألا ترى أنه عام لجميع أوقات الحيض.
قوله: (وقد خالف فى ذلك شذوذ) حيث ذهبوا إلى أنه لمطلق طلب الكف من غير دلالة على الدوام والمرة كما فى الأمر احتجاجًا بأنه قد يستعمل فى كل منهما والمجاز والاشتراك خلاف الأصل فهو للقدر المشترك فلا يرد عليهم ما قيل لو كان للمرة لكان حمله على الدوام فى النهى عن الزنا وشرب الخمر، ونحو ذلك مجازًا والأصل عدمه.
قوله: (لما انفك عنه) أى النهى عن الدوام وقيل بالعكس.
قوله: (ألا ترى أنه عام) توضيح لكونه للدوام المطلق عند التجرد عن القرائن وذلك أنه لما قيد بوقت الحيض على الإطلاق أفاد عموم تلك الأوقات التى هى بمنزلة عموم جميع الأوقات فى المطلق على الإطلاق.